Press "Enter" to skip to content

تاريخ دولة تحكيه الحواس

نُشر في “مدى مصر” في ٢٣ فبراير ٢٠١٩

أجرى هذه المقابلة د. يوسف الشاذلي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة باريس ٨، وكتب منوها عن المقابلة على صفحته في فيسبوك بتاريخ ٢٣ فبراير ٢٠١٩ قائلا:

“بعد شهور طويلة من المقابلة وساعات عمل وتحرير كتيرة، أخيرًا اتنشرت المقابلة اللي عملتها مع الدكتور خالد فهمي حول كتابه الأخير. المقابلة كان ممكن يبقى عنوانها جملة من د. خالد فهمي تعليقًا على بعض الخطابات الأكاديمية، لما بيقول ان قبل ما نتكلم وننظر في “شغل لازم يتعمل الأول.” مقابلة فيها كواليس ودهاليز البحث في العلوم الاجتماعية وكيفية وأهمية “أشكلة” الحاجات اللي بنشوفها وبتظهر لنا وكأنها طبيعية أو عادية. وفي الوقت نفسه المقابلة تقديم لكتاب شيق للغاية وكان ليا الحظ في قراءته بعد المقابلة.

شكرًا طبعًا كل الشكر للدكتور خالد فهمي على وقته، وشكرًا طبعًا للأصدقاء في مدى، وبالأخص لينا عطالله وأحمد وائل. وشكرًا أيضًا لريم وسيم على الرسومات الجميلة.”

نص المقابلة:

ما فائدة العلوم الاجتماعية ولماذا نحتاجها؟ كان يرى ميشيل فوكو أن على الانسانيات والباحثين المنخرطين في دراسة المجتمع العمل على تشخيص الوضع الراهن عن طريق «أشكلته»، أي البحث عن مادة ووقائع تتيح لنا الفرصة لإعادة صياغة أسئلة قديمة وبلورة أسئلة جديدة عن المجتمع، ومحاولة الابتعاد عن المسلمات والأفكار المتفق عليها. لم تبتعد كثيرًا نظرة عالم الاجتماع بيير بورديو عن هذه الفكرة، عندما رأى أن دور السوسيولوجيا الرئيسي، على غرار عدد من علماء الاجتماع الآخرين من قبله، هو القطيعة مع الأشياء التي تؤخذ كأمر مسلم به، ولعل خطابات الدولة عن نفسها إحدى تلك الأشياء.

عودنا الدكتور خالد فهمي، أستاذ كرسي جلالة السلطان قابوس بن سعيد للدراسات العربية الحديثة بجامعة كامبريدج في إنجلترا، على الخوض في تلك المسائل الشائكة، وعلى الإمعان في هدم السرديات المهيمنة والمسلمات التاريخية عن الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها. ففي كتابه الأول «كل رجال الباشا» تطرق فهمي لسردية بناء الدولة المصرية الحديثة على يد محمد علي، وبالأخص دور بناء الجيش في ذلك المسار. كما أشار عمرو عزت في مقال نشر في الشروق في ٢٠١٣؛ كتاب «كل رجال الباشا» يعتبر محاولة «لقراءة التاريخ في شكل مقلوب: ماذا حدث للناس فيما الدولة تتأسس وتشد عودها؟». وكمتخصص في التاريخ الاجتماعي، يتخذ فهمي موقفًا يشبه موقف علماء الاجتماع والانتروبولوجيا، و يتلخص في بعض النقاط. أولاً، يهتم الباحث بسرد التاريخ من الأسفل والابتعاد عن الصورة أو السردية الرسمية، إن كانت سردية المؤسسات عن نفسها، أو سردية النخب الاجتماعية والثقافية وغيرها. ثانيًا، وهي نقطة مرتبطة بالنقطة السابقة، يرى الباحث أن فهم التحولات الاجتماعية يكون عبر دراسة التحولات العديدة وغير الحتمية التي تحدث في مجتمع معين وفي وقت معين، وليس عبر قراءة نصوص هامة نستدل منها على تحولات نموذجية (paradigmatic shifts). ثالثًا، يعتمد البحث العلمي (أي كان تاريخي أو سوسيولوجي أو انتروبولوجي) على جمع مادة علمية ووقائع بالعدد الكافي تمكن الباحث في وقت لاحق من عملية التنظير.

غلاف كتاب كل رجال الباشا

نجد مختلف تلك التوجهات النظرية والمنهجية في كتاب فهمي الأخير، «السعي للعدالة: الشريعة والطب الجنائي في مصر الحديثة»، الصادر عن دار نشر جامعة كاليفورنيا في آخر عام ٢٠١٨. [تحديث من خالد فهمي في ١٤ أغسطس ٢٠٢٢: الكتاب صدرت ترجمته العربية التي قام بها حسام فخر، بتدقيق ومراجعة علاء سويف، عام ٢٠٢٢ بعنوان “السعي للعدالة: الفقه والطب والسياسة في مصر الحديثة“، عن دار الشروق]. يشرع الكاتب في هذا البحث في القيام بتاريخ جسدي للحداثة في مصر. بالتركيز على تحولات مجالات الطب والقانون في القرن التاسع عشر، وتأثيراتهم على بعضهم البعض، يقترح فهمي سردية مختلفة لبناء الدولة المصرية الحديثة. بالأخص، ينظر فهمي لاستخدامات الشريعة في تلك الحقبة التاريخية، ما قبل الاستعمار البريطاني، واختلاف طريقة استدعاء الشريعة ما بين المحاكم الشرعية، والتي كانت الهيئة القضائية الأساسية في مصر خلال العهد العثماني وكانت تبت في أمور مختلفة، ومجالس السياسة، وهي مجالس تم إنشاؤها في وسط القرن التاسع عشر لتبت في الجنايات والجرائم الخطيرة (وكان لها دور كبير في النظام القانوني ولكن لم يكتب تاريخها). وينظر أيضًا إلى تطور المنظومة الطبية في مصر في الوقت نفسه، وظهور ممارسات مثل التشريح والطب الكيميائي، وعلاقتها الوثيقة بالقانون وبعملية بناء الدولة الحديثة. إلا أن على عكس عدد من الباحثين في هذا المجال، يبني فهمي سرديته على الأرشيف الهائل الموجود في دار الوثائق، ويسلط الضوء على رد فعل المصريين من عوام الشعب على تلك التحولات، وإن حاربوها أو قاوموها، أم استقبلوها دون مقاومة.

غلاف كتاب «السعي للعدالة: الشريعة والطب الجنائي في مصر الحديثة»، الصادر عن دار نشر جامعة كاليفورنيا في نوفمبر ٢٠١٨.


وفي هذا العمل، يفتح خالد فهمي نقاشات مع عدد من المدارس النظرية والاتجاهات الفكرية والسياسية، منها مدرسة ما بعد الاستعمار، والمدرسة التاريخية الكلاسيكية في الكتابة عن القرن التاسع عشر في مصر، وأيضًا مع السردية الإسلاموية لتاريخ القانون والدولة المصرية. ولعل النقطة الرئيسية في نظرة المؤرخ أنه يتخذ كنقطة انطلاق فكرة أن التركيز فقط على التحولات الفكرية والمفاهيمية لتحليل تحول نظام القانون غير مجدي، وأن علينا الرجوع الى المادة العملية والارشيف لرؤية التحولات الحقيقة التي جرت في تلك الفترة، من أين أتت، ما الذي سببها، كيف تمت، وما كانت ردود الأفعال لتلك التغيرات.

لذا التقينا بالدكتور خالد فهمي في آخر شهر يونيو ٢٠١٨، في مكتبه بجامعة كامبريدج لمحاورته حول كتابه الأخير، وحول منهجيته كمؤرخ اجتماعي.

يوسف الشاذلي: ممكن تقدّم لنا الكتاب (الجديد) اللي أنت كنت شغال عليه بقالك كذا سنة؟ ممكن تشرح لنا بشكل موجز الفكرة الرئيسية اللي بيطرحها الكتاب؟

خالد فهمي: ما أظنش إني هقدر أعمل ده.. لأني شغال عليه بقالي سنين.

ي.ش: نقطة البداية كانت إيه؟

خ.ف: آه أحسن وسيلة إننا نتكلم عليه هي نقطة البداية.

نقطة البداية كانت في الأرشيف من وقت ما كنت بشتغل على كتابي الأولاني [كل رجال الباشا] اللي كان عن تاريخ الجيش، واتكعبلت في مجموعة وثائق لها علاقة بالصحة في الإدارة الصحية جوه الجيش. وأنا فاكر تحديدًا هي كانت إيه. كانت حاجة اسمها يوميات. كان أُورْنِيك [استمارة] فاضي وبيتملي مطبوع ويتوزع على الوحدات العسكرية في سوريا وقت التواجد المصري في منتصف الثلاثينيات [من القرن التاسع عشر]. فأنا كنت بـ اقراها وكنت منبهر بالفورمة دي. استوقفتني واحدة منهم اللي هي فرنكي – فرنكي. ده مرض جنسي  اللي هو Frankish Disease (وهو ما كان يطلق عليه مرض الزهري من قبل العرب آنذاك). وكان حكيم الألاي (يعني اللوا) يكتب في اليوم كام واحد تم تشخيصه بالمرض ده، وبعدين فيه خانة أخرى للأدوية. فأنا انبهرت بالموضوع ده وابتدى يكون عندي فضول إني أعرف إيه ده، ومين الدكاترة دي، والأورنيك ده مين اللي بيملاه. أنا كنت مهتم بالموضوع على أساس إنه دي حاجة ممكن تقربني للعساكر دي بشكل جسدي بالمعنى الحرفي، يعني: إني أشوف همّا بيتمّ الكشف عليهم إزاي.. جسمهم يعني.

انتهى بي الحال إني كتبت فصل كامل على الموضوع ده.

