نُشر هذا المقال في مدى مصر بتاريخ ١ يناير ٢٠١٥
امبارح رُحت أتفرج على فيلم “الخروج” بتاع ريدلي سكوت هنا في نيويورك، بعد ما قرأت عروض نقدية أغلبها سلبي للغاية، وطبعًا بعد ما تابعت قرار وزير الثقافة بمنع عرض الفيلم في مصر. وبالرغم من إن سقف توقعاتي كان بالفعل واطي جدا، إلا إن الفيلم نجح في إبهاري بفشله.
مش حاقول لا قصة ولا مناظر، لإن المناظر طبعًا مبهرة، خصوصًا منظر شق البحر ومنظر السماء اللي بتمطر تماسيح وحيوانات عقابًا للمصريين على استعبادهم لليهود. لكن القصة، حتى بمعايير هوليوود، سطحية غير مقنعة سينمائيًا: لا في تطور درامي للشخصيات، ولا حبكة شيقة أو جديدة، ولا أبعاد نفسية للشخصيات تخلّينا نتعاطف معها إنسانيا. الملابس عبيطة مافيهاش أي إبداع: كريستيان بيل (موسى) لابس أسود في أسود، أما جويل إدجرتون (رمسيس) ففضّل يلبس أبيض في ذهبي. تصوير الذات الإلهية على إنها صبي مدرسة ابتدائى ممكن تكون خطوة جريئة لكنها مالهاش أي معنى أو عمق درامي. وبالتالي لقيت نفسي بعد نص ساعة عاوز أمشي من الملل، وحتى المناظر الضخمة (وكنت في عرض ثري دي فبالتالي الإبهار البصري كان على أشده) زهقتني بعد نص ساعة وجابت لي صداع. لكني عصرت على نفسي ليمونة وقعدت للآخر علشان أقدر أكتب الكلمتين دول.
والحقيقة إن ما زادش على شعوري بالملل من الفيلم إلا غضبي واعتراضي العميق والمبدئي على قرار وزير الثقافة بمنع عرض الفيلم في مصر.
أسباب اعتراضي على قرار المنع كتيرة، لكني هاكتفي بذكر خمسة أسباب.
أول سبب هو إني كنت متغاظ من إني باتفرج على فيلم متصور جزء منه في مصر وبتدور أحداثه عن مصر ولكنه ممنوع من العرض في مصر. متغاظ تحديدًا إني مش هاقدر أناقش الفيلم مع أصحابي في مصر علشان وزير الثقافة قرر إنه خايف عليهم من اللخبطة، فحماية لقيمهم ومبادئهم، قرر يمنعهم من مشاهدة الفيلم. وطبعًا كتير من اللي كتبوا ضد قرار المنع ركزوا على تهافت مبدأ الوصاية ده اللي وزارة الثقافة مصممة عليه وشكلها واخداه نبراس تهتدي بيه.
تاني سبب، وزي ما ناس تانية كتبت، هو إن حكومتنا السنية لسه فاكرة إن الرقابة مجدية، وإن بقرار إداري ممكن تحمي قيم الشعب ومبادئه. مش هاقول إننا في عصر الإنترنت وإنها كلها كام أسبوع والفيلم هيتعرض على يوتيوب ونتفليكس والناس هتتداوله على الدي في دي. اللي هاقوله إن الرقابة كممارسة عمرها ما نجحت (إلا لو عاوزين مصر تبقى كوريا الشمالية، وده افتراض يبدو إنه مش مستبعد تمامًا) مش بس في الأفلام لكن حتى في الكتب.
ومعلش علشان الطبع يغلب، مضطر أجيب مثال من القرن التسعتاشر على عدم جدوى الرقابة، من ناحية علشان أوضح قد إيه الرقابة لها تاريخ طويل، ولكن من ناحية تانية، علشان أوضح قد إيه هي فاشلة.
مفيش كام سنة بعد تأسيس مطبعة بولاق وبعد ما بقى عندنا سوق للكتب، الدولة بمؤسساتها المختلفة انتبهت لضرورة مراقبة الكتب دي والتحكم في اللي الناس بتقرأه. والإجراءات وقتها كانت زي إجراءات النهار ده تمام: الضبطية (اللي هي البوليس)، أو محافظة مصر (يعني محافظة القاهرة)، بيصادروا كام نسخة من كتاب جديد ويبعثوهم للأزهر علشان ياخدوا رأيه. وبعدين مفتي الديار المصرية يدلي بدلوه في القضية.
