نُشر في “الأهرام المسائي” في ٢٢ يناير ٢٠١١
محمد سعد
لم يعد التاريخ هو تاريخ الملوك والرؤساء ولم تعد الوثيقة التاريخية هي المادة الخام نعيد منها بناء أحداث الماضي لكي نستعيد الذكريات في حرارتها, كما لم تعد مهمة المؤرخ هي سؤال الوثيقة إذا ماكانت تقول الحقيقة أم لابد من فحصها ورصد عناصرها ووصف العلاقات داخلها,
هكذا يقدم المؤرخ الدكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة رؤية جديدة للتاريخ فهو يكتب تاريخ الأنفار, ينظر لما جري في مصر خلال القرن التاسع عشر من خلال وجهة نظر القاعدة العريضة.
ووفقا لهذه الرؤية يمكن ان تقرأ كتابه المثير للجدل كل رجال الباشا الذي صدر قبل عشر سنوات ووجد اهتماما أكاديميا لافتا وهو كتاب من المقرر ان تصدر للترجمة العربية طبعة جديدة عن دار الشروق خلال أيام, والمنهج نفسه تبدي في كتابه الجسد والحداثة الذي صدر عن دار الكتب والوثائق القومية عام2004, وفيه يكتب تاريخ الطب من وجهة نظر المرضي لا الأطباء تاريخ الجنود لا القادة فان تؤرخ لشعب من خلال حكامه هو ان تؤرخ لشعب من خلال نجوم السينما.
وفي الكتابين استخدم فهمي مقولات المفكرين الفرنسيين ميشيل فوكو وجا دريدا وبدأ تطبيقها علي تاريخ مصر الأمر الذي جعل كتاباته محاولة طموحة لإعادة كتابة تاريخ مصر الحديث من منظور سكانها لا حكامها, ولايرصد خالد فهمي الأحداث التاريخية لبناء صورة عن الماضي فقط بل, للبحث عن المفاهيم التي تكمن وراء تلك الأحداث وتحركها, ويمضي في مشروعه مؤرخا منشغلا بالسؤال عمن يملك التاريخ ومن يصنعه, عمن يملك الجسد ومن ينتهك حرمته, منتهكا هو حدود الخطاب التاريخي التقليدي للكشف عن الجزء المعتم من الصورة بكل ماتفرضه الظلمة من تحديات تكمن في السؤال عن كيف تميز صوت الانفار من بين ضوضاء السلطة, ولانه لاتوجد قوة سياسية لاتسيطر علي الأرشيف ان لم يكن علي الذاكرة كما قال الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا يمثل خالد فهمي حركة مقاومة لتلك السيطرة علي الأرشيف وعلي الذاكرة.
عن الأنفار والأرشيف وتاريخ الطب كان لنا هذا الحوار مع د. خالد فهمي الذي شغل موقع استاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة نيويورك.
إذا اعتبرنا ان كتابة تاريخ الأنفار تمثل انقلابا منهجيا فكيف يؤثر هذا علي الكتابة التاريخية من وجهة نظرك؟
من حيث الكتابة التاريخية تواجهني مشكلة اساسية وهي ان المصادر التي تكتب منها تاريخ الأنفار ليست مصادر الأنفار ولكن مصادر السلطة ويطرح هذا اسئلة منهجية حول كيفية التعامل مع المادة المتاحة لدينا, وانا لست وحدي في مصر من اقوم بهذا, لان هناك مؤرخين اخرين قاموا بذلك ولكن ما اقوم به مختلف لانني احاول ان ادرس المادة المتاحة وأطرح اسئلتي المنهجية حولها واتحايل عليها بشكل جديد للوصول لصوت الانفار فالسؤال الأساسي هنا هو هل يمكن للأنفار ان يتكلموا؟ وهل يمكن ان يدعي المؤرخ ان لديه مصدرا يمكنه من الوصول لصوت الأنفار؟ جايتري سبيفاك المفكرة الهندية الأمريكية سألت هذا السؤال قبلي واجابت بالنفي لان النص ليس مرآة صادقة تعكس حقيقة خارجه ولكنني لست مستعدا بعد للقبول بهذه النتيجة لذا فالتحديات التي تواجهني في كتابة تاريخ الأنفار تحديات منهجية وفلسفية.
