نُشر في “فيسبوك” في ٣٠ نوفمبر ٢٠١٥
أنا الحقيقة مستغرب من قرار احتجاز الباحث الشاب اسماعيل الإسكندراني، ففي اليوم اللي الجرايد طالعة علينا بتشيد بمبادرة “احتواء شباب ثورة ٢٥ يناير” نلاقي الأجهزة الأمنية بتتحفظ على واحد من الشباب دول عند رجوعه من السفر.
مش عاوز أتريق وأتساءل إذا كان دا اللي الدولة بتعنيه بالـ”احتواء”، فالموضوع جد ما يحتملش الهزار.
عاوز بس أقول حاجتين:
أنا متابع شغل إسماعيل من فترة ومعجب به جدا. وكتبت عن اسماعيل في فيسبوك مشيدا بشغله الصحفي اللي على سيناء. وأشدت بالتحديد ببحثه الدقيق والمتأنى عن تحولات الجماعات الجهادية في سيناء وإعطاء بعض منها البيعة لداعش. وقلت إن الشغل دا شغل ممتاز وفريد لأن أغلب الباحثين والصحفيين ممنوعين أصلا من البحث في الموضوع دا، ما بالنا بالسفر هناك وتغطية الأحداث من على الأرض زي ما اسماعيل عمل. وفي محاضراتي العامة بالعربي وبالإنجليزي بأشير دايما لشغل اسماعيل على إنه من أهم الحاجات اللي طلعت مش بس عن سيناء ولكن عن فكرة الحرب على الإرهاب: تكلفتها، وطريقة تنفيذها، وفرص نجاحها. وفي سبتمبر اللي فات قابلت اسماعيل شخصيا لأول مرة وانبهرت بإخلاصه ودأبه وخوفه على البلد.
الحاجة التانية اللي واقعة احتجاز إسماعيل بتجبرنا على التفكير فيها هي مبدأ حرية الصحافة وحرية التعبير وحدودهم. أنا مدرك حساسية المواضيع اللي اسماعيل بيتكلم فيها، وعارف إن المواضيع دي بتعتبرها الأجهزة الأمنية مواضيع محرمة لأنها تخص الأمن القومي. ولكن قضية إسماعيل، زي قضية هشام جعفر وحسام السيد وغيرهم من اللي تناولوا مواضيع حساسة في كتابتهم بتجبرنا على إننا نسأل نفسنا سؤال أساسي، وصعب: هو الأمن القومي حكر على أجهزة الأمن القومي؟ مش المجتمع والرأي العام والصحافيين وقطاعات كبيرة من المجتمع برضه مهتمين بالأمن القومي ومشغولين على بلدهم؟ ومش برضه من حقهم يتكلموا ويكتبوا ويعبروا عن رأيهم في المضوع دا؟
مش بس كدا. في كمان سؤال أعمق، وأصعب. مش برضه المجتمع (والدولة) هيستفيد من فتح النقاش في المواضيع دي؟ قصدي إن الموضوع مش بس موضوع حق، لكنه كمان موضوع واجب ومسئولية.
يعني مثلا أنا ما عنديش شك إن المجتمع من حقه إنه يعرف إذا كانت جهود الجيش بتجيب أثر عكسي لأنها بتألب السيناوية على الدولة وبتخلق من شبابهم دواعشة وبالتالي بتصعّب من مهمة الجيش على المدى الطويل، ودي الأسئلة اللي دارت في ذهني لما قريت تحقيقات إسماعيل.
ولكن زي ما قلت، الموضوع مش بس متعلق بحقوق المجتمع في المعرفة. الموضوع برضه يتعلق بواجب المجتمع. بمعنى إن من واجب المواطن إنه يسأل ويتفحص وبتعب نفسه. من واجبه إنه يسأل: هي جهود الجيش في محاربة الإرهابيين ماشية كويس؟ وهل في طريقة تانية أنجع وأسلم على المدى الطويل للقضاء على الجماعات دي؟
هي دي أسئلة صعبة؟ طبعا.
هل هي أسئلة خطيرة؟ برضه طبعا.
هل هي أسئلة مش لازم نقرب منها علشان في ناس تانية تفهم عني وعنك بتتعامل معاها؟ هنا بقى اختلف. واختلافي مش نابع من تمسك عمياني بشوية مبادئ حقوق إنسان عن أهمية حرية الرأي والصحافة.
تمسكي بمبدأ حرية الرأي نابع من حاجات كتير، أهمها قراءتي للتاريخ وخصوصا تاريخ مصر الحديث. أنا بأقرأ وبأدرّس من سنين طويلة تاريخ صراعنا مع إسرائيل وتحديدا حرب يونيو ١٩٦٧، وما عنديش أدنى شك إن غياب الصحافة والرأي العام وانعدام الرقابة على الجيش كانوا من أهم أسباب الهزيمة المروعة اللي منينا بيها في الأيام السودا دي. أنا مدرك إن الجيش ماكنش جاهز، وإن قدراتنا القتالية كانت في أغلب الظن تحتم هزيمتنا. لكن السؤال هو ليه الهزيمة كانت بهذه السرعة وبهذا العمق. وبعد قراءة عشرات الكتب والمقالات ما عنديش شك إن لو كانت عندنا صحافة دورها مش التعبئة (أسقطنا ٤٣ طائرة، قواتنا تتوغل داخل إسرائيل، إلخ إلخ) لكن تقديم المعلومة الدقيقة والنقد المدروس كان ممكن التاريخ ياخد شكل تاني. لو قادة الجيش في السنين اللي سبقت الهزيمة كانوا بيتصرفوا مش إرضاء لرغبات المشير عبد الحكيم عامر لكن مراعاة لرأي عام متابع وواعي كان وقتها ممكن يكون عندنا جيش يقدر يقاتل ويحارب بجد مش فص ملح وداب زي ما حصل يوم ٥ و٦ و٧ يونيو.
إسماعيل في رأيي مش بس بيمارس حقه في التعبير عن رأيه، لكنه كمان بيعمل واجبه كمواطن بيحب البلد وبيخاف عليها وبيتعب نفسه في الشغل والبحث والدراسة والكتابة. دي مسئوليته كمواطن قبل ما تكون حقه كصحفي.
نقطة أخيرة: احنا معركتنا مع الإرهاب صعبة ومعقدة. وما عنديش شك إننا هنكسبها في النهاية. لكننا مش هنكسبها بضربة قاضية، ولكن بمجهود كبير لازم كلنا نشارك فيه. إسماعيل شارك بجهده وعمل اللي يقدر عليه، وما زال عنده الكتير اللي ممكن يقدمه.
فلو الدولة عاوزة فعلا تشرك شباب الثورة معاها وتحطهم “فى اختبار حقيقى لتحمل المسؤولية من خلال الانتقال من الهتاف إلى الرؤية” زي ما الخبر النهارده قال، يبقى لازم تفرج عن إسماعيل الإسكندراني.