نُشر في “فيسبوك” في ١٢ فبراير ٢٠١٤
بمناسبة الجزء التاني من فيديو الألش خانة “عقيدة العسكر من الجهادية إلى كشوف العذرية”:
مرة تانية شغل ممتاز. عندي تحفظ صغير وتحفظ كبير.
التحفظ الصغير يتعلق بأداء الجيش المصري في الحرب العالمية الأولى. الفيديو ركز على قضية تبعيته للإنجليز وتحوله، عمليا، لفيلق من فيالق ألنبي. كنت أحب أسمع أكتر عن تمرد الجنود ضد القيادة العميلة. وكنت أحب اسمع برضه حاجة عن مقارنة أداء الجيش المصري مع الأداء المشرف للجيش العثماني في الحرب الكبرى خاصة في غاليبولي. وبمناسبة غاليبولي الّ سطع فيها نجم مصطفى كمال، كتير بتساءل: إزاي الجيش العثماني الّ بدأ نهضته بعد الجيش المصري أفرز قائد ميداني ناجح ومنتصر زي مصطفى كمال وحقق انتصارات ملفتة زي انتصار غاليبولي بينما الجيش المصري فشل فشلا ذريعا في دا وكان أداؤه متواضع في الحرب العالمية الأولى؟ الفيديو أشار في أكتر من مرة للـ”محتل”. تحفظي البسيط هو إني كنت أحب أشوف تركيز أكبر على تأثير غياب الحكم الوطني على أداء الجيش.
أما تحفظي الكبير، أو الأكبر نسبيا، فيتعلق بحرب ٦٧. رأيي إن الفيديو كان حنيّن قوي على عبد الناصر و أغفل دور عبد الحكيم عامر ومشرحش بعمق كافي سبب الهزيمة المروعة دي الّ لسّه بنعاني من آثارها لحد النهارده.
أنا رأيي إننا كنا لازم ننهزم في ٦٧: لا ميزان القوى العسكرية كان في صالحنا ولا وضعنا الاقتصادي كان يضمن لنا النصر. زود على ده انخراطنا في حرب اليمن بالإضافة لانخراطنا فيما أسما مالكولم كير بـ”الحرب الباردة العربية” الّ افقدتنا دعم دول مهمة زي السعودية.
فالهزيمة كانت حتمية عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا.
مش دي القضية. القضية مش حتمية الهزيمة بل عمقها وسرعتها. الفيديو، عن حق، قال إنها حرب الأيام الستة، وقال، برضه عن حق، إننا انهزمنا في أربعة أيام مش ستة. الحقيقة إننا انهزمنا في ثلث ساعة مش أربعة أيام!! في عشرين دقيقة يوم ٥ يونيو الصبح الطيران الإسرائيلي أباد سلاح الطيران بتاعنا عن آخرته وهو لسّه ع الأرض. الفيديو أظهر الصور الشهيرة بتاعت الطيارات المحطمة. الطيارات دي ما طارطش. الطيارات دي انضربت قبل ما تقلع. وده حصل في كل مطاراتنا من اسكندرية لأسوان. وبكده ومن غير غطاء جوي الجيش في سينا كان عمليا انهزم.
هزيمتنا في ٦٧ تمت في تلت ساعة مش ستة أيام.
حجم الهزيمة برضه مروع. بالإضافة لسلاح الطيران الّ انضربت ٩٠٪ من طياراته، فقدنا برضه ٨٠٪ من معداتنا: دبابات ومدعات وناقلات جنود.
شكل الهزيمة برضه مروع. تاريخ جيوش تانية كتيرة حافل بأمثلة لهزائم وانسحابات. لكنها انسحابات منظمة تفتح إمكانية إستكمال الحرب في معركة قادمة. أنا في بالي مثلا انسحاب الجيش البريطاني في دنكيرك شمال فرنسا سنة ١٩٤٠ أو انسحابنا إحنا برضه من الشام وسيناء سنة ١٨٤٠ بقيادة إبراهيم باشا الّ كان آخر واحد يسيب الشام بعد ما نظّم عملية الانسحاب وبعد ما ضمن إن رجالته ما يتسابوش في العراء. إنما انسحابنا من سيناء سنة ٦٧ ضُرب بيه المثل في التخبط وانعدام النظام والغباء والاستهتار بحياة آلاف الجنود. انهيار كامل لمراكز القيادة. عدم وجود أي خطة للدفاع أو الانسحاب (وبالمناسبة الّ معترض علي الكلام دا اتحداه إنه يجيب لي وثيقة واحدة رسمية طالعة من الجيش مسموح الاطلاع عليها زي الّ الواحد ممكن يقرأها في دار الوثائق عن جيش إبراهيم باشا).
طب دا معناه إيه؟ معناه إن السؤال الّ المفروض نسأله عن حرب ٦٧ مش “إحنا ليه وإزاي انهزمنا؟” ولكن “إحنا ليه وإزّاي انهزمنا بالسرعة دي وبالعمق ده وبالفداحة دي وبالطريقة المهينة دي؟”
المشير عامر طبعا مسئول. عبد الناصر طبعا مسئول.
لكن إحنا كشعب برضه مسئولين. مسئولين لإننا سلمنا أمورنا لمجموعة من العسكر، الّ حافترض جدلا إنهم شرفاء ومخلصين وأوفياء ومن الأحرار يا علي، لكنهم اعتقدوا إن البلد بتاعتهم، عزبة أبوهم، وإن هما أسياد البلد وهما الّ أدرى بشعابها.
يوم ٣٠ مايو في الاجتماع الشهير بين عبد النصر وقادة الجيش، اليوم الّ تنبأ فيه عبد الناصر بميعاد الحرب وقال للظباط يكونوا جاهزين لتلقي أول ضربة من إسرائيل– في اليوم ده سأل عبد الناصر المشير عامر إذا كان الجيش جاهز. فرد عليه عبد الحكيم عامر وقال “برقبتي يا ريّس”. ده كان مقدار مراقبتنا، كشعب، على أداء الجيش. “برقبتي يا ريّس”: شعار مرحلة كاملة اتصرف الجيش فيها كإبعادية، عزبة، تدار دون أي مساءلة من المجتمع عن ظروف الجيش دا: تدريبه، جاهزيته القتالية، معنوياته، تسليحه.
والنتيجة؟ نتيجة غياب المراقبة المجتمعية للجيش؟ هزيمة عسكرية مفجعة.
ده هو تحفظي الكبير، الفيديو كان حنيّن زيادة عن اللزوم على عبد الناصر وما لامش عبد الحكيم عامر على تهريجه. لكن، وده الأهم، الفيديو ما لامناش إحنا، كشعب، في تخاذلنا وعدم تمسكنا بحقنا في مراقبة أداء الجيش ومحاكمة المسئولين عن الهزيمة المنكرة دي. محاكمتهم تاريخيا وأخلاقيا مش قانونيا وعسكريا
وبما إن الشيء بالشيء يذكر، وبما إننا دالوقت بنمر بمرحلة مماثلة متوهمين فيها إن أحسن طريقة للحفاظ على الجيش، الدعامة الأخيرة الّ فاضلة من الدولة المصرية، هي إننا نعفيه من المساءلة، وندّيله الضوء الأخضر علشان يخلص مهمته بنجاح، أحب بس نفتكر اللحظة التاريخية الّ مش بعيدة عننا، اللحظة الّ أقل من خمسين سنة فاتت، اللحظة الّ أعفينا الجيش فيها من المساءلة، وكانت النتيجة هزيمة منكرة قل نظيرها في التاريخ العسكري للبشرية.