Press "Enter" to skip to content

ضرورة تحالف الإسلاميين مع العلمانيين

نُشر في “أخبار الأدب” في ٦ مايو ٢٠١٢

إن الأزمة السياسية العميقة التي نمر بها الآن لها بالطبع أسباب كثيرة ولكن يمكن القول إن من أهم تلك الأسباب أن الثورة، وإن استطاعت أن تقصي بعضا من رموز النظام السابق، قد أفرزت ثلاثة فصائل رئيسية لم يتمكن أي منها من فرض إرادته علي الفصيلين الآخرين وفشل بالتالي في ترجمة الزخم الذي وهبته له الثورة إلي حقائق سياسية ودستورية ومؤسسية ثابتة. 

فالمشهد السياسي الراهن مشتت بين الإسلاميين، من جهة، بإخوانهم وسلفييهم مع ما بداخل هاتين المجموعتين من اتجاهات وتيارات ورؤي، وبين العسكر، من جهة ثانية، مع ما يرمز له هذا المصطلح من مؤسسات الدولة العميقة من مخابرات عامة ومخابرات حربية وشرطة وأمن دولة/وطني وشرطة عسكرية وعلاقات وتربيطات اقتصادية وأمنية عميقة وغير مرئية، وبين ما يمكن تسميته، من جهة ثالثة، “قوي التحرير” التي فجرت الثورة والتي تميزت بالحيوية والنشاط والابتكار ولكنها تميزت أيضا بالتعدد والتشرذم وانعدام الخبرة السياسية.


لم تسفر الثورة عن وضع يسمح لأي من هذه القوي الثلاث بأن تنفذ أهدافها بشكل منفرد. فالإسلاميون رغم أغلبيتهم البرلمانية فشلوا في فرض رؤيتهم علي “قوي التحرير” في معركة تشكيل الجمعية التأسيسية، كما فشلوا في انتزاع التحكم في الحكومة من المجلس العسكري. أما الجيش فبالرغم من احتكامه علي السلاح وبالرغم من إمساكه بمقاليد الأمور سواء بناء علي الإعلان الدستوري أو إعمالا لقوانين الدولة العميقة لم يستطع أن يخلق إجماعا شعبيا علي ضرورة حماية مصالحه المترامية واستثنائها من الرقابة البرلمانية والشعبية، بل تدنت شعبيته بشكل واضح يوما بعد يوم. أما “قوي التحرير” فبرغم من نجاحها المبهر في حشد الجماهير في أيام الثورة وبالرغم من حضورها الواضح في الكثير من المحافل الإعلامية والفنية والثقافية وحتي السياسية، إلا أنها تفتقر للكيانات المؤسسية التي تمكنها من فرض رؤيتها علي مسار التحول الديمقراطي التي تشهده البلاد.


وبالتالي فإن المخرج الوحيد من هذه الأزمة السياسية يتمثل في تحالف اثنتين من هذه القوي ضد الثالثة، وبما أنه من المستبعد أن تتحالف “قوي التحرير” مع العسكر فيبقي السؤال: هل سيتحالف الإسلاميون مع العسكر أم يأخذون صف “قوي التحرير”؟


طوال شهور الصيف الماضي ونحن نسمع عن صفقات تعقد بين المجلس والإخوان، والأمر ليس مستغربا بل طبيعيا ومتوقعا، فالجيش بعد أن فقد راعيه وعرابه، مبارك، بات في أمس الحاجة لإيجاد حليف سياسي يضمن له الإبقاء علي امتيازاته ويتعهد له بالعمل علي تحصين هذه الامتيازات بنصوص دستورية تستثنيه وميزانيته من الرقابة البرلمانية والشعبية. علي أن الانتصار الكبير الذي حققه الإسلاميون في الانتخابات التشريعية وضعهم في موقف يحمل فيه التحالف مع الجيش خسارة أكبر من أي مكسب قد يحققونه، فالجيش الآن يحتاجهم أكثر من حاجتهم هم إليه. علي أن معركة سحب الثقة من الحكومة أثبتت أيضا أن الإسلاميين وحدهم ليس بمقدورهم فرض إرادتهم علي المجلس العسكري.


وبالتالي يبقي خيار تحالف الإسلاميين مع “قوي التحرير” بيسارييها وفنانيها وعلمانييها ومثقفيها، وهو الخيار الذي لا أري له بديلا حتي تنتصر هذه الثورة. أقول هذا ليس فقط لأني أعتقد أن الجيش هو أهم وأخطر عدو لهذه الثورة، بل لأني أعتقد أيضا أن ما يجمع إسلاميي هذه الثورة مع علمانيها وفنانيها أكبر وأعمق بكثير مما قد يختلفون حوله.


إن مشروع الحداثة المصري، قام علي اصطناع صراع بين الإسلام والحداثة، وروج لضرورة إقامة دولة قوية، عمادها الجيش ومؤسساته العميقة، تدير هذا الصراع لصالح الحداثة. هذا المشروع في رأيي أثبت فشله علي كافة الأصعدة طوال القرنين الماضيين، وآن له أن ينهار وأن نستبدله بمشروع حداثي آخر يحفظ لنا كرامتنا، ويؤسس لدولة جديدة تكون خادمة لنا مؤتمرة بأمرنا، ويعيد التجانس بين الإسلام والحداثة. كل هذا لن يحدث إلا إذا تحالف الإسلاميون مع العلمانيين ضد الجيش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.