ي.ش: ده في الكتاب الأولاني؟

خ. ف: في الكتاب الأولاني آه -«كل رجال الباشا»، كان الفصل الخامس أو السادس، وبعدين لما خلصت الدكتوراه كملت شغلي في دار الوثائق لأني لقيت إن المادة المتاحة حلوة ولطيفة ومسلية. ابتديت أتتبع الموضوع ده بالذات؛ موضوع الصحة والطب. وكان ظهر وقتها كتاب أستاذة اسمها أميرة الأزهري سنبل، كتبت كتاب إسمه The Creation of a Medical Profession in Egypt: 1800-1922 (1991).. أي خلق المهنة الطبية في مصر. وكنت شايف ده بيحصل قدامي في الأرشيف -عملية خلق المهنة الطبية- بس مافيش علاقة خالص بين الكتاب ده والمادة اللي قدامي. الكتاب معتمد على شغل وكتابات وجوابات كلوت بك [طبيب فرنسي قام محمد على بتعيينه لتأسيس ادارة طبية تابعة للجيش، وبعد ذلك أسس مدرسة الطب في أبي زعبل التي أصبحت من بعد مدرسة طب القصر العيني]. اللي أنا شايفه في الأرشيف الإدارة الصحية دي بتشتغل، عندها مشاكل، شوية من المشاكل دي كلوت بك بيكتب عنها وبالتالي موجودة في الكتاب ده بس أغلبها صورة تانية خالص وأنا في رأيي الصورة دي أوقع أو على الأقل أهم بالنسبة لنا. ليه؟ لأن الكتاب ده بيعرض الصورة الرسمية.

ي.ش: بيبتدي من فوق لتحت؟

خ.ف: مش بس كده، إحنا كان عندنا إدارة صحية ممتازة لحد ما الإنجليز جُم سنة ١٨٨٢ واستحوذوا عليها وغيروها وكل الإنجاز الضخم ده بوظوه. يعني مستشفى القصر العيني أصبحت بفلوس، ولغة التدريس أصبحت الإنجليزية وهكذا. هي بتلوم الاستعمار. بس أنا بالنسبة لي السؤال هو: طيب قبل الاستعمار إيه المشاكل اللي كانت موجودة؟

ابتديت اهتم بتاريخ الصحة بالشكل ده. وابتديت الاقي مادة عظيمة في سجلات البوليس. لقيت كلام كتير على ناس بيتكشف عليها وبيروحوا أقسام البوليس ويتحجز عليهم ويتم التحقيق معاهم.

بعد ما خلصت الدكتوراه على طول لقيت نفسي شغال في الموضوع ده ولقيت أن الموضوع كبير. لقيت إنه المادة قوية وبتلمس مع حاجات كبيرة والقصص شيقة. ابتديت أشوف التقارير دي اللي هي مش تقارير مفردة -هي تقارير مدمجة بداخل تحقيق الشرطة في قضية ما: قضية اغتصاب أو قضية قتل. لكن أنا كنت مهتم فقط بالناحية الطبية وكنت عايز اعرف إزاي الواحد ممكن يعمل تاريخ اجتماعي للطب. يعني إحنا عارفين كلوت بك.. مش عايز اقعد اكتب أنا إزاي كلوت بك تخطي المشاكل وعرف بعبقريته يحلّ ويعمل ويدخل الطب الحديث مصر. أنا عايز أعرف الطب الحديث ده كان معناه إيه بالنسبة للناس وقتها، أقبلوا عليه؟ لم يقبلوا عليه؟

في واحدة -مش متذكر اسمها دلوقتي- كتبت رسالة ماجستير لطيفة جدًا عن التطعيم ضد الجدري: رد الفعل للتطعيم ضد الجدري. [تحديث من خالد فهمي في ١٤ أغسطس ٢٠٢٢: عزة عبد الهادي، “مقاومة الأهالي لتطعيم الجدري في القرن التاسع عشر” وردت في الرفض والاحتجاج الاجتماعي في المجتمع المصري في العصر العثماني، تحرير ناصر إبراهيم (القاهرة: الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، 2004)، ص 303-312.] وأنا عندي موضوع الجدري ده كبير جدًا، مكاتبات عن الجدري بالهبل في دار الوثائق. ولكن أنا كنت مهتم بحاجة الطالبة دي مكنتش مهتمة بيها. لما نفكر في الجدري الموضوع مش بس مادة اسمها مادة جدرية وبتتحط في ألواح زجاجية، فدي لازم تكون طازجة عشان يستخدموها، ماشي. وبعدين هيجيبوا حلاقين الصحة اللي هيقوموا بتوريد الأطفال وهندي كل واحد فيهم قرش صاغ. ماشي؟ كان فين قاعدة البيانات؟ يعني إيه علاقة ده بظهور الإحصاء بعدها بـ ٢٠ سنة؟ في هاجس إن الدولة عايزة تعرف العيال دول فين. ونجيبهم منين. فـ بالتالي عايزين خرائط وعايزين إحصاء. طيب هنجيب الإحصاء ده منين، ومين هيعمل الخارطة؟ فـ لاقيت حاجة بتجرني لحاجة. أنا كنت مهتم في الأول بموضوع الطب دخلني في الشرطة، فدخلت في الشرطة لاقيت التقارير دي. التقارير دي تبيّن إنه في إدارة وليدة بتحاول تطعم العيال، بس عشان تطعم العيال لازم يعرفوا هُمّا فين. عشان يعرفوا هُمّا فين لازم يعرفوا همّا اتولدوا إمتى. عشان يعرفوا همّا اتولدوا امتى يبقى لازم القابلات ندمجهم في النظام وهكذا. فـ أنت بتشوف المؤسسات بتشتغل إزاي.

خالد فهمي في مكتبه أثناء الحوار


إنما إيه علاقة ده بالكتاب بتاعي؟

التقارير دي اللي كتبها الدكاترة، الدكاترة دول مين؟ يعني حلاق الصحة ماشي معروف. وبالمناسبة حاجة عبقرية إن كلوت بك قرر إنه النظام الصحي الجديد ده لا تكون له قائمة دون الاعتماد على الدايات وحلاقين الصحة. دول بيدخلوا جوه المنظومة دي. أنا عايز أعرف الدكاترة بقى مش كلوت بك. الدكاترة اللي بيشتغلوا دول هم مين و اتعلموا فين؟ ابتديت أشوف، يعني إحنا عندنا كتبهم، لأنها موجودة – دي أوائل مطبوعات بولاق [مطبعة بولاق أو المطبعة الأميرية تعود إلى عصر محمد على وكانت تطبع فيها الكتب العسكرية والطبية والترجمات، وغيرها]. واحد اسمه محمد الشباسي كاتب كتاب اسمه «التنوير في قواعد التحضير» ودا كتاب عن التشريح. طيب هو مين بقى محمد الشباسي ده، واتعلم فين؟ راح فين؟ عندنا كتاب برضه لواحد زي عُمر طوسون وواحد زي جمال الدين الشيال والكتب اللي عن البعثات [بعثات محمد على الدراسية إلى أوروبا للتعليم في مختلف المجالات العلمية، وجلب تلك العلوم إلى مصر]. الجزء الأرشيفي اللطيف إنك بتشوف مكاتباتهم، تسلسلهم الوظيفي. إنه دول ناس قبل ما يتمّ تعيينهم في التعيينات الكبيرة اللي شهرتهم. قبل كده كان مأمور يعني حكيم باشا بتاع قسم بيسمّوه «تمن الأزبكية» أو «تمن باب الشعرية»، ماهيته كانت كذا وساكن في كذا. يعني عندنا البيانات دي. ماشي؟

أول صفحة من كتاب التحضير (وهو كتاب في التشريح) تأليف الحكيم محمد الشباسي ومن طبع مطبعة بولاق عام ١٨٤٨

الحاجة اللي دخلتني في مشروع الكتاب هو إن أنا احاول اعرف مش بس مين الدكاترة دول، وإيه الطب اللي اتعلموه وازاي هو طب مختلف أو جديد وعلاقة الناس بالطب ده كانت ايه. بس كمان هو إيه تقرير الشرطة ده؟

اللي اكتشفته إنه تقرير الشرطة في آخره بيقولك إنه اتبعت لحاجة اسمها مجلس مصر مثلًا. إيه مجلس مصر ده؟ ابتديت اسأل. ورُحت وابتديت اقرأ عن مجلس مصر ولقيت في حاجة اسمها مضابط، وبعدين لقيت في حاجة اسمها مجلس استئناف مصر وبعدين لقيت في حاجة اسمها «مجلس الأحكام». فيه ٣١٨ سجل من مجلس الأحكام اسمهم المضابط الصادرة. دي مضابط، كل مضبطة معناها واقعة – قضية، وده تلخيص وقائع القضية بس تلخيص وافي ممكن ياخد من ٤ لـ ٥ صفحات. مش زي سجلات المحاكم الشرعية اللي هي بتبقى مقتضبة ومختصرة وموحدة. لأ، ده تحقيق بيبتدي من البداية اللي هو عند الشرطة، وبعدين التحريات والتحقيقات واستجواب وفي الآخر بيكون عندك قصة وفيه حكم. بيقولك بالتداول عن هذا الموضوع  في مجلس مصر في رؤية أو استصواب كذا، وبيكون فيه حكم. بعدين بيتبعت مجلس الاستئناف. مجلس الاستئناف بيبص في القضية، وبعدين بيروح لمجلس الأحكام.

