ليه موضوع خطف الصحفي كريم أسعد موضوع مهم وخطير؟ وليه لازم نهتم بيه ونطالب برجوع كريم لبيته ومراته وابنه؟
طبعا جزء من خطورة الموضوع يكمن في الطريقة ال اتخطف بيها كريم من بيته: مجموعة رجالة لابسين زي زيتي يشبه زي الجيش بيقتحموا بيته الساعة واحدة الصبح، من غير إذن نيابة، وينهالوا عليه وعلى مراته بالضرب، ويخوفوا ابنه اللي عمره سنتين ونص بإشهار مسدس في وشه، وبعدين ياخدوه ويخفوه في مكان مجهول. طيب لو أجهزة الدولة بتتصرف كدا، يبقى يبقى سابوا إيه للمجرمين الخارجين عن القانون؟
الأصل إن أجهزة الأمن، اللي المجتمع أعطاها حق حمل السلاح حصريا لحفظ الأمن، لازم تشتغل تحت مظلة القانون وتبقى خاضعة ليه، وإلا تبقى زيها زي العصابات. وفي الحالة دي، إيه اللي يضمن سلامتي أنا كمواطن مصري من تصرف مشابه: أكون قاعد في بيتي، كافي غيري شري، وألاقي قوة مسلحة بتخبط على باب بيتي وتخطفني لمكان مجهول من غير ما تقدم أي دليل على هويتها أو على إنها مخولة للقبض عليا باسم القانون؟
لكن حتى لو افترضنا إن أجهزة الأمن اللي خطفت كريم كان عندها إذن من النيابة بتفتيش بيته أو أمر بالقبض عليه، المشكلة ما كانتش هتنتهي هنا، لإن من الواضح إن الموضوع متعلق بنشر صفحة “متصدقش” اللي بيشتغل فيها كريم أسعد لأخبار طيارة زامبيا وتحديدا بنشر أسماء شخصين من اللي مقبوض عليهم في زامبيا ليهم علاقة بالجيش وبالداخلية. موقع “متصدقش” نشر بيان بيقول فيه إن قوة الأمن اللي خطفت كريم ما سألتوش عن أي موضوع إلا عن موضوع الدولارات اللي لقوها في طيارة زامبيا، وكمان استخدموا الكمبيوتر بتاعه علشان يحذفوا قصتين كانت صفحة “متصدقش” نشرت فيهم أسماء ضباط الجيش والشرطة المقبوض عليهم في زامبيا.
طيب ليه الموضوع دا خطير ويهمني كمواطن؟ أنا لا ليا علاقة بزامبيا، ولا بتجار الذهب ولا بالداخلية ولا بالجيش. وعمري ما قابلت كريم أسعد ولا سمعت عنه قبل الواقعة دي. لكن بالرغم من كدا، الموضوع خطير ويهمني بالدرجة الأولى.
لإنه زي ما خطف مواطن من بيته من غير أي سند قانوني موضوع بيخوفني وبيرعبني، مسألة تورط ضباط شرطة وجيش في عملية مريبة زي عملية طيارة زامبيا موضوع خطير ويخوف على المستوى الشخصي. فالموضوع يتعلق بضابط مرموق في القوات المسلحة مقبوض عليه في زامبيا بتهمة تهريب الأموال والاحتيال الدولي في الاتجار بالذهب. ليه المؤسسة العسكرية المصرية ما بتوضحش علاقتها بالراجل دا؟ عندنا كمان طيارة واضح من تحقيقات صفحة “صحيح مصر” إن المؤسسة الأمنية والاستخباراتية المصرية كانت بتستخدمها بانتظام، والطيارة دي هي اللي اتحجزت في زامبيا، فليه أجهزة الأمن ما بتوضحش علاقتها بالطيارة دي؟
طيب برضه ليه الموضوع دا مخيف بالنسبة لي كمواطن عادي لا ليا علاقة بالذهب ولا بالجيش ولا بالأمن ولا طبعا بزامبيا؟ خطورته تكمن في إن فيه ريبة إن بعض ضباط الجيش وضباط الشرطة ممكن يكونوا متورطين في شيء خطير وغير قانوني ومضر ليا. ليه مضر ليا؟ لإن لو الكلام دا طلع صحيح، ولو الناس دي متحاسبتش، يبقى فيه خلل جوهري في المؤسستين الرئيسيتين اللي المفروض إنهم بيحموني أنا كمواطن. فأي أمان ممكن أشعر بيه لو حاميها طلع حراميها؟
طبعا ما فيش ما يؤكد بالفعل إن الأشخاص دي بالفعل متورطة في عمل غير قانوني. كل الموضوع تكهنات وعلامات مريبة. وكل اللي عمله كريم أسعد وزمايله في صفحة “متصدقش” إنهم جمعوا قرائن وأدلة بترجح إن فيه تورط بالفعل.
