Press "Enter" to skip to content

عن الألفة في الغربة

قضيت النهار مستمتعا بقراءة مقال هشام مطر العذب المنشور في الجارديان اليوم وبوستات شادي لويس بطرس عن الاستفتاء البريطاني التي كتبها على مدار اليومين الماضيين. ووجدت نفسي أربط بين هذين الكاتبين وكتاباتهما.

ما الذي حدا بي أن أفعل ذلك؟ ما هو وجه الشبه بين مقال هشام وبوستات شادي؟

هشام يتحدث في مقاله العذب عن ذكرياته في ليبيا وترحاله لمصر واستقراره في بريطانيا. ولكنه يتحدث بالأساس عن علاقته بالعربية والإنجليزية، وعن علاقة الكاتب، أي كاتب، باللغة. “لا أتذكر وقتا لم تكن الكلمات فيه خطيرة” هو عنوان المقال. يأخذنا هشام برفق لعالمه الرحب الجميل، مع ذكرياته الأليمة، في الوطن وفي الغربة وفي المنفى، وكيف أنقذته الكتابة والكلمات واللغة، وكيف استطاع في النهاية أن يدمج عشقه للغة العربية بنحوها وصرفها وبلاغتها مع ولعه بالإنجليزية بغناها وأدبها. وكيف انتهى به الحال في وئام مع لغتيه، اللغة التى تربى عليها والتي صمم أبوه على ألا يكتب له إلا بها، واللغة التي استوطنها واختارها لكي يعبر بها عن مكنون “الغرف الثلاثة للروح: الذكرى والفضول والإرادة”.

شادي ليس أديبا وإن كانت مقالاته في موقع “المدن” لها حبكة أدبية وبناء يكاد يكون دراميا. بوستاته هنا في فيسبوك بالعامية المصرية، ونستطيع قراءتها كمسودات لمقالاته في “المدن”. وعلى مدار اليوميين الماضيين كتب شادي ثلاث أو أربع بوستات عن نتيجة الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوربي تبدو ارتجالية ولكنها تعبر عن قدر كبير من التفكير العميق في المجتمع البريطاني، وانقساماته الطبقية، وعن تأثير العولمة على قطاعاته، وعن لندن، تلك الفقاعة التي فضح الاستفتاء كيف أنها لا تعبر عن مجمل المجتمع الإنجليزي، ما بالنا البريطاني. بوستات شادي من أعمق وأدق ما قرأت على مدار اليومين الماضيين عن الاستقتاء، فهو يحثنا على الإنصات للأغلبية التي لم تعد صامتة وعلى ألا ننجرف لنعتها بالفاشية والانغلاق والجهل.

ما هو القاسم المشترك بين مقال هشام وبوستات شادي؟ لا أعتقد أن الرابط هو حقيقة أن كلا الكاتبين عربيين، أحدهما ليبي والآخر مصري، اختارا الإقامة والسكن في بريطانيا وتحديدا في لندن. ولكني أعتقد أن كلا منهما في وئام آسر مع نفسهما، بكل تعدد ثقافاتهما ولغاتهما وخلفياتهما. هشام يكتب عن العربية التي نشأ عليها بحب وحنين ولكن أيضا بدون شعور بالذنب على تركها والاستعاضة عنها بالإنجليزية. كما يكتب عن لغته الثانية بنفس القدر من الود والألفة ودون شعور بالنقص أنها لم تكن لغته الأم. أما شادي فهو يعطي نفسه الحق، وهو الوافد حديثاعلى المجتمع البريطاني، أن يحلله وينقده كأنه عضو أصيل فيه، ويدفع نفسه لأن يتفهم منطق جيرانه وزملائه الذين ربما يريدون طرده والتخلص منه. ويكتب عن كل ذلك دون إحساس بالغضب أو الحنق أو المرارة.

لا أدري إن كان هشام وشادي قد سبق وتقابلا، لكني على ثقة إنهما سيسعدا جدا إن فعلا ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.