Press "Enter" to skip to content

أين قضايا التعذيب؟

نُشر في “أخبار الأدب” في ٢ أكتوبر ٢٠١١

في أحد أيام شهر يوليو ٢٠٠٧ اقتيد الطفل محمد ممدوح عبد الرحمن البالغ من العمر 12 عاما إلي قسم شرطة مركز المنصورة بتهمة سرقة باكو شاي من دكان بقال بجوار منزله المتواضع. وفي الحجز قام ضباط الشرطة بضربه ضربا مبرحا وإطفاء السجائر في مناطق متعددة في جسمه حتي ساءت حالته جدا، فتم نقله إلي المستشفي العام الدولي لتلقي علاجه بها، وبعد فترة علاج قصيرة ركبت له فيها قسطرة ومحاليل أعيد مرة أخري إلي حجز قسم شرطة مركز المنصورة وهو في حالة إعياء شديد، ولم يكن له مكان في الحجز فترك في طرقات القسم دون رعاية حتي تعفنت أجزاء كثيرة من جسده.

 
ويبدو أن ضباط الشرطة الذين قاموا بتعذيبه احتاروا في أمره وخافوا أن تزداد حالته سوءا فيموت في الحجز، فقرروا وضعه في سيارة سرفيس وإلقاءه في بلدة أخري، علي أن بعض المواطنين بلدياته تعرفوا عليه فقاموا بتوصيله إلي منزل أسرته، وبعد ساعات قليلة لفظ محمد أنفاسه الأخيرة أمام والدته وأخوته.


الأم الفقيرة المعدمة لم تسكت علي حق ابنها وصممت علي معرفة ملابسات وفاته والتحقيق في الواقعة، إلا أن الشرطة قامت بدفن الجثة تحت جنح الظلام وبدون موافقة الأسرة. وبعد تصميم الأم علي استخراج الجثة وتشريحها رضخت النيابة وأمرت باستخراج الجثة وإجراء الصفة التشريحية، علي أن تقرير الطبيب الشرعي جاء مخيبا للآمال ومبرئا كل من ضباط الشرطة والطبيب المعالج ومؤكدا علي أن سبب الوفاة التهاب رئوي حاد صديدي.


وعبثا حاولت الأم أخذ حق ابنها ووصل الأمر بها إلي أنها استغاثت بالرئيس المخلوع الذي كعادته لم يعبأ بمأساتها فظلت تتردد علي أقسام الشرطة والنيابات لسنوات طويلة وما من مجيب لندائها.


إن قضية الطفل محمد ممدوح عبد الرحمن التي عرفت إعلاميا بقضية “قتيل شها” لم تكن بالطبع قضية التعذيب الوحيدة التي شهدتها سنوات حكم مبارك الطويلة، فالمنظمات غير الحكومية رصدت المئات من حالات التعذيب التي وقعت في الأقسام والسجون ومقار مباحث أمن الدولة. كما أصدرت المنظمات الدولية عدة تقارير في هذا الشأن موثقة بأقوال الضحايا وصورهم وسير الدعاوي القضائية. ونحن ندرك الآن كيف تفشي التعذيب في طول البلاد وعرضها وكيف أصبح سياسة انتهجتها سلطات مبارك بشكل منهجي وواسع الانتشار.


ومن الغريب ألا تحتل قضايا التعذيب العديدة التي لم يتمكن ضحاياها من إثبات حقوقهم موقع الصدارة في إعلام ما بعد الثورة وألا تحوز علي اهتمام الرأي العام. فليس من المعقول أن ينحصر الاهتمام الإعلامي في قضية صفقة لوحات معدنية أو تخصيص بعض مئات الأفدنة في شرم الشيخ بينما هناك قضايا تعذيب عديدة لم يتمكن ضحاياها حتي من إقامتها. وبالرغم من التسليم بأهمية قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس المخلوع ووزير داخليته إلا أن تلك القضية تدور أحداثها أثناء أيام الثورة الثمانية عشر. ماذا إذن عن الأهوال التي ارتكبت علي مدارالثلاثين عاما التي قضاها مبارك في الحكم؟ ألا تستحق والدة الطفل محمد ممدوح عبد الرحمن والمئات غيرها من أهالي ضحايا مبارك وزبانيته أن يحصلوا علي حقوقهم وأن يشاهدوا المتسببين في قتل ذويهم وراء قضبان قفص المتهمين في قاعة المحكمة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.