نُشر في “فيسبوك” في ٢٤ ابريل ٢٠١٦
مش أحسن ما يكون حالنا زي سوريا والعراق؟
النهار دا الرئيس السيسي ألقى كلمة قصيرة بمناسبة عيد سينا. في كلمته أكد على إن الجيش عمره ما فرّط ولا هيفرّط في ذرة واحدة من تراب الوطن.
أول حاجة فكرت فيها لما سمعت المقطع دا كان المثل الشهير: “اسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب.”
لكن مش دي أكتر حاجة استوقفتني. ال استوقفني هو محاولته التأكيد على أهمية الاستقرار ال هو شايف إنه حققه، وتأكيده على إن أي محاولة للاعتراض على سياساته غرضها الوحيد هو زعزعة الاستقرار دا.
أنا ماعنديش شك إن الكلام دا بيسمّع عند ناس كتير، ناس شايفة إن البلد فعلا ما تستحملش لا مظاهرات ولا إضرابات ولا نزول للشارع. ناس مذعورة من فكرة انهيار الدولة وشايفة إن أي اعتراض على أي مشكلة أو أي سياسة معناه الوصول بينا لحال سوريا والعراق.
أنا متعاطف مع الناس دي ومتفهم تخوفها. لكن عندي ليهم سؤالين.
الأول هو: انتم عارفين إيه عن تاريخ سوريا والعراق؟ إيه في رأيكم ال وصل البلدين دول للمأساة ال إحنا شايفنها؟
طبعا الجواب هو: أمريكا والمؤامرة وسايكس بيكو.
أنا متفق معاكم تماما. أمريكا ارتكبت مجازر ومذابح يشيب لها الجبين في العراق. وأمريكا احتلت العراق سنة ٢٠٠٣ بعد تخطيط وتدبير طويل. يكفي الإشارة للثلاثي كوندوليزا رايس، ودونالد رامسفيلد، وديك تشيني، وتصميمهم على تغيير الأنظمة في المنطقة بالعنف وإحداث “فوضى خلاقة”.
لكن وبالرغم من الجرايم ال أمريكا ارتكبتها في العراق أنا ماعنديش أدنى شك إن نظام صدام حسين الدموي هو ال أعطى لأمريكا ذريعة وفرصة للتدخل السافر دا، وهو ال سهل على أمريكا مهمة التخليص على البقية الباقية من المجتمع العراقي.
يكفي التذكير بأن صدام ما اترددش إنه يستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه هو (حلبجة في مارس ١٩٨٨) وهو ال دخّل بلاده في حرب طويلة مع إيران (١٩٨٠-١٩٨٨) راح فيها مئات الآلاف من خيرة شباب العراق، وكلفت مليارات الدولارات. وأول ما الحرب خلصت، وبدل ما يعيد بناء بلده ال اتدمر، اشترى سلاح وأعاد بناء ترسانة أسلجة ضخمة وصرف على أجهزة الأمن بتاعته وأطلق العنان لحاشيته. ومفيش سنتين وراح غزا الكويت ودخّل بلده والمنطقة كلها في حرب ضروس راح فيها الآلاف المؤلفة. وطول الوقت وسجونه ومعتقلاته تئن من صراخ أفراد شعبه ال حبسهم وعذبهم بالملايين.
أمريكا مسؤولة مفيش شك. لكن النظام القمعي وغياب الديمقراطية وانتشار المحسوبية والفساد والتعذيب والظلم هو ال جرّف الحياة السياسية في العراق ومكّن صدام من التضحية بشعبه بالطريقة المهينة دي. وخلينا نفتكر إزاى صدام أول ما جا الحكم كان بيحظى بشعبية واحترام على أساس إنه الوحيد ال ممكن يحافظ على استقرار العراق ووحدته.
نفس الكلام ينطبق على حافظ الأسد، رجل سوريا القوي، ال سلّم البلد لابنه قوية متعافية موحدة. لكن الأسد، الأب والابن، هما كمان زيهم زي صدام حكموا بلدهم بالحديد والنار، وسمحوا للجيش والمخابرات إنها تتحكم في الاقتصاد، ووزعوا البلد عليهم كأبعادية ورثوها من أهلهم. وزيهم زي صدام في العراق، كان من أهم علامات بداية النهاية تصارع الأجهزة الأمنية مع بعض، ويوم بعد يوم الشعب السوري كان بيلاقي نفسه مطحون جوا صراع الأجهزة دي.
