Press "Enter" to skip to content

المؤرخ خالد فهمى يحلل كتاب "الزحف المقدس".. وكيف تأخر 28 يناير أربعين عامًا

  في نُشر في “بوابة الأهرام” ٢٥ ابريل ٢٠١٣

%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d9%88%d9%86%d8%b3
شريف يونس وخالد فهمي

على بعد مئات الأمتار من تظاهرات مؤيدي القضاة، قبيل انعقاد جمعيتهم العمومية الطارئة رافعين صورًا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، في مفارقة كبرى إذ كان عبد الناصر -بحسب مؤرخين عدة- كان أول من قام بما عرف بـ”مذابح القضاة” التي احتلت جزءًا لا بأس به من كتاب المؤرخ شريف يونس “استقلال القضاء” 2007، جلس المؤرخ خالد فهمي ليناقش كتاب يونس الأخير “الزحف المقدس.. مظاهرات التنحي وتشكل عبادة ناصر”.

وأعيد طبع كتاب “الزحف المقدس” مؤخراً، وينشغل بتحليل مفارقة فريدة في التاريخ، حين خرجت الجماهير يومي 9، و10 يونيو 1967 تأييداً للقائد جمال عبد الناصر هاتفين بحياته رغم هزيمته حينها.

وفي استعراضه لكتاب يونس، الأستاذ بجامعة حلوان، قال فهمي إن الكتاب يحلل الأيديولوجية الناصرية، عبر التركيز علي مظاهرات التنحي التي خرجت يوم 9 و10 يونيو تطالب الرئيس جمال عبد الناصر عن العدول عن قرار تنحيه.

ويبدأ يونس الكتاب برفض التفسيرين التقليديين، لخروج تلك المظاهرات، الأولي الذي يقول إنها خرجت عفوياً، والثاني الذي يقول بأنها معبأة من قبل النظام، وبدلاً من الاستسلام لهذين الطرحين، اللذين يراهما يونس على أنهما يدوران في فلك الخطاب الناصري، ويحاول أن يحلل الأحداث.

ولكي يفهم يونس تلك المظاهرات، يعود إلى العام 1954 مع تولي ناصر للحكم ولا يتوقف سوى عند 28 سبتمبر 1970، مع وفاة ناصر، التي ربما لم تكن علامة على انتهاء حقبة كما يبدو. ويأخذنا يونس في رحلة عبر هذه الأعوام لمعرفة كيف تحول الشعب إلي هذا القطيع، محللاً مفردات الخطاب الناصري، ومفاهيمه عن الثورة والجيش كطليعة ثورية.

وفي سبيل ذلك، يقوم شريف يونس بتحليل مقتطفات من خطابات الكتاب الأشهر في عهد ناصر، أمثال مصطفى محمود وإحسان عبد القدوس، والتي يمتدحون فيها ناصر بشكل لا مثيل له، ويقول فهمي إن هدف يونس من هذا ليس فضح تلك الخطابات أو إظهار أن ما فيها نفاق من عدمه، ولكنه يرصد في تلك الخطابات جملة من المشاعر والأفكار التي سادت وسيدت في آن واحد ويحاول فهم كيف سادت هذه الأفكار وتم تسييدها في المجتمع ككل، الذي قادته الناصرية التي أنتجت هزيمة مروعة بكل المقاييس، هزيمة يونيو 1967 التي لطالما رآها فهمي، كهزيمة لمجتمع وانهياراً لقيم وليست فقط هزيمة عسكرية أو سياسية.

وتمثل مظاهرات التنحي مفارقة كبرى، بنظر فهمي، إذ تمثل حادثة فريدة في التاريخ، فمع هزائم بحجم يونيو 1967 والتي انتهي بعدها 90% من عتاد الجيش المصري، ودمر سلاح طيرانه في 20 دقيقة، ما ينتظر المرء حدوثه بعد ذلك هو انقلاب قصر أو ثورة، أما أن تخرج الجماهير لتؤيد وتهتف بحياة القائد المهزوم المعترف بهزيمته فهذه حادثة تحتاج لتوقف.

من ضمن النقاط المركزية بالكتاب الذي لا تتعدى صفحاته المائتي صفحة، ويمثل جزءاً من مشروع يونس الأكبر، وهو “نداء الشعب”، الذي ضمنه أطروحته للدكتوراه وقدمت تاريخاً نقدياً للأيديولوجية الناصرية، تحليل يونس لخطاب التنحي، الذي يعتبر خطاب استقالة.

