Press "Enter" to skip to content

النظر للثورة على أنها مؤامرة قناعة راسخة عند الداخلية

حوار مع صفاء سرور نُشر في “المصري اليوم” بتاريخ ٢٨ يناير ٢٠١٥

قال الدكتور خالد فهمي ، أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية، ورئيس اللجنة المكلفة بتوثيق ثورة 25 يناير، التي تشكلت في مارس 2011 ولم تستكمل عملها، إن تضارب الروايات حول الثورة «أمر وارد»، معتبرًا أنها «ثورة مستمرة ولم تكتمل بعد».

ونفى في حوار أجرته معه «المصري اليوم»، عبر الإنترنت لتواجده في الولايات المتحدة الأمريكية، وجود «كتالوج» معين لتوثيق الثورات، مطالبًا بالاستفادة من تجارب دور الوثائق الأوربية، وطالب بإصدار قانون يتيح تداول المعلومات، معتبرًا التحدي الأكبر للثورة هو تحويل الدولة إلى «خادمة» للشعب.

وكشف «فهمي» عن أن أهم أسباب حل لجنة توثيق الثورة لنفسها هو عدم تمكنها من الاستجابة لمطالب الشهود بضمان حمايتهم من اختراق أجهزة أمنية لمكان حفظ تلك الشهادات واستخدامها كدليل إدانة ضدهم.

* ما أسباب تضارب، وأحيانًا تحريف الروايات حول ثورة 25 يناير؟

أي حدث تاريخي تدور حوله روايات مختلفة ومتضاربة في كثير من الأحيان، فما بالنا بثورة هي بطبيعتها حدث كبير يهدد قناعات كثيرين. و25 يناير بالمعنى الحرفي ثورة على مفاهيم وأفكار سائدة، فبالتالي سيكون حكم الناس عليها مختلف، ووارد جدًا أن يحدث تضارب في السرديات الخاصة بالثورة، والتي في رأيي لاتزال مستمرة وتواجه مقاومة شديدة من داخل الثورة المضادة، والتي يمكن أن تسميها كيفما تشائين ممكن النظام الحالي، أو أجهزة معينة، أو بعض الأقلام والمثقفين.
ولدى هذه القوى المضادة رؤية وسردية متماسكة عن الثورة، وإن اختلفت من وقت لآخر، وهي بالمناسبة ليست بإيعاز أو تكليف، فهذه القوى لا تقتنع برواية الثورة عن نفسها، فتحاول تفسيرها بسرديات أخرى.

* لماذا تعالت الآن أصوات قوى الثورة المضادة؟

منذ البداية والثورة المضادة تحاول فهم ما حدث، والذي أراه ثورة عميقة وحدث جلل فارق في التاريخ المصري الممتد من 7 آلاف سنة، لم يحقق فيها الشعب إنجاز مماثل بإجبار الحاكم على التنازل عن الحكم، مثلما حدث بشكل مخيف وخطير ومهدد لقناعات كثيرة.
وأريد هنا طرح مثال يتعلق بقوى الثورة المضادة، أقارن فيه تقرير أمن الدولة عن الـ18 يوم بأقوال حبيب العادلي ، وزير الداخلية الأسبق، خلال محاكمته، ففي مارس 2011 اعترف أمن الدولة في تقريره بوجود أسباب عميقة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، حركت الجماهير، وأن الجموع نزلت بشكل عفوي بشكل «خض» الجهاز والشرطة بأكملها وشلهما عن الحركة، وأن الناس نزلت دون تحريك من الأحزاب ولا النخب السياسية، أي ثورة شعبية حقيقية.
وبعد 3 سنوات ونصف نفى حبيب العادلي في محاكمته وجود أي من تلك الأسباب، أو أن يكون للشعب المصري قدرة على التحرك، لدرجة أنه اختزل الشعب والمتظاهرين بقوله «بتوع التحرير دول عارفينهم بالعيل والواد والبت»، فمن وجهة نظره لا يوجد جموع أو إرادة، يعني الشعب «مش موجود»، ورؤية «العادلي» هذه لا تختلف عن رؤية رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير للشعب الفلسطيني، والتي لخصتها في مقولتها الشهيرة «مفيش حاجة اسمها الشعب الفلسطيني»، أظن حبيب العادلي وحكومتنا رأيها فينا كده، إحنا مش شعب.

