Press "Enter" to skip to content

الأمن القومي والحق في المعرفة

نُشر في “أخبار الأدب” في ١٨ مايو ٢٠١٢

عند الحديث عن الدستور الجديد وعما نود أن نراه فيه يدور الكلام عادة حول المادة الثانية المتعلقة بالشريعة الإسلامية. وفي أحيان أخري يدور الحديث عن ضرورة تعديل الفصل الخامس من دستور ١٩٧١ الذي يضبط علاقة سلطات الدولة بعضها ببعض. 

وعلي أهمية هذين الموضوعين أري أن نولي موضوعا آخر أهمية قصوي، وهو مبدأ حرية الرأي والحق في المعرفة. فمن ضمن الكثير من المبادئ العامة والحقوق التي نود أن نؤكد عليها في دستورنا الجديد ينبري مبدأ الحق في المعرفة وحرية الرأي كمبدأ حاكم تندرج تحته الكثير من المبادئ والحقوق التي لا تتحقق إلا به.

ينص دستور ١٩٧١ في مادة ٤٧ علي أن ” حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون.” وقد يظن البعض أن هذا النص كاف لحماية مبدأ الحق في المعرقة وحرية الرأي وأنه لا ضرورة لتعديلة بالحذف أو الإضافة.

ولكن هذه المادة في رأيي تعاني من عيبين خطيرين، الأول هو ذلك النص المشئوم، “في حدود القانون”، الذي نراه في الكثير من مواد الدستور والذي يعطي للمشرع الحق في إصدار قوانين تنتقص من المبادئ الذي تتناولهاهذه المواد نفسها. ففي حالتنا يعطي هذا النص للمشرع الحق في إصدار قوانين تنتقص من مبدأ الحق في المعرفة وحرية الرأي بدعوي “الحفاظ علي النظام العام”، أو “عدم التعرض لقيم المجتمع”، أو “الدفاع عن الأمن القومي”. يجب أن ينص دستورنا الجديد علي مبدأ حرية الرأي بشكل مطلق، وإن لزم الأمر عليه أن يوضح في مواده حدود هذا الحق وضوابط هذه الحرية، لا أن يتركهما للمشرع ليحددهما وينظمهما.

أما العيب الثاني في هذه المادة الذي أتمني تلافيه في الدستور الجديد فهو تركيزه علي الحق في التعبير وعدم تطرقه للحق في المعرفة. يجب علي الدستور الجديد أن ينص صراحة علي حق المواطن في الحصول علي المعلومات والبيانات، فمن البديهي أن الحصول علي المعلومات بكافة أشكالها ضروري لكي يتمكن المرء من تكوين رأي واتخاذ موقف، إذ بدون ذلك لن يكون هذا الرأي مبدنيا علي بصيرة وتروي.

ومن المتوقع أن يتبادر للكثيرين أن الحق في الحصول علي المعلومات لا يمكن أن يكون حقا مطلقا بل يجب تقليصه بحيث لا يتعارض مع ضرورة الحفاظ علي الأمن القومي.ومع ما قد يكون لهذا الرأي من وجاهة، إلا أني أراه رأيا خطيرا يجب دحضه والتصدي له. فمفهوم الأمن القومي مفهوم مطاط غير دقيق وكثيرا ما يُعرّف بشكل واسع يشمل جميع مناحي الحياة، الأمر الذي يؤديلحجب الكثير من المعلومات الضرورية.

يجب علي دستورنا الجديد أن يقرن مبدأ حرية التعبير بمبدأ الحق في المعرفة وبضرورة الإفصاح عن المعلومات. فالإفصاح عن المعلومات هو الذي يساعد المواطن علي تكوين رأيه وعلي تدعيم هذا الرأي بالحقائق، الأمر الذي يمكنه بالتالي من ممارسه مبدأ المواطنة وليس مجرد ترديده كالبغبغاء، وهو الذي يمكن المجتمع من كشف الفساد والتصدي له. كما أن الحق في الحصول علي المعلومات ضروري لإقامة مجتمع المعرفة وأساسي لتحقيق الحرية الأكاديمية. وهو أخيرا ضروري ولازم لإزدهار الاقتصاد ولإقامة المشاريع الاقتصادية علي أسس علمية. لكل تلك الأسباب فإن الأمن القومي، ذلك الأمن القائم علي ازدهار الاقتصاد والتصدي للفساد وممارسة المواطنة وتعميق الانتماء وتشجيع البحث العلمي، سيزدهر كلما توسعنا في الإفصاح عن المعلومات، وليس العكس كما تعتقد الجهات الأمنية.

يجب أن يعكس دستورنا الجديد فلسفة جديدة عن الأمن القومي وعلاقته بالإفصاح عن المعلومات، فلسفة لا تري تعارضا بين الحق في المعرفة والحفاظ علي الأمن القومي، فلسفة تري أن الإفصاح عن المعلومات، في حقيقة الأمر، يحافظ علي الأمن القومي ولا يهدده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.