وكمثال تعالوا نقرأ رد الشيخ العباسي المهدي، مفتي الديار المصرية لمدة نص قرن (إبراهيم باشا عينه في المنصب ده في أكتوبر ١٨٤٨ واستمر فيه لحد ما مات سنة ١٨٩٧) على طلب من المحافظة بتاريخ ٥ فبراير ١٨٦٩ مضمونه “حضرة ناظر مطبعة بولاق أرسل خطابا يتضمن أن السيد عبد الله نور الدين يرغب طبع كتاب (شمس المعارف) للبوني على ذمته، وبسبب أن الكتاب المذكور لم يسبق طبعه في المطبعة رام ناظر المطبعة المومي إليه مخاطبة حضرة شيخ الجامع الأزهر وحضرتكم (يعني حضرة المفتي) ليعلم جواز طبعه من عدمه. وحضرة شيخ الجامع (الأزهر) أفاد أن الكتاب المحكي عنه هو من خصائص الآيات القرآنية وأسرار الأسماء الإلهية، وهو كتاب روحاني ولا مانع من طبعه، فلزم إخبار حضرتكم لترد الإفادة من حضرتكم لأجل إشعار حضرة ناظر المطبعة كطلبه”.
رد المفتي شيق وما يفرقش في منطقه كتير عن رأي وزير الثقافة اليومين دول. “إن هذا الكتاب مشتمل على أبواب من علم الحرف والسيميا والكيميا واستعمالات لإهلاك من يراد إهلاكه أو هدم داره أو عقد لسانه أو حصول الكراهية بينه وبين غيره وما أشبه ذلك، وفيه بعض أمور تستلزم (يعني تحتوي) إهانة لبعض آيات قرآنية كأن تكتب آية كذا وتمحى بماء هرى الحمام، وهذا كله من المحرمات بمقتضى ما هو منصوص عليه في كتب مذهب إمامنا الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، وطبعه يؤدي لكثرة انتشاره والاشتغال به، فلا يخلو إما أن يترتب عليه إضاعة المال بلا فائدة أو إضرار بخلق الله تعالى وكلاهما غير سائغ شرعا، والله تعالى أعلم”.
طبعًا الجهة اللي صادرت وقتها هي المفتي، إنما النهار ده الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والبصرية بالتعاون مع وزارة الثقافة. لكن اللافت في النظر هو إن منطق الوصاية واحد. وكمان مزايدة الجهات السلطوية على بعض ما اتغيرتش، فزي ما المفتي زايد على شيخ الجامع الأزهر وقتها، وزير الثقافة النهار ده بيزايد على الأزهر وبيقول إن وزارته هي المعنية بحماية الشعب وبمنع الأفكار المغلوطة من التسلل لعقليته. لكن الأهم من ده وده هو عدم إدراك الجهات الأبوية دي إن الرقابة ما بتجديش: فكتاب (شمس المعارف) متداول من يومها، زيه زي فيلم (الخروج) اللي الناس حتلاقي مليون وسيلة تتفرج عليه.
ثالثًا، الوزير أكد في بيانه الصحفي (ال منشور أسفل الصفحة دي) إن قرار المنع اتخذته لجنتين، الأولي مشكلة من الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والبصرية وكانت لجنة ثلاثية برئاسة مدير الإدارة العامة للرقابة على الأفلام الأجنبية. أما اللجنة التانية فالوزير هو اللي شكلها وكانت برئاسة الدكتور محمد عفيفى وعضوية رئيس الرقابة د. عبد الستار فتحى، واثنين من أساتذة الآثار المصرية.
