نُشر في “أخبار الأدب” في ٢٢ ابريل ٢٠١٢
في يوم ١٣ فبراير ٢٠١١ وبعد يومين اثنين من تنحي مبارك قررت الجامعة الأمريكية بالقاهرة استئناف الدراسة فيها وبدء الفصل الدراسي الثاني. وبعد أن أمضيت الأسابيع الثلاثة السابقة في ميدان التحرير كنت مزهوا (وما زلت) بما أنجزناه ومنبهرا بما تم تحقيقه، وكنت كالملايين غيري منتشيا بقدرتنا كشعب على إجبار حكامنا أن ينصاعوا لإرادتنا. وفجأة وجدت نفسي أمام الطلاب في الفصل وواجهت صعوبة كبيرة في التركيز وفي إلقاء سلسلة من المحاضرات التي بدت بعيدة كل البعد عما كنت أعايشه في الأيام والأسابيع السابقة.
قررت أن أركز في محاضراتي على أهمية التاريخ في فهم ما جرى، وقررت أن أبدأ بسؤال تلامذتي عن خبرتهم في الميدان. كنت قد شاهدت بعضهم هناك بالفعل، لكني لم أكن أتوقع أبدا أن يرفع نصف الفصل أياديهم عندما سألتهم إن كانوا قد شهدوا يوم ٢٥ يناير. ثم سألتهم إن كانوا قد اشتركوا في أحداث يوم ٢٨ فإذا بأعلبية الفصل يردون مرة ثانية بالإيجاب، بل أن أحدهم قال إنه قبض عليه في صبيحة ذلك اليوم ولكنه هرب من القسم في المساء بعد انهيار الشرطة.
أقول هذا الكلام بعد أن وجه اللواء مجدي عبد الغفار، رئيس قطاع الأمن الوطني المصري، اتهامات جزافية للجامعة الأمريكية يوم ٨ إبريل الحالي، زعم فيها أن “الجامعة الأمريكية بالقاهرة تمارس أنشطة مريبة كان جهاز أمن الدولة (المُنحل) أشار إليها في تقاريره“. ثم أضاف أن جهازه قد “رصد قيام الجامعة الأميركية باستقطاب القيادات الطلابية الناشطة في الجامعات المصرية الأخرى … بهدف تحريضهم لإحداث وقيعة بينهم والمجلس العسكري” ثم اختتم اللواء تصريحاته بالقول إن “الجامعة الأميركية شاركت في دعم بعض العناصر، فكرياً ومعنوياً ومادياً، للمشاركة في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، انتقاماً من الوزارة والجهاز”.
وبالرغم من أن الجامعة نفت هذه الاتهامات جملة وتفصيلا وبالرغم من أن جهاز الأمن الوطني تراجع عن تصريحات رئيسه ونفى صحتها، إلا أني أراها تصريحات مهمة يجب التصدي لها بحزم وقوة. فهذه لم تكن المرة الأولى منذ اندلاع الثورة التي توجَه فيها اتهامات مثل هذه للجامعة. فقد سبق وأن وجه أدمن صفحة المجلس العسكري اتهامات مماثلة للجامعة منذ أسابيع قليلة، الأمر الذي ينم على أن الأمر لا يعتبر زلة لسان، أو تصريحات نسبت خطأ لقائلها.
وكأساتذ في الجامعة الأمريكية أشهد بأنه لم يحصل قط أن أصدرت إدارة الجامعة لي توجيهات للقيام بأي من الأعمال التي جاءات في هذه التصريحات. كما أشهد أن إدارة الجامعة لا تتدخل بأي شكل من الأشكال في محتوى المواد التعيلمية التي أدرسها لطلابي. بل أزيد بالقول إنني أفتخر بانتمائي لجامعة تقدر قيمة الحرية الأكاديمية وتقوم إدارتها بتوفير بيئة مناسبة تُمارس فيها حرية التعبير والرأي سواء داخل الفصول أو خارجها.
أما عن طلاب الجامعة الأمريكية فأنا، كما نوهت، أفتخر بهم وبوطنيتهم وعمق انتمائهم لهذا الوطن. هؤلاء الطلاب لا يحتاجون لأساتذة أو إدارة جامعة لكي يعبروا عن احتجاجهم ضد سوء إدارة البلاد على أيدي المجلس العسكري. مثل هؤلاء الطلاب لا يحتاجون من يؤلبهم على وزارة الداخلية أو يحثهم على الانتقام منها، فأداء الوزارة كفيل وحده بهذه المهمة.
لقد عشنا سنوات طويلة أثناء حكم الدكتاتور مبارك ونحن نرى بأعيننا و”الأمن” يغتال مؤسسات الوطن الواحدة بعد الأخرى بدافع الحفاظ على “الأمن”. فالصحافة والقضاء والنقابات والجامعات وغيرها من مؤسساتنا تم تقويضها جميعا مرة باسم الحفاظ على الأمن ومرة باسم “التخلص من العناصر المندسة”.
إن الجامعة الأمريكية بالقاهرة مؤسسة أكاديمية عريقة قدمت وما زالت تقدم خدمات جليلة لمصر، ومن غير المقبول أن تتعرض لهذا الهجوم باسم “الحفاظ على الأمن”.