فهناك تسلسل وتتبع بشكل هرمي وفي إشارة لقوانين يعني بيقولك بناءً على المادة الثالثة من الفصل الخامس من القانون. انهو قانون؟ طلع إنه اسمه قانون همايوني؛ قانون همايوني يعني قانون من السلطان، كان في قانون عثماني سلطاني، قانون عقابي مستوحى جزء منه من القانون النابليوني بس الجزء الأكبر منه تشريعات عثمانية سابقة ويرجع أصله إلى الفقه. ده صدر سنة ١٨٥٠، وبعديها بسنتين اتطبّق في مصر بعد تعديلات معينة تتعلق بمَن عنده الحق في إصدار حكم الإعدام: هل هو السلطان العثماني ولا عباس باشا والي مصر؟ الموضوع له علاقة بالسيادة وهو موضوع مهم جدًا كنزاع دبلوماسي عنيف. عباس صمم إنه أحكام الإعدام التي تنفذ في مصر تصدر باسمه، وليس باسم السلطان. المهم، فده القانون اللي بيتكلموا عنه، وعندنا مطبوع موجود في الكتب بس هو طبعًا قانون قديم. ابتديت اقرأ في القانون ده وتفسيراته لأن المجالس دي تطبّقه.

اكتشفت إنه مفيش غير اتنين بس في العالم هم اللي شغالين على النظام القانوني ده: واحد اسمه الدكتور عماد هلال في جامعة قناة السويس، وهو أستاذ محترم جدًا زميلي في دار الوثائق بنشتغل من زمان على نفس القضايا دي. وواحد تاني أستاذ جليل في جامعة أمستردام، تقاعد دلوقتي، وهو يكبرني في السن اسمه روود بيترز. [تحديث من خالد فهمي في ١٤ أغسطس ٢٠٢٢: رودلف بيترز تُوفي في ٢٢ مارس ٢٠٢٢]. دول عملوا شغل عبقري، وأنا ببني على شغلهم وبشتغل معاهم. بشكل بسيط أنا اكتشفت إنه في نظام قانوني ومش بس في نظام طبي. في نظام قانوني متطور جداً ولم يكتب عنه إسمه نظام السياسة. هو اسمه سياسة لأنه في النهاية مفهوم السياسة الشرعية القديم بس دي تطبيقاته بقى في المجال الجنائي.

روود بيترز عماد هلال

كتبت مقالات كثيرة. فكتبت مقال عن البوليس، وكتبت مقال عن التشريح. وكتبت مقال عن مدرسة الدايات. وكتبت مقال عن استقبال الناس للطب الحديث. [تحديث من خالد فهمي في ١٤ أغسطس ٢٠٢٢: نُشرت ترجمة بعض هذه المقالات في كتاب الجسد والحداثة]. المقالات دي جزء كبير منها سردي، تعتبر زي تشخيص حالة. فـ أنا بحاول إني أجمع أفكاري في مواضيع معينة وأنا عارف إنه في شيء ما يربط الحاجات دي ببعضها. هو إيه بالظبط؟ لسة مش واضح. وكل سنة أنا بروح دار الوثائق، كل سنة بجيب مادة جديدة، وكل سنة بلاقي قضايا كثيرة. بعد فترة من الزمن لقيت إنه القضايا بتعيد بعضها. ابتديت أكتشف نوع الأسئلة بقيت واحدة. نوع الممارسات ابتديت أفهمها: إنه قضايا القتل يتمّ التحقيق فيها بشكل معين. علاقة المجلس الابتدائي بمجلس الاستئناف، ابتديت افهمها.

وبعدين استوقفني شيء: إنه في اشارة للمحاكم الشرعية. يعني في الوقت نفسه اللي التحقيقات اللي في القضية دي شغالة، نفس القضية تنظر أيضًا في المحكمة الشرعية. ابتديت اتساءل طيب إيه علاقة ده بالمحكمة الشرعية؟ وده نظام معقد وليه ده متكتبش عنه قبل كده؟ وهل ده كان نظام وافد باستخدام مصطلح طارق البشري، ولا ده موروث قديم بس ده بلورة جديدة ليه؟ ابتدى يكون عندي أسئلة جديدة غير اللي كنت ابتديت بيها. السؤال اللي ابتديت بيه كان متعلقًا بعلاقة الناس بالطب الحديث، وهل أقبلوا عليه أم نفروا منه؟ وبعدين لقيت الموضوع مدخلني في حتة تانية لها علاقة بالقانون والشريعة وعلاقة نظام السياسة ده بالشريعة وعلاقة القانون بالطب وتجاوب الناس؛ يعني عامة المصريين، بالممارسات دي وإزاي الممارسات دي بتولد ممارسات ثانية، وإنه نتيجة العملية دي كلها هي الحاجة اللي بنقول عليها الدولة: الإدارة الطبية، وإدارة الإحصاء، وإدارة الشرطة، والإدارة القضائية اتبلورت بالضبط بالشكل ده.

قضية خلاف بين واحدة ست اسمها توزُّر وجوزها ال اسمه الحاج عبد الدايم بتتهمه فيها إنه “تعدى عليها أمس تاريخه وضربها بمثقل على قصبت ذراعها الأيسر كسرت العظم وتطالبه .. بما بترتب عليه بسبب ضربها.” القاضي الشرعي بعد سماع الدعوى أدّب الزوج “التأديب الشرعي بعد أن كشف على ذراع المدعية المذكورة أعلاه الشيخ شهاب الدين الدمنهوري شيخ طايفة الجراحين بالثغر المذكور وإخباره بذلك بأن جريدة ذراع المدعية منكسرة … ” من سجلات محكمة جامع الحاكم، بتاريخ ١٢ ذو القعدة ١٠١٨ هـ / ٥ فبراير ١٦١٠ م.

أنا عارف ده من قبل كده، يعني عارف إنه مافيش حاجة اسمها محمد علي كان عنده مشروع دولة. محمد علي كان عنده مشروع آه، بس مش مشروع دولة. الدولة نشأت بالتجربة والخطأ، أو يعني الحاجة اللي بنقول عليها دولة، هي مش حاجة، هي مجموعة من الممارسات ومجموعة من العلاقات. فـ أنا شايف الممارسات دي وهي تتبلور وشايف أمامي إنه في حاجة اسمها مجالس تتبلور وعندنا الأوامر بتعيين الناس في المجالس دي. فـ الصورة ابتدت تكتمل. أنا عندي دكاترة عندي أعضاء المجالس عندي طبعًا مكاتبات محمد علي والخديوي وفكرهم موجود وعندي تحقيقات البوليس اللي فيها إشارة لرد فعل الناس لده وعندي تفاصيل بتاعة المجالس دي: هي كانت فين؟ عنوانها كان إيه؟ ويُعلن عنها إزاي؟ والفرش بتاعها كان إزاي؟ يعني كام كرسي، وكام حصيرة ومين الخدم اللي كانوا بيتعينوا فيها ومرتباتهم كانت إيه؟ يعني عندي مكاتبات كثيرة وفي غاية الدقة. عشرات من الآلاف من الرسائل والمكاتبات. طبعًا في حاجة كده بتجيلك بعد فترة من الشغل، إنك كأنك عايشت وعاشرت الناس دي فبالتالي بتبتدي تفهم الروح الحاكمة. بس فابتدأ يبقى عندي حصيلة كبيرة من الأسئلة، وابتديت أقول طيب ده إيه بقى علاقته ببعضه؟

فهو الكتاب عن ده وتحديدًا الهاجس أو القاسم المشترك بين الحاجات دي اللي هو التشريح والطب الشرعي، اللي هو كان اسمه «طب سياسي». هذا هو القاسم المشترك، ليه؟ لأنه يمزج بين الطب والقانون والجسد والناس.

طبعًا التشريح والكشف على الأموات -ده مصطلح برضه له تاريخ- ده موجود من زمان اللي هو الكشف الخارجي. تحديد سبب الوفاة ده موجود من أوائل الخمسينيات من القرن التاسع عشر. اكتشفت يعني إنه بيتعمل. مافيش حد يدفن إلا بحاجة اسمها «تذكرة دفن». تذاكر الدفن اللي يصدرها الحكيم بتاع التُرب هو بيعملها بإشارة من شيخ الحارة. يعني فيه واحد مات، أهل المتوفي بيروحوا لشيخ الحارة يقولوا له فلان مات. همّا بيعملوا إجراءات التكفين والتجهيز. يقوم شيخ الحارة بتبليغ مكتب الصحة. مكتب الصحة بيبعت واحد، ممكن ما يبقاش الحكيم نفسه، ممكن يبقى وكيل الحكيم أو التمرجي. لو التمرجي شك في حاجة، أو شايف إنه الموضوع مشكل بالنسبة له؛ بيبعت للحكيم. لو متوفية بيبعتوا للحكيمة. بتيجي الحكيمة وتكتب تقارير، أو الحكيم يكتب تقرير، وتسجل في الكشوفات الشهرية بتاعة مكتب الصحة. في كشف شهري ده اللي هو الإحصاء. كل مكتب في كل حي بيكون عنده كشوف شهرية يتمّ الذِكر فيها فلان ده مات من إيه، سنه كام، اسمه إيه، ومين الورثة بتوعه -ده الجزء الشرعي. ده في نفس السجل يعني الاسم، السن، سبب الوفاة، الورثة، ولو أخذ دواء ساعات بيقولوا هو كان اتعالج إزاي. كل ده مدوّن، بس كمان في التذكرة نفسها. بياخدوا التذكرة الحانوتي والحانوتي يسجل ده برضه، في سجلات الحانوتية. في مضاهاة في نهاية كل شهر: سجلات الحانوتية لازم تُقارن بسجلات مكتب الصحة عشان يعرفوا يكتشفوا إذا كان في أي فجوة. لأنه أنا اكتشفت قضايا قتل حاولوا طمسها بتسجيل واقعة الدفن، يعني تذكرة الدفن على إنه مات بالإسهال في حين إنه مات مقتول.