الوزير أكد في بيانه الصحفي “إن أسباب رفض الفيلم ليس من بينها سبب ديني واحد على الإطلاق”، وإن السبب الحقيقي هو إن الفيلم احتوى على “مغالطات تاريخية، (…) ويعطى صورة ذهنية مزيفة وخاطئة ومغلوطة عن تاريخ مصر”. ومن ضمن الأمثلة على المغالطات التاريخية اللي ذكرتها اللجنتين: إن “الفيلم يقدم صورة غاية فى العنصرية ليهود موسى، فلم يقدمهم على أنهم الطبقة المستضعفة فى مصر بل قدمهم على أنهم الطبقة القادرة على المقاومة المسلحة، فيقومون بتفجير السفن التجارية ويحرقون بيوت المصريين ويجبرون الفرعون على الخروج”. وإن الفيلم “أظهر المصريين على أنهم متوحشون، يقتلون يهود موسى ويشنقونهم، وينكلون بهم ويمثلون بجثثهم فى الشوارع، بصورة بشعة، وهذا يتنافى تاريخيا مع الحقائق التاريخية، حيث إن المصريين القدماء لم يعرفوا عملية الشنق وهذه الأحداث ليس لها أى سند تاريخى، فهذه المشاهد لم تحدث نهائيا ولم يثبت تاريخيا أنها حدثت”.
والحقيقة أنا مستغرب من أمثلة عدم الدقة التاريخية اللي اللجنتين ذكروها. فلو كنا بنتكلم عن الدقة التاريخية، مش عن مدى تطابق الفيلم مع الرواية التوراتية أو القرآنية عن الخروج، فالمشكلة الحقيقية إنه، تاريخيا وعلميا، ما فيش أي دليل علمي على قصة الخروج برمتها. فسجلات التاريخ الفرعوني الغزيرة والدقيقة ما فيهاش أي ذكر لوجود آلاف العبيد الأجانب في مصر لمدة عقود إن ما كانش قرون. وقصة شق البحر صعب إيجاد تفسير علمي ليها. والحفريات في سيناء ما أثبتتش وجود أي أثر للآلاف من الرُحَّل اللي المفترض إنهم عاشوا هناك لمدة سنين طويلة في التيه. مفيش ولا قطعة خزف واحدة عليها نقوش كتابية بالعبرية تدل على تواجد بني إسرائيل في سيناء. ولا حتى الحفريات في فلسطين أثبتت نزوح عدد كبير من القبائل اللي المفروض كانت هربانة من مصر.
يعني باختصار، لو الموضوع موضوع أمانة علمية، ولو صحيح إن سبب المنع ما لوش علاقة بالدين، يبقى كان لازم على اللجنة إنها تقول إن موضوع “الخروج” كله ما لوش علاقة بالتاريخ، إنما إحنا بنعترض على الفيلم لأنه مش ملتزم بنصوص الكتب المقدسة. في الحالة دي يبقى عداهم العيب، ولكن تيجي اللجنة تقول على نفسها إنها لجنة علمية تاريخية وتؤكد على انزعاجها من “فداحة المغالطات التاريخية” اللي الفيلم وقع فيها وما تتساءلش عن الأصول التاريخية لقصة الخروج من أساسها، يبقى الواحد من حقه يتساءل عن الأسباب الحقيقية اللي خلت اللجنتين يوصوا بمنع الفيلم.
رابع الأسباب والحقيقة بيت القصيد هو حيثيات قرار المنع زي ما جاه في تقرير اللجنة الأولى. فاللجنة بعد مع عددت المغالطات التاريخية اللي الفيلم وقع فيها ختمت تقريرها بالقول إنه “مما سبق كنا نود أن نصرح بعرض هذا الفيلم انتصارا لحرية التعبير والإبداع، إلا أن هذا قد يؤدى إلى تسريب تلك الأفكار المغلوطة التى يبثها الفيلم، لجيل يستقى معظم معارفه وثقافته عبر تلك الأفلام، والتى تضرب التاريخ المصرى فى مقتل، ولذلك توصى اللجنة برفض الفيلم، وعدم عرضه فى دور العرض المصرية”.
مشكلتي مع الكلام ده في الحقيقة مش في فكر الوصاية اللي بيتضمنه، إنما مشكلتي تكمن في كلمة واحدة، كلمة “إلا” المحطوط تحتيها سطر في الفقرة السابقة، واللي لو كانت اللجنة مقتنعة بالفعل بحرية الرأي، كان المفروض تحل محلها كلمة “مع”، بحيث تكون الجملة كالتالي: “مما سبق كنا نود أن نصرح بعرض هذا الفيلم إنتصارا لحرية التعبير والإبداع، مع أن هذا قد يؤدى إلى تسريب تلك الأفكار المغلوطة التى يبثها الفيلم”.
