منذ بضعة أيام كان لي حظ الظهور مع الأستاذة ليليان داوود في حلقة من “بتوقيت مصر” للحديث عن “ثورة” يوليو بمناسبة مرور ٦٧ عاما عليها. ويمكن مشاهدة الحلقة هنا:
واليوم دارت حول خذه الحلقة مناقشات مثيرة وعميقة على فيسبوك رأيت أن أجمعها هنا. بدأت المناقشة بتعليق كتبه الأستاذ محمد سعد خيرالله على صفحته علي فيسبوك، فكتب قائلا:
“شاهدت منذ عدة ايام حوار الدكتور ” خالد فهمى” على قناة التلفزيون العربى في برنامج “بتوقيت مصر” مع الإعلامية المهنية المتميزة “ليليان داود” وقد صعقت من اراء الرجل للدرجة التى ضغطت على نفسي لتكملة المشاهدة حتى يكون حكمي وتعليقي يتسم بالموضوعية بعيدا عن تاكدي وتيقني ” من “ناصرية ” هوى المؤرخ الذي من المفروض بان يتسم بالحيادية خصوصا وانه يتعرض لفترة من اهم فترات مصر في “العصر الحديث.”
ساسرد لحضراتكم اهم الفقرات التى تثير الكثير جدا من علامات الاستفهام؟؟ خصوصا في ذلك التوقيت وساتعرض لذلك لاحقا “بمقال او فيديو لايف عن ماذا يحدث وسيحدث”
“كلام المؤرخ”(ساكتفى ب6نقاط فقط)
*عبد الناصر اهم شخصية عربية في “القرن العشرين”
*عبقرية عبد الناصر تتفوق على عبقرية تشرشل
*عبقرية عبد الناصر تفوق عبقرية محمد على
*النظم الملكية لا تتناسب مع القرن الحالى على المستوى السياسي وهي نظم تتماشى مع القرون والعصور الوسطى
*عبد الناصر صاحب مشروع “سامي” (اه والله العظيم)
* بعض المراجع المعتمد عليها له عن صراع ناصر/ والجيش وعامر هي كتب(مصطفى بكري)؟؟
*تعليقي وتعقيبي”
*اولا اذا كان عبد الناصر اهم شخصية عربية في القرن العشرين فماذا عن رجال الحقبة الليبرالية المصرية واهم منجزاتهم(ثورة 1919)؟؟”ماذا نقول عن سعد والنحاس
*ثانيا للتوضيح وفقط فانه ولعلم الدكتور خالد “فعبد الناصر” قال عنه “تشرشل ” اكثر من مرة بانه “ضفضع خرج من النيل”واشار لذلك مرات عديدة المفكر السياسي “امين المهدى”في كتبات ومجرد المقارنة هو “قمة العبث والشطط”
*ثالثا هل يعقل بان نقارن بين محمد على الذي اقام امبراطورية وبين “البكباشي” الذي تأكلت مصر معه جغرافيا لمستويات غير مسبوقة ليس ذلك وفقط بل وبين جيش محمد على الذي انتصر على “الامبراطورية العثمانية”وبين جيش ناصر الذي خسر في كل الحروب التى خاضها.
*رابعا اي مشروع سامي الذي كان صاحبه عبد الناصر فلم ترى مصر منه الا الفاشية والاستبداد والراي الواحد والفكر الواحد والبطش والاقصاء والتنكيل بكل مختلف لم نرى منه الا كل ما هو منحط ومتدني ووضيع لم نرى الا تأسيس للكراهية والبغض والاحقاد والفساد والافساد والحنجوري وكل البذور والجذور التى نجني ثمارها الى الان ومستقبلا.
*خامسا كيف لمؤرخ يعمل في كبرى جامعات العالم يغفل ويتعامى عن حقيقة ثابتة لا تقبل التشكيك بان النظم الملكية الدستورية هي الاكثر استقرارا وتحقيقا لمعدلات غير مسبوقة من النمو وكل ما يحقق رفاهية الانسان وعلى سبيل المثال السويد النرويج والدنمارك وبريطانيا (وللمفارقة يدرس في احد اكبر جامعتها)؟؟
*سادسا هل من الممكن بعد ذلك انا وغيري بان ناخذ المادة المؤرخة من قبل دكتور خالد محل تقدير وبحث بعد اعترافه
بان احد المراجع بالنسبة له ” كتب مصطفي بكري” عن نفسي فان بكري لو قال لي يا “خيرالله ” يتحتم ذلك بعدها العودة فورا الى مصر لكي اتيقن من اسمي.
