Press "Enter" to skip to content

نظام السيسي يقتل بتواطؤ من السكان

حوار “هافنجتون بوست” مع خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في القاهرة نُشرت ترجمته في “زحمة” في ٨ ديسمبر ٢٠١٤

تشارلوت ألفريد – هافنجتون بوست

ترجمة – محمود مصطفى

في حكم مثير للجدل، أسقطت محكمة مصرية تهم القتل الموجهة لرئيس البلاد الأسبق حسني مبارك، الذي كان يحاكم بشأن مقتل 239 متظاهرا خلال الثورة في 2011 ضد حكمه الذي طال لثلاثين عاماً.

احتمالية أن يصبح مبارك ذو الستة وثمانين عاماً حراً أثارت الاحتفالات واليأس. وبينما ضجت قاعة المحاكمة بهتافات الفرحة سقط أقارب المتظاهرين المقتولين أرضاً من الألم.

محكمة أخرى فاقمت يوم الثلاثاء التوتر بثالث أحكام الإعدام الجماعية هذا العام حيث قضت بإعدام 188 شخصاً في قضية متعلقة بهجوم دموي على قسم شرطة العام الماضي.

تحدثنا إلى خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في القاهرة حول أهمية المحاكمات الأخيرة وحالة ما بعد الثورة في مصر.

لماذا أسقطت التهم عن مبارك؟

أسقطت التهم على أسس فنية، القاضي قال إن اسم مبارك لم يضف في البداية لقائمة المتهمين التي قدمتها النيابة في المحاكمة الأصلية، لكنه أضيف لاحقاً بسبب ضغوط شعبية. وحيث أن النيابة لم تكن على ما يبدو واثقة بما يكفي لاتهام مبارك، لذا قرر القاضي أنه لا مغزى من التحقيق في ما إذا كان مذنباً أو لا في التهم المتعلقة بقتل المتظاهرين.

كيف تم استقبال الحكم في مصر؟

بالرغم من أنها كانت محاكمة لمبارك وبقية المتهمين إلا أنها كانت أيضاً محاكمة للثورة ككل.

وكما في أي ثورة، كان هناك من دعموا الحكم وآخرون لم يفعلوا. رحب بعض الناس بالحكم باعتباره اتهاماً للثورة ككل. وهؤلاء ليسوا فقط ممن هم على صلة بالنظام القديم ، ولكن أفراد من الشعب حملوا الثورة مسئولية تفاقم قضية مبارك التدهور الاقتصادي.

هم لا يحبون مبارك ولا يريدون عودته لكن الكثير من الناس أرهقتهم ما تبع الثورة من سنوات من الاضطرابات والوضع الاقتصادي المتردّي والتهديد الإرهابي المحلي والدولي .. ومبارك رمز لما هو ضد الثورة.

المؤيدون للثورة أفزعهم الحكم وهو علامة هامة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، على نجاح الثورة المضادة منذ تولي (الرئيس الحالي) عبد الفتاح السيسي السلطة. هناك حالة دائمة من اعتقال الثوريين والارتداد عن كل منجزات الثورة ، والآن حتى مبارك لم يعد وراء القضبان.

ما هو موقف الحكومة المصرية الحالي؟

رسمياً، تقول الحكومة إنها لا تعلق على الإجراءات القضائية لكني أعتبر أن الحكم علامة على أن الحكومة لا تهتم حتى بأن تتظاهر بوجود قضاء مستقل. الحكومة مستعدة للتضحية بالقضاء بأكمله في سبيل الاستقرار لكن هذه المقايضة هي وهم كبير.

كيف تختلف معاملة النظام القضائي لمبارك وأصدقائه المقربين عن معاملته لأنصار جماعة الإخوان المسلمين؟

عندما يُحكم على مئات الأشخاص بالإعدام لمقتل عدة ضباط الشرطة لكن لا يدان أحد لقتل مئات من المتظاهرين، يكون الفارق واضحاً جداً.

المحاكمات الجماعية كانت خطوة متهورة، الناس ليس لديهم ثقة في استقلالية القضاء وهذا خطر، فحتى في نظام سلطوي من المهم أن يكون للقضاء مظهر من مظاهر الحياد وإلا سيطبق الناس القانون بأيديهم.

لا أعتقد أن أحكام الأعدام ستنفذ، لكن حتى إذا تم تخفيف الأحكام إلى المؤبد أو إذا تم نقضها في الإستئناف فإن حياة أشخاص قد دمّرت بيما الكثير منهم لم يخطيء. طالت الأحكام الجماعية أشخاصاً من مختلف الفئات وليس فقط مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين فمنهم المسيحيون والقُصّر وحتى أشخاص ماتوا قبل المحاكمة، كان هذا استهزاءاً بالعدالة على مستويات عدة.

