نُشر في “فيسبوك” في ١٠ مارس ٢٠١٤
مشهد من أوبرا “فيرتير” لماسينيه اللي دار الأوبرا هتذيعها على الهوا يوم السبت الجاي، ١٥ مارس، الساعة ٦:٤٥ مساء.
العرض ده لا يفوّت. يوناس كاوفمان، واحد من أهم وأشطر مغيين الأوبرا في جيله، هو البطل اللي بيمثل دور فيرتير. ومعاه السوبرانو صوفي كوتش.
فعلا فعلا فرصة ما تتعوضش.
“فيرتير” أوبرا للموسيقار الفرنسي جول ماسينيه مبنية على قصة لجوته. جوته كتب القصة دي في ستة أسابيع (يناير – مارس ١٧٧٤) لما كان عنده ٢٤ سنة. القصة كان اسمها “أحزان الشاب فيرتير” (Leiden des jungen Werther)، وفي مسافة شهور قليلة اجتاحت أوربا كلها وحولت جوته لواحد من أشهر كتاب زمانه. بطل الرواية الشاب بدوره اجتاح أوربا وبقى موضة في كل عواصم القارة: كان فيه كوفيات فرتير، وأطباق فيرتير، و شمسيات فيرتير. الشباب بقوا يلبسوا بلاطي زرقاء وفيستات صفراء تقليدا ليه.
القصة مبنية على مجموعة من الجوابات من فيرتير لصديق له اسمه فيلهلم بيشرح له فيها غرامه بشابة اسمها شارلوت. شارلوت مخطوبة لراجل تاني، وولع فيرتير بيها بيدخله في شجن وحزن عميق وبيدفعه في النهاية للانتحار.
اللي بيخللي القصة مش بالعبط ولا السطحية الّ ممكن وصفي ده يوحي بيه إنها كانت بتعبر عن ثورة جيل من الشباب الأوربي على القيم العقلانية بتاعة عصر التنوير. قيم الجمال والحب الّ فيرتير بيرمي نفسه فيها لقت صدى عند مجتمع أوربي عايش على عتبات الثورة الصناعية بقيمها المادية والعقلانية الصارمة.
القصة، ومعاها الأوبرا (الّ مختلفة عنها بعض الشيئ)، فيها برضه ثورة على تقاليد الطبقة الوسطى المعفنة (طبعا تقاليد الطبقة الوسطى لازم نوصفها بأنها معفنة لأن دي بقت لازمة تحكم). والتعارض ده بين مشاعر فيرتير وولعه بالطبيعة وبسحرها وطبعا بشارلوت نفسها ظاهر في الأوبرا (أكثر من القصة) في شخصية شارلوت نفسها وتذبذبها بين ولاءها لخطيبها (اللّ بقى جوزها) وبين انجذابها لفيرتير وغرامها بيه. شخصية شفناها في أفلام كثيرة من أفلامنا لكن مش بحلاوة الموسيقى ولا طبعا بروعة غناء صوفى كوتش.
لكن كله كوم وغناء كاوفمان كوم تاني خالص. تشخيصه لفيرتير أكثر من رائع وغناه في الآريا الشهيرة،
لكن القضية مش آريا هنا ولا دويتو هناك. القضية هي حلاوة صوت كاوفمان وشطارته في تجسيد شخصية فيرتير وهيامه. الشاعر الإنجليزي أودين W.H. Auden ما كنش مغرم بفيرتير وكان بيعتبره أناني وما بيهتمش إلا بنفسه. جايز. إنما في حاجة مبهرة في تناغم فيرتير مع الطبيعة، وفي سعادته وهو بيشوف الأولاد بتلعب ببراءة، وطبعا في حبه لشارلوت وغرامه بيها. أنا جسمي قشعر لما سمعته بيقول، وهو بيموت، إنه سعيد لإنه بيموت في حضنها. معلش يا أودن، مش هنخسر بعض. خليها عليا المرة دي.
وبعدين الإخراج. أنا بقى لي سنين بأروح المتروبوليتان أوبرا بتاعة نيويورك ومفيش عرض ما انبهرتش فيه بالإخراج. ده مسرح على أعلى مستوى. التمثيل والإضاءة والإخراج المسرحي. حاجة تنعش وتخلى الواحد يعرف ليه الأوبرا فعلا قمة الفنون.
العرض ده تحديدا فيه إخراج مسرحي هايل. اللعب بالإضاءة والفيديو مش هزار، خاصة في الأوقات الّ المشاهد بتتغير بمجرد اللعب بالإضاءة. لكن ما فيش أجمل من مشهد الانتحار في نهاية الأوبرا: المخرج (ريتشارد آيار) ومصمم الديكور (روب هاويل) بنوا أوضة صغيرة على خشبة المسرح، وشوية شوية حرّكوها من عمق المسرح لمقدمة خشبة المسرح، وتدريجيا بنلاقي نفسنا دخلنا جوة المشهد بحميميته وجماله ودمويته ومأساته.
أنا مش عارف البث الحي التليفزيوني يوم السبت هينجح في نقل الإبداع ده كله ولا لأ. ولكن من تجاربي السابقة أقدر أقول إن الإخراج التليفزيوني ما بيقلش روعة ولا حرفية عن الإخراج المسرحي.
لكن حتى لو ما نجحش، صوت كاوفمان وتمثيله لوحديهم كافيين لإن الواحد يقضي ثلاث ساعات من المتعة الحقيقية.
لكل أصدقائي في القاهرة: دي فرصة ما تتعوضش. روحوا وادعوا لي.