(محاكمة حبيب العادلي، الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث)

* أيها تقصد بـ«الحكومة بتاعتنا»، التي كانت وقت حكم مبارك أم الآن؟

الاثنين، فهناك استمرارية، والحكومة ترانا رعايا، وهذا على أحسن الفروض، وفي أسوأ صورة يروننا المسؤولين عن التخلف والفقر ولا نعرف النظام أو الديمقراطية، وعند «العادلي» ووزارته الأمر يأخذ أبعاد أعمق، فيرون ثورة 25 يناير على أنها مؤامرة أجنبية نفذها «مدسوسين ومأجورين»، وذلك عن قناعة راسخة، فهذه الوزارة تنظر لنا باستخفاف واحتقار وتعالي، وبالتالي نحن بالنسبة لهم لا يمكن نكون أصحاب فعل أو قادرين على إشعال ثورة «إحنا العيل والواد والبت الصيع».

نظرتهم للمجتمع المصري، هي إنه سبب مشاكل ولا حقوق له «ولازم نعلمه الأدب»، ولو قام بثورة فأكيد «حد لعب في دماغه» لأنه «بياخد على قفاه ويسكت»، لهذا فأقاويل إن الثورة «مؤامرة» سواء قطرية أو تركية أو إخوانية ليست بإيعاز من أحد، بل عن عقيدة راسخة عند «الداخلية».

* لكن عقيدة «الداخلية» هذه، يتبناها مؤخرًا إعلاميون وسياسيون ممن عادوا لتشويه الثورة ورموزها بقوة لدرجة دفعت للمطالبة بإصدار قانون يجرم إهانة الثورة، فهل رأت هذه الأصوات في السلطة الحالية مثلاً بيئة حاضنة لها؟

بالنسبة للسلطة الجديدة، الدستور الذي وضعته يعترف بـ25 يناير على أنها ثورة، والأهم أن الواقع يقول إن الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس السيسي للسلطة كانت نتاج تظاهرات طيلة صيف 2013، لذلك فإن هذه الأصوات المشككة في ثورة 25 يناير «عاملة مشكلة» للسلطة، لأن الأخيرة نتاج ثورة 25 يناير في النهاية، بما فيها 30 يونيو التي أفضت لانتخابات رئاسية، لذا حينما ننكر أن 25 يناير أصلاً كانت ثورة، سيصبح كل ما بني عليها باطلاً، وهذه معضلة ومأزق، وحتى مع تنحية كل الأسئلة الشكلية والدستورية والقانونية جانبًا، ستظل شرعية النظام الحالي مستمدة ممن في الشارع.

* ما مصير لجنة توثيق ثورة 25 يناير التي كلفتك دار الوثائق القومية برئاستها عام 2011؟

اللجنة حلت نفسها أوائل عام 2013، بعد عدم تمكنها من أداء عملها الذي كانت تهدف منه إلى جمع شهادات صوتية ومكتوبة من جرائد وتقارير رسمية وغيرها من المواد المسماة في علم التاريخ «أولية»، لحفظها للأجيال اللاحقة دون إصدار كتاب أو رواية، لكن واجهتنا مشكلة في جمع المادة عن ماهيتها وكيفية فهرستها والمسؤول عن حفظها وتحمل التكلفة لمدة قد تصل لقرن كامل، وكانت كل هذه الأسئلة التقنية والمالية والسياسية، صعبة جدًا، في وقت لم تستطع فيه دار الوثائق توفير أكثر من مكان لاجتماعات اللجنة، التي كان جميع أعضائها متطوعين.

وواجهتنا تساؤلات حول معايير جمع الشهادات، تتعلق بماهية الثورة ووقت اندلاعها وانتهائها والأحداث التي سنجمع شهادات ووثائق عنها، بجانب سبب آخر يتعلق بالفهرسة لكم المعلومات التي نجمعها، والتي تحتاج متفرغين للاطلاع والعمل على الآلاف من ساعات الفيديو والوثائق، لكن كان أخطر وأصعب سؤال واجهناه، فحسم الأمر واكتشفنا أننا لن نستطيع استكمال عملنا هو ما تعلق بتخوفات مواطنين من «اختراق الأمن» لمكان حفظ الوثائق واستخدام شهاداتهم كدليل إدانة لهم بارتكاب أعمال وقت الثورة قد تكون سببًا في تجريمهم الآن، فطلبوا منا ضمانات تحمي شهاداتهم وتحفظها لسنوات، مع عدم الإفراج عنها إلا بموافقتهم بموجب تعاقد مع اللجنة، وهو ما نفى مستشارو دار الوثائق إمكانية تحققه.

