Press "Enter" to skip to content

إصدار قانون لحرية تداول المعلومات أحسن وسيلة لمواجهة أخونة دار الوثائق

 حديث نُشر في “الوطن” في ١٧ يونيو ٢٠١٣

اعتبر الدكتور خالد فهمى، أستاذ ورئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، قرارات علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة الجديد، بإقالة قيادات دارى الكتب والوثائق، فصلاً جديداً من مخطط الإخوان لإحكام سيطرة على كل مفاصل الدولة. وأكد -فى حوار لـ«الوطن»- أن لديه مخاوف من أن يعبث تنظيم الإخوان، الذى لا يحمل احتراماً كبيراً للوثائق والآثار والتاريخ، بمخطوطات التاريخ والشريعة الإسلامية التى لا تتفق مع منهجهم، فضلاً عن مصلحتهم فى اختفاء الوثائق التى تخص تاريخ التنظيم، الذى لم يعترف أبناؤه حتى الآن بأخطائهم فى الماضى ولا اعتذروا. ولفت إلى أن حماية دار الوثائق يتمثل فى إصدار قانون تداول المعلومات حتى يحمى الشعب وثائقه بنفسه.

كيف ترى قرار وزير الثقافة الجديد بوضع كوادر إخوانية على رأس دار الوثائق المصرية؟

أمر خطير.. واستكمال لمشروع التمكين الذى يسير فيه الإخوان المسلمون بخطى حثيثة، وإلا فبماذا تفسر أن جميع القيادات التى أتى بها وزير الثقافة الجديد لا تحمل رؤية ولا سياسة واضحة، ومؤهلها الأساسى هو انتماؤها إلى الإخوان والسمع والطاعة. وإذا كان الغرض كما يدّعى الإخوان تطهير مؤسسات الدولة فمن باب أولى بهم أن يبدأوا بوزارة الداخلية التى قامت الثورة من أجل تطهيرها، وها نحن فى ظل حكم الإخوان نشهد قتيلاً كل شهرين فى أحد أقسام الشرطة. ثم إن وزير الثقافة الحالى يعجز عن الرد على أسئلة جوهرية مثل: ما خطته لإعادة الهيكلة؟ وما الشكل الجديد الذى يسير عليه؟ وما الهدف منه؟ مجزرة قيادات وزارة الثقافة مؤشر على أن خطة التنظيم للسيطرة على كل مفاصل الدولة ماضية لا محالة.

 ما حقيقة ما يشاع عن الفساد المستشرى فى الدار الذى حاول وزير الثقافة الجديد علاء عبدالعزيز مواجهته بتغيير قيادات الدار؟

طوال ٢٠ عاماً تعاملت خلالها مع كل المسئولين المتعاقبين لم أسمع أو أرَ فساداً أو سرقة لوثيقة أو إتلافاً لمكاتبات مهمة. مأساة دار الوثائق ليست فى الفساد والإهمال، بل فى سيطرة الأمن عليها، إذ لا بد من حصول أى باحث أو زائر على إذن من جهات أمنية، منها الأمن الوطنى (أمن الدولة سابقاً) الذى يتحرى عن مقدم الطلب والموضوع المبحوث ويستغرق الحصول على الموافقة من ٦ أسابيع إلى ٦ أشهر، وأحياناً لا يرد على الطلب من أساسه، ولأن الأمن هو من يتحكم -لاعتبارات خاصة به- فى مصير الطلب، فلا أحد يعرف لماذا يُقبل طلب ويرفض آخر؟ وهذه الإجراءات الأمنية أدت إلى انصراف الباحثين عن دار الوثائق، التى يبلغ متوسط زائريها نحو ١٠ فقط يومياً.. وهذا بدوره يمثل خطورة، لاعتبارين: أولاً: أن الدار لا تنتج معرفة.. إذ تظل الوثائق حبيسة أدراجها ولا تتحول إلى أبحاث ودراسات كاشفة ومفيدة.. الأمر الثانى أن قلة عدد الزائرين يمكن أن تؤدى إلى سهولة سرقة الوثائق، لأن الرقيب الأكثر فعالية على سلامة هذه الوثائق هو إتاحتها للجمهور الذى سيدرك اختفاء أى وثيقة أو تلفها فور حدوث ذلك.. وأنا لم أسمع بسرقة أى وثيقة خلال الـ٢٠ عاماً الماضية التى ترددت خلالها على دار الوثائق.