وثيقتين من نفس الفترة تقريبا بيوضحوا إزاى الموت أصبح له معنى اجتماعي جديد. الوثيقة ال على اليمين من سنة ١٢٦٦ هـ / ١٨٥٠ م بتوضح إزاى أهالي الدرب الأحمر لما ماتت الحرمة عايشة بنت موسى الديب كانوا مهتمين بحصر ممتلكاتها علشان يقسموا التركة بشكل صحيح شرعيا. أما الوثيقة ال على الشمال من سنة ١٢٦٧ هـ / ١٨٥١ م، فبتوضح إزاي الموت بقى موضوع من مواضيع الصحة العامة، وإزاي حكيم تمن الخليفة كان لازم يوضح أسباب وفاة المتوفين يوميا (تيفوس، إسهال، إلتهاب معدي معوي حاد، إلخ)


لو في شبهة بيبعتوا الجثة للقصر العيني عشان تتشرح، وبيتعمل بيها الصفة التشريحية والمصطلح ده لسة موجود لحد دلوقتي. أساتذة الطب بيعملوا حاجة اسمها جمعية تشريحية وبيكتبوا تقرير مفصل. كان في أوراق قضية مثيرة للإهتمام: كان واحد رجع وغرق في ترجيعه. حاجة مقرفة شوية بس كانت برضه حاجة مبهرة لأنه ده كان واحد لقوا ملابسه متقطعة وعلى وشه كدمات ومات في حارة اليهود في حوش ساكنينه مجموعة من العائلات اليهودية بس محدش يعرفه -بينكروا معرفته. الجثة بتتبعت للقصر العيني، والقصر العيني بيعمل عملية تشريحية. العملية التشريحية دي تثبت إنه هو كان سكران وإنه غالبًا من سُكره اتكعبل، وإن الكدمات دي مش نتيجة إنه حد ضربه، بس لأنه هو وقع كذا مرة على وشه. وأنه في النهاية رجّع وغرق لأنه لقوا رئته فيها مادة كحولية.

ي.ش: ففي دقة عالية جدًا..

خ.ف: في دقة عالية جدًا، وفي ثقة في الوسيلة دي اللي اسمها الطب إنها ممكن تحسم حاجة زي كده. فالسؤال اللي أنا كنت بسأله: هو إزاي التقرير ده أُخذ به قانونًا؟ وده يستدعي مني إني اعرف إيه النظام القانوني ده اللي ممكن يقبل ده؟

كنت بقدم طروحات عن الموضوع ده طول الوقت. بحاول يعني أفكر مع الناس بصوت عال في الجمعية التاريخية [الجمعية المصرية للدراسات التاريخية] مثلًا. طبعًا أول رد فعل من الجمعية التاريخية كان: «لا ما الكلام ده مش جديد، إحنا عارفين الكلام ده».

-«أيوة مـ أنا عارف، بس قولوا لي إيه اللي مختلف؟».

يقولوا لي: «لا مـ أنت بس ما بتشتغلش على سجلات المحاكم الشرعية. سجلات المحاكم الشرعية فيها كتير من ده. القاضي الشرعي يعتمد أحيانًا على الخبرة الطبية».

طيب يا جماعة ادوني بس نماذج، ابتدوا يدوني نماذج كتير، وابتديت اكتشف أنه لا دي حاجة تانية. أصبح عندي سؤال تاني: إزاي الطب اللي كان بيُستخدم في المحاكم الشرعية مختلف عن اللي كان بيُستخدم في مجالس السياسة، مش عشان تطور بس علاقة الطب بالنظام القانوني مختلفة. وهي كلها تعتمد في النهاية على هو يعني إيه «بينة»، الفقه فيه حاجة اسمها «بينة». ده (التقرير الطبي) لا يمكن يُعتبر «بينة». فقهًا دي مش بينة دي دلالة. «البينة» هي أما إقرار، أما شهادة، يعني فعل لفظي وده مش فعل لفظي ده تقرير مكتوب. الموضوع ابتدى يآخد الأبعاد دي، ويتبلور حول فكرة التشريح والطب الشرعي.

ابتديت أفكر أنا ممكن أَصوغ ده إزاي: كل الأسئلة اللي لها علاقة بتاريخ الطب والتاريخ الاجتماعي للطب والجزء الطبي.. بس كمان الشريعة والسياسة وعلاقة السياسة والتأريخ لكل ده، ليه الكلام ده ماتكتبش عنه؟ ليه الموضوع ده مطموس؟ مع إن الموضوع ده مش واقعة ولا اتنين ولا قضية ولا اتنين ولا وثيقة ولا اتنين. أنا بتكلم عن ملايين القضايا والوثائق والسجلات.

ي.ش: دي حاجات موجودة في دار الوثائق مش حاجة إنت رُحت جبتها من أرشيف مختلف؟

خ.ف: لا، لا في مصر. إزاي النظام القانوني المصري مش عارف ده؟

ي.ش: ده في تاريخ القانون في كليات الحقوق أظن هتلاقيها مش موجودة؟

خ.ف: مش موجودة. أخذت مرة أستاذ كبير في القانون من جامعة إسكندرية برهام عطالله دار الوثائق وشاف السجلات دي. قاللي ده شيء مبهر جدًا. أولًا اللغة دي إحنا ما نعرفش نكتبها دلوقتي. وبعدين ده شيء معقد، أنا لازم أدرسه أكتر. هو أستاذ كبير فهو أدرك أنه في شيء في النظام ده مش مألوف بس مبهر. فـ كان جزء من الكتاب أنا بشرح ليه ده لم يكتب عنه وحاولت أحدد انهي كتب بالظبط اللي طمست ده. مش طمسته عن عمد، بس أنه حصل تحوّل في نظرة الناس للقانون خلت ده مش قانون خلته إدارة.

ابتديت أشوف إنه لازم ألم الموضوع. فـ قلتُ تمام، دلوقتي أنا هلم الموضوع إزاي؟

أولاً أنا عاوز اكتب القصة دي بطريقة تجعل الجسد يحتل المركز في القصة كلها، لأنه أنا بتكلم عن الجسد والنزاع على الجسد. فـ أنا عندي مقال اسمه مَن يملك الجسد؟ وده كان سؤال، وكأنه هاجس يعني. هل الجسد ده بتاع ربنا ونحن أمناء عليه؟ ولا بتاع الشخص الإنسان اللي عايش جواه؟ ولا بعد الوفاة ده بيكون بتاع الأسرة أو المجتمع وكيف ترعاه وتكرمه بدفنه؟ ولا بتاع الدولة؟

فقررت إنه أنا هعمل خمسة فصول بالخمس حواس، بالترتيب التقليدي اللي الحواس بتظهر بيه في كتب الطب الغربي والإسلامي. يعني بتبتدي بالبصر أو النظر وبعدين السمع وبعدين الشم -الشم حاسة ملغزة- وبعدين الذوق وبعدين اللمس. اللمس هو أكتر حاجة فيها دناسة ونجاسة، والبصر هو الحاجة الأرقى أو الأسمى.

لكل حاسة منهم فصل، وكل فصل مش بس بـ يحكي جزء من القصة، بس كل فصل يسرد أو يقدم حجة معينة. مثلًا البصر هو التشريح لأنه بالإنجليزي أو باللاتيني التشريح اسمه autopsy، والكلمة دي حرفيًا تعني to see for oneself أي أن ترى بنفسك. طبعًا الكلمة العربي لها دلالات أخرى لها علاقة بالكلام، بالشرح بس كمان تشريح بالعربي زي مصطلح «شرح الصدر» وهي الإبانة والتوضيح فلها برضه دلالات بصرية. المهم كان الفصل الأول على العملية دي اتعملت إزاي، ورد الفعل عليها كان عامل إزاي.

الرسمة لـ ريم نجيب

السمع مثير للاهتمام. حاجة مش واضحة أوي بس هو بشكل أساسي عن القانون. زي إنه الطريقة التقليدية لسرد رواية تطور القانون في مصر هو العلمنة: إنه إحنا كان عندنا نظام ديني، وأصبح عندنا نظام وضعي أو قانوني وضعي. ودي رواية يشترك فيها الإسلاميين وغير الإسلاميين وأنا رأيي إنه ده مش سليم، وممكن يكون من الأنسب إنه إحنا نقول إنه التطور اللي حصل في النظام القانوني هو حصل من نظام يعتمد على الكلمة المسموعة في المحكمة الشرعية إلى الكلمة المكتوبة في مجالس السياسة، وإنه التحوّل ده بيعكس إختلاف معرفي (epistemological) عميق جدًا في مفهوم القانون، ومفهوم الدليل أو البينة وفي النهاية حاجات أعمق من كده، مفهوم الشخص ومفهوم العدل. ده الفصل الثاني.

الفصل الثالث على حاسة الشم، وده ملهوش علاقة الحقيقة بالطب على قد ما لُه علاقة بالصحة العامة. في سجلات كثيرة تتحدث عن الشم والرائحة القبيحة على انها مش شيء منفر للذوق، ولكن يمثل خطرًا -وده بيعكس نظرية طبية قبل اكتشاف الجراثيم قبل باستير موجودة في أوروبا زي ما موجود في الهند ومصر اللي هي فكرة أن الأمراض تنتشر عن طريق الهواء الفاسد وإنه الهواء الفاسد ده يفسد عن طريق أبخرة تتصاعد في النهاية من أجسام تتحلل وبتطلع أو تنفس الأمزجة- فكرة الأمزجة بتاعة ابن سينا، وأن الجسم البشري يتكون من أمزجة وأخلاط: المزاج اللمفاوي والدموي والصفراوي. ده كان له تأثير بالغ الأهمية في إعادة تشكيل القاهرة. لأنه الموضوع مش إنه الخديو اسماعيل راح وحب اوجيني وبعدين رجع وقال أنا عايز من ده. لأ، ده الموضوع إنه راح هو وعلي مبارك باريس بعد ما هاوسمان كان أعاد تخطيطها، نزل المجاري ودي زيارة مهمة جدًا في الخطة التوفيقية. علي مبارك شارح زيارته لباريس اللي كان اتعلم فيها. جه بعديها بعشرين سنة لقى المدينة تحولت، وأهم عنصر من عناصر التحوّل إنه نزل المجاري، لم يشم رائحتها. كانوا بيجيبوا الأمراء والملوك وينزلوهم المجاري عشان يقولوا لهم نحن طوعنا الطبيعة بقيت تخدمنا. مابقتش مصدر خطر. وده اللي خلاه لما يرجع يعمل حملة على البرك والمستنقعات وفي النهاية الشغل اللي عمله شهاب [إسماعيل، باحث في التاريخ نال الدكتوراة من جامعة كولومبيا في نيويورك وعمل على تاريخ المجاري في القاهرة] في تجفيف الخليج اللي هو كان شريان مهم جدًا في حياة المصريين يشق المدينة من جنوبها لشمالها. أتردم الخليج لأنه بقى مصدر خطر، وبقى مسار أول خط ترام في القاهرة بعديها بكام سنة آخر القرن التاسع عشر.

