نُشر في فيسبوك في ١٢ ابريل ٢٠١٣
من مركز النديم: ترجمة الحلقة الأولى من تسريبات الجارديان لتقرير لجنة تقصي الحقائق
تقارير: جيش مصر ساهم في التعذيب والقتل خلال الثورة
بعض الوثائق المسربة تلقي الضوء على جرائم، بما في ذلك جرائم الاختفاء القسري، خلال الثورة ضد حسني مبارك.
إيفان هيل ومحمد منصور من القاهرة
الجارديان، الأربعاء 10 أبريل 2013
شاركت القوات المسلحة المصرية في الاختفاء القسري والتعذيب والقتل في أنحاء البلاد – بما في ذلك في المتحف المصري – خلال ثورة 2011، حتى في الوقت الذي أعلنت فيه القيادات العسكرية حيادها، وذلك بعد تسريب تقرير رئاسي لتقصي الحقائق بشأن جرائم فترة الثورة.
لازال التقرير المقدم إلى الرئيس محمد مرسي بواسطة لجنة من اختياره في يناير لازال غير معلن. لكن أحد فصوله، الذي تم تسريبه لجريدة الجارديان، يكشف تورط العسكر في مجموعة من الجرائم ضد المدنيين، مع بداية انتشارهم في الشوارع. ويوصي هذا الفصل بأن تقوم الحكومة بالتحقيق مع أعلى الرتب في القوات المسلحة لتحديد المسئول.
يقال أن أكثر من ألف شخص، بما في ذلك سجناء، فقدوا خلال الثمانية عشر يوما من الثورة. وارتفع عدد الجثث في مشارح مصر ما بين من أطلق عليهم الرصاص أو من حملت أجسادهم علامات التعذيب. الكثيرون اختفوا تاركين وراءهم أسرا يائسة تتمنى، في أحسن الظروف، ان يكون أحباءهم في أحد السجون دون أن تكشف الحكومة عن ذلك.
نتائج هذا التحقيق عالي المستوى، الذي يدين القوات المسلحة المصرية المحاطة بالأسرار سوف يمثل ضغطا على مرسي، الذي استلم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد انتخابه في آخر يونيو من العام الماضي والذي امتنع حتى الآن عن ملاحقة أيا من الضباط برغم ادعاءات بتورط بعضهم في سوء المعاملة. كذلك قد ترد أسماء هذه القيادات عند اعادة محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته السابق حبيب العادلي، والمنتظر عودتهما يوم السبت لمواجهة اتهامات بمسئوليتهما عن قتل المتظاهرين أثناء الثورة – الأمر الذي قد يستند إلى أدلة جديدة كشفتها لجنة تقصي الحقائق.
يقول حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية “هذا الفصل يلقي الضوء على أحداث جديدة ومقلقة للغاية تورط القوات المسلحة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما أنه يكشف بشكل خاص عن تفاصيل جديدة بشأن أحد أكثر الجوانب غموضا خلال الثمانية عشر يوما من الثورة التي أسقطت حسني مبارك: وهو الدور الذي لعبته القوات المسلحة في دعم مبارك ضد المتظاهرين منذ يوم نزولهم للشارع في 28 يناير 2011 وحتى صدور التصريح العسكري الأول الذي دعم المتظاهرين يوم 10 فبراير”.
من بين الأحداث التي تناولها هذا الفصل، الذي يركز على مصير المفقودين أو المختفين قسريا، وجد المحققون ان القوات المسلحة كانت وارء عدد غير معروف، وإن كان الأرجح أنه كبير، من المدنيين ممن اعتقلوا عند نقاط التفتيش على الطريق السريع جنوب القاهرة، ولم يراهم أحد بعد ذلك: متظاهرون معتقلون أو ممن تعرضوا للتعذيب في المتحف المصري قبل نقلهم الى السجون العسكرية، مما أسفر عن مقتل واحد على الأقل، ثم تسليم 11 جثث مجهولة لمصلحة الطب الشرعي في العاصمة، ويعتقد انهم سجناء سابقون، دفنوا في مقابر الصدقة بعدها بأربعة شهور.
“لقد وجدت اللجنة أن عددا من المواطنين توفوا أثناء الاعتقال بواسطة القوات المسلحة وتم دفنهم في مقابر الصدقة، حيث اعتبروا “مجهولون” ثم يضيف التقرير ان السلطات لم تحقق في الأمر رغم وجود أدلة على الإصابات والتعذيب الشديد.
