23 نوفمبر 2016
في حديثه مع القناة التليفزيونية البرتغالية سئل السيسي سؤالا صريحا عن نية ترامب إجبار المسلمين أن يسجلوا أنفسهم لدى السلطات الأمريكية، وعما إذا كانت تلك الخطوة تثير قلقه كرئيس دولة يشكل المسلمون غالبية سكانها، فرد قائلا :”كل دولة بتحاول توفر الأمن والاستقرار لرعاياها ولبلدها.”
السيسي لا يهمه بالطبع أن يُجبر الأمريكان المسلمون دون غيرهم من المواطنين الأمريكان على تسجيل أنفسهم — أي أسمائهم، ومحل إقامتهم، ومهنهم– لدى السلطات الفيدرالية. ففي النهاية السيسي رئيس المصريين وليس رئيس الأمريكان.
ماشي. لكن كرئيس للمصريين، مسلمين وأقباط، ألا يستوفقه أن هذا الإجراء سينال من حقوق مواطنيه (الذين يستكثر عليهم هذا النعت ويشير إليهم كرعايا)؟ ألا يدرك السيسي أن “سجل المسلمين” الذي يفكر فيه ترامب وأعوانه سيفرض على المهاجرين والمسافرين القادمين من دول أغلبية سكانها مسلمين ليس فقط أن يسجلوا بياناتهم عند دخول الولايات المتحدة بل أن يخضعوا لاختبارات إضافية عن مفهومهم للشريعة وعن رأيهم في المساواة بين الجنسين وعن حقوق المثليين وعن معرفتهم بدستور الولايات المتحدة وتاريخها؟ ألا يدرك السيسي مقدار القلق والظلم الذي سيشعر به “رعاياه” المصريون عندما يقوموا بزيارة للولايات المتحدة بقصد العلاج أو الدراسة أو حتى السياحة ثم يجدوا أنفسهم مضطرين لأن يجيبوا على أسئلة تبحث في ضمائرهم وتفتش عن معتقداتهم؟
أغلب الظن أن تلك تفاصيل تافهة لا تمثل أهمية للسيسي، لذا كان رده على السؤال المحرج ردا صريحا وواضحا لا لبس فيه: لا صوت يعلو فوق صوت معركة الإرهاب، حتى إذا استدعى ذلك أن يبارك إجراء يساوي بين الإسلام والإرهاب ويضع عاتق إثبات العكس على كل مصري وافد على أمريكا (لا فرق هنا بين المسلمين والأقباط، فالسلطات الأمريكية ستسجل الوافدين من بلدان أغلبية سكانها مسلمين، ولن تفرق بين ديانة هؤلاء الوافدين).
وأغلب الظن أيضا أن “رعايا السيسي” الذين تنازلوا طوعا عن حقوقهم كمواطنين عندما رقصوا في الشوارع وعندما فوضوه للقضاء على الإرهاب — هؤلاء “الرعايا” لن يعبأوا كثيرا بهذا الإجراء وبما يحمله من عنصرية وخطر حقيقي. فهؤلاء “الرعايا” ، مسلمين كانوا أم أقباط، سيتمكنوا من إقناع أنفسهم أن تلك العنصرية الفجة لا تعنيهم، فهم في النهاية “مسلمون أخيار”، كما أن بشرتهم ليست قاتمة بالدرجة التي تستدعي القلق، وبعضهم ليسوا بمسلمين من باب الأصل، لذا فالأمر لا يعنيهم في نهاية المطاف. غايتها بضعة ساعات إضافية في طابور الجوازات، وهذا ثمن زهيد سيدفعونه عن رضا لكي ينعموا بالأمن والاستقرار.
فأهلا بكم في الولايات المتحدة العنصرية. وأهلا بنا جميعا في عهد جديد يبزغ علينا بفاشيته وعنصريته وسلطويته.