*واخيرا كيف لمؤرخ يعمل في قلب العالم الحر ان يجعله الغرض يتعامى عن وثائق امريكية وبريطانية كشف عنها مؤخرا تاكد بان “انقلاب يوليو” انقلاب بمباركة الامريكان والتنسيق معهم ان لم يكن ما هو اسوأ من ذلك بكثير.
*كارثة سوداء ما نحن بصدده في واقعنا المر ولكن ما يحدث يؤكد بما لا يدع مجال لاي شك بان “الحنظل ” لم ياتي بعد.
هنا ينتهي تعليق الأستاذ محمد سعد خيرالله. وقد كتبت أنا عدة تعليقات على كلامه وعلى تعليقات بعض الأصدقاء ونشرتها على صفحة الأستاذ محمد. ورأيت الآن أنه قد يكون من المفيد جمع هذه التعليقات ونشرها فقد يجد آخرون فيها بعض الفائدة.
أستاذ محمد، شكرا على تعليقك وملاحظاتك على حديثي مع ليليان داوود. وأعتقد أن هذه الآراء مهمة لنا جميعا: طرحها والاختلاف عليها والاشتباك معها. ليس المقصود من هذا النقاش إقناع أحدنا بوجهة نظر الآخر، بل أعتقد أن الأنسب أن نحدد نقاط الاختلاف، وأن نعي جيدا أسباب هذا الاختلاف وطبيعته. وبالتالي فأنا لن أرد هنا على بعض ملاحظاتك الموضوعية، فأنت تعرف رأيي وأنا أعرف رأيك، ولكني أود توضيح بعض النقاط التي قد أكون أسأت التعبير عنها.
أولا: القول بأن عبد الناصر أهم شخصية عربية في القرن العشرين لا يعني بالضرورة أنه أحسن شخصية أو أجمل شخصية أو أسمى شخصية. بل المقصود أنه أكثر شخصية عربية أثرت في وقاعنا المحلي والعالمي. قد يكون هذا التأثير إيجابيا أو سلبيا ، أو إيجابيا وسلبيا في نفس الوقت (وهو ما أعتقده). وبهذا المعنى، أي عمق التأثر، وليس خيره أو شره، فأنا ما زلت مقتنعا بأنه لا توجد شخصية عربية في القرن العشرين تركت أثرا أعمق من ذلك الذي تركه عبد الناصر. فلا سعد ولا النحاس تركوا أثرا عربيا أو إقليميا أو حتى مصريا مثل ذلك الذي تركه عبد الناصر.
ثانيا، ما قصدته أيضا أن تركة عبد الناصر ليست عميقة التأثير فقط، بل إنها شديدة الالتباس أيضا. تخيل معي الأثر الذي سيحدث في المجتمع المصري لو نادى أحدهم بأن نسمي مطار القاهرة باسم عبد الناصر، أسوة بمطار أتاتورك في اسطنبول، أو مطار بن جوريون في تل أبيب، أو مطار شار ديجول في باريس. ستقوم القائمة، فهناك من سينتصر لهذه الدعوة أيما انتصار، وهناك من سيصب جام غضبه على صاحبها. هذا في رأيي مربط الفرس: عبد الناصر شخصية خلافية لأن إنجازاته عظيمة بقدر ما كانت إخفاقاته أيضا عظيمة. فهو من تصدى للغرب في ١٩٥٤ و١٩٥٦ وهو نفس الشخص الذي تسبب بشكل أساسي ورئيسي في هزيمتنا المروعة في ٦٧. هو من آمن بالشعب “القائد”، وهو من قهر نفس هذا الشعب. هو من قاوم بريطانيا، وهو من كان مغرما بقادة بريطانيا (مثل تشرشل) والنظام البرلماني البريطاني، هو من تعاطف مع الفلسطينيين ومن طالبهم في نفس الوقت بوضع قضيتهم في الثلاجة. إلخ إلخ. عبد الناصر شخصية إشكالية، يجب الخلاف حولها، ولكن يجب ألا يدور هذا الخلاف فقط حول إذا كان عبد الناصر كويس ولا وحش.
