نُشر في “فيسبوك” في ٢٥ يناير ٢٠١٤
نبذة عن تاريخ متحف الفن الإسلامي ودار الكتب بباب الخلق
في عام ١٨٦٩ أمر الخديو اسماعيل، بناء على اقتراح أوجوست سالزمان (١٨٢٤-١٨٧٢)، أحد الفرنسيين العامليين في الآثار، بحفظ آثار العصر الإسلامي وجمعها في مكان واحد، على أن هذا الأمر لم ينفذ.
في ٢٧ محرم ١٢٩٩ هجرية الموافق ١٨ ديسمبر ١٨٨١ أصدر الخديو محمد توفيق دكريتو نصت المادة الأولى منه على “تشكيل لجنة لحفظ الآثار العربية”
(Comité de Conservation des Monuments de l’Art Arabe)
، كما نصت المادة الثانية منه على “إجراء اللازم لجرد وحصر الآثار العربية … [و] ملاحظة وصيانة تلك الآثار ورعاية حفظها من التلف”.
كلفت اللجنة باشمهندس الأوقاف، المهندس جولياس فرانز باشا، الألماني المولد والنمساوي التعليم، بتهيئة محل مناسب لإقامة المتحف.
اختار فرانز باشا الرواق الشرقي من جامع الحاكم بالقرب من باب الفتوح لإقامة المتحف.
تم افتتاح “دار الآثار العربية” في عام ١٨٨٤، ولم يعين بالـ”دار” سوى بواب انحصرت مهمته في مرافقة الزائرين، لذلك رأت اللجنة تعيين “أفندي” يكون ملما باللغة الفرنسية وذا تعليم جيد ليقوم بتلك المهمة.
في عام ١٨٨٧ تقاعد فرانز باشا من منصبه كمدير للدار وظل منصب المدير خاليا حتى عام ١٨٩٢ عندما تولي النمساوي ماكس هيرتز باشا (Max Herz Pasha) ( ١٨٥٦-١٩١٩)، مسئولية إدارة الدار بشكل غير رسمي.
في 11 نوفمبر ١٩٠١ عين هيرتز باشا رسميا مديرا للدار، كما عين علي بهجت بك وكيلا له (وعلي بهجت هو عالم الآثار المصري المعروف الذي ينحدر من أصول تركية والذي كانت له باع طويلة في استخراج آثار الفسطاط).
وطوال هذه المدة كانت “لجنة حفظ الآثار العربية” تقوم بحصر الآثار الواجب ترميمها والحفاظ عليها ونقلها تبعا لذلك إلى دار الآثار العربية، حتى اكتظت الدار بمحتوياتها، الأمر الذى استدعى البحث عن مكان آخر يكون أكبر وأنسب لهذا الغرض من جامع الحاكم.
وفي خط مواز قام علي باشا مبارك، ناظر ديوان المدارس، بإنشاء الكتبخانة الخديوية بناء على أمر من الخديو اسماعيل صدر في 20 من ذي الحجة ١٢٨٦ هـ / 23 مارس ١٨٧٠م.
كانت الكتبخانة في بادئ الأمر تشغل طابقا أرضيا من قصر الأمير مصطفى فاضل (أخي الخديو اسماعيل) في درب الجماميز بحي السيدة زينب.
تشكلت النواة الأولى لمجموعة الكتب العربية والشرقية من المخطوطات النفيسة والكتب الموجودة في المساجد والأضرحة ومعاهد العلم الموجودة في شتى أنحاء البلاد، وبلغ عدد هذه الكتب والمخطوطات نحو ثلاثين ألفا. كما ضُمت مكتبة الأمير مصطفى فاضل التي بلغ عدد كتبها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة كتاب ومخطوطة. وكان الخديو اسماعيل قد اشترى حوالي ألفي مجلد من تركة حسن باشا المانسترلي، كتخدا (أي نائب) عباس الأول، وأودعهم أيضا في الكتبخانة. كما ضمت النواة مجموعة الكتب المودعة في مكتب (أي مدرسة) قولة (مسقط رأس محمد على حيث أسست ”عمارة“ (أي تكية ومدرسة وجامع ومطعم للفقراء) ضخمة لديها القدرة على إيواء وتعليم ٢٠٠ تلميذ من المنطقة مجانا).
تشكلت نواة الكتب الأجنبية من المجموعة التي كانت تمتلكها “الجمعية المصرية”
(The Egyptian Society)
التي كونها بعض الرحالة والعلماء الأجانب في مصر عام ١٨٣٦. ففى عام ١٨٧٣ أهدى حكاكيان بك ولينان دي بلفون ، آخر أعضاء تلك الجمعية، مجموعة الكتب تلك إلى الكتبخانة الخديوية.
فتحت الدار أبوابها للجمهور في غرة رجب ١٢٨٧ هـ / 24 من سبتمبر ١٨٧٠م، وهي تعد بذلك أقدم مكتبة وطنية تنشأ في العالم العربي في العصر الحديث.
اعتبرت دار الكتب بعد إنشائها ملكًا لديوان الأوقاف، لأن الكتب موقوفة قبل خزنها، وأوقف الخديوي إسماعيل عشرة آلاف فدان للإنفاق من ريعها على دار الكتب.
في عام ١٨٨٦ م بدأت الدار تودع جميع الكتب التي تطبع في مصر.
نظرا لضخامة عدد القطع المحفوظة في دار الإثار العربية و الكتب والمخطوطات المودعة في الكتبخانة الخديوية تقرر إقامة مبنى جديد لهما.
قام المهندس ألفونصو مانيسكالو (ولد في١٨٥٣-؟) بتصميم المبنى الجديد.
o ينتمي مانيسكالو إلى عائلة إيطالية وفدت إلى مصر عام ١٨٦٢.
o تلقى تعليمه في مدرسة الفنون الجميلة في باريس بين عامي ١٨٧٣ و ١٨٧٧.