وفي النهاية، لو فكرنا بشكل فلسفي، سنكتشف أن مأساة اللجنة، هي أن الثورة لم تكتمل، وبالتالي الأعمال الثورية أصبحت مجرّمة الآن.

* تقول إن اللجنة حلّت نفسها، لكن رئيس دار الوثائق قال في يونيو 2014 إن توثيق الثورة لم يتوقف والأمر حاليًا يمثّل «وقفة تعبوية»؟

رئيس دار الوثائق كان أحد أعضاء اللجنة، وأنا سعيد بأن الدار مازالت مهتمة بجمع المادة، لكن بحسب معلوماتي لم يصدر قرار وزاري بإعادة تشكيل اللجنة.

* ما الذي جمعته اللجنة طيلة فترة عملها التي ناهزت عامين؟

جمعنا وثائق سلمناها جميعها للدار مع محاضر اجتماعتنا، وأرسلت لنا جرائد نسخ إلكترونية من «بروفاتها» الأخيرة للأعداد الخاصة بالثمانية عشر يوم.
وبخصوص الشهادات المسموعة والتسجيلات، عقدنا اجتماعات لتحديد كيفية ومعايير جمعها، وأجرينا أكثر من مشروع تجريبي، وجمعنا شهادات مواطنين في المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة، بناء على إعلانات استجاب لها عدد قليل، ثم بدأنا تحديد آليات الفهرسة، وبالمناسبة أعضاء اللجنة اشتروا الأجهزة المطلوبة للتوثيق على نفقاتهم الخاصة.

* هل حصلت اللجنة على وثائق تصنف «سرية» أو تتبع جهات سيادية كالرئاسة أو أمن الدولة؟

لم نحصل على أي وثيقة سرية أو من هذه الجهات، وربما حصلت عليها دار الوثائق باعتبارها الأرشيف القومي.

* هل تلقت اللجنة، في أي وقت، تنبيهات بمحاذير معينة، أو تأثرت بالتغييرات السياسية؟

لا، لم يقل لنا أي أحد أبدًا أو تصدر لنا من أي جهة أي توجيهات بعدم التعامل مع شخص أو جماعة معينة، ولم نتأثر بأي تغييرات.

* قلت إن الثورة أمر مختلف عليه، هل كان للجنة خطة تعامل مع الشهادات المتضاربة؟

لم يكن هدف اللجنة تفسير الأحداث أو تأكيد رؤية خاصة بها، لذلك اتفق الأعضاء في منهجية العمل على منح كل من يريد الإدلاء بشهادته 20 دقيقة قابلة للزيادة، وكان السؤال المفتاحي هو «ماذا فعلت في يوم كذا؟»، وترك الشخص يسرد.

* في التوثيق لحدث كالثورة، تظهر مشكلة تتعلق بالسياقات والأوصاف المختلفة للحدث الواحد، مثالاً في قضية قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة، الضباط «قتلة، مدافعون عن الأقسام»، والشهداء «متظاهرون، بلطجية»؟

ما تقوليه مزج بين أكثر من دور، مثل الصحفي والمؤرخ والموثق والقاضي، فكل هذه الشخصيات تتعامل مع المادة نفسها لكن لأهداف مختلفة، فالقاضي يريد الحقيقة ليحكم، والصحفي لتكوين موقف، والمؤرخ ليفسر، بينما الموثق يفترض أن دوره ليس الحكم أو التفسير أو تصحيح مفاهيم الناس، فقط جمع المادة وإتاحتها لهم وهم من سيطلقون الحكم ويقدمون التفسير، مع العلم بأن فهرسة الموثق للمادة تعد نوعًا من التفسير، فمثلاً في قضية قتل المتظاهرين هل نسمي الضابط بوظيفته أم قاتل أم شاهد أم موظف في الدولة، والمقتول مجرم أم شهيد أم ثوري.
أنا مدرك لأن الفهرسة نفسها تنطوي على جزء لا بأس به من التفسير، وبالفعل أثناء عمل اللجنة فكرنا في هذه التساؤلات، وقلنا أيًا كان ما سنتوصل إليه، فسيكون هناك شفافية تامة لآلياتنا في العمل، وشرح للمعايير التي استخدمناها.

