Press "Enter" to skip to content

هزيمة يونيو المستمرة.. سلسلة مع الدكتور خالد فهمي على صفحة الموقف المصري

الأيام دي بتمر علينا الذكرى الـ55 لهزيمة يونيو 1967، من وقتها كان نادر جدًا وجود نقاش مجتمعي واضح عنها بالرغم من تأثيرها الكبير في حياة المصريين وتاريخهم، خاصة مع عدم وجود وثائق رسمية عسكرية متاحة للجمهور وللباحثين، حتى إن الباحثين والدارسين اضطروا للنحت في الصخر للحصول على وثائق لدراسة حقيقية ومنطقية عن الحرب اللي شكلت جانب من الواقع اللي بيعيشه المصريين.- طبعًا الغرض الرئيسي للكلام عن التاريخ مش المكايدة ولا رمي اللوم على طرف بعينه، ولكن دا أول الطريق لفهم واقعنا وبالتالي الاستفادة منها لتطويره علشان ننتج مستقبل أفضل.- لذلك صفحة الموقف المصري بتقدم لكم سلسلة من الفيديوهات للباحث والمؤرخ خالد فهمي، بيشرح من خلالها إيه أهمية دراسة هزيمة يونيو وليه كل مرة بنرجعلها كأساس مش الهزيمة فقط ولكن نظام يوليو بأكمله، والمقدمة اللي قدامكم للسلسلة بقلم د. خالد فهمي، اللي هيقدمها من خلال صفحة الموقف المصري كل يوم اتنين وخميس، تابعونا.

هزيمة يونيو ١٩٦٧استدعاء ماضٍ أليم أم دراسة تاريخ الحاضر؟

خلال الأيام دي بتمر علينا ذكرى حرب يونيو ١٩٦٧، الحرب المشؤومة اللي ما زلنا بنعاني من آثارها لحد اليوم.

في أقل من 3 أيام فقدنا جيشنا اللي استغرق بناؤه أكتر من عشر سنين، وسقط في صحراء سينا أكتر من عشرة آلاف قتيل وجريح، يعني عُشر حجم الجيش البري؛ ووقع حوالي خمسة آلاف مقاتل في الأسر؛ وفقدنا شبه جزيرة سينا، يعني ٦٪ من إجمالي مساحة الجمهورية؛ وانهزم المشروع الناصري بأفكاره عن الاشتراكية والوحدة العربية والتحرر الوطني؛ وضعفت منزلة مصر كقوة إقليمية وأفل نجمها في محيطها العربي والإفريقي والعالم الثلاثة.

هزيمة بالحجم دا تعد من أهم الأحداث اللي شهدتها بلادنا في تاريخها الحديث، ويكاد مفيش حدث تاني يساويها أهمية في القرن العشرين إلا ربما انقلاب يوليو ١٩٥٢ اللي بترتبط به بشكل وثيق.

ولكن بالرغم من أهمية الحدث وفداحة الخسارة فمازلنا بنعاني من الندرة الشحيحة للدراسات النقدية الموثقة اللي بتتناول الجانب العسكري من الحرب دي.

فيه بالطبع العشرات، بل المئات من الكتب وآلاف المقالات اللي تناولت الحرب دي بالعرض والتحليل، ولكن أغلب المعروض في المكتبة العربية، والمصرية تحديدا، بيتناول الجوانب السياسية والدبلوماسية والثقافية والفكرية والأدبية عن الحرب. أما الجانب العسكري فتندر الإشارة إليه، وتكاد تنعدم الدراسات اللي تناولت الجانب دا من الحرب.

وهو أمر غريب فعلًا. فالحرب، أي حرب، لها بالتأكيد أبعاد سياسية، ودبلوماسية. وكمان لها أبعد ثقافية وفكرية وسيكولوجية، وأدبية. ولكنها، بمعنى أساسي، لها شق عسكري.

