Press "Enter" to skip to content

ذاكرة 6 حزيران (يونيو) 1967: إعادة الاعتبار إلى تفسير الهزيمة عسكرياً

فواز طرابلسي

نُشر في القدس العربي بتاريخ ٣ يونيو ٢٠٢٣

تنافس تياران فكريان رئيسان على تفسير هزيمة حزيران 1967: تفسير طبقي، أعاد السبب/الأسباب إلى الطبيعة البرجوازية الصغيرة للنظام الناصري خصوصا، وتفسير ثقافي، شخّص السبب في التخلف المجتمعي-الثقافي للعرب عموما. تحاول هذه المقالة البرهنة على ان التيارين ينطلقان من الهزيمة العسكرية لتقديم سردية كل واحد منهما، ولكن دون إقامة علاقة سببية في الحالتين بهزيمة عسكرية وقعت على الجبهات العربية الثلاث وأدّت إلى إعادة احتلال إسرائيل للجولان والضفة الغربية وإعادة احتلال سيناء. ومنه ننتقل للنظر في الهزيمة من منظار «اللحظة العسكرية» في الحرب.

النقد الثقافوي-الحداثي

أبرز ممثّلي التيار الأول صادق جلال العظم وعلي أحمد سعيد-أدونيس. أصدر الأخير بيانا بعنوان «بيان 5 حزيران» يؤكد فيه أن العدو الذي هزمنا ليس عدو الخارج انما هو عدو الداخل ويدعو إلى مواجهة الهزيمة بواسطة ثورة فكرية وثقافية شاملة تعيد النظر بالإنسان العربي ذاته. أما صادق جلال العظم فقد أجمل العرب جميعا بالهزيمة وألقى المسؤولية على خصائص منسوبة إليهم بالجملة: الجهل، التبرير، التلفيق، تحميل الأخطاء للغير، التنبلة، القَبَلية، الطائفية، التقليدية، تعاظم دور الدين في الحياة العربية، الفهلوة، الفروسية، ألخ – باختصار العجز عن استيعاب مقومات الحداثة والحضارة.
على ان العظم وأدونيس يتشاركان في الامتناع عن إقامة علاقة سببية بين «عدو الداخل» أو المثالب الجوهرية للشخصية العربية، وبين خسارة حرب ضد إسرائيل. اللهم إلا إذا استثنينا محاولة العظم ربط الهزيمة بغلبة الطابع المحافِظ على الضباط المصريين.