ثالثا، أنا ما زلت عند رأيي أن محاولات عبد الناصر في تأسيس نظام إقليمي عربي مستقل عن الغرب وعن الشرق، نظام إقليمي لا يستمد قوته من اتباعه لتعليمات واشنطن أو موسكو، هي محاولات سامية جديرة بالاحترام. أما طريقة تطبيق هذه المحاولات فقد كانت فاشلة بل كارثية. وهذا ما قلته عندما سألتني الأستاذة ليليان عن حكمي على طريقة تطبيق هذه المحاولات. “فشل” قلت لها. وهذا الفشل كان نتيجة لقصور في رؤيته وفي طريقة تطبيق هذا المبدأ السامي. محاولات عبد الناصر في إنشاء نظام إقليمي عربي أدت في النهاية لما وصفه مالكولم كير بالـ”حرب الباردة العربية”. وهذه الحرب الباردة كانت من أهم أسباب هزيمتنا في ٦٧.
رابعا، الإشارة لمصطفى بكري لم تكن نابعة من تقديري له، بل من تقديري لكتاب من خمسة أجزاء حرره ونشره عام ٢٠١٨. الكتاب بعنوان “هزيمة الهزيمة” وصدر عن المكتبة الأكاديمية بالقاهرة. الكتاب يتضمن محاضر اجتماعات عبد الناصر عقدها في الأسابيع والشهور اللاحقة على هزيمة يونيو. اجتماعات مع مجلس الوزراء (كان قد تقلد منصب رئيس الوزراء)، ومع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، ومع القادة السوفييت الذين جاءوا للقاهرة للمساعدة في إعادة بناء القوات المسلحة، ومع القادة العرب (الملك حسين وهواري بومدين والأتاسي) الذين حضروا لمواساة عبد الناصر في محنته. هذه المحاضر لم تنشر من قبل، وفيها نسمع عبد الناصر يتفوه بأمور لم نسمعه يتفوه بها أبدا من قبل. في هذه الاجتماعات يعترف عبد الناصر بأنه فشل في إقامة نظام سياسي كفؤ، فالاتحاد الاشتراكي فشل، ومجلس الأمة فشل، ومجلس الوزراء فشل، والقطاع العام فشل، والجيش فشل. هذا كلام عبد الناصر، وليس كلامي أو كلام مصطفى بكري. هذه محاضر في غاية الأهمية من الناحية التاريخية، إذ أنه نتيجة لغياب الأرشيف تعد هذه المحاضر أقرب شيء للأرشيف وأبلغ مصدر عن الطريقة التي يفكر بها عبد الناصر. وقد كتبت عن هذا الكتاب وأجزائه الخمسة في تعليق نشرته على صفحتي بعنوان “مجلس الرياسة” يمكن الرجوع له لمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الكتاب الهام. واختصارا، الأهمية القصوى لهذا الكتاب نابعة من محتواه لا من شخصية محرره.
هنا تدخل الأستاذ كمال غبريال وكتب: “طريف أن يعترف عبد الناصر بكل هذا الفشل، ثم يتحدث مؤرخ أكاديمي عن إنجازات ناصري.”
فرددت عليه بالقول: “يا أستاذ كمال الموضوع قد يكون طريفا، ولكن بالنسبة لي كأكاديمي علي أن أفهم هذا التناقض: كيف يمكن في ظل هذا الفشل تفسير شعبية عبد الناصر الطاغية؟ أنا، في المقام الأخير، لست مولعا بعبد الناصر، ولا اعتبر نفسي مورخا مهموما بالنخب السياسية أو حتى الفكرية. أنا عملي الأكاديمي كله منصب على محاولة فهم الطبقات الدنيا من المجتمع المصري والتأريخ لبسطاء الناس فيه. ومن هذا المنطلق فأنا أمامي مهمة عسيرة (أمامنا كلنا في الحقيقة): كيف نفسر الإقبال الحميم من قبل قطاعات واسعة من الشعب المصري على هذه الشخصية التي كانت السبب في الكثير من مشاكلنا، إن لم نقل مصائبنا، الحديثة؟ الإرتكان على البروباجاندا وحدها كتفسير لا يفيد، فالبروباجاندا الناصرية قد يكون لها تأثير أيام عبد الناصر، أما الآن فتأثيرها قل كثيرا . وبنفس المنطق، الارتكان على الحشد الذي كان يقوم به الاتحاد الاشتراكي قد يفسر بعض الحالات ولكنه لا يفسر خروج الملايين بشكل عفوي يومي ٩ و١٠ يونيو تطالب المسؤول عن الهزيمة بالعدول عن الاستقالة. أنا مدرك صعوبة هذا المثال تحديدا، وقرأت عشرات الأبحاث والمقالات والكتب عنه، ولا يوجد لدي أي شك في أن هذه الحشود كانت عفوية (مسؤولو الاتحاد الاشتراكي والمخابرات أنفسهم اعترفوا في مذكراتهم فيما بعد أنهم فوجئوا بها ولم يحضروا لها). كيف نفسر هذا المشهد الرهيب؟ د. شريف يونس له تفسير عميق ومعقد أورده في كتابه “الزحف المقدس”، وأنا اتفق معه في الكثير مما ذهب إليه. ولكني لا أعتبر هذا الكتاب فصل الخطاب، بل بداية لاجتهادات أكاديمية أخرى.
