Press "Enter" to skip to content

الإخوان والغرب

نُشر في “الشروق” في ٣٠ أغسطس ٢٠١٣

من ضمن علامات الأزمة العميقة التى تعيشها البلاد حاليا تلك الهوة الشاسعة التى تفصل رؤية ذلك القطاع الكبير من المصريين الذى انتفض يوم ٣٠ يونيو ضد الرئيس مرسى عن رؤية الإعلام الغربى وكيفية تغطيته لما يحدث فى مصر.

بالرغم من أن الخلاف بين الرؤيتين تمحور فى بداية الأزمة حول لفظ «الانقلاب»، إلا أننى اعتقد أن جوهر الخلاف لا يتعلق بكيفية توصيف تحرك الجيش بقدر ما يتعلق بنظرة كلا الطرفين لجماعة الإخوان المسلمين. وبمتابعتى لبعض ما تتناوله وسائل الإعلام المتحدثة بالإنجليزية استطعت أن أرصد بضع نقاط قد توضح مقدار الفرق بين الرؤيتين.

•••

نظر الإعلام الغربى للرئيس مرسى على أنه رئيس شرعى استمد شرعيته من انتخابات حرة ونزيهة. وفى حين اعتبروا أن المدة التى أمضاها فى الحكم شابهها الكثير من التخبط وسوء الإدارة، إلا أنهم اعتقدوا أيضا أنه كان يجب على المصريين إعطاءه فرصة لاستكمال فترة رئاسته، فإن استمر فى فشله فستكون أمامهم فرصة أخرى لإسقاطه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفى المقابل ظن كثير من المصريين، وكنت واحدا منهم، أن الثورة على رئيس منتخب قد تحمل مخاطر كثيرة منها تهديد مبدأ التداول السلمى للسلطة، أحد أهم ركائز الديمقراطية، إلا أننا اعتقدنا أن الديمقراطية كانت مهددة بالفعل من الإجراءات الخطيرة التى اتخذها مرسى بدءا بالإعلان الدستورى المشئوم ومرورا بتعيين نائب عام لا يحظى بتقدير رجال النيابة أو المجتمع وليس انتهاء بعداء المحكمة الدستورية والعمل على إسقاطها. وكان أكبر تخوفاتنا أن باب الحرية يغلق فى وجهنا يوما بعد يوم وأنه بهذه الوتيرة ربما لن تكون أمامنا انتخابات قادمة نقترع فيها.

•••

كان هناك الكثير من الصحفيين الغربيين أيضا الذين تعاطفوا مع ثورة ٢٥ يناير وبالتالى نظروا للإخوان كفصيل ثورى انتهى به الحال بالفوز بالحكم بفضل جاهزيتهم الإدارية والتنظيمية. على أن كثيرا من المصريين، وأنا منهم، لم يرَ قط الإخوان كتنظيم ثورى وشكك دوما فى إيمانهم بمبادئ ثورة يناير. فالإخوان تنظيم محافظ يبغى الإصلاح وليس الثورة، وأثبتت فترة حكمهم مدى عدائهم للثورة، هذا العداء الذى تمثل فى القبض على رموز الثورة والزج بهم فى السجون، والتواطؤ مع الداخلية فى مذبحة محمد محمود وغيرها، والتغطية على جرائم المجلس العسكرى ومن أهمها مذبحة ماسبيرو.

رأى كثير من الصحفيين الغربيين أيضا جماعة الإخوان المسلمين كفصيل سياسى له حق التمتع بالانفراجة السياسية التى أحدثتها الثورة. وفى المقابل رأيتُ مع الكثير من المصريين فرقا كبيرا بين حزب الحرية والعدالة الذى له حق ممارسة السياسة، وجماعة الإخوان المسلمين التى عرّفها مؤسسها منذ أكثر من ستة عقود على أنها «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية». وتوجسنا من العلاقة التى تجمع بين الحزب السياسى الذى فاز مرشحه بالرئاسة وبين هذه الجماعة الهلامية التى تتخذ من المصحف والسيف شعارا لها، وتشككنا تحديدا فى العلاقة بين قصر الرئاسة ومكتب الإرشاد الذى يتحكم فى هذه الجماعة والذى لا نعرف عنه شيئا. وكان أبلغ دليل على هذه العلاقة الغامضة ذلك المشهد الذى ظهر فيه المرشد العام هامسا فى إذن مرسى وهو يخطب أمام الشعب ويذكره بما يجب عليه أن يقوله، وهو مشهد أوضح للكثيرين أن ما يحرك محمد مرسى لم تكن علاقته بالشعب بل بذلك الشخص المريب غير المنتخب.