قصدي إيه؟
قصدي إن مبدأ حرية الرأي والتعبير ما لوش معنى ولا لازمة لو كانت الأفكار الواردة في الفيلم ما عليهاش خلاف، يعني لو كانت الأفكار دي مُتفق عليها ومش صادمة. مبدأ حرية الرأي والتعبير له معنى وأهمية وضرورة تحديدًا لما يكون الكلام اللي أنا عاوز أعبر عنه صادم ومُختلف عليه وغير مألوف. لأنه ببساطة لو اللي باقوله الناس موافقاني عليه فيبقى في الحالة دي ما فيش مشكلة، ومبدأ حرية الرأي ما لوش لازمة من باب الأصل. أهمية مبدأ حرية الرأي والتعبير بتظهر لما الرأي ـ سواء كان فيلم أو مسرحية أو كتاب أو شعر أو عمل فني ـ يكون صادم بل ويمكن يؤذي مشاعر الناس ويلخبطهم ويشتتهم. طاب ليه ندافع عن رأي مخالف؟ ليه نسمح بكلام يؤذي مشاعر الناس؟ ليه نقبل بعرض أفلام ممكن تلخبط الشباب وتوصلهم أفكار تشتتهم وتلخبطهم؟، الإجابة بسيطة وتتلخص في سببين، الأول هو إن هي دي الطريقة المثلى للنضج العقلي والسياسي. المواطن الصالح لازم تتربى عنده ملكة التفكير النقدي علشان يعرف ياخد قرارات ويتولى مسئوليات، وبالتالي لازم تكون تحت إيده مش بس معلومات سليمة لكن برضه تفسيرات وآراء مختلفة يمكن يكون بعضها متضارب وبعضها مشوش. المواطن الصالح بيبقى صالح تحديدًا لما بيعمل عقله ويفكر ويتناقش مع غيره وتكون المعلومات متوفرة عنده دون رقابة ولا وصاية. السبب التاني هو إن التاريخ بيقول لينا إن ساعات الأفكار السائدة في المجتمع في وقت ما بتكون غلط، وإن الفكرة الجديدة الصادمة، غير المألوفة، اللي الناس مستغرباها ومستهجناها ومخضوضة منها ساعات بيكون فيها الشفا، وتكون مفيدة للمجتمع ككل مش بس لصاحبها اللي بيعبر عنها.
السبب الخامس اللي مخلّيني أعترض بشدة على قرار وزير الثقافة بمنع الفيلم مرتبط بالسبب الأخير. أنا عارف إن في ناس هترد عليّ وتقول “يا عم انت مثالي. الكلام بتاعك ده عن المواطن الصالح ما ينفعش عندنا. إحنا شعب مش جاهز للديمقراطية ولا المجتمع هنا عنده استعداد لتقبل الفكرة اللي انت بتقولها”، وممكن ناس تانية تقول “الكلام اللي انت بتقوله ده كلام خطير. انت مش عارف إننا مستهدفين وفي قوى خارجية كتيرة بترعى مصالحها هنا وبتحاول تلعب بعقول أولادنا، وتشتتهم وتضعف انتماءهم للبلد”. ردي على الكلام ده هو إني سمعته وباسمعه في أعتى الدول الديمقراطية وأقدمها. أنا عشت أكتر من خمسة وعشرين سنة في الغرب (إنجلترا وأمريكا) وعارف إن الكلام ده مطروح هناك برضه. وعارف إنه من حين لآخر بتطلع أصوات تقول إن أحيانا لازم نتخلى عن مبدأ حرية الرأي وخاصة وقت الحروب والأزمات. وعارف برضه إن أحيانا الأصوات دي بتنتصر وبتعرف تحط قيود على حرية الرأي، وخير مثال على ده قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي (الباتريوت آكت) اللي سمح للسلطات تتنصت على مكالمات المواطنين وتتجسس عليهم ووضع قيود على حرية الرأي والصحافة.