منصة “متصدقش”، زيها زي منصة “صحيح مصر”، منصات بتقوم بدور صحفي مهم جدا. دي منصات مهمتها الأساسية التحقق من التصريحات الرسمية اللي بيدلي بيها المسؤولين في وسائل الإعلام الرسمية. لكنهم كمان بيتحققوا من دقة التصريحات والبيانات اللي بيعلنها مسؤولين في جماعة الإخوان. ودي خدمة ممتازة ليا كمواطن معرّض طول الوقت لسيل من الأخبار ما عنديش وسيلة دقيقة للتحقق منها.
المنصات دي كمان بتقدم خدماتها للصحافيين وللجمهور الأوسع مجانا وبوسائل مفتوحة المصدر، يعني كلها برامج متاحة للجميع بشكل مجاني ومش محتاجة اشتراك.
المنصات دي موجودة في كل البلاد ال بتحترم حرية الرأي وحرية الصحافة، وبنشوف كل يوم منصات مماثلة بتحقق في تصريحات المسؤولين، وتحديدا في أوقات الحملات الانتخابية، علشان المواطن يتأكد إذا كان كلام المسؤولين دول دقيق وصحيح، ولا فيه مغالطات أو مبالغات.
هنا تحديدا، في رأيي، تكمن أخطر حاجة في الموضوع: الدولة بدل ما تحترم شغل المنصات دي، وبدل ما تتحرى عن الموضوع وتعمل تحقيقاتها، أو حتى تدلي بتصريحات توضح الحقيقة، خطفت كريم وضربته وضربت مراته وروعت ابنه.
أنا مش عاوز أفترض إن أجهزة الأمن بتنتقم من كريم وزمايله في صفحة “متصدقش” علشان داس ليهم على طرف. أنا عاوز أفترض حسن النية، وعاوز أفترض إن أجهزة الأمن بتقوم بدورها لحفظ الأمن، فلما شافت موقع مش معروف مين بيديره ولا مين بيموله اتحركت على الفور علشان تقفله وتحقق مع الصحافيين اللي شغالين فيه علشان يعرفوا إذا كانوا إخوان ولا ممولين من دولة أجنبية.
أنا بقول الكلام دا عملا بالمثل الشعبي اللي بيقول “خليك مع الكداب لحد باب الدار”. فخلينا نفترض إن أجهزة الأمن فعلا بتخاف على البلد وعاوزة تتأكد إن لا جماعة الإخوان ولا دولة أجنبية معادية هي اللي ورا صفحة “متصدقش”.
ماشي. طيب، هل دي أنسب طريقة للتحقق من الشك دا؟
أنا مش عاوز أطالب أجهزة الأمن إنها تفترض إن كريم وزمايله بالفعل صحافيين مهنيين مؤمنين بأهمية حرية الصحافة وحرية تداول المعلومات. أنا بصراحة مؤمن إن أجهزة الأمن طبيعتها إنها تشك في واحد زي كريم وترتاب في عمله. دي وظيفتها ودا دورها. لازم عليها إنها تفترض إن كل عمل غريب، زي نشر أخبار مزعجة، ممكن يكون وراه دولة أجنبية أو جماعة إرهابية. ولازم عليها إنها تتحرك بسرعة علشان تتحرى الموضوع وتقبض على “العناصر الإثارية”.