ويضيف التقرير “وأوصت اللجنة بالتحقيق مع قيادات القوات المسلحة بشأن اصدار أوامر وتعليمات لمرؤسيهم ممن اقترفوا أفعال التعذيب والاختفاء القسري”.
إحدى النساء التي أدلت بشهادتها للجنة، راضية عطيه، أخبرت الجارديان أن زوجها، أيمن عيسى، اختفى بعد ان احتجز في كمين مرور عسكري على طريق صحراوي جنوب القاهرة، على مقربة من هرم دهشور. يوم 30 يناير 2011 كان في الطريق إلى عمله في أشمنت، إحدى قرى بني سويف. الأرجح ان القبض على عيسى كان في وقت ما بين 7.30 و 8 صباحا، حسب قول عطا، أثناء حظر التجول المحدد من قبل الجيش. حين وصلت عطا الى نقطة التفتيش عصر ذلك اليوم بعد ان اتصل بها أحد الجيران شاهد عملية اعتقال عيسى، شاهدت عددا كبيرا من المدنيين مقيدي الأيدي والأرجل يرقدون على الأرض. عند سؤالها عن زوجها الغائب أرسلها ضباط نقطة التفتيش الى قسم شرطة تحت سلطة العسكر في الجيزة، الحي الغربي من العاصمة.
هناك شاهدت عطا الجنود وهم يركلون ويضربون المعتقلين عند وصلوهم من نقطة التفتيش. أحد الجنود ناول عطا جواز سفر زوجها وقال لها انه متهم بالتحريض ضد الجيش وأنه تم تحويله الى النيابة العسكرية.
حين حصلت عطا على تصريح من النيابة بزيارة زوجها في الهيكستب، وهي قاعدة عسكرية كبيرة بها سجن على الأطراف الشرقية للقاهرة، لم تجده هناك. كما فشلت شكواها لوزير العدل ووزير الداخلية والنيابة العامة والنيابة العسكرية في ان تكشف عن أي أثر لزوجها.
السلطات العسكرية امتنعت عن التعليق على التقرير وقالت ان الأمر قد يحتاج الى ثلاث أسابيع للرد عليه. وقال أحد المصادر في مكتب الرئيس أن مرسي لم يطلع على النتائج وانها محل تحقيق لدى النائب العام. وأضاف المصدر “أنه سوف يتم الإعلان عن النتائج فور ظهور النتائج” وأضاف “أن النتائج الواردة نتائج تحزيرية وغير موثوق بها. وأننا لم نحصل على النتائج من اللجنة بعد ولازال التحقيق جاريا.”
لفترات طويلة طالب المتظاهرون والسياسيون المعارضون بضرورة محاسبة العسكر على الأعداد الكبيرة من حالات ادعاء التكذيب والقتل خلال الانتفاضة والستة عشر شهرا التالية من الحكم العسكري. صحيح ان العسكر حاكموا أربعة عسكريين على الأقل، من بينهم ثلاث مجندين، على أحداث وقعت في أواخر 2011، لكن أيا من أعضاء القوات المسلحة لم توجه له اتهامات بسوء المعاملة أو القتل خلال الثورة. يقول محامو حقوق الانسان ان دستور مصر الجديد، الذي صدر بضغط من مرسي في ديسمبر، يمنح القوات المسلحة وحدها سلطة مقاضاة أعضاءها، مما جعل من المستحيل ملاحقة الجنود قضائيا.
تقول هبه مريف، مدير مكتب هيومان رايتس ووتش في مصر “هذا الدستور يمثل “حائلا أبديا”. وتضيف: “لقد قلنا من البداية انه لن تكون هناك أبدا محاسبة للقوات المسلحة من خلال القضاء العسكري. هذا ببساطة لن يحدث في مصر.”
بحثت لجنة تقصي الحقائق، المكونة من 16 فرد، عينهم مرسي في يوليو الماضي، في 19 واقعة عنف وقدمت تقريرا في حوالي 800 صفحة لمرسي والنائب العام، طلعت عبد الله. لكن أي منهما لم يعلن عن التقرير أو يعلق علانية على نتائجه وتوصياته.