هل هناك ماهو ابعد من مجرد انقلاب منهجي اعني تأثيره علي قارئ التاريخ او ابعاد سياسية؟
تعرف الناس علي تاريخ الانفارالذي له بعد سياسي بالطبع وهو ان يعرف الناس ان من يصنعون التاريخ هم اناس مثلهم وليست النخبة فقط, سيجد القارئ نفسه في هذا التاريخ إذا تعرف عليه, هناك ولع لدي الناس بقراءة التاريخ ومعرفته وجزء كبير من الاقبال علي شخصيات مثل الملك فاروق والملكة نازلي هو حنين لذلك العالم الملكي, لست متعاطفا مع الحنين للملكية فالملكية فكرة بالية لامكان لها اليوم في العالم ولكنني اتعاطف مع الاقبال علي معرفة التاريخ وليكن التاريخ هو تاريخ محمد علي والملك فاروق والملكة نازلي ولكن مااقوم به هو الإشارة إلي وجود تاريخ آخر لايمكن ان يقبل الناس عليه هو تاريخ القاعدة العريضة من الشعب, وبدون هذا التاريخ الآخر تكون الصورة, ناقصة لا اقلل من من دور القادة والمخططين ولكن مايحرك التاريخ هي جموع الناس.
يحتل مفهوم
subaltern
او النفر لديك مكانة القلب ولكن الترجمة الحرفية للمصطلح تعني التابع بينما تستخدم انت لفظة النفر, هل لهذا التغيير في الترجمة دلالة خاصة لديك؟
غلبت كلمة التابع علي الوسط العربي منذ ان ترجمها بشير السباعي في كتاب استعمار مصر لتيموثي ميتشل ولكنها كلمة ثقيلة وغير مستساغة لذلك استعملت كلمة النفر بدلا من التابع ولكن إذا تتبعت اصل كلمة
subaltern
كما ظهرت لأول مرة في اعمال الفيلسوف الإيطالي انطونيو جرامشي ستجد انها تحمل معني النفر فالمصطلح في اصله يشير إلي رتبة عسكرية وترجمته العربية الدقيقة هي الجندي ولكني لم ارد استخدامها أيضا لما تحمله كلمة الجندي من دلالات البطولة والشرف في حين ان
subaltern
تشير إلي التراتبية والوضع الدوني للنفر الذي قد يكون جنديا أو فلاحا, كلمة النفر تشير لمن هم في ادني السلم الاجتماعي وتحمل داخلها البعد العسكري الذي استعمله جرامشي والبعد الزراعي بكل مشاعر الذل والفقر والاستعباد.
إذن أنت تقدم رؤية مختلفة للتاريخ وتدعو لإعادة كتابة تاريخ مصر الحديثة وهنا يطرح البعض السؤال: ماذا سنفعل بأطنان من كتب التاريخ الرسمي؟
ما اقوله ان للتاريخ قراءات متعددة والجديد لايلغي القديم أو يقلل من قيمته وكل هذه اجتهادات والقارئ هو المستفيد في النهاية وكلما زادت القراءات كان هذا دليلا علي غني وصحة المجال المعرفي والبحثي وكلنا نبني علي ماقاله الآخرون.
المنهج التي تتخذه في كتابة التاريخ يختلف بشكل كبير عن مدرسة الكتابة التاريخية في مصر فما الذي تأخدة عليها؟
المدرسة التاريخية المصرية مدرسة عريقة وغنية اسسها شفيق غبريال في العشرينيات من القرن الماضي علي القواعد التي تعلمها أثناء عمله مع المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي والتي وضعت في أواخر القرن ال19 فكانت نشأتها تواكب المدارس التاريخية الكبري ولكن في العقود الأربعة الأخيرة لم تتطور المدرسة التاريخية لتواكب الطفرة الهائلة التي حدثت في المدارس التاريخية الأوروبية في الستينيات والسبعينيات بفعل تغيير طبيعة الجامعة نفسها والتي تمثلت في دخول شرائح جديدة من الطلاب إلي الجامعة السود وأبناء المهاجرين وانفتاح اقسام التاريخ علي الطفرة التي حدثت في الانثروبولوجيا والنقد الأدبي والفلسفة نحن لم يحدث لدينا هذا لاتوجد لدينا دراسات عن التابع أو التاريخ النسوي وليس لدينا مؤرخون جدد كما في إسرائيل.
