عبد الرحمن منصور ومحمد أبو الغيط كتبا مقالا هاما جدا في مدى مصر عن انتخابات عام ٢٠١٨. المقال يجب أن يُقرأ بعناية، ويجب الاشتباك معه بالجدية التي يستحقها.
منهجيا، أهم ما في المقال تقديمه لنمادج كثيرة لدول ومجتمعات تصدت للديكتاتورية تارة عن طريق النضال الثوري ، بل المسلح، وتارة عن طريق صناديق الاقتراع. الطريقة التي عرض بها الكاتبان لهذه النماذج مركزة وغزيرة وثاقبة، وتدعونا للتفكر والتأمل.
روح المقال مليئة لا بالأمل بقدر ما هي مليئة بالإحساس بالمسئولية. أنا على يقين أن هناك آلاف ممن سيقرأ المقال سيكون أول رد فعل له هو الاستهزاء والتهكم والتندر. هذا مفهوم في ظل اللحظة البائسة بل الخطيرة التي تمر بها البلاد. ولكن الكاتبين يحسب لهما إدراكهما لهذه النزعة التهكمية والاشتباك معها بانتهاجهما نبرة مسؤولة عقلانية.
أما موضوعيا، فالمقال يطرح العديد من النقاط العميقة التي تحثنا على التفكير. أعتقد من أهم تلك النقاط :
١. لحظة ٢٠١١ انتهت، وأي تشبث نوستالجي بها عمل غير مسؤول وخطير.
٢. النظام الحالي قوي وشرعيته غير مهددة لا داخليا ولا خارجيا.
٣. القضاء على هذا النظام لن يتم بضربة قاضية، وحتى لو توفرت الظروف المحلية والإقليمية والعالمية لتوجيه ضربة قاضية له فالمنطق وعِبر التاريخ يقولان أن الكلفة (في الأرواح) ستكون عالية جدا ولا يوجد طرف من الأطراف، حتى الأكثر ثورية، مستعد على تحمله.
٤. الانتخابات القادمة تقدم فرصة لهزيمة النظام، ليس في الانتخابات نفسها ولكن في الآليات والحراك والخبرات والتكتيكات والتحالفات التي قد تتيحها فرصة الانتخابات والتي يجب أن يُنظر لها على أنها جزء من صراع طويل قد يأخذ أعواما وعقودا.
٥. الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون، فلكي نضمن نزاهة العملية الانتخابية (وليس الفوز في الانتخابات) يجب توفر ١١ ألف مندوب بالإضافة لنصف هذا العدد للإشراف على الأعمال الإدارية واللوجستية مثل :”إنشاء غرف عمليات مركزية وفرعية، فرز وتدريب القيادات المحلية، تجنب الاختراق الأمني، شبكة الشخصيات ممن يشكلون مفاتيح القرى والأحياء مثل كبار العائلات والقبائل، شبكة مؤجري السيارات لنقل الناخبين من القرى، شبكة موردي الطعام لوجبات المندوبين، إلخ.” هذه نقطة صغيرة من مجموعة نقاط يطرحها الكاتبان عن ما يجب التفكير فيه بخصوص خوض معركة الانتخابات.
هذا مقال سياسي من الدرجة الأولى. إنه سياسي لأنه يتوجه لنا، كأفراد من الشعب، بأسلوب عقلاني، صريح، شفاف، لا تعالي فيه ولا نفاق. هذا مقال يحثنا على التفكير والاشتباك معه والاختلاف حوله. ،هذا في رأيي من بديهيات العمل السياسي المسؤول.
وهو أيضا نموذج ناصع للفكر السياسي الشريف، بمعنى أنه ينطلق من مبدأ أن السياسة تهم الجميع، لأنها تلمس الجميع، وأنها يجب أن نتطلق مما هو سامي وجميل، لا مما هو وضيع وبغيض في كل واحد فينا. لا حديث هنا عن غرف مغلقة ، أو تسجيلات مسربة، أو اللعب على وتر الخوف، أو التلويح بفضائح شخصية، وهذه هي نماذج العمل السياسي كما عرفناها وخبرناها في مصر على مدار الستة عقود ونيف الماضية.
فشكرا لعبد الرحمن منصور ومحمد أبو الغيط على مقالهما، وعلى حثّهما لنا على أن نفكر بمسؤولية في المعركة القادمة وأن نستعد لها بجدية.
مقالى المنشور على موقع التحرير فى 28 أبريل 2017
http://www.tahrirnews.com/Posts/share/743261