يرى يونس كما سرد فهمي، أن الخطاب الذي كتب بحرفية عالية، أريد به أن يؤدي لمظاهرات التنحي، ليس عبر تقنية الكتابة فقط ولكنه عبر كونه خطاباً موجها، فالمفترض في خطابات الاستقالات الرئاسية ألا تكون موجهة للشعب، ولكن تقدم للبرلمان، لكن ما حدث أن الخطاب أذيع للناس، وجاء طويلاً بأكثر مما يحتمل خطاب استقالة ما يوحي أنه ليس بخطاب شخص يخرج ليقول إنه راحل.

وأخيراً جاء الخطاب بعد أن حدثت الهزيمة والدولة في حالة شلل تام، ولا أحد يتصرف أو يأخذ موقفا أو يتحدث، فقط الزعيم ناصر هو من يظهر على الساحة ليخاطب الشعب، ولا يجد الشعب أحداً سواه.

خلق الخطاب حالة وجودية كان حلها النزول للشارع ومطالبة ناصر بالعدول عن الاستقالة في حداثة فريدة يخرج فيها الناس لمنح قائد مهزوم قبلة الحياة.

يمثل الكتاب مدخلاً جديداً لفهم حقبة كاملة، هي الحقبة الناصرية، عبر تحليل خطاب تلك الحقبة، التي لم تكن في النهاية كما يرى فهمي سوى خطاب، وإنجازها الحقيقي هو في إنجاز هذا الخطاب الذي كانت كارثة النظام الناصري أنه أصبح أسيراً لهذا النظام ولم يستطع الإفلات منه أو التراجع عنه حتى وهو يدرك أنه مقدم على مواجهة عسكرية هو ليس مستعداً لها على أقل تقدير.

لا يتعلق الخطأ في الناصرية، بشخص ناصر، ولكن بعبادة الفرد التي كرسها النظام وتعود أصولها لما قبله، من الحقبة التي تعرف في التاريخ الحديث بالحقبة الليبرالية، والتي تبدأ مع العام 1923.

ويقول شريف يونس، إن الأمر بالنسبة له لم يكن أن نظام ناصر نظام ديكتاتوري، فالديكتاتوريات كثر، ولكن المعضلة كيف أن تلك الديكتاتورية حصلت علي شعبية غير مسبوقة التف حولها الجمهور ووصلت ذروتها مع خروج الناس لتأييد نظام تلقى ضربة قاصمة لتمنحه القوة مرة أخرى.

تكمن المشكلة في نمط شرعية النظام، ليس نظام ناصر أو دولة يوليو فحسب، ولكن الشرعية التي أسست عليها الدولة المصرية الحديثة، وتكبح هذه الأزمة داخلياً كل القوى الاجتماعية وتمنعها من إحداث تغيير اجتماعي أو سياسي. بني نظام ناصر شرعيته بإخراس كل الأصوات ليسود ويتغلب هو، ويقودنا إلي مشاهد كانت مجملها زحفاً نحو الهاوية.

اختتم شريف يونس، حديثه بأن ما كان يجب أن يحدث في 9 و10 يونيو حدث يوم 28 يناير 2011، حين خرجت الجماهير لا لتؤيد زعيماً مهزوماً ولكن لتكسر سلطة متجبرة، ربما أتي هذا اليوم متأخراً، حوالي 40 عاماً لكنه فتح الطريق ربما أمام بناء شرعية مختلفة تخرج بنا من تلك الأزمة.

One Comment

  1. Mohamed Ali
    Mohamed Ali 09/10/2018

    اعترف أحد الأشخاص بلغ من العمر حوالى 67 أنه شاهد على تزوير هذا اليوم وأنه أحصر بنفسه خطاطا ليساعد الحكومة فى كتابة لافتات تأييد ناصر واستجدائه رغم هزيمته المنكرة ومنكرة لأنها نتيجة تقصير ومجاملات وتفنن فى سرقة الشعب وقمعه على رأسها على تعيين حمار لقيادة الجيوش خسر 56 رغم إبلاغه بموعدها من رفعت الجمال ، وخسر طائراته فى 20 دقيقة رغم إبلاغه من نفس الشخص بموعد الضربة هل هناك قائد فى التاريخ المصر أفشل من عبد الحكيم عامر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.