الرسمة لـ ريم نجيب

الفصل الخامس خليني أقوله الأول، عن حاسة اللمس، وده كان عن التعذيب وكنت بحاول أشرح -بعد ما اتكلمت عن النظام القانوني والنظام الطبي- ليه التعذيب اتلغى في لحظة ما في تاريخ القضاء المصري في 1861. التعذيب كان أصلًا دوره إيه في النظام القانوني؟ ما كانش شيء بيتم سرًا ده كان شيء علني وبعدين اتلغى. ليه اتلغى؟ كنت بدرس اللائحة دي، اسمها بشكل واضح لائحة استبدال الضرب بالحبس. وكنت بقول دي رؤية فوكودية خالص: في سجون وفي تشريح. السجون حلّت مكان التعذيب كوسيلة للعقاب والتشريح حلّ محل الضرب كوسيلة لانتزاع الاعتراف وإقامة البينة. فـ بالتالي ما بقاش لُه لزمة.

أما الفصل الرابع، فـ ده خد مني سنتين في الكتابة. إنه أنا كنت فاكر إن هو عن حاسة الذوق وعن الطب الكيميائي، يعني عن الطب الشرعي الكيميائي (Forensic Chemistry). زي القضايا اللي اتكلمت عنها اللي هي قضايا قتل، أو يعني قضايا وفاة فيها شبهة قتل بالتسمم أو بالتخدير أو كده. مصدر الفصل كان سلسلة من القضايا، قضايا الشرطة اللي فيها استخدام مادة اسمها «داتورا». أنا مكنتش اعرف المصطلح ده. وبقول لأبويا قاللي: «آه إحنا كنا نعرف الداتورا، ده مخدر وجاي من نبات اسمه داتورا بيتزرع عندنا، ويُزرع في الهند.» سجلات الضبطية من منتصف القرن الـ١٩ بتوضح إن كان في عصابات تتربص وتستغشم الوافدين اللي جايين القاهرة ويعطوا لهم التين أو عيش معجون فيه الداتورا، يتخدروا فـ يسرقوهم؛ ويلاقوا بقى المُخدَّر في السكة متخدر ثلاثة أيام وكتير بيموتوا. فهو مُخدِّر قوي جدًا وبيعمل فنجلة في العين، العين بتزوغ يعني، مش بيقدروا يشوفوا لأن العين مبتقفلش، فمش بيقدروا يتحكموا في الضوء. وبينسوا اللي حصلهم فيبدأ البوليس يشتغل عشان يقوم بالقبض على العصابة دي بس جزء كبير من التحقيق هو الكشف عن الداتورا دي نفسها.

بكتشف إنه في إدارة كاملة اسمها المعمل الكيماوي. المعمل الكيماوي ده في القصر العيني والمشرف عليه دكتور فرنسي إسمه جاستينيل. دورت على جاستينيل لقيت إنه مشهور لدرجة أنه كتب السياحة -مرة عملت بحث على جوجل عشان اعرف الاسم يكتب إزاي باللاتيني. أنا عندي اسمه بالعربي. قعدت اجرب كده لقيت Gastinel Egypt، طلع له اسمه مذكور في صفحة منسوخة من كتاب دليل للمسافرين صدر في سنة ١٨٨٥ وطلع هو نفس الشخص فعلًا وأنا عارف هو فين. هو بيشتغل مدير المعمل الكيماوي في القصر العيني. وواضح إنه المعمل الكيماوي في القصر العيني كان ذو شهرة لدرجة إنه مفروض له فقرة كاملة في الكتاب بتاع ك. بيديكر (K. Baedeker). في دليل بيديكر ده بيقول بعد نزول الهرم ومش عارف إيه خش بقى على القصر العيني اتفرج على الشيء المبهر اللي جاستينيل ده عامله. فـ أنا عندي تقارير بقى عن جاستينيل ده والإدارة الطبية اللي كانت شغالة معاه. ده خلاني اعرف مين جاستينيل ومين الناس اللي شغالين معاه. اكتشفت إن جاستينيل ده كتب كتاب في الكيمياء اسمه “نخبة الأذكياء في علم الكيمياء” مطبوع في مطبعة بولاق سنة ١٨٧٠. وعنده مؤلفات كثيرة جدًا عن المياه الكبريتية في حلوان، وحاجات كثيرة جدًا عن مصر، كلها بالفرنساوي بس الكتاب ده بالعربي. اكتشفت انه ده مش اول كتاب كيمياء. يعني أنا عاوز اعرف الكيميائيين دول اتعلموا ازاي. اكتشفت إنه في واحد قبله اسمه بيرون، ده مشهور، كتب عنه جمال الدين الشيال في سنة خمسين مقال حلو جدًا اسمه الدكتور بيرون والشيخان محمد عياد الطنطاوي ومحمد عمر التونسي. أنا أعرف الطنطاوي، وأعرف التونسي، وأعرف بيرون من دار الوثائق.

طلع إنه بيرون ده له كتاب مهم جدًا في المرجع الأساسي لطلبة القصر العيني في الكيمياء والفيزياء. طلع إنه هو مستعرب. غير إنه هو فرنساوي هو أصلًا مستشرق ومستعرب ومغرم بالمعاجم العربية القديمة، وله علاقة وثيقة بمحمد عمر التونسي اللي هو مصحح الكتب الطبية في القصر العيني، واشتركوا سويًا في كتابة معجم  للمصطلحات الطبية اسمه «الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية». ده كتاب عظيم لم يُطبع منه إلا جزء واحد فقط في مصر سنة ١٩١٠ . إنما المخطوطة موجودة في المكتبة القومية في فرنسا Bibliothèque nationale، حاجة ضخمة جدًا. عمل موسوعي هو قاموس طبي عربي منقول من قاموس طبي فرنسي-فرنسي، بس بإضافات عديدة مستوحاة من ابن البيطار، وابن سينا.

بس أهم حاجة هو التقارير اللي بيكتبوها الدكاترة دول، مش بس في القضايا الجنائية بس في عينات أكل اللي الشرطة، اسمها الضبطية، اشتبهت فيها من السوق، بالذات القهوة والعيش. يقولك العيش ده مغشوش والقهوة دي مغشوشة، فبالتالي يقومون بإرسال عينات محرزة إلى المعمل الكيماوي. المعمل الكيماوي يعمل عليها كشف، ويكتب تقرير ويقولك لقينا حصاوي، ولقينا حشرات وده شيء مضر بالصحة.. إلخ. لقيت التقارير دي وقلت بس.. دي حاجة ممكن اكتب فصل عن حاسة الذوق باستخدام الموضوع ده. الفصل ده، وأنا بكتبه كنت عامل لُه مقدمة صغيرة جدًا من ثلاث صفحات. بحاول أشرح فيها الفرق بين نظام التحكم في الأسواق ده بالشكل الكيماوي ده -أسواق الأكل؛ اللبن والمياه، والعيش، والقهوة.

صفحة من مخطوطة “الجذور الذهبية في المصطلحات الطبية” المحفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية

وزيادة على موضوع الداتورا، وجزء الشق الجنائي وأهمية المعمل الكيماوي في تتبع الحاجات دي، مقارنة بنظام سابق اللي هو نظام الحسبة. ليه؟ لأني قريت كتاب واحد اسمه الشيزري، ده مشهور في القرن الثالث عشر أظن. عنده كتاب مشهور اسمه «نهاية الرتبة في طلب الحسبة»، هو كتاب عن الحسبة مهم. وهو من أهم الكتب عن الحسبة لأنه مش كتاب فقهي على قد ما هو يُعتبر زي دليل للمحتسب إزاي يقدر يكتشف أنواع غش مختلفة في أنواع أكل مختلفة. فحتى المؤرخين الاجتماعيين بياخدوا الكتاب ده على إنه مصدر لتاريخ الأكل لأن فيه وصفات. بيغشوا التين بالشكل الفلاني، ولما بيحبوا يخلطوا لحم الماعز بلحم البقر بيعملوا كذا وخلي بالك لما تكشف على السمك يبقى مش عارف إيه.. كده يعني. فيه معلومات مفصلة. فـ كنت بحاول اقول إنه نظام المحتسب في النهاية معتمد على تواجد المحتسب بشكل دائم، وإنه الهاجس هاجس أخلاقي اللي هو هاجس الغش. في حين إنه الهاجس في القرن التاسع عشر هو هاجس صحة: إنه في مصدر خطر وإحنا مش هنتكلم عن الأخلاق.

