بمناسبة ذكرى حرب اكتوبر لازم طبعا نفتح موضوع الوثائق التاريخية وليه مخبيينها عنا. عبده البرماوي وأشرف الشريف كتبوا عن الموضوع دا كلام جميل، وأحب أضيف عليه نقطتين.
النقطة الأولى تتعلق بالتعليقات ال بتتساءل إذا كانت الوثائق موجودة، والتعليقات المشابهة ال بتؤكد إن الوثائق اترمت أو تلفت أو ضاعت. أحب أقول إن استشهادا بالكتب ال تناولت حرب ٥٦ واليمن و٦٧ يبدو بوضوح إن الوثائق موجودة ومحفوظة ومفهرسة ومتصانة. لكنها محجوبة عنا.
بجانب دار الوثائق القومية ال فيها قدر صغير جدا من وثائق حرب ٧٣، المؤسسات الحكومية، وتحديدا المؤسسات ال اصطُلح على تسميتها بالـ“سيادية“، عندها آلاف، إن ما كانش ملايين الوثائق.
أولا، رئاسة الجمهورية، عندها أرشيف منظم ومفهرس فيه ١. تقارير سكرتارية الرئيس للمعلومات. ٢. تقارير الرأي العام. ٣. ملفات متعددة عن مراسلات وتقارير ومتابعات.
ثانيا، رئاسة مجلس الوزراء، عندها مضابط اجتماعات مجلس الوزراء.
ثالثا، وزارة الدفاع، عندها أرشيف ضخم اسمه “دار المحفوظات المركزية العسكرية“، ودا فيه كنوز كتيرة منها: ١. تقارير ودراسات صادرة من المخابرات الحربية. ٢. يوميات المخابرات الحربية عن فترة الحرب . ٣. سجلات سير الحوادث اليومية. ٤. ملفات خاصة بتنظيم الوحدات المشتركة في الحرب من أفراد ومعدات وتسليح ومركبات. ٥. سجلات البرقيات المتبادلة بين قادة القوات في سيناء والقيادة العامة للقوات المسلحة. ٦ سجلات حرب الوحدات المقاتلة وموضح بيان الأنشطة القتالية المختلفة وخرائط مسرح العمليات وأوضاع القوات.
دا غير الوثائق الموجودة في وزارة الخارجية ووزارة الداخلية والمخابرات الحربية والمخابرات العامة ومباحث أمن الدولة.
النقطة التانية تتعلق بسبب المنع. طبعا الكلام اتهرى في النقطة دي، لكن برضه بمناسبة أعياد اكتوبر المجيدة والأيام المفترجة دي ما فيش مانع إننا نعيد ونزيد.
في أسباب كتيرة تفسر تعنت الدولة في التمسك بسرية الوثائق دي وعدم إتاحتها لينا للبحث والاطلاع بالرغم من مرور السنين الطويلة (فزي أشرف الشريف ما قال، الموضوع ما يتعلقش بس بوثائق ٧٣ لأن حتى وثائق حرب ٤٨ ما أفرجوش عنها). ومن ضمن الأسباب دي:
الإفراج عن الوثائق التاريخية دي هيسمح للناس بالبحث والاطلاع، ودا حتما هيطرح أسئلة بعضها قديم وبعضها جديد، ودا في حد ذاته شيء خطر لأنه هيشكل سابقة ممكن القياس عليها، لإن لو إننا كشعب مارسنا حقنا ودورنا في التفكير النقدي بناء على معلومات ووثثائق رسمية عن حاجة حصلت من ٤٠ سنة ممكن نعمل نفس الشيء بخصوص حاجات حصلت من ٣ سنين أو ٣ أشهر.
الإفراج عن الوثائق المتعلقة بحرب ٧٣ طبعا ما لوش أي ضرر استخبراتي أو عسكري، لكن الإفراج عن الوثائق دي ممكن يكون لع تبعات خطيرة لو المعلومات ال في الوثائق دي بتشير لعقلية أو طريقة عمل لسه شغالة من ٤٣ سنة ، وأصحاب العقلية دي مش عاوزين طرق عملهم/تفكيرهم تتعرف.
الإفراج عن الوثائق دي هيوضح جوانب خفية عن حرب اكتوبر لسه في ناس عاوزاها تفضل مخفية. الموضوع مش متعلق بالصراع بين السادات والشاذلي، لسبب بسيط إن السادات والشاذلي ماتوا واتدفنوا، وما فيش حد هينضر مباشرة من الإفراج عن الوثائق دي. لكن ممكن يكون الخطير في الموضوع هو الصراع المؤسسي مش الصراع الشخصي، يعني الصراع بين الرئاسة والجيش. الصورة الشائعة عن نظامنا السياسي من سنة ٥٢ إن الرئيس طالما هو نفسه جاي من الجيش، يبقى منطقي إننا نفترض إن مؤسسة الرئاسة ووزارة الحربية/الدفاع متفقين. لكن قراءة تانية لتاريخنا المعاصر توضح خطأ الصورة الشائعة دي: فصراع نجيب مع عبد الناصر، وبعدين عبد الناصر مع عامر، وبعدين السادات مع فوزي وصادق وناصف والشاذلي والجمسي، وبعدين مبارك مع أبو غزالة، وبعدين طنطاوي مع مبارك، وبعدين مرسي مع السيسي – كل الصراعات دي بتوضح إزاي إن الصراع بين الرئاسة والجيش سمة أساسية من سمات نظامنا السياسي الحديث. خطورة الإفراج عن وثائق حرب اكتوبر ممكن يكون نابع من إمكانية كشف الوثائق دي عن الدور المحوري ال لعبه الصراع دا، صراع السادات مع قادته العسكريين، في رسم تفاصيل الحرب وتحديد طريقة خوض المعارك.
الإفراج عن الوثائق دي، أخيرا، ممكن يشكك في طبيعة وأهمية الانتصار ال الجيش بيدعيه لنفسه. المقصود هنا مش بس الخلاف حولين دور الضربة الجوية الأولى في تحقيق النصر (أشرف الشريف فند موضوع الضربة الجوية دي في بوست ليه من شوية)، لكن المقصود هو إمكانية إلقاء الوثائق الضوء على الأهمية التاريخية لحرب اكتوبر، والتشكيك في إنها محت بالفعل آثار هزيمة ٦٧ المروعة، زي ما اتقال لينا في المدارس والأغاني والصحافة والإعلام. بمعنى آخر، وارد قوي إن الوثائق دي توضح إن ٧٣ ما كانتش لا حرب مجيدة ولا انتصار ساحق ولا حتى انتصار مهم (إلا لو كنا بنتكلم عن انتصار الرئاسة على الجيش).
و طبعا ممكن الوثائق المتعلقة بحرب اكتوبر توضح عظمة العسكرية المصرية، وتلاحم الرئاسة مع قادة الجيش، والتضحيات المبهرة ال قام بيه مش بس آلاف الجنود لكن كمان القادة والضباط في كل المواقع، وقدرة الحرب على محو آثار هزيمة ٦٧ مش بس عسكريا وسياسيا لكن ثقافيا ونفسيا كمان.
والطريقة الوحيدة ال ممكن نعرف بيها خطورة الوثائق دي (أو فايدتها) أننا نطلع عليها ونقراها.