ورغم مطالبات بعض محاميي حقوق الانسان، بما في ذلك عضو اللجنة أحمد راغب، بتكوين سلطة قضائية خاصة للنظر في الجرائم المرتكبة من قبل السلطات المدنية والعسكرية، الا أنه لم يتم توجيه أي اتهامات جديدة. أما “نيابة حماية الثورة” التابعة لعبد الله والتي وافق مرسي على انشائها في نوفمبر، فقد صرحت بأنها تحقق في الحالات الجديدة، لكنها لن تتمكن من اتهام ضباط عسكريين.
يقول راغب: “لقد توصلت اللجنة الى نتائج هامة، لكن مرسي للأسف لم يقم بدوره في الاعلان عن التقرير للعرض على الرأي العام ولم يتخذ أي خطوات جادة مع الجهاز الأمني المتورط في جرائم ضد المتظاهرين”.
مصر لم تنشئ قاعدة بيانات وطنية لتتبع أولئك المختفين ولم تخصص وزارة لمساعدة أسرهم، مثلما حدث في ليبيا بعد الثورة. ويزعم المجلس القومى لرعاية اسر الشهداء وجرحى الثورة، الذي تأسس في ديسمبر 2011، أنه دفع ملايين الجنيهات تعويضا لهم لكنه لا يتتبع المفقودين.
يقول نشطاء حقوق الإنسان أنه من الصعب بشكل خاص التحقيق في حالات الاختفاء. فالسلطات المصرية قد تتعمد الإهمال في الحفاظ على السجلات، كما أن حالات المفقودين العاديين قد يستحيل تمييزها عن حالات الاختفاء القسرى على ايدى قوات الامن.
يقول محسن بهنسي، وهو محام فى مجال حقوق الانسان وعضو لجنة تقصى الحقائق، ان الجيش و وزارة الداخلية رفضا تقديم أسماء الجنود والضباط في نقاط التفتيش ومراكز الشرطة ومراكز الاحتجاز حيث اختفى المدنيون. ويقول بهجت أن عدم تقديم الأسماء “هو فى حد ذاته مؤشر على التستر على جريمة”.
ويضيف بهنسي انه يعتزم مقاضاة القوات المسلحة والحكومة لحملهما على الكشف عن اسماء الضباط و عن قائمة مؤكدة بمن اعتقلوا.
يقول البهنسى وآخرون انهم لا يستطيعون بدقة تقدير عدد المختفين خلال الثورة. وقالت نرمين يسرى، التي ساهمت في عام 2012 في تأسيس حملة مستقلة للدفاع عن المختفين بإسم “هنلاقيهم” أن مجلس الوزراء المصري المعين من قبل العسكر في مارس 2011 أعلن عن 1200 بلاغ عن مفقود خلال الثورة. أما لجنة تقصي الحقائق فقد تمكنت من توثيق 68 حالة مفقود وذلك بعد جمع إفادات الشهود، وأقارب المفقودين والمعلومات التي حصلت عليها من نيابة القاهرة ومصلحة الطب الشرعي. وقال بهنسي انه يعتقد ان هناك مئات آخرين.
“هذا بالطبع عدد صغير للغاية. الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير” يقول حسن الأزهري، المحام بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، والذي تقدم ببلاغ لإجبار الحكومة على الإفصاح عن أسماء المعتقلين.
الجيش ووزارة الداخلية والمخابرات العامة لم يقدموا للجنة أي معلومات عن المدنيين الذين قد يكونوا اعتقلوا بدون تحديد هوياتهم ويقول بهنسي أن العديد من أسر المفقودين لم يتقدموا بشكاوى. لكن الأدلة التي جمعتها اللجنة تشير إلى موجة من الاعتقالات والتعذيب والوفيات.
بالإضافة إلى أربعة مدنيين على الأقل، وإن كان من المحتمل أن يكونوا أكثر من ذلك بكثير، ممن اعتقلوا على الحاجز بالقرب من أهرامات دهشور، جمعت اللجنة أيضا أدلة على قيام السلطات العسكرية باعتقال المتظاهرين من داخل ومحيط ميدان التحرير ونقلتهم إلى السجون الحربية خلال الثورة. ويقول بهنسى أن المحققون كشفوا عن استئجار ضباط المخابرات العسكرية المسلحة بكاميراتهم لغرف في أحد الفنادق الكبرى المجاورة للميدان يوم 25 يناير، في اليوم الأول من الاحتجاجات، وأنهم قاموا بمراقبة وتسجيل الأحداث اللاحقة.
وأضاف: “كان للمخابرات العسكرية أدلة على ما حدث لكنها أخفتها عن اللجنة والقضاء”.