هناك مشكلات في طريقة الكتابة نفسها فالالتزام الصارم بالموضوعية ادي إلي غياب اهتمام المؤرخين بالجانب السردي في كتابة التاريخ فتأتي الكتابة جافة, والتاريخ في النهاية هو قصة يجب ان تحكي بمهارة لتجذب القارئ إليها أ حد أهم نماذج الكتابة التاريخية الناجحة هو كتاب يدعي الجبن والدود يؤرخ لمحاكم التفتيش من خلال فلاح لديه تصورات عن العالم تختلف عن التصورات الدينية. الكتابة التاريخية الناجحة تعتمد بشكل أساسي علي الاهتمام بالشكل الأدبي الذي سيأخذه العمل التاريخي.
توقف علم الوثائق في مصر أيضا علي الجانب المادي من الوثيقة فنحن لا نزال متوقفين عند مرحلة الاهتمام بأصلية الوثيقة من عدمها دون الاهتمام بوضع طرق مختلفة لتحليل مضمونها, فلم تعد القضية في صدقية الوثيقة بل في كيفية التعامل مع مضمونها.
كيف يمكن تخطي تلك المشكلات إذن؟
الأمر ليس سيئا للغاية فكمية الكتب التي تصدر عن التاريخ المصري هي علامة طيبة وبالمقارنة بدول اخري في المنطقة نحن في مستوي متقدم ونحن لدينا أحد أهم دور الوثائق في المنطقة وبعض الدول تتمني لو أن لديها وثيقة واحدة ونحن لدينا كنز هائل ولكن جزء كبير من الحل يكمن في دار الوثائق حين تفرج عن الوثائق الموجودة لديها وفي حركة استقلال الجامعات أعول كثيرا علي فكرة تطوير الجامعة ولكن لا أعلم هل سينتهي هذا التطوير الي ما يراه د. هاني هلال وزير التعليم العالي أم أن الجامعة سيتم تطويرها بشكل حقيقي وتطوير الجامعة يرتبط بالمكتبات الجامعية التي تحولت الي مستودعات كتب فالمكتبة هي المصدر الأساسي للمعلومات وفرصة للنقاش. ولكن نحن لسنا قريبين من هذا بأي حال, وبالمناسبة جزء كبير من اللغط الذي ثار حول مكتبة جامعة القاهرة مرده الي الاهتمام بها كمستودع لا أكثر.
كيف استقبلت اعمالك بين الأكاديميين المصريين؟
لا أحب الحديث عن هذه النقطة فكل ما نشر لي بالعربية كتابان فقط, ولكن بشكل عام لقيت أعمالي اهتماما من جانب بعض الأدباء أكثر مما لقيته لدي المؤرخين فما أذاع شهرتي في مصر كان تحقيقا نشر في أخبار الأدب.
ما هي الانتقادات التي وجهت لمشروعك؟
اعترض البعض علي فكرة تأريخ الأنفار وقد وجه هذا النقد من بعض مؤرخي الفن والعمارة الإسلامية الذين انتقدوا فكرتي عن التأريخ للعمارة من وجهة نظر السكان لا من وجهة نظر المهندسين.
للطب مكانة متميزة في تحليلاتك من خلال قصر العيني كما احتل الطب هذا الموقع لدي فوكو من خلال المستشفي العام, لماذا كل هذا الاهتمام بالطب؟
اهتمامي بالطب جاء من خلال العمل علي وثائق الجيش وتقارير المستشفيات الميدانية التي اقيمت في الشام ثم بدأت اكتشف ما قام به كلوت بك في مصر, لم تكن لي أسئلة واضحة بالنسبة للطب, في البداية كان الأمر هو عثوري علي مادة شيقة طرحت علي عدة أسئلة أهمها كان هو السؤال الأزلي حول الأصالة والمعاصرة, فالطب هو أكثر العلوم حداثة أو هكذا يدعي وهو يتخلص من ممارسات السحر والشعوذة كما أن انجازات الطب ملموسة لدي الجميع بلا شك لذلك كانت تصلح مدخلا جيدا للتأريخ المجتمع والدولة في تلك الفترة.