هناك بعض الأقلام الصحافية اللي تناولت الجانب العسكري من الحرب، وهناك طبعًا مذكرات القادة اللي شاركوا في الحرب دي وسجلوا شهاداتهم عن اللي شافوه وعايشوه في ميادين القتال. ولكن تندر الدراسات التاريخية الأكاديمية عن الجانب العسكري للحرب. فالدراسات اللي كتبها المؤرخون الأكاديميون، لا الساسة، أو العسكر، أو الصحافيون عن الحرب، كحدث عسكري، قليلة بل نادرة.

أنا هنا مش بقلل من أهمية اللي بيكتبه الساسة أو العسكر أو الصحافيون، ومش بدعى أن المؤرخين الأكاديميين هم الوحيدون الجديرون بكتابة تاريخ دقيق يعتد به. وكل اللي بحاول التأكيد عليه هو أنه نظرا لغياب الوثائق الرسمية أحجم المؤرخون الأكاديميون المصريون تحديدا عن الخوض في هذه الحرب، أو في أي من حروبنا مع إسرائيل. فالمدرسة التأريخية المصرية، من وقت تأسيسها في عشرينات القرن الماضي، أخذت خط أساسي وهو ضرورة الاعتماد على الوثائق الرسمية (بالإضافة طبعًا لغيرها من المصادر) علشان تكون الكتابة التاريخية رصينة تقبل النقد والتمحيص.

ونظرا لعدم الإفراج عن الوثائق العسكرية الرسمية عن الحرب دي تكاد دار الوثائق القومية، وهو المستودع الرسمي للدولة تتيح فيه وثائقها للجمهور علشان يتمكنوا من الاطلاع والبحث بنص القانون، واللي تكاد تخلو من أي وثائق تتعلق بحرب ٦٧ أو بأي حرب من حروبنا مع إسرائيل.

وبالتالي فكتابة تاريخ موثّق (أي مبني على الوثائق) عن حروبنا مع إسرائيل وعن الحرب دي تحديدا يكاد يكون مستحيلا. فالوثائق الرسمية غائبة عن دار الوثائق، وبالتالي فاللي متاح من معلومات قد تعين الباحث مش بيرقى بأي حال لمستوى الدقة والتفصيل اللي ممكن من خلاله كتابة تاريخ رصين للعمليات العسكرية بيتتبع تفاصيلها ويحلل أسباب الهزيمة ويدرسها.

طبعا المكتبة العربية مليئة بالعديد من الكتب الجادة اللي بتتناول نواحي مختلفة من الحرب دي واللي ما كتبهاش مؤرخون أكاديميون.

طبعا كلنا نعرف كتاب صادق جلال العظم، النقد الذاتي للهزيمة، اللي وجه اللوم مش على الحكام والأنظمة، بل على الشعوب العربية وعلى اتباعها الفهلوة والاستسهال في التعامل مع واقعهم.

كمان في دراسة ياسين الحافظ، الهزيمة والأيدولوجية المهزومة، اللي تعتبر من أدق المقاربات الراديكالية لفكر عبد الناصر قبل وبعد الهزيمة.بالإضافة لكتير من الأعمال الأدبية اللي حاولت الاشتباك مع الواقع الاجتماعي المرير اللي أدى للهزيمة والواقع الأمرّ اللي أعقبها.

هناك بالطبع التعليقات الإسلاموية اللي حمّلت الهزيمة لابتعادنا عن شرع الله أو لمعاداة النظام الناصري للإخوان المسلمين. واللي كمان نصت على دا صراحة مقالة تاريخية نشرتها مجلة الدعوة، لسان حال الإخوان المسلمين، سنة ١٩٧٧ في الذكرى العاشرة للحرب.

ولكن، وكما قلت، لا تتناول هذه الكتابات الجانب العسكري من الحرب، بل تتتبع الجوانب الاجتماعية والسيكولوجية والأدبية لها.وكان هذا أمرا طبيعيا، ففي ظل غياب المعلومات عن المعارك الحربية كان يستحيل على أي مراقب، أكاديمي أو غير أكاديمي، في الشهور والسنوات اللاحقة على الحرب أن يقف على تفاصيلها أو أن يكتب دراسة رصينة عنها.