الرسمة لـ ريم نجيب

قريت في تاريخ الحسبة اللي هو تاريخ المحتسب كمراقب للأسواق. وده خلاني اشتبك مع طلال أسد [باحث في الانثروبولوجيا، وأحد أهم مُنظّري دراسة الدين والعلمانية، وكان له أثر ضخم على دراسة العالم العربي من منظور ما بعد استعماري]،  وطلبة طلال أسد لأنه واحد منهم حسين عجرمة عنده كتاب لطيف جدًا عن النظام القانوني المصري، ولُه فصل عن الحسبة. بس طبعًا الحسبة بتاعة نصر أبو زيد (وهو كان باحثًا متخصصًا في الدراسات الإسلامية وفقه اللغة العربية، تم محاكمته في 1995 بسبب كتاباته عن القرآن مما أدى الى رحيله من مصر)، اللي هي المحتسب كمراقب للأخلاق مش للأسواق. طبعًا المحتسب يعمل الاثنين، بس أنا عارف إنه في المخيلة الشعبية المصرية الحالية الحسبة بتيجي على طول في موضوع حرية الرأي. طبعًا هو نظام معقد وكبير وقررت إنه أنا أشتبك معاه وإنه أحاول أشرح الفرق بين منظومة مراقبة الأسواق دي اللي هي مبنية على الكيمياء وإزاي هي مختلفة في فلسفتها وتاريخها المعرفي وآلياتها -عن نظام الحسبة اللي كان بيشرحه واحد زي الشيزري أو اللي نظّرله قبل كده بشكل فقهي أعمق الغزالي في الفصل الموجود في كتاب إحياء الدين المعروف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أو بالمقارنة بالغزالي، الأحكام السلطانية للمواردي. المواردي عنده فصل عن المحتسب مختلف تمامًا عن الفصل بتاع الغزالي.

بس ليه أنا صممت إني احط ده؟ أولًا أنا شايف الدولة الإسلامية عندهم حاجة اسمها حسبة، ديوان اسمه الحسبة. شايف حسين عجرمة بيكتب إيه عن الحسبة. شايف طلال أسد بيكتب إيه، هو ووائل حلاق [أستاذ القانون وتاريخ الفكر الإسلامي بجامعة كولومبيا] عن الشريعة والحسبة تحديدًا، وشايف أنا تاريخ الحسبة في مصر من العصر المملوكي والعثماني، وبعدين محمد علي وبعدين لحظة إلغاء المحتسب في الفترة دي زي لما لغوا الضرب. لأن إحنا كان عندنا بديل، في شيء آخر جديد ممكن نستعين بيه يحقق لنا نفس الغرض. الموضوع مش مسألة علمنة، هي لها علاقة حقيقية بالفصل بين الأخلاق والقانون العام. بس هذا الفصل أنا -في رأيي- بيقدم تحليل أدق وأعمق عن التركيز على خيانة النخبة القانونية، أو السياسية المصرية لميراثها العقائدي، اللي هي النظرة التقليدية. هذا الفصل زي ما فوكو علمنا هو فصل تعسفي وعنيف بين الأخلاق والقانون، ولكن حصل إزاي؟ وليه؟ ده اللي إحنا محتاجين نعرفه. هذا الفصل بالنسبة لي كان من أصعب الفصول، ولكن أكثرها أهمية لو قدرت أقول كده، أو على الأقل تشويقًا لي.

معنديش استتنتاج واضح للكتاب، كنت بتسألني إيه الفكرة الرئيسية اللي بيطرحها الكتاب. ما قدرش أقولك ده. بس ممكن أقولك أنا مشتبك مع مين، مشتبك مع طلال أسد وطلابه، مشتبك مع الإسلاميين المصريين ونظرتهم لتحديث الدولة المصرية، مشتبك مع المؤرخين التقليديين، بالذات المؤرخين لتاريخ الطب وتاريخ الدولة المصرية في كيفية سردهم لإنشاء المؤسسات دي، وهي اتعملت إزاي، مشتبك طبعًا مع  الناس اللي اشتغلت على تاريخ الترجمة وشرحهم لكيفية حدوث موضوع الترجمة في مصر، ومشتبك مع المؤرخين التابعين لمنهجية ما بعد الكولونيالية الذين لا يترددون في وصف نظام طبي ما على إنه طب كولونيالي. أنا بسأل هو إيه اللي ممكن يكون كولونيالي في هذا الطب وانفي إنه الطب الذى عمله كلوت بك في مصر -بالرغم من إنه كان فرنسي- كان طب كولونيالي.

كلوت بك

ي.ش: ده رد ممتاز، لأنك في الوقت نفسه ابتديت ترد على ثلاثة أسئلة كنت أنا عاوز أسألهم. أنا هقولهم عشان برضه نوضح الثلاث نقاط. في الكتاب ده، على عكس «كل رجال الباشا» اللي أنت كنت بتتكلم فيه أكتر عن الخطاب الدولتي عن الدولة المصرية، إنك هنا في اشتباك مع الخطاب الإسلامي أو الخطاب الإسلاماوي عن القانون، وعن اللي أنت كنت بتقوله دلوقتي: إزاي النخبة القانونية تركت ميراثها واتجهت للقانون الوضعي الأوروبي وما إلى ذلك. بالتالي أنت في اشتباك في النقطة دي مع الخطاب ده. في اشتباك تاني كنت أحب أسألك عنه، اللي هو مع مؤرخي ما بعد الكولونيالية. أنت هنا بتحاول تناقشهم وأنا فاكر النقاش اللي دار حول الترجمة مثلًا حوالين ورقة كنت قدمتها في جامعة كولومبيا في أول ٢٠١٥، وكانت عن ترجمة الكميائيين الفرنسيين بيشات ولافوازييه للعربي. أنا فاكر في حد قالك إنه الحاجات المترجمة دي بتُدخل مفاهيم غربية في العقلية المصرية، فـ بطريقة أو بأخرى دي عملية استعمارية. الرد اللي أنت بتقوله ببساطة إنه الموضوع أكثر تعقيدًا. والرد في رأيي رد مبني على النظر الى الوقائع. النظرة العامة إنه إحنا ممكن نقول آه دي حاجة كولونيالية، بس أنت كان ردك أنه آه بس هو كان موظف فرنسي للدولة المصرية، فـ هنعمل إيه مع التعقيدة دي؟ أو مثلًا أنه كان مستعربًا، أو تلك التفاصيل الشخصية، فـ دي يمكن حاجة مختلفة شوية في كتابك الأخير.

وأنا كنت بـ تسائل هل ده متعلق بنقلتك برده بقرارك في ٢٠١٠ بالخروج من الأكاديمية الإمريكية والرجوع لمصر -أنت رجعت بعد كده ليها- بس هل الكتاب ده كان فيه إرادة عرض طريقة تانية إن إحنا نتكلم بيها عن ميراث القرن التاسع عشر؟ قصدي هنا، إن مدرسة ما بعد الكولونيالية اللي قدمت كتير أوي للعلوم الإنسانية، جايز تكون برده بتقفل بعض النقاشات، وتبسطها زيادة عن اللزوم، وطريقتها في طرح بعض الأسئلة، وهيمنتها على النقاش في بعض الكليات الأمريكية، كل ده خلاك عايز تسلط الضوء على بعض النقاط الجديدة. طبعًا مش بقول إنك بتدافع عن الميراث الكولونيالي، بس إن إحنا ممكن نبص للفترة دي بطريقة مختلفة؟

[ويتابع يوسف الشاذلي:] وأنت بتتكلم عن الكتاب استخدمت مصطلح معين.. استخدمته ست مرات: كلمة «انبهار» -وأنا مش عارف اوصف ده إزاي بالظبط بس بحس إنه في نوع من الانبهار نحو مؤسسات، ونحو تجارب كانت موجودة عندنا في القرن التاسع عشر أي كان لما بتتكلم عن الطب الشرعي،  لما بتتكلم عن جودة الترجمة. أنا فاكر كويس النقطة دي: ازاي في ترجمة مستواها عالي جدًا والمترجمين مش حاطين نفسهم في علاقة دونية مع اللي هم يترجمولهم. دايمًا كنت بتسائل، لأنه ممكن ناس كثيرة لما يشوفوا ده يقولوا آه دي حاجة حداثية جدًا اللي هو إنه العصر ده كان عصر ممتاز وفي شوية حنين ممكن الى مؤسسات اتعملت في اللحظة دي. أظن بتوري إنها مش كولونيالية بحتة وإنها مش مؤسسات جاية من الخارج وإن الموضوع معقد عن كده. ودايمًا بـ تسائل لما بناخد المثال اللي متعلق بالطب الشرعي بالحالة اللي إحنا فيها النهارده. يعني دايمًا لما بتتكلم عن نقطة البداية بتاعتك: هو إحنا إزاي وصلنا إلى اللي إحنا فيه؟ ما هو ده سؤال، هو سؤال تنويري، وسؤال بتاع البعثات الأولى. يعني اللي أعرفه، أو اللي بتذكره إنه سؤال البعثات الأولى في فرنسا هو إزاي همّا وصلوا هنا، إحنا ما وصلناش. ده يمكن سؤال منفصل شوية ومش عارف لو هو سؤال ينفع يترد عليه بسهولة ولا لأ. بس هو فكرة الانبهار بتجارب حصلت في لحظة معينة، ما حصلتش بمشروع. يعني مش شرط إنها حصلت عشان كان في مشروع عام بس يمكن نتاج لممارسات معينة في لحظة عندنا نظام قانون أو نظام طب أو نظام طب شرعي أو نظام طب جنائي. أنت بتشوف ده إزاي، أو هل أنت بتحس إنك عندك انبهار شوية بالقرن التاسع عشر أو بالمؤسسات اللي فيه؟ يعني أنا متخيّل إنه أنت ما عندكش نظرة دولتية تحديثية جدًا اللي هو لأ الدولة الحديثة دي حاجة جميلة، وده ممكن نتفق عليه، أو ما نتفقش عليه. بس هل أنت ساعات بتفكر في الموضوع ده: إزاي ممكن نبص النهارده ونقول ده فيه تدهور لتراث، مش بقى تراث ديني أو تراث تشريعي عقائدي بس تراث دولتي، تراث مؤسسي انحدر؟ فـ ده سؤال مختلف شوية.