هنا تدخل الأستاذ خالد الوحش ونشر تعليقا كان قد نشره في العام الماضي بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد عبد الناصر. ومما جاء في هذا التعليق: “في ذكرى مئوية ميلاد جمال عبد الناصر ..منذ زمن والآن أيضا وهذا الأمر يحيرني ما الذي يدفع مواطنا عربيا او مصريا يعيش في الوقت الحاضر بعد كل ما عانيناه من ويلات حكم الفرد في مصر وسوريا وليبيا واليمن وتقريبا كل الوطن العربي أن يجد في نفسه انحيازا أو حنينا لجمال عبد الناصر مؤسس حكم الفرد في الوطن العربي؟!!
ما الذي يدفع كتابا ومثقفين وشعراء وروائيين ومؤرخين إلى تناول عبد الناصر بوصفه قيمة وحلما وحالة يستحق صاحبها أن يغفر له ما تقدم من جرائمه وما تأخر؟!!
….
أي لعنة هذه؟!!
انها لعنه الجهل لشعب لا يعرف الحقيقة ولامة مغيبة بالشعارات والخطب الكاذبة فعلا كما قال عبد الله القصيمي في كتابه: العرب ظاهرة صوتية…” إنها لا توجد قوة تساوي قوة العرب في فعلهم بالصوت لكل ما يجب وينبغي فعله بالفكر والتخطيط والإرادة والقدرة والجسارة والقلب.. إنهم حينما يفعلون بالقول ليشعرون بالرضا والزهو وبأنهم قد انتصروا أكثر مما يشعر بذلك من يفعلون بالفعل” !!
فرددت على الأستاذ خالد الوحش بما يلي:
شكرا يا أستاذ خالد على هذا الطرح. أتفق معك في بعض النقاط، ولكني لا أخفيك سرا إن اتفاقي ذلك لا يريحني. دعني أوضح. فحوى قولك أننا ما زلنا خاضعين للعنة ما. وتفسيرك لهذه اللعنة هو الجهل. فنحن شعوب جاهلة وأمة مغيبة. أتفق معك جزئيا، فالكثر من تفاصيل تلك الفترة ما زال غائبا، ونحن ما زلنا جاهلين بطبيعة عمل دولة عبد الناصر. ولكني لا أعتقد أننا، كشعب كأمة، مغيب تماما، أو أننا ما زلنا خاضعين لسحر عبد الناصر وخطابه الإعلامي. كما أنني إذا وافقت على هذا الرأي بالنسبة للسواد الأعظم بكيف أفسر جاذبية عبد الناصر للكثير من المثقفين والكتاب الذين على دراية بنواقصه أكثر من أي شخص فينا؟ كيف أفسر تعاطف السجناء الشيوعيين معه وهم بعد قابعين في سجونه ويموتون من تعذيب زبانيته لهم؟ هل هم مغيبون أيضا؟ سؤال آخر: أنا خلصت لتوي من إعادة قراءة رائعة فؤاد حجازي “الأسرى يقيمون المتاريس” عن تجربته في الأسر بعد هزيمة يونيو. في هذا العمل الرائع يقول فؤاد حجازي عن عبد الناصر إنه “صال بالكلام وجال وعند النزال صدر أمر بالانسحاب، تم بطريقة غير منظمة، أدت إلى قتل عدة آلاف، وجرح أضعافهم، وأسر الآلاف. وتشرذم باقي الجيش، وضاعت سيناء.” ولكنه وبعد صفحة واحدة من هذا المقطع يصف لنا كيف قام هو وغيره من أسرى معسكر عتليت في إسرائيل بتنظيم مظاهرة داخل المعسكر تهتف “ناصر، ناصر.” كيف نفسر هذا الموقف؟ صعب علي أن أرده للجهل، أو اللعنات.