من التفسير الطبقي
إلى التأخر المجتمعي

لعل كتابات ياسين الحافظ أبرز وأغنى ما صدر من نقد ومراجعة فكريين تحت وطأة الهزيمة. خصوصا أنه تعامل مع الهزيمة على ثلاثة مستويات: طبقي، عسكري، ومجتمعي-ثقافي، مع أن الكتابات اللاحقة عنه اختارت التركيز على نقده الثقافوي فقط.
في أول مستوى، حمّل الحافظ المسؤولية عن الهزيمة للقيادة «البرجوازية الصغيرة» المصرية خصوصا. لكن مع فارق أنه لم يتعاط مع «البرجوازية الصغيرة» بما هي وصمة أو شتيمة، كما جرت العادة، دون أن يدلّ على خصائص في الفكر والطاقة والسلوك. شخّص قيادة عبد الناصر للأزمة والحرب بقصر النفس وغلبة التكتيك وغياب الاستراتيجية، وعيّن الثغرة القاتلة في أن عبد الناصر لم يكن يعني خوض الحرب ولذا فقد عنصر المبادهة، أي المبادرة الفجائية.
من جهة أخرى، تميّز الحافظ عن تيار التفسير الطبقي ودعاة «الحرب الشعبية طويلة المدى» في أكثر من موضوع. ذكّر بتوازن القوى بما هو مفهوم مركزي في أي صراع؛ وشدد على التمييز بين الستراتيجية والتكتيك؛ وانتقد عسكرة القضية الفلسطينية؛ كما انتقد نظريات المؤامرة معرّفا الصراع مع القوى الغربية على أنه نتاج تضارب مصالح تنتج عنه صراعات وطنية واجتماعية؛ وخلص إلى أن الرد على القوى الخارجية يتم في الداخل أولا.
واستعان الحافظ بالتجربة الفيتنامية لتقديم الدليل على أن قياس درجة تطور الحروب الغوارية هو في تحولها إلى حروب نظامية تخوضها جيوش نظامية. بناء عليه، لا يكون الجواب على الهزيمة بالعداء للجيوش العربية وإسقاطها من الحساب، بل بالعمل على تفكيكها قصد إعادة بنائها وتأهيلها. ولياسين رأي مشترك مع زميله المفكر الماركسي السوري الياس مرقص مفاده ان الجيش هو جهاز الحداثة الأبرز في المجتمعات العربية، فيه تجري دراسة وتطبيق العلوم ومنتجات التكنولوجيا الأكثر تطورا؛ علماً انه أغفل دور العامل التكنولوجي في الحداثة، عندما حلل الهزيمة من المنظار الثقافوي.
ومن دروس التجربة الفيتنامية استخرج الحافظ القاعدة التي تقول أن لا حرب عصابات بلا خلفية آمنة، لذا يترتّب على العمل الفدائي الفلسطيني، الذي يعمل من خارج أرضه، أن يجد لنفسه «قاعدة ثورية» في دولة أو عدة دول العربية تشكل الخلفية الآمنة لنضاله. ويتعارض توفير تلك الخلفية مع الاختزال الطبقوي للأنظمة العربية بل إن تشجيع الانقسام الطبقي يسير بعكس الحاجة إلى حشد «طاقات الأمة» في المعركة التي هي معركة وجود. هنا دار الحافظ دورته الطبقية الكاملة ليعود إلى موقف قومي عن وحدة الأمة وحشد طاقاتها.