(École des Beaux-Arts)
o لدى عودته إلى مصر عام ١٨٨٣ بعد إقامة قصيرة في مدينة نابولي عُين في القسم الهندسي في نظارة الإشغال.
o في عام ١٨٩٥ كان عضوا في اللجنة التي شُكلت لاختيار تصميم المتحف المصري.
o قام بتصميم “دار الآثار العربية” بين عامي ١٨٩٣ و ١٨٩٩ حسب الطراز النيو-مملوكي ، (الذي اختاره كثير من أفراد العائلة المالكة وفضّلوه على الطراز الروكوكو العثماني الذي كان محببًا لمحمد علي وعباس) والذي شُيدت به العديد من المباني الكبيرة الأخرى في أواخر القرن الـ١٩ والنصف الأول من القرن الـ٢٠ (مثل السبيل-كتاب الذي بناه المهندس الإيطالي تشيرو بانتانيللي في ميدان باب الحديد حوالي سنة ١٨٧٠، ومبنى محطة باب الحديد الذي صممه المهندس الإنجليزي إدوارد باتسي سنة ١٨٩٣، ومبنى وزارة الأوقاف الذي شُيد على ثلاث مراحل من ١٨٩٨ إلي ١٩٢٩ والذى أشرف على بنائه المهندس محمود فهمي كبير مهندسي وزارة الأوقاف، ومبنى جمعية المهندسين المصرية بشارع رمسيس الذي صممه مصطفى فهمي سنة ١٩٣٠، ومبنى جمعية الشبان المسلمين أيضا بشارع رمسيس الذي شُيد عام ١٩٣٥).
o في عام ١٩٠٢ قرر مانيسكالو الرحيل إلى نابولي حيث تقاعد معتمدا على المعاش الذي كان يتقاضاه من الحكومة المصرية.
قام الخديو عباس حلمي الثاني بافتتاح المبنى الجديد لدار الآثار العربية بميدان باب الخلق في 28 ديسمبر ١٩٠٣ في احتفال مهيب حضره المعتمد البريطاني، اللورد كرومر، وشيخ الجامع الأزهر، الشيخ حسونة النواوي، ومفتي الديار المصرية، الشيخ محمد عبده، والشيخ البكري والشيخ السادات وغيرهم من رجالات الدولة.
في العام التالي، ١٩٠٤، تم نقل مقتنيات الكتبخانة من سراي مصطفى فاضل بدرب الجماميز إلى الطابق العلوي من المبنى الجديد بباب الخلق.
في ٢١ فبراير ١٩٥٢، أصدر الملك فاروق أمرا بتغيير اسم المتحف من”دار الآثار العربية” إلى “متحف الفن الإسلامي”.
أما الكتبخانة الخديوية فجرى تغيير اسمها إلى دار الكتب المصرية، واستمرت في الطابق العلوي لمبنى باب الخلق إلى أن افتتح المقر الجديد للدار على كورنيش النيل برملة بولاق عام ١٩٧٧ فانتقلت إليه.
وبعد سنوات من الإهمال قررت الحكومة المصرية ترميم وإعادة إحياء دار الكتب بباب الخلق (بالتوازي مع ترميم متحف الفن الإسلامي بالطابق الأرضي الذي استمر لأكثر من عشر سنوات). وفي فبراير من عام ٢٠٠٧ تم افتتاح المبنى بعد عملية ترميم وتجديد وتجهيز متحفي استغرقت سبع سنين وتكلفت حوالي ١٠٣ مليون جنيه، وكان المهندس المعماري المشرف على المشروع هو أحمد مصطفى ميتو (الذي صمم مبنى المحكمة الدستورية العليا على كورنيش النيل بالمعادى، والذي أشرف أيضا على ترميم متحف مجلس قيادة الثورة بالجزيرة).
أما ”لجنة حفظ الآثار العربية“ فقد تغير اسمها وتبعيتها مرات عدة، وفي عام ١٩٦١تم حلها رسميا وتولت اختصاصاتها ”لجنة الآثار الإسلامية والقبطية“ التابعة لهيئة الآثار المصرية، التي تعرف الآن باسم ”المجلس الأعلى للآثار“.
وبعد هذه النبذة أود أن أتقدم برجاء للقائمين على أمر كل من المتحف والدار: ما هو حجم التلفيات التي لحقت بالمقتنيات؟ لقد قرأنا عن مقار الخسائر مقدرا بملايين الجنيهات، ولكني اعتقد أن هذه الأرقام تشير إلى تكلفة إعادة ترميم المبنى وإصلاحه.
سؤالي عن محتويات المبنى. وبشكل أكثر تحديدا: بخصوص المتحف، هل أصيبت المشكاوات المملوكية؟ هل أصيبت الأواني الفخارية والزجاجية الفاطمية؟ بخصوص الدار: ما نوع التلفيات التي لحقت بالبرديات والوثائق والمصاحف؟ أهو ناتج عن الزجاج المكسور أم عن المياة التي غمرت المكان عندما انطلقت رشاشات المياة التي تعمل عند الطوارئ؟
إدانة الإرهاب ضرورية ولازمة حتى يتبين للناس مقدار الضرر الذي نتج عن هذا العمل الإرهابي.
ولكن تلك الإدانة ليست كافية. نحن كمواطنين من حقنا أن نعرف ماذا أصاب تاريخنا وما لحق بتراثنا من هذا العمل الإرهابي. أعلم أن تحديد حجم الخسائر بدقة يستدعي تشكيل لجان متخصصة الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا. ما أريده هو تقدير أولي حتى ولو كان غير مفصل.