كنا كمصريين، ومعنا سائر العرب، في حالة صدمة: كيف انهزمنا ونحن نملك أقوى جيش في المنطقة؟ كيف وقعت تلك الفاجعة وقد قيل لنا أن الجيش العربي على أبواب تل أبيب؟

وأكاد أزعم أن حالنا اليوم بعد مرور خمسة وخمسين سنة على الحرب لا يختلف عن حالنا في أعقاب الهزيمة، فلا نحن نعرف تفاصيلها الميدانية ولا أدركنا أسبابها الهيكلية. بالطبع الأداء المشرف للجيش عام ١٩٧٣، بعد ست سنوات فقط من تلك الفاجعة، أكبر دليل على أن هناك الكثير الذي تعلمناه في أعقاب الهزيمة، وأن الجيش كمؤسسة عسكرية استخلصت دروسا قيمة من تلك التجربة المريرة، وعملت بجد وإخلاص على تدارك الأخطاء الفادحة التي كانت وراء الهزيمة.

ولكن إذا كان الجيش قد استخلص دروسه من واقع لجان تقصي الحقائق والمحاكمات العسكرية ولجان التحقيق العديدة التي عقدها في أعقاب الهزيمة، فنحن كشعب ساهم وحارب وضحى في هذه الحرب ما زلنا نجهل الكثير عما جرى في ساحات القتال وفي أروقة الحكم أثناء الأيام والأسابيع الثقيلة للحرب.

على مدار الخمس سنوات الماضية أقبلتُ على دراسة هذه الحرب: أسبابها وتفاصيلها ونتائجها، ولم يكن غرضي اجترار الماضي، بل دراسة تاريخ هذه الحرب كمدخل لفهم حاضرنا، فالتاريخ ليس ماضي ولى واندثر، بل أحداث ما زال لها على واقعنا صدى وأثر. إن حرب ٦٧ ليست فقط حدث جلل وقع في الماضي، بل هي واقعة ما زالت تلقي بظلالها على حاضرنا وتشكل واقعنا السياسي.

في هذه الحلقات سأطرح بعض الأسئلة التي أراها محورية لفهم الحرب وتبين أسبابها المعقدة ونتائجها الوخيمة. ما هي الظروف التي أدت لاندلاع القتال يوم ٥ يونيو ١٩٦٧؟ كيف تبخر جيش تعداده حوالي مائة ألف مقاتل في اثنين وسبعين ساعة؟ كيف أدار عبد الناصر المعركة؟ هل أدار عبد الناصر المعركة؟ أم أن المشير عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، هو من أدارها؟ ما طبيعة العلاقة بين الساسة والعسكر قبل وأثناء وبعد المعركة؟ متى وكيف أدركنا، كشعب، ما أدركناه عن تفاصيل تلك الحرب المشؤومة؟ كيف تعاملنا مع من ظننا أنهم المتسببون في هزيمتنا؟ ما طبيعة العلاقة بين الشعب والجيش قبل القتال وبعده؟ كيف أعاد عبد الناصر بناء الجيش بعد المعركة؟ وكيف نكأنا جراحنا كشعب وكجيش بعد الهزيمة استعدادا لحرب الاستنزاف حتى حققنا نصرا مشرفا، وإن لم يكن حاسما، في ٧٣؟

آمل من خلال هذه الحلقات أن أثير فضول بعض الصبايا والشباب للإقبال على قراءة تاريخنا الحديث والاشتباك معه، كما أطمع في أن تخلخل هذه الحلقات قناعات بعض مِن مَن يعتقد أننا طوينا هذه الصفحة وتركناها وراء ظهورنا. وقبل هذه وهذا آمل أن تطرح هذه الحلقات سؤال غياب المصادر التي يمكن بها معرفة تاريخنا ومناقشته ودراسته بشكل رصين، وأن نتمسك بضرورة الإفراج عن الوثائق الرسمية المتعلقة بواحدة من أهم وقائع تاريخنا الحديث.

لمشاهدة جميع الحلقات انقر هنا

One Comment

  1. Moustapha
    Moustapha 05/06/2022

    Many thanks Dr Khalded. We appeciate your effort and help. Looking forward to reading your series. And many thanks again. Moustapha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.