•••

كما لم يرَ الصحفيون الغربيون فى جماعة الإخوان سوى جماعة رعوية، لها تواجد فى الشارع، استطاعت أن تملأ الفراغ الناتج من فشل أجهزة الدولة وأن تقدم خدماتها للمجتمع فى مجالات التعليم والصحة وغيرهما. وبالطبع كانت هذه السياسة من أهم العوامل التى ساعدت الإخوان على الفوز فى الانتخابات البرلمانية. على أن إدارة حملة انتخابية بقصد كسب أصوات الناخبين شئ وإدارة البلاد شئ آخر، ولم يلحظ الصحفيون الغربيون مقدار الامتعاض الذى شعر به الكثير من المصريين نتيجة سياسة التمييز التى مارسها الإخوان بعد توليهم الحكم والتى كافأوا بها أنصارهم وأعضاء جماعتهم ليس فقط فى توزيع المناصب (أخونة الدولة) ولكن أيضا فى توزيع السلع والخدمات.

ونتيجة لعدم إدراك الكثير من الصحفيين الغربيين لتوجساتنا من عدم الفصل بين الحزب والجماعة، غابت عنهم أيضا شكوكنا فى هذه الجماعة السرية المنغلقة على ذاتها. فجماعة الإخوان المسلمين ليست حزبا سياسيا يستطيع أى مواطن، حتى ولو كان مسلما، الانضمام له متى اقتنع بسياساته ومبادئه، بل هى أقرب للطائفة الدينية المنغلقة التى لا يمكن الانضمام لها إلا بقيود كثيرة أهمها تزكية أحد الأعضاء واجتياز الكثير من الاختبارات الشخصية.

•••

وكان من أهم ما يفصل رؤية الإعلام الغربى عن رؤية الكثير من المصريين للجماعة هو اقتناع الصحفيين (ومعهم الكثير من الساسة وصناع القرار فى الغرب) أن شعوب منطقتنا شعوب محافظة ومتدينة بطبعها، وأن جماعة الإخوان المسلمين هى خير من يعبر عن هذه الروح المحافظة وذلك التدين، وأنه ربما يكون من الأفضل لتحقيق الاستقرار أن تحكم هذه الشعوب نخب «مستنيرة» علمانية، ولكن ما العمل إذا كانت هذه النخب، عكس الإخوان، مغيبة وغير ملتحمة بشعبها وغير شاعرة بمشاكله الحقيقية؟ وفى المقابل رفض الكثير من المصريين هذا التوصيف لمجتمعهم ولنخبهم وللجماعة. فالمجتمع المصرى قد يكون محافظا، ولكن ثورته المستمرة لأكثر من عامين ونصف العام خير دليل على توقه للحرية ورغبته فى عدالة اجتماعية حقيقية. وهذه النخب ليست منفصلة عن مجتمعها، ولا هى علمانية فقط ولكن فيها الإسلامى والمتدين ولكن بشكل يخالف رؤية الإخوان للدين وعلاقته بالسياسة.

على أن أهم فرق يفصل الرؤيتين ذلك الذى يُبدّى به الغرب الاستقرار على الحرية ويقبل به اختزال الديمقراطية فى عملية الاقتراع، وهو اختزال عبر عنه عمرو عزت بعبقرية عندما نحت مصطلح «الصندوقراطية». ففى حين قبل الكثير من الصحفيين الغربيين، عن وعى أو غير وعى، رؤية الإخوان فى أن الثورة انتهت بإجراء سلسلة من الاقتراعات’ البرلمانية والرئاسية والدستورية، رأى قطاع كبير من المصريين أن الثورة لم تقم فقط من أجل إجراء الانتخابات والإتيان بوجوه جديدة للمجال السياسى بل قامت من أجل تغيير قواعد العملية السياسية برمتها. أما والأمر كذلك، وأما وأن الثورة لم تنجح للآن فى إرساء تلك القواعد الجديدة فيجب على هؤلاء الصحفيين ربط الأحزمة، فنحن ما زلنا فى بداية الرحلة والثورة لا تزال فى أولى مراحلها.

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.