في مستوى آخر، أجرى الحافظ مراجعة شاملة لنظرته حول راهنية الاشتراكية. أكد أنه لا يمكن بناء الاشتراكية على قاعدة التأخر التاريخي بل تستدعي مرحلة تاريخية بأكملها يجري خلالها «تدمير المجتمع التقليدي» بواسطة ثورة ديمقراطية قومية. ويمكن قراءة هذه المراجعة بما هي نتاج صدمة الهزيمة قدر ما هي نتاج اكتشاف الأولوية التي اتخذتها المسألة القومية جراء الحرب والهزيمة.
لم يكتف الحافظ بهذين المستويين من التحليل لما أسماه «السطح السياسي». أراد التنقيب عن الأسباب العميقة للهزيمة في «عمارة المجتمع العربي». عيّن السبب الرئيس للهزيمة في التأخر العام للمجتمع العربي كما في التأخر في المرتبة التي يحتلها هذا المجتمع في سلّم التطور البشري. والتأخر عند الحافظ هو بالدرجة الأولى «تخلف الوعي» و«التخلف الفكري». والجواب عليه هو الحداثة والعقلانية وما أسماه «الوعي المطابق» للواقع. وهذا المفهوم شديد الاشكال ينتمي إلى المدرسة الوضعية التي تفترض وجود وقائع خارج الوعي ومستقلة عنه. وقد تكاثر أتباعه بعيد نهاية الحرب الباردة وإعلان نهاية الايديولوجيا، في ظل الثنائية المتعادية: أيديولوجيا-واقع.
على أن ثقافوية الحافظ توسلت هي أيضا الهزيمة العسكرية كمناسبة لممارسة نقدها المجتمعي، دون أن تقدّم تفسيرا يقيم علاقة سببية بين التخلف المجتمعي والهزيمة العسكرية. وهذا ما أوقعها في الالتباس والتناقض. فالحافظ يستبعد عنصري الحداثة – في الاقتصاد والتكنولوجيا – في تفسير الهزيمة. وقد حاجج أن الجيش المصري لم يكن أقل تقدما تكنولوجيا من الجيش الإسرائيلي، ولا كانت الطبيعة الطبقية للنظام الإسرائيلي أكثر تقدما من الطبيعة الطبقية للنظام المصري. ومع ذلك، يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي كان أكثر حداثة وأكثر تقدما، على الصعيد السياسي والاجتماعي والأيديولوجي، من المجتمع المصري. هكذا دون كبير شرح وتفسير لعناصر التقدم في تلك الأصعدة، اللهم إلا الافتراض الضمني بأن المجتمع الإسرائيلي مجتمع غربي أو أن الدليل على تقدمه هو انتصاره في الحرب.
وعلى أهمية نظرية التأخر والحداثة بذاتها عند ياسين الحافظ، إلا أن نقطة ضعفها القاتلة تظهر عندما يستعان بها لتفسير هزيمة عسكرية. فهل أن انتصار ثوار فيتنام على الجيش الأمريكي يؤكد تفوّق المجتمع الفيتنامي على المجتمع الأمريكي من حيث الحداثة؟ وعكساً، كيف لمعيار الحداثة أن يفسّر انتصار دولة حديثة على دولة حديثة أخرى في الحروب الأوروبية خلال القرن العشرين؟