* وماذا عن توثيق أحداث الثورة التي كانت محل تقاضي مثل قتل المتظاهرين، هل أثر سير التقاضي أو الأحكام الصادرة على السياق الذي صنفت فيه اللجنة الحدث؟

لم نوثق لأي من القضايا التي كانت منظورة وقتها أمام المحكمة، ولكن لو فعلت لكان الأسلوب الأمثل هو جمع سجلات القضية نفسها، وشهادات أطرافها إذا أمكن بمعزل عن النتيجة القانونية التي وصلت لها المحكمة ، ولا أعرف إذا كان ممكنًا طلب شهادة القاضي.
توثيقات متعددة.. وتشويه وارد

* قلت إن الثورة كانت تتطور خلال فترة عملكم، كيف تعاملتم مع تغير مواقع مصادركم على الخريطة السياسية، مثالاً جماعة الإخوان المسلمين، تغيرت مواقعها من شراكة الثورة إلى الحكم إلى الخصومة؟

اتفق أعضاء اللجنة على أنه لا مانع من توثيق شهادات الشخص نفسه أكثر من مرة في أوقات مختلفة بحسب تطور الأحداث ومشاركته فيها، وفي هذه الحالة كانت كل شهادة جديدة له ستربط بـ«لينك» بشهادته القديمة، مع التنويه بهذا الأمر لمن سيطّلع عليها ولو بعد 100 سنة، وهذا ما يهمني، الوضوح عندما تصبح الأحداث ملتبسة أكثر من الآن.

* على ذكر الشهادات، قال الرئيس المعزول محمد مرسي في إحدى جلسات «قضية التخابر» إن لجنة تقصي الحقائق التي شكلها أفادت بأن «ضباط من جهة سيادية هم من قتلوا المتظاهرين في التحرير».. هل حصلت اللجنة على وثائق أي من لجان تقصي الحقائق؟

لا، وأوصي من سيعمل بعدنا في التوثيق بأهمية ليس حفظ التقارير النهائية لهذه اللجان وحسب، بل كل مسوداتها ومحاضر جلساتها، لأنه من المهم أن يتعرف المؤرخ على كيفية صدور التقارير النهائية.

* تداولت وسائل الإعلام خبرًا عن إنشاء «متحف للفاسدين» في مبنى الحزب الوطني، هل يعد هذا الأمر نوعًا من التوثيق؟

لو حدث هذا الأمر، فأنا كزائر وقبل دخول المتحف، أحتاج إلى معرفة مفهوم ومعايير منظمي المتحف الخاصة بالفساد، لأنه دون معرفة ذلك لن يكون له معنى بالنسبة لي لأنه ليس عن العصر الفاطمي مثلاً.
وفي رأيي، «فاسد» مثل «شهيد، أو عميل، أو ثوري»، كلها ألفاظ مطاطة وأحكام قيمية لن تجد إجماع مجتمعي على تعريفها، وهو ما يحيلنا لما تحدثت عنه حول الشفافية منذ بداية العمل.

* ما رأيك في محاولات توثيق جهات مستقلة كحملة «مصرّين» لأحداث الثورة؟

الاهتمام بالتوثيق علامة جيدة، لأن التاريخ ملك الشعب ولا يجب أن ينتظر أن تحكي له الدولة ما حدث أو صدور قرار وزاري أو توجيه رئاسي لإصدار رواية أو سردية عنه، لذا المبادرات الفردية والجماعية المستقلة ضرورية وصحية، خاصة وأن 25 يناير ثورتنا، ويجب أن نكون من يكتب تاريخها، ولست قلقًا من هذا الأمر، أو من احتمالية محو الثورة من الذاكرة أو محاولات التشويه والتزوير، لأنني كمشارك في ثورة 25 يناير، أؤكد أنها ليست بالأمر البسيط، بل حدث جلل حٌفِرَ في ذاكرة ووجدان كل من شارك فيه.
ويبقى السؤال هل سيشوه هذا الحدث؟ بالطبع سيشوه، ورجوعًا لأول سؤال نحن لا نريد أن ندعي أننا وحدنا من يمتلك الرواية الرسمية الوحيدة الصحيحة عن الثورة، والتي تعد ملكًا لمختلف طوائف الشعب، وحتى المعترضين عليها من حقهم، بل من واجبهم أن يكون لهم روايتهم وسرديتهم وطريقتهم الخاصة في الحكم عليها.

*ولكن هذا الأمر قد يسبب ارتباك؟

ليتنا نرتبك، فجميعنا رأينا المأساة التي حدثت عندما لم «نتلخبط» وحفظنا دون فهم، واشتركنا في سردية واحدة على تاريخنا، و«اللخبطة» في حد ذاتها ليست سيئة، فالشعوب تتطور وتتقدم عندما تجيد مناقشة اختلافاتها، وعلى سبيل المثال يعتبر اختلاف الفرنسيين إلى وقتنا الحالي على شخصية روبسبير، واحد من أسباب بقاء الثورة الفرنسية حية، فالاختلاف يولد النقاشات والبحث.