خ.ف: دي أسئلة مهمة. أظن السؤالين الأولانيين مرتبطين أكثر ببعض، والجواب عليهما هي النقطة اللي أنت قُلتها اللي هي بيانات وقائعية (empirical data)، والسؤال الثالث بخصوص الانبهار هو مرتبط فعلًا زي ما أنت قُلت بحسرتنا على وضعنا دلوقتي.

خليني أتناول كل منهم على حدة:

أول حاجة، لقيت نفسي مستغرب من إنه مدرسة ما بعد الكولونيالية والإسلاميين في مصر كأنهم متفقين على إهمال التاريخ. عاوزين يوصلوا لنتائج مسبقة من غير ما يعملوا شغلهم. يا جماعة في شغل لازم يتعمل الأول. طبعًا الواحد بيقول الكلام ده وهو مكسوف، أو خايف يتقال عليه إنه empiricist [مصطلح يُقال عن تيار بحثي لا يهتم بالعمل النظري ويركز فقط على جمع الوقائع] بس هو الفكرة مش مسألة رصّ مادة، هي مسألة إنه لازم احترام المادة الأول. أوّلها الأول وبعدين تعالَ نختلف على التأويلات. بس حاجة نتكلم فيها. متجبليش نظريات. خليني أكون دقيق. بالنسبة للإسلاميين، أنا منزعج من إغفالهم لتاريخ الشريعة. وعشان أكون دقيق أكثر: السيد سابق المنظّر الأساسي للإخوان المسلمين اللي هو صاحب كتاب «فقه السُنة»، وطارق البشري في كتابه، وكتيباته الكثيرة عن تاريخ النظام القانوني المصري في القرن التاسع عشر اللي كتبها في الثمانينيات، وعبد القادر عودة اللي هو من أهم شهداء الإخوان المسلمين اللي عبد الناصر أعدمهم سنة ١٩٥٤. كل واحد منهم كاتب كتب مهمة جدًا تتناول أشياء كثيرة، بس بـ تتناول جزء عن تاريخ القانون وتاريخ الشريعة، وهنا هُمّا مش عاملين شغلهم.. همّا فعلًا مش عاملين شغلهم. حتى طارق البشري اللي أنا بعتبره مؤرخ مهم جدًا لمصر وشغله على فترة الحياة السياسية (الحركة السياسية في مصر 1945-1952) في مصر من أهم الكتب، وكتابه عن تاريخ الكنيسة القبطية من أهم الكتب.. يعني في الصنعة التاريخية هو كتاب مهم.

في قصة مشهورة هو بيجيبها نقلًا عن رشيد رضا [مفكر إسلامي من تلامذة محمد عبده، وأسس مجلة «المنار» ١٨٦٨]، نقلًا عن محمد عبده. رشيد رضا في السيرة الذاتية اللي كاتبها عن محمد عبده بيجيب واقعة شهيرة يعني إنه الخديو اسماعيل راح إلى مشايخ الأزهر قال لهم قننوا لي الشريعة. يعني اعملوها قانون «code». فرفضوا وقالوا سوف يتمّ اتهامنا بالإلحاد. ثم راح للطهطاوي وتلامذته، فقالوا له نحن معندناش تقنين للشريعة، عندنا التقنين بتاع نابليون. تاخده؟ فأخذه عشان كده إحنا عندنا ده.

هذه هي السردية الإسلاماوية، اللي حتى إلى الثمانينيات، أو السبعينيات: عندنا مشاريع تقنين، ويقولك الشريعة في الأدراج؛ العبارة الشهيرة. وإنه إحنا عملنا تقنين بس الإدارة والإرادة السياسية ممتنعة عن تطبيق الشريعة. هذه هي المقولة الشهيرة عن إيه اللي كان ناقص، وإيه اللي حصل. نحن كان عندنا شريعة وبعدين جه الغرب بأشكال مختلفة وعملها. ده كلام سجالي أولًا منعرفش الواقعة دي. وطبعًا مش جايب بس الواقعة دي البشري جايب كلام عن تنظيمات عثمانية وجايب كلام عن قدري باشا، بس هي كلها فكرة إنه في غرب طاغي ويجبرنا على التخلي عن تراثنا أو اللي يقولون عليه الموروث. السيد سابق في كتاب من كذا جزء، مقدمته ثلاثة صفحات عن تاريخ الفقه، ليه؟ لأنه هو عاوز يقول سيبكم من الفقه أنا هقول لكم الفقه؛ فقه السنة، وسيبكوا من المذاهب، النظرة الأصولية السلفية بتاعة الإخوان إنه مافيش داعي للخوض في الكلام ده، ده بيفرقنا. إحنا نحاول نشوف إيه اللي يجمعنا، وأنا هـ قول لكم في موضوع الأكل ولا الجواز ولا الطلاق الخلاصة إيه. ماشي، ده اتجاه سياسي، تدخل سياسي لغرض معين، بس تاريخ الفقه تاريخ محترم ما ينفعش يتمّ اختزاله كأن الشريعة والفقه الإسلامي ملهوش تاريخ. واللي بيعبّر عن ده بشكل أوضح، هو عبد القادر عودة. عبد القادر عودة  في كتابه تاريخ التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، قايل كده؛ قايل ما تقولوليش في المقارنة إنه شايفين القانون الجنائي الغربي تطور إزاي والشريعة فيها جمود. جمود إيه يا جماعة؟ هو بيقول لنا يعني جمود إيه؟ الشريعة وُلدت كاملة وسامية وشاملة، مش وُلدت ناقصة وبعدين تطورت، لأ ده شيء إلهي، فـ ما ينفعش نقول إنه مولود ناقص وتطور. فكرة التطور توحي بأنه كان فيه نقص، أو عوار فـ صلحناه. ده نظام كامل وشامل وسامي، عيب كده.

ي.ش: يبقى مش محتاج تاريخ..

خ.ف: مش محتاج تاريخ، ملهوش تاريخ. طبعًا إحنا كمؤرخين نشتغل بالذات على تاريخ الشريعة في العصر العثماني بالتالي شايفين ممارسات تاريخية مختلفة تتحول. بالتالي إهمال التاريخ أو إغفاله هو شيء مبهر برضه، بس بطريقة سلبية يعني. ليه بقى شغلي مهم في الحتة دي، أنا وعماد هلال، ورود بيترز وغيرنا من الباحثين، إحنا بنكتشف إنه هناك سردية مغايرة، سردية مش مسألة إنه الغرب جه. السؤال اللي أنا بسأله هي الشريعة اللي كانت عندنا دي، هي كانت إيه؟ بيتضح إنه واحد زي طارق البشري وغيره، كون إنهم عايزين يطبّقوا الشريعة دلوقتي مايعرفوش هي كانت مطبّقة إزاي.

ي.ش: مسألوش نفسهم السؤال ده..

خ.ف: مسألوش هي ممارساتها كانت إيه؟ كان عندنا بالفعل محاكم شرعية، طيب المحاكم الشرعية دي كانت بتشتغل إزاي؟ مثلًا يعني قضية إيجار الوقف أو قضايا ترك الزوجة، الزوجة اللي زوجها سابها وما رجعش، طلع رحلة، حج أو تجارة وما رجعش،  طيب وهي حالها واقف، تتجوز ما تتجوزش؟ تطلق؟ لا تتطلق؟ تورث؟ لا تورث؟ دي مشكلة اجتماعية كبيرة. بنكتشف إن في مصر في القرن التاسع عشر، زملائنا وطلابنا اللي اشتغلوا على الممارسات، بيسألوا السؤال ده، بيدخلوا يبحثوا في سجلات المحاكم الشرعية، يتتبعوا نوع معين من القضايا ويشوفوا القضاة كانوا بيتعاملوا معاها إزاي، فـ نكتشف أنه أولًا هناك تعدد مذاهب، وفي تعدد محاكم، وإنه الزوجة من دول ممكن تتوجه إلى أكثر من قاضٍ. ده معروف من زمان، اللي هو يقال عليه بالإنجليزي forum shopping  بس كمان ممكن نكتشف إنه الحنابلة بالذات بيدوها حل، فهي بتروح لهم بس كمان بنكتشف إنها مش بتروح كده، ده في توجيه، توجيه ليه؟ لأنه السلطان في اسطنبول مشرف على القضايا دي مش بشكل شخصي بس جزء من تطبيقه للشريعة أو إعلائه لقيمة الشرع، هو مش سايبهم، آه هو ما بيتدخلش، القاضي سيد محكمته، بس قاضي القضاة، والقاضي بتاع الدولة العثمانية وقاضي القضاة بتاع مصر هو اللي بيعمل زي ما بنعمل دلوقتي في مصر: توزيع الدواير، نوع القضية دي يروح لأنهو دايرة فيقول إنه لو نوع القضية دي جتلهم ابعتها على القاضي الحنبلي، أو القاضي الحنفي. في حين إنهم أحناف بس ليه؟ عشان هُمّا عندهم حل أسهل في الموضوع ده. فـ ده بيخلينا نفهم إيه علاقة الدولة بالشرع. وبعدين نكتشف إنه ده مش الدولة العثمانية العتيدة دي اللي هو سلطانها هو خليفة المسلمين ده بيسَنّ قوانين. السلطان سليمان اسمه سليمان القانوني، ليه؟ لأنه بيسَنّ قوانين وهو مش الوحيد، ده كل سلطان بييجي بيسن قوانين اللي بنقول عليه بالعثماني «القانون نامه»، في قانون نامه مشهور بتاع مصر في مؤرخين شغالين عليه، بس فيه قانون نامات كتير. بمعنى آخر إنه في الشرع بس في قانون والقانون ده يسنّ من قِبل السلطان، وإنه ده شيء مكمل للفقه ومكمل للمحاكم الشرعية. القاضي الشرعي لا يطبّق القانون اللي سنّه السلطان، هو يطبّق الشرع بس في جهاز قضائي موازي موجود في مصر في القرن الثامن عشر كان اسمه الديوان العالي اللي هو ديوان الوالي المبعوث من السلطان. اتاري الديوان بيبت في قضايا، نفس القضايا اللي يبت فيها القضاة الشرعيين هو ممكن ينظّر فيها. وده قبل الغرب، وقبل نابوليون. ده مش نظام هجين ولا هو نظام وافد ولا هو نظام علماني، ده نظام إسلامي. مش بس إسلامي ده نظام شرعي، لأن القانون جزء من الشرع.