لقد وجدت اللجنة ما يدل على أن واحدا من المتظاهرين على الأقل ممن اختفوا من ميدان التحرير أثناء الثورة ثم عثر عليه ميتا فيما بعد، قد تعرض للاعتقال والتعذيب بواسطة الجيش. إنه محام شاب من محافظة المنوفية، على مسافة 75 كم تقريبا شمال القاهرة. قال والده للجنة أن أسامة عبد الحميد سافر إلى القاهرة مع زملائه من أعضاء النقابة المحلية يوم 1 فبراير 2011 للمشاركة في المظاهرات. وقال كريم الغربالي، وهو صديق انضم لعبد الحميد في الميادان، أن صديقه كان يتحدث الانجليزية بطلاقة وانه كان يساعد الصحفيين الأجانب في ترجمة الشعارات واللافتات.
ويضيف الغربالي: بعد هجوم مؤيدي مبارك على الميدان يوم 2 فبراير فيما سمي بموقعة الجمل اختطف عبد الحميد بواسطة رجال بملابس مدنية واحتجز في الطابق السفلي من المتحف المصري.
شاهد آخر، هاني عزب، أخبر اللجنة بأنه وعبد الحميد نقلوا في عربات عسكرية مدرعة إلى المتحف في حوالي السادسة صباحا من يوم 3 فبراير حيث تعرضوا للتعذيب وتم تصويرهم بجوار سلاح وأموال. ويضيف عزب، أنه قبل فجر يوم 4 فبراير، تم نقله هو وعبد الحميد إلى سجن عسكري تديره وحدة عرف أن اسمها مجموعة الاستخبارات العسكرية 75، حيث تعرضوا للتعذيب وأجبروا على الاعتراف بجرائم. وأخيرا، قال عزب، تم نقل الاثنين واحتجازهما لمدة ثلاثة أيام في الهايكستب، حيث توفي عبد الحميد نتيجة التعذيب والضرب.
عبد المنعم علام، والد عبد الحميد، وجد جثة ابنه بعدها بإثنى عشر يوما، بعد أن نصحه أحد المحامين بالبحث في مشرحة زينهم بالقاهرة. وقال الوالد للجنة أن جثة ابنه كانت مشوهة من كثرة التعذيب وكانت تحمل علامات الصرب كما كانت جمجمته مهشمة.
وقال البهنسى والأزهري أن المئات من الناس الذين يعتقدون أنهم اختفوا خلال الثورة ربما يكونوا قتلوا. وبالإضافة إلى المتظاهرين الذين اختفوا والمدنيين الذين اعتقلوا من الشوارع، ما زال الآلاف من السجناء مفقودين، ويعتقد المحاميان أن الكثيرين منهم لقوا حتفهم.
القليل فقط هو المعروف عن الأحداث العنيفة التي عصفت بالسجون في مصر في الأيام التي تلت 28 يناير، عندما هربت الشرطة من مواقعها. وفقا لوزارة الداخلية، هرب حوالي 24 ألف سجين، أعيد اعتقال 21 ألف منهم حتى الآن. يقول تقادم الخطيب، وهو ناشط سياسي ممن عملوا مع لجنة تقصي الحقائق، أن العديد من السجون تعرضت لهجمات منظمة من قبل مجهولين وأن الحراس استخدموا الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في محاولات فاشلة لصد الاعتداءات وإخضاع السجناء المتمردين .
زعمت تقارير أخرى أن قوات الأمن قد سمحت عمدا بهروب السجناء من بعض السجون، بينما قام الحرس في سجون أخرى بفتح النيران وقتل عشرات السجناء الذين قاموا بأعمال شغب عندما سمعوا بفتح سجون أخرى. وادعى بعض الشهود أنه خلال الفوضى، ترك بعض السجناء تركوا محتجزين داخل السجون في حين هرب آخرون ثم أعيد القبض عليهم واختفوا بعدها.
في فبراير 2011، وجدت منظمة العفو الدولية أن السجناء الذين أفرج عنهم من سجن الفيوم يوم 28 يناير ثم اعتقلوا يوم 30 يناير عند نقطة تفتيش دهشور قد عثر عليهم متوفين في وقت لاحق. بعض الضباط أخبرا رجلين كانا يبحثان عن أشقائهما بين المعتقلين أن بإمكانهما السؤال في وزارة الداخلية عن مكان احتجازهم. وبعد مرور 9 أيام وجد الرجلان جثث أشقائهما في مشرحة زينهم، وعليها آثار تعذيب، وذلك من بين 68 جثة معرفة بأنها لسجناء الفيوم.