أنا فعلا مرعوب من سيناريو سوريا والعراق، ودراستي وتدريسي لتاريخ البلدين دول وضحوا لي سبب الرعب: تقفيل المجال العام، تكميم الأفواه، تستيف البرلمان، تضبيط الصحافة، خلق هالة من التقديس حولين الرئيس، إطلاق العنان للجيش يعمل ما بدا له، عدم السيطرة على الأجهزة الأمنية بحيث كل جهاز يتفانى في إثبات ولاءه للرئيس على حساب الشعب.
سيناريو سوريا والعراق مخيف بجد. لكن ال يخوف أكتر إدراك إن السيناريو دا بدأ بالفعل في مصر، مش على أيدين الإخوان ولا داعش ولا الحكوكيين الكيوت، إنما على إيد النظام الحاكم.
تاني سؤال بوجهه للمطالبين بالاستقرار هو: كلنا عايزين استقرار، إنما إيه تكلفته؟ ومين ال بيدفع تمن التكلفة دي؟ يعني حضرتك لما شغلك ماشي كويس ومستريح في الكومباوند ال ساكن فيه أو مطمئن من الوظيفة الميري بتاعتك من حقك طبعا تخاف على الاستقرار دا. لكن أعتقد إن من واجبك كمان تفكر الناس ال نازلة الشارع دي عايزة إيه؟ وبتعرض نفسها للمخاطر دي ليه؟
جواب المؤامرة سهل. لكنه جواب غير أخلاقي ورخيص. غير أخلاقي لأنه بيعفيك من التفكير. أنا مش هأبذل مجهود علشان أشرح الناس نازلة ليه. أنا عايزك بس تسمع كلام الست ال أنا حاطط صورتها هنا. الست دي اسمها بثينة مصطفى شحاته، من الشرقية. ابنها اسمه أحمد حسني، شاب زي الورد، اتجند في الأمن المركزي في العريش.
من سنتين، وتحديدا يوم ٤ سبتمبر ٢٠١٤، جا لها خبر إن أحمد مات من ضربة شمس الساعة ٦ الصبح. أم أحمد شكت في الموضوع: مين دا ال بيجيله ضربة شمس الفجر. وبالفعل التحقيقات أثبتت إن ابنها مات م الضرب، وإن ال ضربه وقتله الضابط بتاعه. وتقرير الطب الشرعي أثبت الكلام دا.
أم أحمد بتسأل: “عشان هو ضابط ورتبة يقوم يدوس ع الناس الغلابة ال زي حالتنا؟ ولو ابنه هو هيعمل كدا؟ لو ابن أخوه هو هيعمل كدا؟ مش ممكن. مش ممكن إن أي حد في الدولة يتراضى إن ابنه ييجي جثة هامدة كدا وبالعينة دي.”
أم أحمد كانت عايزة تشوف محمد حسني، الضابط ال بتتهمه بقتل ابنها، بيتحاكم. وزي الفيلم التسجيلي “موت في الخدمة” ال البي بي سي أنتجته ما بيوري، الضابط راح فعلا المحكمة، لكن القاضي قرر إن معندوش وقت يسمع كل الشهود.
الضابط علشان يطلع م القضية عرض على العيلة مبلغ محترم، لكن أم أحمد رفضت وقالت “العشم في ربنا وفي قضاء مصر برضه.”
لكن فعلا ما كانش العشم. بعد أحمد ما مات بشهر واحد الرئيس السيسي أصدر قرار بتعديل قانون الشرطة. وحسب التعديل دا القضاء العسكري، مش القضاء المدني، هو “المختص دون غيره بالتحقيق في الجرائم التي تقع من المجندين الملحقين بخدمة هيئة الشرطة.” يعني أم أحمد مش هتقدر تحضر جلسات محاكمة الضابط ال بتتهمه بقتل ابنها.
لو خايف على البلد بجد، وعايز تفهم الناس نازلة ليه، ومين المسؤول عن الوضع الصعب ال احنا فيه، اتفرج على أم أحمد في الفيلم دا . وأسأل نفسك: ليه الفيلم دا اتمنع من العرض، مش بس في التلفزيون المصري، لكن مفيش ولا جرنال مصري قدر حتى يتكلم عنه؟ وحاول، ولو محاولة صغيرة، ولو إني عارف إنها صعبة، إنك ما تقولش عن البي بي سي، زي ما قلت عن رويترز، إنها عميلة ومتحاملة وإخوان.
فكر واتعب، يمكن تقدر تحافظ على بلدك وتحميها من مصير سوريا والعراق.