ولنأخذ مثالا آخر: مظاهرات ٩ و١٠ يونيو. كما أوضحت سابقا، شريف يونس له تفسير عميق لهذه الظاهرة الملغزة: قائد منهزم، يعلن مسؤوليته الكاملة عن الهزيمة المروعة التي مني بها جيشه، ويعلن عزمه على الاستقالة، فإذ بالجماهير في شتى أنحاء البلاد تنزل للشارع تطالبه بالعدول عن التنحي. شريف يونس يقدم تفسيرا معقدا يرفض فيه القول بأن ذلك كان تخطيطا من الاتحاد الاشتراكي، ويعزوه لأكثر من ١٥ سنة من الحكم الشعبوي الذي ألغى السياسة وطفّل الشعب (أي جعله طفلا) ويتّمه في نفس الوقت. وأنا اتفق مع شريف يونس في الكثير مما ذهب إليه، ولكني أرى الآن (إذ أني كان لي رأي آخر في السابق) أن الجماهير نزلت بوعي عميق لتحديات اللحظة. فبغض النظر عن أهداف عبد الناصر من خطاب الاستقالة وعن خبث هيكل الذي صاغ له هذا الخطاب (هل يمكننا أن نتغاضى ولو للحظة عن عبد الناصر في تحليلنا لأحداث ذلك اليوم المشؤوم؟) ولو درسنا بعمق حراك الجماهير لاستطعنا أن نصل لتفسير أراه معقولا: قبول الجماهير للاستقالة كان معناه قبولهم بشخص آخر يدير دفة الأمور. هذا الشخص، (زكريا محيي الدين أو شمس بدران أو حسين الشافعي — الأسماء لا تهم كثيرا) كان سيقبل الاستسلام وسيقرأ الخريطة “بواقعية” ويدرك أن استعادة الأرض تستدعي الذهاب لواشنطن. هذا ما رفضته الجماهير. وهذا ما يفسر مطالبتها لعبد الناصر بالبقاء. هل هذا موقف منطقي؟ لا أعتقد. أعتقد أنه موقف تراجيدي، موقف مأساوي، كأبطال التراجيديات الإغريقية المخيرين بين خيارات كلها سوداوية. طبعا النظام، في النهاية، هو المسؤول الأساسي للوصول لهذه النتيجة التراجيدية. والناس أيضل مسؤولة لأنها سمحت للنظام أن ييتمها. لكن الارتكان للـ”جهل” وللـ”لعنات” كتفسير لا يفي اللحظة تعقيدها ولا الناس حقهم. أنا أعتقد أن التفسير الأسلم لنزول الجماهير يومي ٩ و١٠ يونيو ليس لأنهم كانوا مغيبين بولعهم لعبد الناصر، ولكن لأنهم قرروا مواصلة القتال وتمسكوا بعدم الاستسلام — ولو استدعى الأمر الإبقاء على المسؤول عن هذه الهزيمة المروعة
هذا من ناحية المضمون. أم من ناحية أسلوب النقد والبحث، فقد كتب الأستاذ محمد سعد خيرالله التعليق التالي:
التوصيفات لدى يا دكتور واظن بانها لدى الكثير جدا من المهمومين في تقييم اهمية واثر الشخصيات التاريخية تاتى من الانجازات الواضحة التى لا تقبل التشكيك. سعد والنحاس لو تم استعراض الارث والمنجزات لهم فهي هائلة والمأخذ عليهم تكاد لا تذكر فما بالك لو كنا نتحدث عن شخص باعترافك فشل في الكثير جدا وله كوارث كبرى اما التاثير في المحيط العربى طبيعي ومنطقي جدا لتوجه مصر وقتها وعشق ناصر للزعامة الشخصية وليته ما فعل وساسرد لك واقعة يا دكتور اثبت التاريخ وانت “استاذ فيه”صحتها عندما ذهب “عزام لسعد زغلول يحدثه عن انشاء جامعة الدول العربية قال له نصا هو حاصل جمع مجموعة من الاصفار كم يساوى يا عزام؟ اما على المستوى العربى لو بمنطقية التقييم فاظن بان الحبيب بو رقيبة اهم بكثير جدا من ناصر ويكفي ميراثة المتجذر في المجتمع التونسي والذي كان احد اهم الاسباب في لماذا نجحت تونس ولكن في نهاية هذة الفقرة تحديدا لك مطلق الحرية في تقييم من الاهم من وجهة نظرك ولكن كنت اتمنى بان يكون التقييم طبقا للمنجز وليس لما قد تم باثارة حالة من الجدل الى يومنا هذا.