الشعار الرسمي للدولة العثمانية في أواخر القرن الـ١٩. ومن الملفت إن الشريعة ، أساس الحق والعدل، ممثلة هنا في كتابين: كتاب أخضر، ال هو الفقه، وكتاب أحمر، ال هو السياسية.

المشكلة جاية منين؟ المشكلة جاية من اعتقاد الإسلاميين وغيرهم كتير إنه شريعة يعني فقه. بيفتكروا إنه المنتج الفكري اللي إحنا بنقول عليه فقه هو شريعة. في حين إن الشريعة -في رأيي- تشمل الفقه وتشمل القضاء اللي هي ممارسة الفقه وتشمل الإفتاء وتشمل الوقف وتشمل التدريس طبعًا بس كمان تشمل القانون اللي بنقول عليه سياسة. عشان كده ابن تيمية سماها السياسة الشرعية، هي سياسة جزء من الشريعة وإنه هو ده كان مفهوم الشريعة في اللحظة دي. فلو أنت عايز تقولي النظام ده اختفى إزاي تعالَ بقى ندرسه، نشوف بالتفاصيل إيه اللي حصل للنظام ده اللي ما بقاش موجود. أنا ما بنفيش أبدًا إنه فيه تدخل من الغرب اللي هو الاستعمار والإمبريالية والعنصرية الكامنة فيهم وجزء كبير من ده كان منظومة قانونية واضحة بس تعالَ بقى نتكلم بشكل دقيق عشان نعمل شغلنا اللي ما تعملش عشان نعرف التحول ده حصل إزاي واعتبر إنه كتابي فيه إضافة في الحتة دي.

السؤال الثاني اللي خاص بالانبهار بممارسات الدولة، طبعًا. أنا قاعد في دار الوثائق بتعامل مع موظفين، وبتعامل مع موظفين اللي تحت في المدخل والأمن وبتعامل مع عدد كبير من مديري الدار -بإستثنائات مهمة طبعًا- بس في عدد كبير عدى عليّا ما يعرفوش دار الوثائق دي إيه وهو مدير الدار.. وطبعًا مؤسسة وزارة الثقافة كلها، اللي هي يمكن رابع أكبر موظف في الدولة المصرية بعد وزارة التعليم ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية أظن وزارة الثقافة بتيجي بعديهم من حيث عدد الموظفين. فدي إدارة ضخمة جدًا جزء ممثل للدولة، وأنا قاعد بقرأ سجلات الدولة دي قبليها بمائة وخمسين أو مئتي سنة وشايف الفرق. طبعًا مش مثلًا الواحد بيروح المكتبة البريطانية وشايف عظمة الإمبراطورية وبعدين بيرجع مصر، لأ ده أنا في مصر شايف دولة وليدة أهي -لما كنت بقول لك قبل كده بعد فترة بتبتدي تلاقي إنه الكلام بيعيد نفسه وبتقول إنه بيبتدي يجيء لك روح ما. أنا الروح اللي جائت لي هي روح الثقة، الثقة في الذات والثقة في الإدارة دي. مش إنها لقيت الحلول بس إنها عندها آلية لإيجاد حلول والإعتزاز وممكن يكونوا أجانب يعني دول أتراك على أرمن على مصريين على شوام. يعني ناس اللي أنا بقرأ لهم دول، بس دول أنا بعتبرهم كلهم مصريين. يعني في الإدارة اللي هي مصرية. طبعًا ده مش موجود دلوقتي. موظف الحكومة معندوش النظرة دي لذاته وده طبعًا شيء حزين. الانكسار ده حصل إمتى وإزاي أنا معرفش. بس أنا شايف طبعًا الفرق. فهي برضه الحسرة دي جاية من إنه إحنا كان عندنا ده وضاع أو ضيعناه. هل ده مخليني منبهر بشكل غير نقدي للخطاب الدولتي؟ مظنش لأنه أنا طول الوقت بـ سأل نفسي طيب هو إيه اللي كان ناقص، أو إيه اللي كان غلط في النظام المبهر ده؟ النظام المبهر ده، مبهر إنه أنا ممكن أتتبع قضية من أول مراحلها إلى آخرها عشان ملحوظات حاطينها الكتبة دول في الهوامش وأنا بقول للطلبة بتوعي رُحوا دار الوثائق واشتغلوا كموظفين. لو اشتغلت كمؤرخ مش هتعرف تتعامل مع المادة. أنت خُش وخليهم يعلموك -الناس اللي أنت بتقرأ لهم دول- يأخذوك معهم. فـ ده شيء مبهر ولكن إيه اللي كان ناقص؟ ده سؤال بـ سأله طول الوقت. في شيء لم يكن موجودًا. وأنا بقول من زمان إنه أنا شايف إنه الدولة دي خطابها مبهر بس طاغي وعشان كده لما بلاقي نماذج من الأهالي اللي يعرفوا ينفذوا لهذا الخطاب وهذه الممارسات ويعرفوا يستخدموها لصالحهم مش عن طريق التماسات واستجداءات بس عن طريق مطالبات زي موضوع التشريح، بيديني أمل إنه في ضوابط إنه الدولة دي تخدمنا، مش تخدم ذاتها لأنه هي في النهاية الدولة تخدم ذاتها. طبعًا في -عكس ما الناس فاكرة- خطاب ضمني إسلامي، إنه دول رعايا يجب رعايتهم. ومحمد علي كتير نظرته لنفسه كده، إنه هو هـ يسائل ودول أمانة في رقبته، وإنه يفكر فعلًا بالعقلية دي يعني. بس إيه آليات الضبط؟ طبعًا الدولة محتاجة لعرض حالات، لأنه دي طريقة لكشف سوء استخدام السلطة من قِبل عمال السلطان. إنما هُمّا في النهاية استعاضوا عن ده بتكوين المجالس. مجالس السياسة دي في رأيي مش لإقامة العدل بس دي للتحكم في عمال السلطان، الطبقة الحاكمة، ولكن ده طرح آخر يعني. بس لأ أنا طول الوقت بـ سأل نفسي، هو إيه مكمن الخطر في الانبهار ده؟ إيه مكمن الخطر في الدولة دي اللي بتحاول تبهرك طول الوقت؟

ي.ش: أنا فاكر أنت كنت بتستخدم الطرح ده أظن على فترة محمد علي الأولانية اللي هو آه ممكن يكون في حاجات اتعملت مبهرة بس هل كان في حتمية إنها تتعمل بالطريقة دي؟ وهل كان ممكن تكون مبهرة من غير ما تموت آلاف من الناس؟

خ.ف: ودي أسئلة سياسية في المقام الأول ودي الأسئلة اللي أنا بحاول أخلي الناس تسألها. يعني تسأل السؤال السياسي ده، حتى لدلوقتي. يعني أنت عايز استقرار، آه ده مهم، بس هل ده لازم يجيء عن طريق إنه أنا أقتل ألف واحد في الشارع؟ يعني هل دي الطريقة الوحيدة؟ ولو هي الطريقة الوحيدة، إيه تكلفتها؟ ومين اللي بيدفع التكلفة دي؟ دي كلها أسئلة سياسية وعشان كده أسئلة صعبة وحساسة والناس مش عايزة تسألها لأنها بتلاقي نفسها بتسأل مش بس أسئلة سياسية بس كمان أسئلة أخلاقية.

ي.ش: تمام.. شكرًا ليك على وقتك، وعلى عرضك للكتاب.

Blog Stats

  • 785٬472 hits

One Comment

  1. عماد هلال شمس الدين
    عماد هلال شمس الدين 13/03/2019

    في البداية أشكرك يا خالد على كلماتك الطيبة عني، ودعني أهنئك على هذا العمل العظيم في سلسلة أعمالك المميزة، الحقيقة أنت بتتميز بالقدرة على طرح الأسئلة، أو بالأحرى اختراع الأسئلة، الإجابات سهلة وممكن لأي أحد أن يدلي بدلوه ويفتي في الإجابة، المشكلة في السؤال، وكتبك مليئة بالأسئلة الجديدة التي تخلط بين ما هو اجتماعي وما هو علمي وما هو ديني.
    أعجبني جدا سؤالك حول البينة والدليل، والمقارنة بين التقرير الطبي في المحاكم الشرعية وأهميته المحدودة، وبين التقرير الشرعي في المجالس والمحاكم الأهلية وأهميته كدليل معتبر. فقط أنوه إلى أن هذه الإشكالية قديمة جديدة متجددة، والنقاش حولها مطروح في مصدر جديد لم تنتبه له، فالبرغم من تنوع مصادرك بين سجلات محاكم ومجالس وتقارير بوليس وأرانيك صحة؛ إلا أن سجلات فتاوى دار الإفتاء فيها نقاش مهم حول هذه النقطة في قضايا الإعدام، حيث كان المفتون يرفضون إعدام المتهم إلا ببينة، ولم يكن (الدليل المادي) هذا معتبرا عندهم؛ ولكن هذه القاعدة تراجعت بداية من عهد الشيخ حسنين مخلوف الذي بدأ يأخذ بالدليل المادي مستندا إلى أن من المعمول به في الفقه المالكي جواز الحكم بالإعدام بناء على شهادة شاهد واحد مع يمين أولياء الدم مع وجود قرائن قوية تزيد شبهة المتهم.
    في شوق لقراءة كتابك. وأنا مستعد لترجمته.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.