لا «كتالوج» لتوثيق الثورات

* ما أبرز نماذج توثيق الثورات التي تراها تتوافق مع الحالة المصرية، وتنصح بالسير على نهجها؟

توثيق الثورات أمر لا يحدث يوميًا، لأن الثورات نفسها ليست فعل يومي، وبالتالي لا يوجد «كتالوج» توثيق، وأحيلك في هذا الأمر للأرشيفات القومية المفتوحة، ففي فرنسا أو روسيا أو بريطانيا توجد دار للوثائق القومية تفتح أبوابها للجمهور دون قيد أو شرط، ليس فقط للاطلاع لكن ليودعوا طواعية ما لديهم من أوراق قديمة، ويتجاوب المواطنون في هذه الدول، لشعورهم أن دار الوثائق ملكهم ولليست ملك الدولة، أما في مصر فمأساتنا تكمن في عدم شعورنا أن المؤسسات العامة ملكنا، لهذا أرى أن التحدي الكبير للثورة هو تحويل الدولة إلى خادمة لنا وليس العكس، مع إصدار قانون لإتاحة تداول المعلومات وقانون للأرشيف يفرج بشكل دوري عن الوثائق القديمة، لإنهاء حالة استجداء المعلومات التي نعاني منها.

* لو عرضت عليك الجهات المعنية معاودة عملك في توثيق ثورة 25 يناير هل تقبل أم تفضل البقاء في الولايات المتحدة الأمريكية؟

أنا أرحب جدًا من حيث المبدأ، لكن لا يمكنني العودة إلى مصر قبل انتهاء هذا العام الأكاديمي، لالتزامي بالتدريس في جامعة كولومبيا.

* لماذا ترى ثورة 25 يناير التي وصفتها بـ«الحدث الجلل»، غير مكتملة؟

لأننا نواجه تحديات ضخمة، وهذه الثورة لم تكن ضد مبارك والتوريث والتعذيب فقط، بل أعمق من هذا بكثير، ففي رأيي هي ثورة على نظام مبارك ويوليو ومنظومة الدولة المصرية نفسها منذ تأسست في أوائل القرن الـ19، وإرهاصاتها لم تكن مقتل خالد سعيد ولا حتى مظاهرات «كفاية»، بل نحن كشعب كنا في نزاع مع السلطة منذ تأسيس الدولة الحديثة.
وتتمثل أسباب عدم اكتمال الثورة، تتمثل في إصابتنا باحتلال إنجليزي منعنا من تحقيق انتصارات ديمقراطية مرتين أولهما 1882 والثانية في كتابة دستور 1923، والتدخل الأمريكي الفج لمناصرة مبارك وقبله السادات، والنزاع العربي الاسرائيلي الذي يستنزف جزء من طاقتنا، ووبال «البترودولار» التابع لأنظمة رجعية تحارب الثورات، أما السبب الأهم فهو مواجهة مجتمعنا أثناء مقومته للديكتاتورية لسؤال الإسلام السياسي والهوية، وهو سؤال عويص ومجتمعي قبل أن يكون أمني، وبالمناسبة هذا هو الفرق بين ثورتنا وكل ثورات شرق أوروبا، حيث لا يُطرح سؤال الدين وحكم الكنيسة الذي حسموه من 200 سنة، أما نحن ففوجئنا في دول الربيع العربي بطرحنا سؤال عن علاقة الدين بالسياسة، ومأساتنا في مصر الآن تتجلى في عدم تمكننا من التعامل مع الإسلام السياسي في شكل الإخوان، لأن المطروح علينا حل أمني وليس مجتمعي وفكري، لذا لم نجد إجابة على هذا السؤال.

* أخيرًا وكموثق، كيف ترى «30 يونيو»، التي اختلفت عليها الآراء؟

هي حدث مهم وكبير، لابد من توثيقه بالطريقة نفسها، ملايين من الناس تظاهرات لأسباب مختلفة، ولا يصح أن يوجد تفسير واحد فقط لها، في ظل تعداد مصر البالغ 90 مليون نسمة، والذين شارك من بينهم ملايين في القاهرة والمحافظات، وهو ما يتطلب من أي موثق توقع الاختلاف ورحابة الصدر لتقبل التفسيرات المختلفة.

Blog Stats

  • 783٬800 hits

One Comment

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.