فرددت علي الأستاذ محمد خيرالله بالقول:
اختلف معك يا استاذ محمد. أنا دوري كأكاديمي ليس التقييم بل طرح الإشكاليات، ليس الحكم على الشخص بأنه “كويس ولا وحش”، بل إثارة الجدل حوله وحول إنجازاته وإخفاقاته. هذا الجدل هو ما يمكننا من فهم الشخصية والحقبة بشكل عميق وجاد. مثلا، ومن حيث “الإنجازات”، قد نعتبر المكاسب الاجتماعية التي حصلت عليها قطاعات كبيرة من الشعب المصري في الخمسينات والستينات، مثل التوسع في التعليم المجاني، والتوسع في الرعاية الصحية، وضمان وظيفة جكومية لخريجي الجامعات وإدخال الكهرباء والمياة الصالحة للشرب للريف — قد نعتبر هذه إنجازات مهمة، ولكن دورنا أن نطرح أسئلة على كل واحدة منها. مثل: ما قيمة التوسع في التعليم الجامعي إذا فقدت الجامعات استقلاليتها وتدنى مستوى التعليم فيها؟ ما تكلفة ضمان وظيفة حكومية لخريجي الجامعات إذا استتبع هذا انهيار في الجهاز الإداري للدولة وانعدام كفاءته؟ ما معنى أن نبني أكبر جيش عرفه الشرق (كما كان عبد الحكيم يتغنى طوال الستينات) عندما ينهار هذا الجيش بشكل مروع في أول اختبار حقيقي له؟ ثم ما معنى كل هذه الإنجازات الاقتصادية إذا كانت جزءا من صفقة تجبر الشعب على التخلي عن حقوقه الدستورية والسياسية؟ بمعنى آخر دورنا يجب أن يتعدى حصر الإيجابيات والسلبيات. دورنا هو طرح أسئلة صعبة على كل واحدة من هذه الإيجابيات وتلك السلبيات. نقطة أخيرة: هناك فرق بين الجدل واللغط، وأنا قد اتفق معك في أن الكثر مما هو مطروح اليوم في هذا لموضوع هو من باب اللغط، ولكني اختلف معك أن المطلوب هو عدم إثارة الجدل.
ثم انضم لنا صلاح زكي عفيفي فقال:
د خالد حضرتك أولا من المفكرين المعدودين على أصابع اليد الواحدة اللي الانسان يحترمهم و يقرأ ليتعلم منهم. ولذلك اسمحلي أقول ان تقييم أي انسان هو تقييم لنتائج أفعاله ..لا شأن لي بأفكاره أو أحلامه.. الخ مايهمني هو التقييم الموضوعي للنتائج الملموسة لأعماله. مارأيك في تقييم النتائج الايجابية لحكم عبد الناصر مقارنة بالنتائج السلبية “التي اعتقد أنها ضخمة” لفترة حكمه والتي أثرت و ستستمر في أثرها السلبي لسنوات طويلة قادمة؟
فرددت عليه قائلا:
اختلف معك يا أستاذ صلاح. أنا أميز بين دراسة تاريخ مصر إبان حكم عبد الناصر وبين دراسة شخصية عبد الناصر. كما أميز بين الحكم على عبد الناصر وبين دراسة شخصيته. هذا ما قصدته عندما قلت إننا نفتقر لسيرة نقدية critical biography لعبد الناصر . وعند الترجمة لشخص ما، أي كتابة سيرته، يجب أن أدرس كلامه سواء كان شفاهيا أو مكتوبا. طبعا غني عن البيان أن دراسة الأفعال ضرورية وواجبة، ومقارنة الكلمات / النويا / الخطاب بالأعمال والسياسات أيضا أساسية وضرورية لأي سيرة نقدية. لكن عندما أترجم لشخصية تاريخية ما لا يجب أن أهمل ما تفوهت به وأن أقصر نظري على ما قامت به من أعمال، وأن أحصر مهمتي في مقارنة النتائج الإيجابية بالنتائج السلبية لتلك الأعمال. فمثلا، إذا تصديت لكتابة سيرة يوليوس قيصر يجب علي أن آخذ في الاعتبار خطبه ومراسلاته وكتاباته. وبشكل أكثر تحديدا، إذا كنت أنوي كتابة ذلك الفصل الذي يتعرض