«اللحظة العسكرية»

أقترح النظر إلى الحرب بما هي نمطً من الصراع يتوسل «العنف الأدواتي» (هنّة ارندت) لفرض إرادة طرف على آخر. يكثر الاستشهاد بمعادلة كلاوزفتس – «الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى». لكن هذه «الوسائل الأخرى» تضفي على الصراع العسكري قدرا من الاستقلال الذاتي عن الصراع السياسي. فـ«العنف الأدواتي» يغيّر في طبيعة الصراع ومساراته. فسرعان ما تبتكر الحرب لنفسها أسبابا لاستمرارها، وفي صلب منطقها الاندفاع باستمرار إلى التصعيد، أو «الارتقاء نحو الذروة»، حسب كلاوزفتس، حيث الفيصل بين الهزيمة والانتصار.
ومن حسن الحظ أن الآونة الأخيرة عرفت اهتماما متزايدا بدراسة هزيمة حزيران 1967 من منظار القيادة التي خاضتها في تصورها لطبيعة المعركة وسلوكها تجاه التحدي الإسرائيلي وسائر أطراف النزاع. ومن أبرز المساهمات في هذا المجال أبحاث المؤرخ خالد فهمي، المبنية على وثائق ومذكرات وبيانات ودراسات مستفيضة، عن سلوك القيادة السياسية والعسكرية المصرية خلال الأيام والأسابيع المصيرية عشية السادس من حزيران/يونيو 1967. بناء على الجديد الذي قدمته تلك الدراسات، أودّ إعادة قراءة سلوك القيادة المصرية خلال تلك الفترة الفاصلة.
تبلٌغت القيادة المصرية معلومة من الحكومة السوفييتبة بقرب شن هجوم إسرائيلي على سوريا ردا على انطلاق عمليات فدائية فلسطينية ضد أهداف إسرائيلية من أراضيها. أخذت القيادة المصرية المعلومة على محمل الجدّ مع أنني لست متأكدا ما إذا جرى بحث لاحق في مدى صحتها. مهما يكن، أعربت القيادة المصرية عن تضامنها مع سوريا بإجراءات هدفت إلى تصفية آثار العدوان الثلاثي على مصر 1956: طلبت بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وأعلنت إغلاق مضائق تيران على إسرائيل. اعتبرت إسرائيل الإجراء الأخير عملا عدوانيا، وطالبت بفك الحصار، ومنه انطلقت الأزمة الإقليمية والعالمية.
تقرأ أبحاث خالد فهمي على: الأول، الخلاف المستحكم بين مركزَي السلطة المصرية، المؤسسة العسكرية والسياسية، والمنافسة بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر. كان عامر مسيطرا على القوات المسلحة، خلا بعض الاستثناءات، وقد حولها إلى مركز قوة في وجه القيادة السياسية التي مثّلها عبد الناصر. وفيما اكتفى عبد الناصر بإعادة الوضع بين مصر وإسرائيل إلى ما كان عليه قبل تشرين الأول/اكتوبر 1965، كان عامر يرى في الأزمة مناسبة لشن عملية عسكرية تثأر لهزيمة القوات المسلحة المصرية في تلك الحرب. وضع خطة لإسداء ضربة محدودة للقوات الإسرائيلية في إيلات، كشفها السوفييت وأبلغوا عبد الناصر بها فأمر بوقف العملية. أكثر من ذلك، كان للمشير عامر خطة هجومية بخوض حرب محدودة تتوقف في لحظة معينة وتستدعي المسؤولين الأمريكيين والدوليين للتوسط بين مصر وإسرائيل. والطريف أن خطة عامر تشبه إلى حد بعيد خطة «تحريك التسوية السلمية» التي نفذّها أنور السادات خلال حرب تشرين 1973. يستعين فهمي بهذين المعطيين لاستخلاص عناصر متعددة في تفسير الهزيمة، التضارب في التصورات والمقاصد، بين دفاع وهجوم، واتخاذ القيادة العسكرية إجراءات دون موافقة القيادة السياسية؛ وتضارب الأوامر؛ وتخلخل التسلسل القيادي، وغيرها؛ ألخ.
حقيقة الأمر أن ذاكرة السويس كانت حاضرة لدى عبد الناصر على نحو أخطر من ذلك. بين الأعوام 1963 و1967، كانت الولايات المتحدة قد قطعت شوطا كبيرا في هجومها المضاد ضد حركات التحرر الوطني ودول عدم الانحياز والأنظمة الديمقراطية عبر العالم. سقطت، بل أسقطت، خلاله أبرز أنظمة التحرر الوطني والقادة التقدميين في البرازيل، والكونغو، وأندونيسيا، وغانا، وصولا إلى الانقلاب العسكري في اليونان بتدخل سافر ومعترف به من وكالة المخابرات الأمريكية. لم يكن صعبا على عبد الناصر أن يدرك أن ما يتهدده من طرف الولايات المتحدة، في أزمة 1967، هو ما لم ينجح عدوان السويس 1956 في تحقيقه: إسقاطه وإسقاط نظامه بواسطة هزيمة للجيش المصري أمام الجيش الإسرائيلي.