في أي مجتمع في ناس هتخاف من الكلمة الحرة وهتقول إننا لازم نحط حدود للكلام ولو ما عملناش كده هنلاقي مبادئنا أو قيمنا الروحية والدينية أو مصالحنا الوطنية أو أمننا القومي مهددة.
ولكن الفرق هو إن الأصوات دي دايمًا بيقابلها أصوات أعلى تنتصر لمبدأ حرية الرأي وتفكّر الناس بأهمية المبدأ ده ومحوريته وضروريته لأي مجتمع ديمقراطي.
الفرق التاني هو إن في الغرب اللي بيهاجم مبدأ حرية الرأي وبيتخوف منه عادة بيكونوا من الأجهزة الاستخباراتية أو من الكنيسة أو من العسكر. إنما عندنا، اللي خايف من مبدأ حرية الرأي واللي بيصادر الأعمال الفنية بدعوى إنها بتسرب “أفكار مغلوطة” للشباب هو وزير الثقافة.
بيان وزارة الثقافة المنشور على صفحتها الرسمية على فيسبوك بتاريخ ٢٨ ديسمبر ٢٠١٤
يـان صـحـفى حول رفـض الترخيـص بعـرض فـيـلم
آلهة وملوك / Kings Gods and
تناقلت بعض وكالات الأنباء ، ووسائل الإعلام أمر منع الفيلم الأمريكى ( آلهة وملوك ) والمعروف تجاريا باسم (موسى ـ أو الخروج) بكثير من المعلومات المغلوطة ، وتداولت العديد من المواقع الإخبارية عبر شباكات التواصل الاجتماعى معلومات عارية تماما من الصحة ، حول قرار رفض الترخيص بعـرض الفيلم ، وإذ ترى وزارة الثقافة مدى تردى الخطاب الإعلامى الذى تناول هذا الحدث ، فإن وزارة الثقافة تصدر هذا البيان لتوضح وتعلن للرأى العام ــ فى الداخل والخارج ــ كافة الحقائق التى تتعلق بهذا الفيلم على النحو التالى :
أولا : أن الأزهر الشريف لم يكن طرفا فى هذه القضية ، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بقرار منع الفيلم ، وأن هذا الفيلم لم يعرض على أى مختص من مشيخة الأزهر الشريف ، وأن أسباب رفض الفيلم ليس من بينها سبب ديني واحد على الأطلاق .
ثانيا : قامت شركة الخدمات (هاما فيلم بوردكشن) المسئولة عن تصوير مشاهد الفيلم فى مصر بعملية تمويه وخداع متعمدة ، وذلك بإخفاء المعلومات الحقيقية عن طبيعة وقصة وسيناريو وحوار هذا الفيلم ، فقد تقدمت الشركة ببضع وريقات قليلة بغرض تصوير فيلم سياحى عن مصر ، يتكون من عدة مشاهد بدون أشخاص ، ولم تقدم الشركة النص الأصلى لسيناريو الفيلم ، وبناء على ذلك تم منحها الترخيص بالتصوير داخل مصر ، وقامت بتصوير مشاهد الفيلم الحقيقية خلسة .
ثالثا : شكلت الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والبصرية لجنة رقباء ثلاثية برئاسة مدير الإدارة العامة للرقابة على الأفلام الأجنبية ، لمراقبة الفيلم ، وقدمت تقريرا وافيا عن الفيلم تضمن عرض العديد من الملاحظات التى تؤكد فداحة المغالطات التاريخية المتعمدة التى تسيئ لمصر وحضارتها الفرعونية وتاريخها العريق ،فى محاولة ليست هى الأولى لتهويد الحضارة المصرية ، مما يؤكد بصمات الصهيونية العالمية على الفيلم ، الذى بنيت فكرته على عدد كبير من تزييف الحقائق التاريخية .. والمغالطات الفادحة .. والتى جاءت على النحو التالى :
1- تعود أحداث الفيلم إلى مصر الفرعونية عام 1300 ق.م ، فى مدينة ممفيس ، ومن هنا تبدأ أولى المغالطات التاريخية ، حيث يظهر فيه ( العبرانيون /Hebrews ) على أنهم قضوا فى مصر 400 سنة يقاسون فيها ويلات العبودية والسخرة فى بناء الأهرامات والتماثيل الفرعونية ، ولموجهة هذا الظلم قام موسى (الذى أظهره الفيلم فى صورة قائد عسكرى) بتكوين جماعات مسلحة من بنى إسرائيل لمجابهة المصريين ، ليحررهم من العبودية .
