نُشر في “فيسبوك” في ١٦ يناير ٢٠١٧
بغض النظر المحكمة هتحكم بإيه النهار دا إلا إن ما فيش شك إن قضية تيران وصنافير تمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخنا.
القضية دي أظهرت بمنتهى الوضوح إن ال بيحمي الأرض هو الشعب ال متمسك بأرضه، ومؤسسات المجتمع المدني ال لسه بتناضل وبتنتصر للحق، وشوية المؤسسات الحكومية ال لسه فيها قدر من الاستقلالية واحترام الذات (زي مجلس الدولة)، وحفنة من الشخصيات السياسية ال حسبت الحسبة صح وأدركت فداحة التمن ال هتدفعه — للشعب وللتاريخ ولضمائرها — لو تخلت عن الأرض (زي أقلية من أعضاء مجلس النواب).
وفوق كل دول قضية تيران وصنافير خلّت كل واحد فينا يقدّر ال عمله خالد علي ومالك عدلي. تفاني، وكد، وجهد، وإحساس بالمسئولية، واستعداد لدفع التمن الباهظ.
خالد ومالك بيقوموا بدور حقوقي وقانوني ما يقلش عن الدور ال لعبه سعد زغلول وزمايله في انتهاج منهج قانوني لحل “القضية المصرية”. طبعا مش محتاج أوضح دلالة المقارنة دي: سعد كان بيقاوم الاحتلال الأجنبي وبيناوئ قصر الدوبارة، بينما خالد ومالك نزاعهم مع حكومة وطنية وبيناوؤا رئيس انتُخب بأغلبية ٩٨٪. دي نقطة واضحة ومش محتاجة تفسير.
أظن ال صعب علينا نهضمه ونستوعبه هو ال بتوضحه القضية دي بخصوص الجيش ال، تقليديا ودستوريا، المفروض إنه يدافع عن الأرض والتراب الوطني. مش بس كده، دا جيش حارب بالفعل علشان يدافع عن البقعة دي تحديدا، وسقط منه شهداء وجرحى وأسرى، برضه في الدفاع مش عن الأرض كقيمة مجردة، لكن عن الأرض دي تحديدا. التفسير الوحيد هو للأسف ال إحنا بنقوله من ٢٠١١: الجيش ما بقاش جيش بيحارب، إنما جيش بيتاجر وبيستثمر، وعقيدة البيزنس أصبحت غالبة على عقيدته القتالية، وإن “عرق الجيش” بقى أهم من الدم، وإنه في القضية دي تحديدا قرر يحسمها اقتصاديا مش مبدئيا أو قانونيا أو دستوريا. فضّل يضحي بالأرض علشان شوية رز.
بشكل شخصي أنا كلي إجلال وتقدير لخالد ومالك والعشرات إن ما كانش المئات ال بيشتغلوا في الفريق بتاعهم.
لكن لازم كمان أعترف بمقدار إمتناني ليهم مش بس على مجهودهم ومواقفهم، إنما كمان لإنهم نجحوا في توضيح فكرة جاهدت أنا على مدار عشرين سنة في توضيحها. قصدي موضوع الوثائق وملكيتها.
فنتيجة لمجهود خالد ومالك، والآلاف من المواطنين الغيورين على بلدهم، أصبحت “الوثائق التاريخية” فجأة حديث العامة، ومش بس المتخصصين المقعورين زي حالتنا. كل واحد عنده وثيقة أو خريطة طلعها، ونشرها، وأرسلها لفريق المحامين ال بيدافع عن الأرض. وكان من نتاج الحراك المجتمعي الواسع دا مع التاريخ ومع الوثائق إن قضية ملكية الشعب لتاريخه ولمصادر تاريخه أصبحت قضية رأي عام، ومش بس شكوى بيتقدم بيها شوية مؤرخين متضررين من تضييق الأمن عليهم في دار الوثائق.
قضية تيران وصنافير وضّحت بأبلغ طريقة إن الوثائق ملك الشعب، مش الدولة. الدولة بمؤسساتها ليها دور، بالطبع، في موضوع الوثائق. لكن دورها ينحصر في الحفاظ على الوثائق، وترتيبها، وفهرستها، وأهم من كل دا، إتاحتها للجمهور دون وصاية ولا رقابة ولا غتاتة.
