Press "Enter" to skip to content

تعليق على رأي المفتي في إعدام المتهمين في قضية بورسعيد

نُشر على فيسبوك يوم ٢١ يونيو ٢٠١٥

جاء رأي فضيلة المفتي في قرار إحالة أوراق ١١ متهما في قضية بورسعيد إليه ليزيد من الالتباس القانوني والفقهي في هذه القضية.

هناك ثلاث نقاط إشكالية في رأي فضيلته نلخصها فيما يلي.

أولا، بعد أن رأي فضيلته أن الجريمة التي اتُهم المتهمون بارتكابها يجب أن توصَّف فقهيا على أنها جريمة “حرابة”، عاد وقال إن”ما لم يرد بشأنه حد فعقوبته التعزير، وهي عقوبة غير مقدرة شرعا متروك أمرها للحاكم أو من ينوب عنه وفقا لطبيعة الجرم المرتكب، وتبدأ باللوم والتوبيخ وتنتهي بالقتل، ويسمى القتل سياسة.”

على أن “الحرابة”، مثلها مثل السرقة والزنى والقذف وشرب الخمر، من الجرائم الحدية، أي التي ورد بشأنها نص يوضح عقوبتها .
فغني عن البيان أن القرآن الكريم به نص صريح عن جريمة “الحرابة” وعقوبتها الحدية. فالآيتان ٣٣ و٣٤ من سورة المائدة توضحان ذلك: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطعَّ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم.”

فكيف بعد أن رأى المفتي أننا أمام جريمة “حرابة” يزعم أنها لم يرد بشأنها حد وبالتالي فعقوبتها تعزيرية تقديرية؟

ثانيا، وبافتراض جدلا أن عقوبة “الحرابة” لم يأت بشأنها نص، وأن عقوبتها تعزيرية، فقد أجمع الفقهاء أن الأصل ألا يبلغ التعزير حد القتل بأي حال من الأحوال، وذلك لقول الله تعالى “ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق” (الأنعام، ١٥١).
فضيلة المفتي يدرك بالطبع هذه القاعدة الفقهية، لذا نراه يقول”إلا أن الكثير من الفقهاء أجازوا استثناء من هذه القاعدة العامة، وهو أن يعاقب (المجرم) بالقتل تعزيرا إذا اقتضت المصلحة العامة، وتقرير عقوبة القتل إذا كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كالجاسوس ومعتادي الجرائم الخطيرة.”

فإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان القتل سياسة قد جاء استثناء من القاعدة، وإنه لا يُتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، وإذا كان مناطه محصورا فيمن يرتكب جرما خطيرا مثل التجسس والاعتياد على الجرائم الخطيرة، فكيف يتسنى للمفتى أن يرى في هؤلاء الشباب مجرمين معتادين على ارتكاب جرائم خطيرة؟ فشرط الاعتياد هنا شرط أساسي، ولكن خلت الأدلة التي قدمتها النيابة منه. فلم يثبت على أي من المتهمين اعتياده ارتكاب جرائم خطيرة.

ثالثا، في ختام رأيه نرى المفتي يرتكب تناقضا آخر لما سبق وقاله في رأيه، إذ نفاجأ به يقول”إن دار الإفتاء المصرية ترى أنه لم تظهر في الأوراق شبهة تدرأ الحد عنهم (أي عن المتهمين)”، وهو بذلك يعترف ضمنا أننا أما جريمة حدية، لا جريمة تعزيرية كما سبق وقال. فإذا كان الأمر كذلك، وإذا كنا أمام جريمة حدية، ألا كان من الأحرى بفضيلة المفتى أن يرتكن للقاعدة الفقهية الشهيرة “أدرؤوا الحدود بالشبهات”؟ فالجميع يعلم أن أوراق القضية حافلة بالعديد من الشبهات. لذا يجب علينا أن نتساءل ونقول “كيف تسنى لفضيلة المفتي القول إنه لم يجد في الأوراق شبهة تدرأ الحد عن المتهمين؟”

وخلاصة، إذا كانت هذه القضية قضية حرابة، فنحن إذن أمام جريمة حدية وليس جريمة تعزيرية يجوز فيها القتل سياسة. وبالتالي فكان الأحرى بفضيلته التمسك بالمبدأ الفقهي المعروف، “أدرؤوا الحدود بالشبهات” وألا يصدق على أحكام بالإعدام على متهمين تدور شبهات عديدة حول ارتكابهم الجرائم التي اتهموا بها.

وللشفافية، يجب أن أوضح أنني عضو في مجموعة “ضد الإعدام” التي تطالب بتعليق عقوبة الإعدام لخمس سنوات. وستجدون بيان المجموعة حول هذه القضية في ثاني تعليق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.