لغزواته في بلاد الغال (فرنسا حاليا)، فيجب أن أقرأ بعناية Commentarii de Bello Gallico وهي كلماته هو نفسه عما قام به في هذه الحرب الضروس. طبعا لو اكتفيت فقط بهذا الكتاب فسوف أخرج بانطباع إيجابي جدا عن دوره في هذه الحرب. أما إذا أكملت الدراسة بقراءة ما وصلنا عن هذه الحرب من مصادر أخرى وما كتبه اللاحقون عنها لأدركنا أن ما قام به قيصر في هذه الحرب يشيب له الولدان. المترجم الحذق، أي الذي يكتب سيرة قيصر بشكل نقدي، لا يجب أن يهمل الـ Commentarii de Bello Gallico لأنها “بروباجاندا” (وهي كذلك فعلا) بل عليه أن يقرأها بعناية لعلها تلقي ضوءا على شخصية كاتبها. أما إذا كان الغرض هو كتابة تاريخ حرب الغال، فلذلك حديث آخر.
هنا عاد اشتبك كمال غبريال في الحديث مرة أخرى قائلا: كلامك خطير يا عزيزي. فسواء كنت تقيم الشخصية أم ملامح عصرها، فالمعيار والمعتد به في فقط وحصرياً السلوك العملي ونتائج السياسات العملية، أما الخطب الديماجوجية العصماء، أو حتى المراسلات الشخصية، فلا قيمة لها إلا على ضوء ما يقابلها من مواقف عملية. أخاف أن نكون ندور حول أنفسنا بحثاً عن ثقب نرى منه شخصية مغامر أحمق كبطل وطني وقومي.
تحياتي
فرددت عليه متسائلا:
وماذا لو وجدت في المراسلات الخاصة ما يثبت بالقطع ان هذا الشخص سفاح مثلا؟ ماذا اذا وجدنا في الأرشيف الألماني مثلا خطابا صريحا لهتلر يقول فيه انه يحب علينا قتل اليهود في غرف الغاز ثم حرق جثثهم بعد ذلك (وهو الخطاب الذي لم نعثر عليه للآن)؟ هل كنا سنهمل هذا الدليل الدامغ على ان هتلر نفسه كان وراء الهولوكوست؟ مثال آخر أقرب لحالتنا : كيف نتعامل مع ما نُشر مؤخرا من كلام عبد الناصر بعد الهزيمة يؤكد هو نفسه به أي بهذا الكلام انه فشل في إقامه نظام سياسي كفء؟ كيف نتعامل مع نص محاضر اجتماعاته السرية التي قال فيها إن بينه وبين عبد الحكيم عامر ما صنع الحداد وانه لم يكن مسيطرا على الجيش، وأنه كان ضد السماح للناس بالنزول في مظاهرات، وان دولته تفسخت بين الاتخاد الاشتراكي ومجلس الأمة والوزارات واجهزة الأمن والجيش؟ هل ستتغاضى عن كل هذا الملام لأن العبرة بالأعمال؟ هل تعتقد أنني أبحث فقط عن كلام عبد الناصر الإيجابي وشعاراته الطنانة وخطبه البراقة؟ ألا ترى أنه يجب علينا أن نقرأ كلامه بعيون نقدية لكي نسبر غوره؟
فرد كمال غبريال قائلا: نعتد فقط وحصرياً بالكلام المترجم لأفعال الأمر لا يحتمل اللبس او النقاش. شكراً لاهتمك بالرد
فرددت عليه بالقول:
ولكني اتحدث كأكاديمي ودارس لا كقاض أو حكَم. كأكاديمي لا يوجد عمل أو قول لا يحتمل اللبس والنقاش. ودوري أن أطرح أسئلة وأشكك في البديهيات . وبالتالي علي ألا أترك حجرا إلا قلبته ولا قولا إلا نقدته ولا عملا إلا درسته. وبشكل اكثر تحديدا، إذا واجهتني شخصية تاريخية أفعالها تغاير أقوالها فذلك هو بداية البحث والتحري والاجتهاد وليس نهايته. فلا يحب الاكتفاء بالقول مثلا أن الكلمات والشعارات أهم مما تم لأنها تعبر عن النوايا والآمال التي قد تكون أجهضت لظروف قهرية. وبنفس المنطق لا يصح القول إن العبرة بالأعمال والإنجازات لأن الشعارات جوفاء.