هل سيحاكم أي أحد لقتله المتظاهرين خلال الثورة في 2011؟

سيظل أقارب مئات الأشخاص الذين قتلوا خلال الثورة يأملون في تحقق العدالة. لن تشهد مصر استقراراً على المدى البعيد إلا إذا أصبح لدينا إجراءات سليمة للعدالة الانتقالية بداية بالإقرار بما حدث، ثم تقديم الجناة للعدالة وتعويض الضحايا. نحن لسنا حتى في المرحلة الأولى.

المحاكمة الأخيرة في الواقع أعادتنا خطوات عديدة للوراء. الحكم الأسبق رسّخ حقيقة أن أشخاصاً ماتوا وأن هناك أدلة مقنعة ولكن غير كافية على أنهم قتلوا برصاص الشرطة وأنه لم يكن واضحاً من أصدر الأوامر بإطلاق النار.

أما الآن فيتم التعامل مع ما حدث لهؤلاء المئات من الأشخاص الذين ماتوا وكأنهم لا صلة لهم بالقضية. الحكومة مهتمة بتبرئة مبارك وليس العثور على من قتل هؤلاء الأشخاص.

أعتقد أن المرحلة التالية ستكون جهداً منسقاً من الحكومة لتقديم إجابة على هذا السؤال والتي ستكون إلقاء اللوم على الإخوان المسلمين. سنرى مقترحات بأن أحداث 2011 لم تكن ثورة ولكن مؤامرة قام بها الإخوان المسلمون.

هل سيقبل الشعب بهذه الإجابة؟

نعم، لأن هذه الحكومة قتلت بالفعل حوالي ألف شخص خلال الاحتجاجات على عزل الرئيس محمد مرسي الصيف قبل الماضي وأفلتت بفعلتها، لماذا لا تفلت إذاً بكذبة أصغر؟

الناس مستعدون لتصديق أي شيء لتجنب رؤية الواقع الموجود أمامهم: أن مواطنيهم قُتلوا واعتقلوا بسبب معتقداتهم. أنا أخشى ما سيحدث عندما يستيقظ الناس على مدى التورط الأخلاقي الذي هم فيه، بغضّهم الطرف عن ما يحدث لجيرانهم وزملائهم بل وحتى أحبائهم فقط لأنهم أعضاء بالإخوان. هذا الإدراك سيكون صدمة نفسية على مستوى الوطن.

كيف ترى النظام المصري الحالي مقارنة بعهد مبارك؟

نحن في وضع أسوا بكثير مما كان في عهد مبارك. الثورة المضادة ربحت بشكل مذهل. النظام الحالي قتل مصريين أكثر مما فعلت الأنظمة الثلاثة الماضية وحدث هذا بتواطؤ وإذعان شريحة ضخمة من السكان.

هل غيرت الثورة في 2011 أي شيء؟

الأشياء لا يمكنها أن تعود إلى ما كنت عليه بالضبط. هناك أشياء حدثت وخطوط حمراء تم تجاوزها وتابوهات انتهكت ولا يمكننا ببساطة أن نعيد الجني إلى القمقم. السياسة عادت إلى مصر والناس يتنفسون ويفكرون ويتحدثون سياسة طيلة الوقت. أثارت الثورة أسئلة كبيرة حول أشياء كدور الجيش والعلاقة بين الدين والسياسة وانفجرت هذه الأسئلة في وجوهنا.

لكننا فعلنا شيئاً في ميدان التحرير لم يسبق فعله في تاريخ مصر، أسقطنا رئيساً حتى ولو لم نسقط نظاماً. النظام الحالي خائف من إدراك الشعب بشكل كامل لقوته ، ولهذا تحاول الحكومة إعادة كتابة تاريخ الثورة وتقول للمصرين إنهم تم استغلالهم ولم يحدثوا تغييراً بإرادتهم الحرة.

لكن مئات الآلاف نزلوا إلى الشوارع خلال الثورة وكانوا يسئلون أسئلة أساسية: دولة من هذه؟ نحن نريد شرطة تحمينا لا تعذبنا وجيشاً يحمي حدودنا لا يقتلنا في مدننا وقضاءاً يحمي المواطنين لا الحكومة.

نحن ثرنا لنقول إننا لن نرضى بهذا. الحكومة استوعبت دروساً عكسية من الثورة، رفضت الإصلاح والآن تتصارع مع تاريخ الثورة نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.