لذلك كان السؤال هو كيف يمكن أن اشتبك مع قضية الوافد والموروث من خلال الطب بدلا من أعالجها عن طريق دراسة شخصية الطهطاوي مثلا. نحن لدينا موروث يتعلق بأهمية الجسد وحرمته, وهناك ممارسات جديدة دخيلة يمارسها الطب عبر سلطة الدولة فأصبح هناك التطعيم وضرورة الكشف الطبي قبل دفن الموتي, نحن نعتبر ذلك من البديهيات الآن ولكن حينها لم يكن الأمر كذلك كانت كل هذه الأمور شأنا خاصا بالفرد والاسرة لا موضوعا لتحكم الدولة, وقد تمكنت الدولة في تلك الفترة من القيام بممارسات تدل علي شدة تعقيد الإدارة المصرية في ذلك الوقت وهي القيام بإحصاء للسكان عام1847, كل هذه ممارسات حديثة تصطدم مع موروث قديم عن حرمة الجسد وهذا يطرح سؤال من يملك الجسد؟ والأمر المثير الذي اكتشفت ان ثنائية الوافد والموروث التي تطرح الآن داخل اطار الهوية لم تكن مطروحة لدي الناس حينها فهم لم ينظروا الي هذه الممارسات علي أنها ستدمر هويتهم وهذا يطرح سؤالا آخر حول متي طرحت قضية الوافد والموروث داخل إطار الهوية؟
لماذا لم تكتب تاريخ قصر العيني من خلال كتب كلوت بك وفضلت الذهاب لسجلات قصر العيني نفسه, هل كانت أصدق إنباء من الكتب؟
جزء كبير مما كتبه كلوت بك كان مسيسا بغرض التأثير في الرأي العام الأوروبي وإقناعه بما يقوم به محمد علي ولي نعمته في مصر أو للتأثير في الرأي العام المصري ومعظم كتب التاريخ التي اعتمدت علي كتب كلوت بك لم تتنبه لتلك النقطة, ليس الأمر أن الارشيف أصدق إنباء من الكتب ولكن لأن الوثيقة يغيب فيها البعد الشخصي لمؤلفها فما يكتب في الوثيقة هو تاريخ المؤسسة لا تاريخ الشخص هذا هو ما أردته فالوثائق تعرض بعدا مختلفا أردت إظهاره.
بعيدا عن كتاباتك في التاريخ الحديث أنت دائما ما تطالب بالإفراج عن وثائق67 والبعض يقول لماذا يريد أن يحقق في هزيمة انتهت ؟
وثائق67 هي التحدي الأكبر ومعركتنا الحقيقية كمؤرخين هي أن نحصل علي حق الإطلاع علي تلك الوثائق بما فيها الوثائق العسكرية الخاصة بالجيش, وأنا لا أركز علي هزائم ولا أريد أن أشوه سمعة مصر في هزيمة ساحقة ولكنها تظل الحدث الأهم بالنسبة لمصر في القرن العشرين لأنها الحدث الوحيد الذي مازلنا نعيش تبعاته حتي الآن أكثر من أي حدث آخر وهي مفتاح مهم لفهم الحاضر, والسؤال الأساسي الذي أطرحه علي تلك الوثائق ليس هو كيف هزمنا فالكل يعلم أن موازين القوي لم تكن في مصلحة مصر ولكن السؤال هو لماذا جاءت الهزيمة بهذه القوة والعمق, أن نفقد 90% من سلاحنا الجوي في 20 دقيقة, هزيمة بهذا الحجم وانسحاب بهذه الخسائر ليس مجرد هزيمة تكتيكية بل هزيمة نظام بأكمله وأزمة مجتمع, هزيمة 67 أسوأ من هزيمة فرنسا في الحرب البروسية 1871 وأسوأ من هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولي ورغم هذا لا توجد دراسات خاصة بها وهذا خطر كبيرا. هذا تاريخنا ونحن أصحاب الحق فيه.
ولكن كيف يضر حجب تلك الوثائق بالأمن القومي المصري؟
الأمن القومي يقوي حين يزدهر البحث العلمي وان يكون لدي الناس القدرة علي أن تسأل فهذا أساس لأمن المجتمع, اليوم كل الدراسات التي تخص حرب 67 التي كانت مصر اللاعب الرئيسي فيها لا توجد بها وثيقة مصرية واحدة انظر الي كتاب حرب الايام الستة لمايكل أورين سفير إسرائيل في الولايات المتحدة والمتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان كل المراجع الأرشيفية بالكتاب تشير الي ارشيفات إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا ولا وثيقة مصرية هم يكتبون التاريخ من وجهة نظرهم ونحن نأخذ عنهم لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة وهذا أكبر اختراق للأمن القومي المصري لا يعقل أن تتاح لي وثائق لكتابة معركة بتفاصيلها ولن أبالغ إذا قلت ساعة بساعة ولا تتاح لي وثائق حرب مازالت أثارها باقية الي الآن, السياسة الأمنية هي التي تضر الأمن نفسه, ولكننا سنكسب الجولة فالدولة مجرد مستأمن علي الوثائق ولكن التاريخ ملكنا نحن.
