نُشر على “فيسبوك” في ١٤ ديسمبر ٢٠١٥ تعقيبا على مقال كان قد كتبه حسن عبد الموجود في “مبتدأ” حول قضية أحمد ناجي
أنا متابع لهذه القضية عن قرب، ومتعاطف جداً مع ناجى ومعكم جميعاً، وأتفق معك على أن “شر البلية ما يضحك”. لكن لى تحفظ صغير يتعلق بتوصيفك لـ”المجتمعات الراقية”. أنا أعيش فى أحد تلك المجتمعات، وأعترف أن فيه قدراً كبيراً من الرقى، ولكنى أدرك جيداً أن مبدأ حرية الرأى فيه مهدد دائماً وأبداً، هناك ضمانات كثيرة، بالتأكيد، من نصوص قانونية، ومبادئ دستورية، ومؤسسات راسخة. لكن هناك أيضاً من يتربص بهذا المبدأ، مبدأ حرية الرأى، تارة باسم الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب، وتارة باسم الحفاظ على تماسك المجتمع.
ولكن فى مقابل هذه الآراء المحافظة، هناك دائما وأبداً من هم مستعدون للدفاع عن هذا المبدأ، إدراكا منهم أنه “أى المبدأ” مهدد، وأن الضمانات الدستورية والقانونية لا معنى لها إلا إذا كان هناك من هو مستعد لخوض معركة الدفاع عنها.
ولكى أكون أكثر وضوحاً، أنا لا أرى ما يحدث فى قضية ناجى استثناء، بل هى حالة دالة لهشاشة مبدأ حرية الرأى ولضرورة الدفاع عنه.
الاختلاف الذى أراه بيننا وبين “المجتمعات الراقية” هو أننا لم نخض بعد المعركة المبدئية حول حرية الرأى، بمعنى أننا وبالرغم من كثرة القضايا والحالات التى تعرض فيها هذا المبدأ للتهديد على مدار القرن الماضى، إلا أن أنصار هذا المبدأ ما برحوا يدافعون عن هذا المبدأ بشكل سجالى “مثل: القوى الظلامية فى مواجهة التنوير”، وليس بالاشتباك الموضوعى مع القضية.
ما يجب علينا عمله هو خوض المعركة بشكل جدى، يجب علينا أن نجد إجابات مقنعة للأسئلة التالية: لماذا يجب الدفاع عن حرية الرأى؟ هل الموضوع يتعلق بحقوق شخصية “حق الفنان / الكاتب / الصحفى فى أن يقول ما يريد”، أم أنه يتعلق بحق المجتمع فى المعرفة؟ ما الفائدة التى ستعود على المجتمع من السماح بحرية الرأى دون قيود؟ ألن يؤدى هذا إلى الفرقة والارتباك؟ أليس من الأفضل الحفاظ على مقومات الأمة/ الوطن/ المجتمع؟ لماذا نعرض الناس للأذى والضرر نتيجة السماح لبعض الكتاب/ الفنانين/ الصحافيين، بأن ينتجوا كلاماً أو أعمالاً فنية فيها ما يؤذى الجمهور ويجرح شعورهم؟ كل المجتمعات ترسم خطوطاً حمراء لما هو مسموح وما هو غير مسموح. أين يقع هذا الخط الأحمر فى حالاتنا المصرية؟ بمعنى: أين الفاصل بين المسموح والمحظور؟ وكيف يُرسم هذا الخط؟ ومن الذى يقوم بذلك؟
نحن أمام موجة محافظة عاتية تشابه الفاشية إلى حد كبير. ولكن وبغض النظر عن التشبيهات، فإننى أفضل النظر للحظة الحالية بأنها لحظة فرصة على قدر ما هى لحظة تحدٍ، فرصة لبلورة آرائنا وتوضيح أفكارنا عن الكثير من القضايا التى فجرتها الثورة. وأعتقد أن قضية حرية الرأى من أهم هذه القضايا وأخطرها.
وأعتقد أيضا أن قضية ناجى، بالرغم من العبثية التى قد تبدو بها، قضية دالة ومحورية وتضعنا أمام تحد حقيقى: كيف يمكن الاستفادة منها ليس للرد على النيابة بل الهجوم على الفكر الرجعى، الذى يمثله وينوب عنه بتقديم منطق متماسك ومتزن وواثق من نفسه عن أهمية مبدأ حرية الرأى وضرورة الدفاع عنه، دائماً وأبداً.