وفقا للبيانات المقدمة إلى لجنة تقصي الحقائق من قبل مكتب المدعي العام، استلمت مصلحة الطب الشرعي رسميا 19 جثة مجهولة الهوية خلال الثورة، من بينها 11 جثة تم تسليمها إلى الطب الشرعي من قبل النيابة العسكرية، ومن بينها 10 جثث عرفت باعتبارها لسجناء من سجن الفيوم. وقد تسليم الجثث جميعها ما بين 2 و 8 فبراير 2011.
أما حالات الاختفاء الأخرى التي وردت بالتفصيل في تقرير اللجنة فيظل تفسيرها أكثر صعوبة
صباح عبد الفتاح، والدة محمد صديق 26 عاما، قال للجارديان أن ابنها، وهو عضو في حزب الكرامة المعارض، اختفى بعد مغادرة المنزل للاشتراك في المظاهرات يوم 28 يناير. يوم 11 فبراير، يوم تنحي مبارك، أرسل صديق رسالة على محمول أقاربه كتب فيها: كلمني. حين تمكنت والدته من الوصول إليه على هاتفه المحمول كان صديق محاطا بأصوات وأصوات سيارات، وكأنه في سيارة مزدحمة.
“أيوه يا أمي، أنا مح..” ثم انقطع الخط وتعتقد الأم انه إما كان ينطق اسمه، محمد، أو يقول لها أنه محبوس.
عندما اتصلت الأم بهاتف صديق مرة أخرى في وقت لاحق من تلك الليلة، أجابها صوت رجل وسبها. على مدى ثلاث شهور لم تتلقى جوابا آخر على رقم ابنها وحين أجابها أخيرا رجل آخر بعد هذه الفترة قال لها انه اشترى الخط. وبعد مرور شهر، أجابها رجل ثالث، وأوضح أن شقيقه، وهو جندي في الجيش، عثر على بطاقة الهاتف بالقرب من الجبل الأحمر، وهو معسكر أمن مركزي معروف في القاهرة. عندما زارت الأم منطقة الجبل الأحمر، قال لها السكان أن السجناء كانوا محتجزين في المعسكر خلال الثورة ولكن أفرج عنهم.
يقول الأزهري أن عددا من العائلات الذين واصلوا الاتصال بهواتف أقاربهم المختفين كان يجيبهم سكان من الحي يقولون أنهم وجدوا كروت الهواتف في أكوام القمامة خارج الجبل الأحمر.
تقول عبد الفتاح أنها ظنت ان الجيش اعتقل المدنيين سرا أثناء الثورة، وأن بعضهم حكم عليه. وتضيف أنها سمعت من أصدقاء للأسرة في أجهزة المخابرات أن ابنها حكم عليه بثلاث سنوات وأنه على الأرجح في أحد السجون الحربية. وتعتقد مريف ونشطاء حقوق إنسان آخرون أن هذا أمر غير مرجح للغاية حيث أن الآلاف من المدنيين الذين قدموا لمحاكمات عسكرية منذ 2011 نقلوا إلى سجون مدنية بعد الحكم بشأنهم حيث يمكنهم في العادة الاتصال بأسرهم.
تعتقد عبد الفتاح أن ابنها سوف يعود، بعد أن يقضى مدته، إلى منزل الأسرة، في نهاية زقاق خلفي غير معبد في حي الزيتون حيث صورة ابنها على الحائط فوق أحد أرفف الكتب. ويقول محامو حقوق الإنسان أن أغلبهم لا يعود أبدا.
تقول يسرى، من مجموعة “هنلاقيهم” ان قوات الأمن تحاول أن تخفي من قتلوا أثناء فترة احتجازهم “لكي يصعبوا على الأسر إيجاد أبنائهم ومن ثم أيضا لحماية أنفسهم من الإدانة”.
وتضيف يسري: “أنا نفسي كنت أهتف “الجيش والشعب ايد واحدة” لكن قد نكتشف الآن ان الجيش لم يكن يوما في صفنا. أعتقد أنهم كانوا يحاولون كسر الثورة. لقد أرادوا أن يحتووها وأن يخيفوا الناس وأن يرهبوا الناس من الذهاب إلى الميدان