لكن لو كل دا ما تمش تحت مظلة القانون، يبقى أي حد فينا معرض للخطف والإخفاء بدعوى حفظ الأمن، ويبقى أمننا الشخصي مهدد بدعوى المحافظة على الأمن العام.
لكن الأخطر من دا هو إهدار قيمة الصحافة الحرة.
الصحافة ليها دور في تسلية الناس بالطبع. وليها كمان دور في توعيتهم وإرشادهم (زي ما زمان كان عندنا وزارة اسمها وزارة الثقافة والإرشاد القومي). وممكن طبعا يكون ليها دور في إعلام المواطنين بنوايا الدولة وسياساتها (ودا المعنى ورا اسم وزارة الإعلام).
لكن القيمة الحقيقية للصحافة الحرة هي مراقبة الحكومة وكشف أوجه الخلل في أداءها، سواء كان منبع الخلل دا تقصير أو فساد. الصحافة الحرة بالمعنى دا مزعجة، بمعنى إن دورها مش بس إزعاج السلطات ولكن إزعاج المواطن لإنها بتكشف له إزاى إن الناس اللي المفروض بيحموه وبيحافظوا على أمنه وماله وشرفه ممكن يكونوا بيهددوه وبيسرقوه وبيبتزوه.
كلنا انزعجنا لما قرينا خبر الطيارة بتاعت زامبيا لإننا تساءلنا إزاي طيارة محملة بالكمية دي من الدولارات والمسدسات والذهب عدت من مطار القاهرة من غير تفتيش (تبين إن الطيارة طالعة من مطار القاهرة وما كانتش ترانزيت زي ما اتقال تبريرا لعدم تفتيشها) في حين إن الواحد مننا بيتفتش تفتيش دقيق جدا لما يعدي من أي مطار في البلد؟
انزعجنا لما قرينا إن مساعد الملحق العسكري المصري في السفارة المصرية في واشنطن محتجز في زامبيا. انزعجنا لما قرينا إن ضابط شرطة برتبة مقدم محتجز هو كمان مع طاقم الطيارة المشبوهة. انزعجنا لما قرينا إن من ضمن المحتجزين واحد اسمه الرباعي متطابق مع اسم قائد كتيبة صاعقة بالقوات المسلحة.
دي كلها أخبار مزعجة لإنها بتزعزع ثقتنا في الجيش والشرطة.
أنا مدرك إن في قطاع كبير من المواطنين مش عاوز إزعاج، ومقتنع إن الصحافة عليها إنها تطمنه وتسليه وتلهيه.
لكن أنا واحد من الناس، وأعتقد إني مش لوحدي، اللي شايف إن دور الصحافة إنها تزعجني زي ما بتزعج السلطات. تزعجني بإنها تكشف ليا اللي بيحصل في بلدي وتحذرني من خطر غض النظر عن المخالفات اللي الحكومة بترتكبها، ومن السكوت على المخالفات اللي المسؤولين بيعملوها، ومن كل منطق صحافة السامسونج.
وبالتالي فزي ما لازم نطالب إن أجهزة الأمن تبطل تخطف المواطنين من بيوتهم وتضربهم وتروعهم، وإنها تشتغل تحت مظلة القانون، لازم كمان نطالب نفسنا ومؤسسات الدولة التانية إنها تدافع عن الصحافة الحرة. ولازم نطالب نقابة الصحافيين إنها تضغط علشان كريم أسعد يرجع بيته لمراته ولابنه.
ولازم كلنا نقدم التحية لكل الصحافيين في صفحة “متصدقش” وغيرها من المنصات المستقلة اللي بتشتغل بمهنية وبإيمان بأهمية الصحافة الحرة.
من غير صحافة حرة ما فيش وطن حر ولا مواطنين أحرار.
شكراً على الاهتمام بنشر تدويناتك على مدونة متاحة للجميع خارج الفيسبوك.