سعيد للغاية على حصول الصديق العزيز د. محمد الشاهد على جائزة الدولة التشجيعية في فرع النشر المعماري والعمراني.أما الكتاب الفائز فهو
Cairo Since 1900: An Architectural Guide
. وهو من منشورات قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2020.
الكتاب بالفعل يستحق الجائزة بجدارة. فموضوعه في غاية الأهمية، إذ أنه يوثق لروائع العمارة القاهرية في القرن العشرين، وعلى مدار حوالي 400 صفحة يطوف بنا الشاهد في أحياء القاهرة ويقدم لنا مباني بعضها مألوف مثل المتحف المصري، وبعضها “مجهول” مثل عمارة صدقي باشا في شارع عزيز اباظة بالزمالك من تصميم ألبرت زنانيري. ( 1947).
أقول “مجهول” إذ أننا نمر على الكثير من هذه المباني كل يوم دون أن نعرف عنها أبسط المعلومات: تاريخ بنائها، اسم المهندس الذي صممها، التحديات التي قد يكون صادفها عند التنفيذ، مميزات معمارية قد تكون غير معروفة لغير المتخصصين. الشاهد يقدم لنا كل هذه المعلومات عن كل المباني، كل مبني في صفحة، مع صور معمارية واضحة وجميلة في حد ذاتها.
أهمية الكتاب، أيضا، تنبع من إلقائه الضوء على حقيقة هامة غائبة عن أعين المسؤولين عن المدينة وعن سكانها علي حد سواء، أي حكومة وأهالي، أعني حقيقة أن القاهرة تزخر بكنوز معمارية حديثة. الشاهد يقول لنا إن سكان القاهرة لهم أن يفتخروا ليس فقط بروائع العمارة المملوكية، أو بمتاحف الآثار المصرية القديمة، أو بكنائس تاريخية عريقة، ولكن أيضا بعمارتها الحديثة. وفي الوقت الذي نشهد فيه إهمالا رسميا متعمدا للقاهرة، إن لم يكن تشويها وهدما وتدميرا كل يوم، تزداد القيمية التوثيقية لهذا الكتاب (وهناك بالفعل أكثر من مبنى هُدم ودمر ولكن الشاهد يقدم لنا وصفا تفصيلا له).
أما من حيث الإخراج، فالكتاب جد جميل. الفصول مرتبة على حسب الأحياء، والخرائط الموضح عليه أرقام المباني التي تتناولها الفصول خرائط واضحة سهلة الاستخدام. أما الصور فهي كما قلت جميل في حد ذاتها. وتزداد أهمية هذه النقطة إذا أدركنا مدى الصعوبات التي تواجه أي مصور يحاول التقاط صور في شوارع القاهرة.
وأخيرا، الكتاب به فهرس بأسماء المعماريين لسهولة الرجوع لأعمالهم ومبانيهم.
الشاهد درس العمارة في إم آي تي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) حيث حصل على درجة الماجستير، ثم في جامعة نيويورك حيث حصل على الدكتوراه. وقد نشر المركز القومي للترجمة مؤخرا ترجمة لرسالة الدكتوراه بعنوان الحداثة الثورية: العمارة وسياسة التغيير في مصر 1936-1967.
ولكن أهم ما يميز عمل محمد الشاهد هو مدونته “مشاهد القاهرة” التي شرع في كتابتها منذ أكثر من عشرة أعوام. يقول الشاهد عن مدونته: “القاهرة هى من أعظم مدن العالم بتاريخها الثرى وتقاليدها المعاصرة المليئة بالتشويق، الأمر الذى يجعلها مكانا مثاليا للبحث العمرانى والمعمارى. يحاول “مشاهد القاهرة” أن يقدم إلى زوار القاهرة والمقيمين بها تحليلات وتعليقات ومعلومات تلقى الضوء على معمار القاهرة والنمو العمرانى بها. كما يهدف “مشاهد القاهرة” إلى تحدى الأفكار النمطية بشأن تلك المدينة من خلال إثراء الطرق التى يفسر من خلالها المتخصصون والدارسون والمقيمون تلك السياسات التى تؤثر على شكل المدينة. يقوم الموقع الاكترونى “لمشاهد القاهرة” أيضا باستكشاف تاريخ القاهرة ومواقعها والمزايا العمرانية والمعمارية بها واستعراض الكثير من التحديات التى تواجه تلك المدينة. بالإضافة إلى ذلك، يحاول مشاهد القاهرة تقديم حلقة وصل بين القراء وبين المبادرات التى يقوم بها السكان والناشطين خلال تعاملهم مع حقائق القاهرة العمرانية.”
أخيرا وإضافة لعمله الدؤوب على مدار أكثر من عشرة أعوام عمل أنجز فيها الشاهد ما عجزت عن إنجازه مؤسسات ثقافية وتعليمية ضخمة، وأعني تقديم القاهرة وتراثها المعماري ومشاكلها لنا بشكل شيق وعميق في نفس الوقت — إضافة لهذا فإن الشاهد مصور محترف وصوره فيها من العفوية والتلقائية بل وروح عبثية بقدر ما فيها عمق وفكر وقلق.
وقد كتبت أنا منذ ثماني سنوات عن صور الشاهد علي مدونتي هنا معبرا عن اندهاشي بجمال صوره وروعتها بالعربية وبالإنجليزية.
مبروك يا شاهد!