الوثائق ملك مين؟ خالد ومالك وقطاعات كبيرة من الشعب وراهم بيقولوا إن الوثائق دي ملكنا، حتى لو كانت صادرة من رئيس الجمهورية، أو وزير الدفاع، أو رئيس جهاز المخابرات العامة. الوثائق ملك الشعب، والدولة مجرد أمينة عليها.
مشهد خالد علي وهو رايح دار الوثائق وفي إيده حكم محكمة بيؤكد حقه في الاطلاع على الوثائق الموجودة في الدار، ودخوله للدار، ومقابلته لرئيسة الدار، د. نيفين، وبعدين انتظاره لحد ما د. نيفين تسيبه وتروح للأوضه ال جنب مكتبها وترجع بعد شوية تقول له إن الأمن مانعها من تلبية طلبه – المشهد دا بيلخص في نص ساعة ال أنا باكتب عنه طوال العشرين سنة ال فاتوا: الأمن مانعنا من معرفة ماضينا، وحارمنا من الوصول لمصادر تاريخنا، وبيحاربنا في محاولتنا التمسك بحقوقنا.
من سنين وأنا باكتب إن في تفسيرين اتنين ما لهمش تالت لموقف الأمن، تفسير يتعلق بالماضي، وتفسير يتعلق بالمستقبل. التفسير الأول هو إن الأمن مدرك أهمية الوثائق، وأهمية الماضي، وأهمية التاريخ، لإنه عارف إن الوثائق قد يكون فيها ما يدينه. بمعنى آخر الدولة على راسها بطحة، وخايفة من الوثاىق ال ممكن تفضحها.
التفسير التاني، وأعتقد إنه الأوقع، إن الأمن ومعاه مؤسسات الدولة، مدركين المعنى الواسع للسماح للشعب بقراءة مصادر تاريخه واستخدامها. لإن زي قضية تيران وصنافير ما وضحت قراءة الوثائق تمكننا، كشعب، من مساءلة الحكومة باستخدام مكاتباتها نفسها. الفعل دا، فعل المساءلة، هو جوهر الديمقراطية ولبها. وبالتالي فالأمن هيعمل المستحيل علشان يمنع دا من حصوله. لإنه، وببساطة، ال ممكن يحقق مطلبه بالوصول لوثيقة اتكتبت من عشر سنين أو عشرين سنة هيكون بيرسي سابقة إنه من حقه يساءل الحكومة على ال بيحصل دا الوقت.
قضية تيران وصنافير وضّحت إن في أكتر من طريقة للدفاع عن الأرض. الجيش، طبعا ، المفروض إنه يحمي الأرض لإن دي وظيفته الأولى والأساسية. لكن نعمل إيه لو الجيش تقاعس عن القيام بالدور المقدس دا؟ هنا الشخص مننا بيقوم بدوره، مش كجندي، إنما كمواطن متمسك بحقه، ومجاهد في الدفاع عنه، ومستعد يدفع تمن غالي في سبيل دا.
علشان كدا أنا باعتبر قضية تيران وصنافير مش بس قضية تتعلق بالتراب الوطني والتمسك به والذود عنه، لكنها برضه، وبنفس درجة الأهمية، قضية الحق في الوصول للمعلومات. قضية شفافية. قضية حقوق. قضية ديمقراطية.
ما أقدرش أتنبأ بحكم المحكمة. لكن أقدر أجزم إن قضية تيران وصنافير أحدثت تحول مهم وعميق في فهمنا للأخطار المحدقة بينا، وبصّرتنا عن مين بيفرط في الأرض ومين متمسك بيها، وقبل كل شيء فهمتنا أهمية تمسكنا بحقنا في الوصول للمعلومات واستخدامها للدفاع عن حقوقنا.
فشكرا لخالد، وشكرا لمالك، وشكرا لكل واحد تعب واجتهد في البحث عن وثيقة تاريخية تؤكد حقنا في أرضنا وفي وطننا.