Press "Enter" to skip to content

أين وثائق حرب اكتوبر؟

نُشر في فيسبوك في ١٣ ابريل ٢٠١٣

بخصوص وثائق حرب أكتوبر …… أود إعادة التركيز على نقطة البداية، ألا وهي الوثائق التي يمكن بها إعادة قراءة هذه الحرب. وأود هنا طرح النقاط الآتية:

1. لا توجد وثائق رسمية متداولة عن هذه الحرب، فالجيش لم يسمح لأحد بالاطلاع عليها.

2. الوثائق غير المذكرات، ومع احترامي للشاذلي وللجمسي ولغيرهما من قادة هذه الحرب الذين كتبوا مذكرات، فالحقيقة تبقى أن المذكرات، بطبعها تعكس رؤية كاتبها. أما الوثائق الرسمية فتعكس رؤية مؤسسة وليس رؤية شخص، وهذا فارق كبير.

3. نحن لم نعتد قراءة تاريخ “موثق”، أي مبني على وثائق وليس رؤية أفراد، ولذا فإن الغالبية العظمى من الناس لا تدري ما الذي أعنيه عندما أتكلم عن وثائق مؤسسة، ولذا سوف أطرح مثالا يعود لحروب محمد علي التي درستها عن قرب.

دار الوثائق القومية تحتوي على عدد كبير من وثائق جيش محمد علي، وتقدم هذه الوثائق صورة قد تتطابق وقد تختلف عن رؤية محمد علي نفسه لهذه الحروب والمعارك التي خاضها جيشه. فمثلا تحتفظ دار الوثائق بمكاتبات عديدة متبادلة بين محمد علي وابنه إبراهيم، قائد قواته، توضح ليس فقط رؤيتهما لعدوهما ومواطن القوة والضعف فيه (مثل: “الباشوات في اسطنبول منقسمون ويجب زيادة الفرقة بينهم”، “يجب الحذر من تقارب الروس مع العثمانيين”، “يجب عدم الاعتماد على مناصرة فرنسا لنا”، “أخشى ما نخشاه هو ثورة الشوام علينا”) ولكن أيضا مواطن ضعفهما، الأب والابن، (مثال: “لا يمكننا زيادة الضغط على الفلاحين بتجنيدهم أكثر مما فعلنا وإلا ثاروا علينا”، “مقدار الضرائب التي نجبيها من الشام أقل من تكلفة إقامة الجيش هناك، وبالتالي فإن احتلالنا للشام مكلف اقتصاديا”، “يجب الحذر من ولاء بعض ضباطنا إذ أنه من الممكن جدا أن ينحازوا لاسطنبول”). هذا بالإضافة إلى مكاتبات إدارية عديدة تبين أشياء مثل: تقارير استخباراتية (مع خرائط !!) عن مواقع العدو واستحكاماته، ومواقف القبائل في الشام والأناضول تجاه الفريقين المتصارعين؛ مكاتبت متبادلة بين أفرع الجيش المختلفة تتعلق بالتدريب والإمداد وتحريك القوات وخطوط المواصلات؛ سجلات المحاكمات العسكرية للجنود والضباط على جرائم تبدأ من سرقة طشط نحاس من خيمة أحد الجنود، لإحضار مومسات داخل المعسكر، للهروب، وحتى للخيانة العظمى!!

كل هذه المكاتبات الإدارية تمكننا من رسم صورة دقيقة للجيش من الداخل: مدى جاهزيته للقتال، الروح المعنوية لجنوده وضباطه، الهوة الشاسعة التي تفصل القادة عن الجنود، الأداء القتالي لوحدات بعينها في معاررك بعينها، إلخ ويمكن لمن يريد قراءة كتابي، كل رجال الباشا، لمعرفة كيف تمكنت (أو لم أتمكن) من استخدام هذه الوثائق في كتابة “موثق” تاريخ الجيش.

4. هذه الوثائق بطبيعتها تقدم لنا صورة مختلفة ، نوعيا، عن الصورة التي تقدمها المذكرات الشخصية، أيا كان كاتبها، قائدا كان أم نفرا جنديا. فالوثائق الإدارية ، بتفاصيلها يمكن أن تبوح بمعلومات قد تكون تافهة ولكنها يمكن أن تحسم جدلا على أعلى درجة من الأهمية. فمثلا، وإذا تحولنا إلى حرب أكتوبر، وتحديدا إلى الخلاف الأزلي بين رؤية السادات ورؤية الشاذلي عن المتسبب في الثغرة، فيمكن بالاطلاع على السجلات ترجيح كفة إحدى هذه الرؤيتين على الأخرى. فالسادات مثلا يقول في مذكراته إن خطة الشاذلي لاحتواء الثغرة كما قدمها لقادة الجيش يوم ٢٠ أكتوبر كانت تنص على سحب الجيش كله من سيناء حتى يتمكن من دحر القوات التي دفعت بهم إسرائيل لغرب القناة، وإن كل القادة العسكريين عارضوه في ذلك. أما الشاذلي فيقول إن خطته شملت سحب أربعة ألوية فقط وترك الباقي في سيناء. هنا السؤال الأساسي: من منهما على صواب، السادات أم الشاذلي؟ وهنا تحديدا تكمن أهمية السجلات. أنا افترض أن هناك تفريغا لما دار في هذا الاجتماع الهام وأن الجيش لديه محضر هذا الاجتماع وأن هذا المحضر مسجل فيه آراء الفريقين.

أنا بقى عاوز أقرأ المحضر ده. أنا زهقت من الشاذلي والجمسي والسادات. أنا عاوز السجلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.