واختتم كمال غبريال الحديث بأن قال: شكراً على الصبر الجميل. فرددت عليه قائلا: شكرًا لك على اهتمامك بالرد.
الالتباس مضحك ولغوي في أساسه والمصطلحات والألفاظ المنتقاة من الدكتور خالد معبرة
فى اعتقادى أنك سقطت سقطة كبيرة
فى اعتقادى جمال عبد الناصر فاشى وفترة حكمه سيئة للشعب المصرى
فى اعتقادى أن شعبية جمال عبد الناصر وهمية كما هى شعبية رئيس مصر الحالى
فى اعتقادى أنه لم تنزل الملايين لتأييد جمال عبد الناصر
فى اعتقادى بأن الادعاء أنه مازال هناك انقسام حول هذه الشخصية وخلاف حول نجاحها أوفشلها هو مصيبة لانه كان حاكم ظالم وفاسد وفقط
فى اعتقادى أن جهلنا وهمجيتنا وتأخرنا الذهنى والحضارى هو أحد أهم أسباب عدم قدرتنا على الحكم الجيد على الأمور وكذلك عدم قدرتنا على امتلاك فكر نقدى واجتهاد ذكى ووعى متقدم ومنطق سليم يمكننا من صناعة قرار صائب فنحن دائما مختلفين ومشوشين ومجهوداتنا تقف دائما قبل انجاز أى مهمة بنجاح
فى النهاية هل يمكن لأحد ما أن يساعدنا فى هذا الجدال بتقديم أرقام واضحة من جهو محايدة لأعداد من نزلوا للشارع لمطالبة جمال عبد الناصر بالبقاء بدلا من أن يقوم كل جاهل بادعاء أنهم كانوا ملايين ونظل أسرى الاعتقاد السائد أن للرجل شعبية جارفة تقدر بالملايين؟
هل كانت أعداد الناس التى نزلت للشارع بالملايين فعلا وهل معنى ذلك أنهم كانوا ٢ او ٣ او ٤ مليون؟؟
هل يمكن لأى مصرى محايد أن يقدم لنا أدلة تساعدنا فى معرفة أعداد من نزلوا للشارع لمطالبة جمال عبد الناصر بالبقاء من جهة محايدة حتى لا تظل مصر أسيرة الشعبية الكاذبة لهذا الفاشى الى الأبد؟
لو صح ما أعتقد بأن أعداد من نزلوا لمطالبة جمال عبد الناصر بالبقاء هم بالألاف وليس الملايين فأنا أدعوك يا دكتور خالد بترك شهادة الدكتوراة التى حصلت عليها
أنا أسف فى قسوتى فى الحكم على شخصك الكريم ولكن فعلا طفح الكيل وقد حان الوقت أن نستفيق ونحكم على أمورنا بصحة وصدق وأمانة وذكاء وعلم وتحضر ومنهجية وموضوعية وننتهى من هذا الجدل للأبد
طول ماانتوا بتقروا كتب شفهياً وعايشين فى أبراج عاجية وبتتعالوا على الشعب (حضرتك قلت فى الفيديو: حاجة إسمها الشعب) مش هاتفهموا ليه الشعب أحب هذا الرجل رغم إخفاقاته.
شاء من شاء و أبى من أبى
عبد الناصر زعيم محبوب شعبياً لانه انحاز لعامة الشعب من الفقراء
لا يكره عبد الناصر الا ليبرالي متأمرك او اخواني متصهين و الاثنين خونة
الاعداد التى نزلت فى ٩ و١٠ يونيو من المؤكد كانوا بالملايين ونزلوا فى كل المحافظات ورغم ذلك تعتبر اعداد قليلة اذا قورنت بالاعداد التى نزلت فى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ وهى تحتاج تفسير اخر من الجميع الدكتور خالد ومن استعان برابه لتفسير ما حدث فى ٩ يونيو وايضا من كل المعلقين
[…] in both Egypt and India many young scholars are critiquing the legacies of Nasser and Nehru, and exploring how their ideas of ‘secularism’ have created the conditions for […]