هل تشارك الكثيرين مخاوفهم من عبث القيادات الإخوانية للدار بالوثائق التاريخية التى تخص تاريخ التنظيم؟

بكل تأكيد، لأن الإخوان تنظيم سرى والعقلية الأمنية مهيمنة عليه، خصوصاً فى ظل سيطرة الكوادر القطبية المتشدّدة التى تقود التنظيم الآن.. ثم إنه لم يفصح عن تاريخه، ولم يقدم أى رؤية نقدية، ولم يعترف أو يعتذر عن أخطاء الماضى، وقطعاً دار الوثائق تضم وثائق البوليس السرى عن الإخوان، ومن غير المعقول ألا تكون لـ«حادثة المنشية» أو تورّطهم فى اغتيال «النقراشى» وغيره وثائق، وهم -فى إطار رغبتهم فى تحسين صورتهم- لهم مصلحة فى اختفاء بعض هذه الوثائق. والحل فى تخفيف القيود الأمنية وإتاحتها للباحثين حتى لا يضطر رجل مثل وحيد حامد إلى الاستعانة بالأرشيف البريطانى، بدلاً من دار الوثائق المصرية فى إعداده لمسلسله «الجماعة».

وهل التخوّف يتعلق بمحو الوثائق التى تخص الإخوان فقط؟

الخوف كل الخوف أن تمتد أيديهم للعبث بوثائق ومخطوطات تمس الشريعة الإسلامية، فدار الكتب غنية بالمخطوطات الأصلية التى تتحدث عن الشيعة وعقيدتهم ومخطوطات بالفارسية والعربية تتحدث عن القرآن والتشريع وتاريخ يمس صُلب العقيدة الإسلامية والفقه الإسلامى، وهو ما قد يرى فيه الإخوان نوعاً من الكفر أو الإلحاد أو المساس بالثوابت، ويعملون على تدميرها، هذا بخلاف مخطوطات «ألف ليلة وليلة» وكتب السحر والخيال، وكل ما يختلف عن منهجهم، خصوصاً أنهم تنظيم لا يقدّر الوثائق والآثار والتاريخ.

وما الحل من وجهة نظرك؟

الحل ليس بسياسات قصيرة المدى أو الضغط لإقالة قيادات حالية، ولكن الحل فى الضغط على المجلس التشريعى لتمرير قانون تداول المعلومات وقانون الوثائق، بحيث يصبح من حق أى مواطن مصرى أن يدخل أى مؤسسة ويطلع على كل الوثائق والمعلومات والمستندات بطلب رسمى يقدّم إلى الإدارة المختصة، وبإصدار هذه القوانين سيصعب على أىٍّ من كان أن يُتلف ورقة أو يخفى معلومة تخوّفاً من افتضاح أمره، فالشعب هو الجهة الوحيدة الذى بمقدوره أن يحرص تاريخه ويقف على بوابته ويمنع دخول أى معتدٍ، لا أن يتركه كالبيت الخرب عرضة لعبث اللصوص والمفسدين والمخربين.

هناك من يقترح الاستعانة بالجيش وتشكيل لجنة من قيادات القوات المسلحة لتولى أمور دارى الكتب والوثائق؟

تلك كارثة بكل المقاييس، وكأن المثقفون يستجيرون من الرمضاء بالنار «نخرج من حفرة نقع فى دوحديرة»، ولماذا لا يكون الحل بتشكيل لجنة من المثقفين أنفسهم من أصحاب الثقة والفهم أو من العاملين بالوثائق، لا أن نتركها فى يد من لا نستطيع محاسبته.

باعتبارك باحثاً يتعامل مع دار الوثائق منذ سنوات طويلة، كم عدد وثائق الدار وما أقدمها؟

لا يوجد حصر دقيق ومتفق عليه لعدد الوثائق والمكاتبات الموجودة فى دار الوثائق، لكنها لن تقل عن ٥ ملايين وثيقة.. وهى عبارة عن مكاتبات الحكومة وإداراتها المختلفة منذ القرن الـ١٣ الميلادى تقريباً وأقدمها «حجج الأمراء والسلاطين المملوكية» التى أدرجتها منظمة «اليونيسكو» فى قائمة التراث العالمى، وهى وثائق ملكية مختلفة، بعضها يصل طوله إلى ٧ أمتار وأحياناً تكون مكتوبة بماء الذهب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.