Press "Enter" to skip to content

الأراجوز

نُشر في “فيسبوك” في ١٣ نوفمبر ٢٠١٤

بمناسبة استدعاء زاهي حواس للنيابة لتحقيق معاه في قضية سرقة خرطوش هرم الملك خوفو، باتريك كينجسلي كتب مقال اتنشر مبارح في الجارديان، ونقل عن زاهي ما ترجمته: “دي نعمة من عند ربنا. لما باتكلم الناس بتسمعني، في حين لما حد تاني بيتكلم، الناس بتنام. أنا حطيت مصر في قلوب الناس في كل حته. قبل كده، الأجانب بس هم اللي كان ممكن يعملوا كده. أنا رحت إنجلترا، ودخلت أسانسير، وواحدة ست أغمى عليها لما شافتني. ما كانتش مصدقة إني نازل معاها في نفس الفندق. أعمل إيه؟”

دي هي الفضيحة الحقيقية بتاعت زاهي حواس، مش قضايا الفساد اللي الناس بتتكلم وتكتب عنها. زاهي حواس أراجوز.

أراجوز بيثير السخرية والشفقة، مش الضحك.

أراجوز قعد متربع على شوية من أعلى المناصب الأثرية مش بس في مصر، لكن ممكن في العالم أجمع لمدة عقود طويلة: كبير مفتشي آثار الجيزة، أمين عام المجلس الأعلى للآثار، وزير الدولة للآثار.

أراجوز كرّس جهوده للحضور الإعلامي الطاغي في التليفزيونات والأفلام التسجيلية الأجنبية على حساب التوجه للجمهور المحلي.

أراجوز فشل في فتح متاحفنا الأثرية للمصريين (حد من الصحفيين المهتمين بسرقة الآثار كلّف نفسه يكتب عن متوسط عدد زيارة المصرييين لأي متحف؟ ويا ريت ما نركزش على نقطة توقف الرحلات المدرسية للمتاحف لإن المشكلة أعمق وأكبر من كده بكتير).

أراجوز فشل في تخريج كوادر مصرية — من علماء آثار، لعلماء لغة مصرية قديمة، لعلماء تاريخ — من المصريين المهتمين بتاريخ بلدهم.

أراجوز فشل في إنتاج علماء مصريات من المصريين، يعني فشل في إنه يخلي المصريين يقبلوا على دراسة تاريخ بلدهم زي ما في يونانيين بيدرسوا تاريخ الإغريق، وأتراك بيدرسوا تاريخ الأناضول، وهنود بيدرسوا تاريخ الهند (وقصدي بالـ”دراسة” هنا إنتاج معرفة جديدة مش إعادة تدوير أفكار قديمة).

أراجوز فشل إنه يكوّن في مصر أي متحف تاريخي له سياسة واضحة وطموحة لجذب الجمهور المحلي.

أراجوز فشل في تحويل أي متحف تاريخي من متاحفنا إلي مركز علمي لإنتاج المعرفة التاريخية. مفيش أي متحف من المتاحف اللي كانت تحت إشرافه عنده مكتبة محترمة. معندناش أي متحف عنده أجندة بحثية جادة: نشر كتب ودوريات علمية، عقد مؤتمرات محلية أو إقليمية أو دولية في موضوعات علمية. معندناش أي متحف بيربي كوادر في علم المتاحف الـ museology ولا حتى سمع عنه.

أراجوز فشل في تحويل مصر إلى مكان لإنتاج المعرفة الجديدة في علم المصريات، مش بس مكان فيه آثار مستنية البعثات الأثرية الأجنبية اللي عاوزه تيجي تنقب عنها واللي ممكن نسترزق منها.

القضية مش قضية فساد. يا ريت. القضية أعمق وأخطر من فساد أخلاقي أو ذمم مالية. القضية قضية نظام معفن للنخاع. نظام مش قادر يدرك إنه قدراته متواضعة للغاية، وإنه كابس على أنفاس البلد، ومانع المَلَكات الحقيقية اللي البلد مليانة بيها من الظهور. أما بخصوص قصة الست اللي أغمى عليها في الأسانسير، فالفضيحة الحقيقية مش إن زاهي بيتباهى بالقصة دي، إنما إنه متوقفش لحظة علشان يسأل نفسه إذا كان في سبب تاني، غير افتنانها بيه، خلى الست دي ما تستحملش وجودها معاه في الأسانسير لمدة ثواني معدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.