التصعيد السياسي والدفاع العسكري

بالرغم من ذلك، طرأ تحوّل جذري على سلوك عبد الناصر السياسي في الأيام الأخيرة الحاسمة من شهر أيار/مايو. في خطابه يوم 26 ذلك الشهر أمام «اللجنة التنفيذية لاتحادات نقابات العمال العرب»، صعّد الرئيس المصري في موقفه على نحو مفاجئ. أبلغ أن الأمر لم يعد يتعلق بتهديد سوريإ، بل إن الأزمة طرحت موضوع تحرير فلسطين برمّته. وأن المسألة لم تعد تقتصر على إسرائيل بل هي مع من يقف وراء إسرائيل. قال: «إسرائيل هي أمريكا…أمريكا مع إسرائيل 100٪. أمريكا عدو للعرب.» واتهم كل الدول الأوروبية بالتبعية للولايات المتحدة. وختم بتهديد إسرائيل بالحرب الشاملة إن هي بادرت إلى الهجوم.
قيل في تفسير هذا التحول إنه ردٌ على مزايدات البعث السوري والمناخ الشعبي الحربجي الذي عصف بالمنطقة العربية كلها، كما على مزايدات داخلية من عامر والقيادة العسكرية. مهما يكن، أكد الخطاب عزلة مصر الدولية وشعور عبد الناصر بانتهاء الوساطات الغربية لحلّ الأزمة بالطرق الدبلوماسية. لكن القائد العربي هتك المحرّم: أعلن التماهي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وعداء أمريكا الكامل للعرب، في عالم عربي حيث النظرة السائدة إلى النزاع العربي الإسرائيلي كانت لا تزال قائمة على محاولات الفصل بين أمريكا وإسرائيل، أو تبرئة الولايات المتحدة من تهمة الانحياز للدولة العبرية بشتى الوسائل.
في اليوم نفسه الذي كان عبد الناصر يلقي فيه خطابه أمام ممثلي العمال العرب، كانت الحكومة الأمريكية في واشنطن تبحث في خيارين: تسيير أسطول بحري متعدد الدول يخرق الحصار المصري على مضائق تيران، أو ما سمّي «ترك إسرائيل تتصرّف بمفردها». كان وزير الدفاع مكنامارا متشككا في جدوى القافلة البحرية. وكان أمام الحكومة تقدير موقف رفعته «السي آي إي» يبلغ بأن إسرائيل تستعد للهجوم ويؤكد بأنها قادرة على إحراز النصر حتى لو لم تبادر بالهجوم. وفي ذلك اليوم أيضا، أبرق الرئيس جونسون لعبد الناصر مناشدا عدم المبادرة بالهجوم! لكن الخيار الأمريكي كان قد مال لصالح «ترك إسرائيل تتصرّف بمفردها». في 30 أيار/مايو كانت رسالة من جونسون إلى أشكول خالية من المطالبة بمثل ما طالبه من عبد الناصر، تكتفي بالدعوة لاعتماد الوسائل الدبلوماسية. بعد وصول رسالة ثانية من جونسون بالمعنى ذاته، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرار الحرب. هذا ما سمّي آنذاك «الضوء البرتقالي» الأمريكي لإسرائيل بأن تشنّ الحرب.
في اجتماع القيادة العسكرية، يوم الثاني من حزيران/يونيو، أبلغ عبد الناصر أنه يتوقع الحرب يوم 5 حزيران/يونيو والبداية بقصف المطارات. إلا أنه ظل مصرا على قراره بأن تتلقّى مصر الضربة الأولى وأن لا تبادر بالهجوم. في تلك الأثناء، كان عبد الناصر قد عدّل من الحدّة الهجومية لخطاب 26 ايار/مايو. في تراجع كبير عنه، ناشد عبد الناصر الولايات المتحدة عدم التدخل في النزاع، وأعلن إيفاد نائبه زكريا محيي الدين إلى واشنطن للتفاوض. بدأت الحرب قبل أن يغادر الموفد الأراضي المصرية.
لعل ياسين الحافظ الطبقي أصاب في تشخيص الهزيمة أكثر من ياسين المجتمعي-الثقافوي. ليس من حيث التعيين الطبقي لسلوك عبد الناصر ولكن من حيث إثارة مسألتي: الاستراتيجية والتكتيك، والدفاع والمبادرة الهجومية.
بناء عليه يمكن إعادة قراءة سلوك عبد الناصر في أيام الأزمة. رد على التهديد الإسرائيلي سورية بتكتيك هجومي يرمي إلى إزالة آثار عدوان السويس العام 1956 على مصر. وعند تعذّر التسوية، وشن الهجوم السياسي الاستراتيجي على إسرائيل والولايات المتحدة معِا وقد ساوى بينهما في العداء للعرب. ثم تراجع وقَبل بالمساومة حول مضيق تيران بواساطة أمريكية. وظل في كل الأحوال متمسكا بالدفاع الاستراتيحي عسكريا. حتى أن خالد فهمي يعلمنا أن الجيش المصري لم يكن يملك خطة عسكرية هجومية ضد إسرائيل أصلا. قرر عبد الناصر تلقّي الضربة الأولى وترك المبادهة للعدو. خسر حتى عنصر المغامرة.
لقد أُسقِط زملاء جمال عبد الناصر في حركة التحرر العالمية ودول عدم الانحياز بواسطة انقلابات عسكرية داخلية حظيت بدعم خارجي واستخباري من الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الأخير في اللائحة. لكن وحده جمال عبد الناصر كان مضطرا لأن يواجه لا إنقلابا عسكريا بل حربا شاملة، في مواجهة عدوين، حيث الوسيط الافتراضي هو العدو الذي يملك الإمرة على تحريك جيش العدو الآخر!
كان أشبه ببطل عالق في تراجيديا إغريقية!
لماذا لم يبادر إلى الهجوم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.