2- على الرغم من أن مادة الفيلم مستمدة من منظور توراتى إلا أن أحداثها جاءت بعيدة تماما عن قصة (نبى الله موسى عليه السلام) التى وردت فى الكتب السماوية الثلاثة .
3- هناك مغالطات فادحة فى العديد من مشاهد الفيلم ، حيث يظهر طفل صغير عدة مرات على أنه الوحى الإلهي ، الذى يرشد موسى إلى الطريق القويم ، ويملى عليه وصاياه وعقائده ، وكأنه الذات الإلهية الذى تجلى لموسى فى طور سيناء .
4- الفيلم يقدم صورة غاية فى العنصرية ليهود موسى ، فلم يقدمهم على أنهم الطبقة المستضعفة فى مصر بل قدمهم على أنهم الطبقة القادرة على المقاومة المسلحة ، فيقومون بتفجير السفن التجارية ويحرقون بيوت المصريين ويجبرون الفرعون على الخروج .
5- أظهر الفيلم المصريين على أنهم متوحشون ، يقتلون يهود موسى ويشنقونهم ، وينكلون بهم ويمثلون بجثثهم فى الشوارع ، بصورة بشعة ، وهذا يتنافى تاريخيا مع الحقائق التاريخية ، حيث إن المصريين القدماء لم يعرفوا عملية الشنق وهذه الأحداث ليس لها أى سند تاريخى ، فهذه المشاهد لم تحدث نهائيا ولم يثبت تاريخيا انها حدثت .
6- وبسبب ظلم المصريين ليهود موسى تتوالى اللعنات على مصر : (فتتلوث مياه النيل بالدماء ، والضفادع ، والذباب ،والجراد ، ليتحول أهل مصر إلى الصراخ ، والعويل ، والبكاء ) .
7- وفى نهاية الفيلم يعود موسى لزوجته ومعه أتباعه ، لتسأله : (هل عدت وحدك ؟) فيرد قائلا : ” لقد نجوت بالصفوة ” ، أى شعب الله المختار ، فى إشارة عنصرية واضحة .
رابعا : وفى نهاية التقرير يأتى قرار اللجنة الذى يقول بالنص :
” ومما سبق كنا نود أن نصرح بعرض هذا الفيلم إنتصارا لحرية التعبير والإبداع ، إلا أن هذا قد يؤدى إلى تسريب تلك الأفكار المغلوطة التى يبثها الفيلم ، لجيل يستقى معظم معارفه وثقافته عبر تلك الأفلام ، والتى تضرب التاريخ المصرى فى مقتل ، ولذلك توصى اللجنة برفض الفيلم ، وعدم عرضه فى دور العرض المصرية “.
خامسا : ورغم كل ماسبق ذكره ، لم يكتف الأستاذ الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة .. بهذا التقرير ، بل شكل على الفور لجنة علمية خارجية برئاسة الدكتور محمد عفيفى وعضوية رئيس الرقابة د.عبدالستار فتحى ، واثنين من أساتذة الآثار المصرية ، لمشاهدة الفيلم وكتابة تقريرهم عن ذات الفيلم ، وجاء تقرير اللجنة العلمية مطابقا تماما لما ورد فى تقرير لجنة الرقباء ، ليؤكدوا نفس المغالطات التاريخية ، ويوصوا بعدم عرض الفيلم نهائيا لأنه يعطى صورة ذهنية مزيفة وخاطئة ومغلوطة عن تاريخ مصر .
سادسا : تناشد وزارة الثقافة كل أجهزة الإعلام والمواقع الإخبارية ، توخى الدقة والحذر فيما تنشره من أخبار تتعلق بهذه القضية ، وأن تستقى أخبارها ومعلوماتها حول هذه القضية ، من مصادرها الطبيعية فى وزارة الثقافة .