لا يمكن الحديث عن وثائق 67 دون الحديث عن الاستاذ هيكل فهو الوحيد تقريبا الذي يتحدث عن تلك الحقبة بالوثائق. ألا يعد هذا تأريخا لتلك الفترة؟
الأستاذ هيكل صحفي من الطراز الأول بدون شك وهو صحفي شهد علي لحظة تعد من أهم الفترات في تاريخ مصر فهو لم يكن صحفيا عاديا بل صحفي له مدخل الي أهم مصادر المعلومات في ذلك الوقت وأنا كقارئ أصدقه فيما يقول فهذا العقد الذي بيني وبينه وأنا أعلم انه لن يختلق ولكنه ليس مؤرخا انا لا أشكك فيما يقوله ولا أقول بأن ما يقدمه من وثائق ليس أصليا ولكنه كصحفي لا يفصح عن مصادره ويتحدث عن أشياء عايشها هو ولكن لا دليل لي عليها وحين يستخدم الوثائق لا يقول لي كيف أحصل علي تلك الوثائق, الفارق بين المؤرخ وغيره هو هوامش التوثيق التي تتيح لي أن اراجع عليه إذا اردت وحتي إذا ألحق هيكل ملحقا بالوثائق في كتبه فأيضا هذا غير كاف لأنني لا أعرف في أي سياق وردت هذه الوثائق بهذا المعني هو ليس مؤرخا ولكن كتاباته ضرورية ولا غني عنها, يمكنك ان تختلف معه كما شئت ولكن في النهاية لا يمكن تجاهل تحليلاته.
ما هي التبعات السياسية التي ستنتج عن تطبيق حرية المعلومات؟
حين يعلم كل مسئول في الدولة أن ما يدونه الآن سيصبح ملكا للناس بعد 30 عاما سيصنع ذلك عنده الشعور بالمسئولية وانه سوف يحاسب علي كل ما يقوله ويكتبه داخل الجهاز المسئول عنه, فما يقوله ويتفوه به أثناء خدمته ليس أمرا شخصيا بل هو تاريخ وسيئول للناس, فضيحة ووتر جيت التي اطاحت بنيكسون كانت بسبب التسجيلات التي سربت ولم يستطع نيكسون الإدعاء بأن تلك التسجيلات أمور شخصية هذه هي الضريبة التي تدفعها حينما تكون في موقع سلطة.
علي ضوء ويكيليكس كيف تري الإطلاق الفوري للوثائق؟
لا أحد يطالب بالاطلاق الفوري للوثائق, الدبلوماسية يجب أن تظل سرية لدواعي الأمن والسياسة وأنا اعتقد أن رد الفعل الامني علي ما قام به ويكيليكس سوف يكون عنيفا وستشهد حرية المعلومات انتكاسة كبيرة بسببه, ستتعامل الدول مع الوثائق بقبضة أمنية أكثر تشددا فأمريكا وغيرها لن تجد الحل في القانون ولا الدستور وإنما في الأمن لا أظن إن ما نشره ويكيليكس سيكون له تأثير عميق فكل ما فيه هو مجرد تعبير عن هواجس الولايات المتحدة من إنحسار قوتها, وكل تلك الوثائق لا تهمني في التأريخ لمصر في شيء إلا معرفة رؤية الولايات المتحدة لمصر, وبالمناسبة ما تنشره الصحف المصرية من تقارير مترجمة عن الصحف الأجنبية علي اعتبار أنها حقائق هو مجرد( قصر ذيل) لا أكثر.
كيف يمكن للتاريخ ان يقدم رؤية للمستقبل ؟
هناك دائما ما يمكن للتاريخ أن يقدمه لل مستقبل وخذ مثلا قضية الاختناق المروري التي يمر بها المثلث الذهبي رمسيس والعتبة والتحرير والمحاولات القائمة الآن لوضع تصور عام للقاهرة عام 2050 إذا عدت لوثائق القاهرة في العشرينيات والثلاثينيات ستجد في تلك الوثائق توقعات بحدوث هذا الاختناق في ذلك المثلث وتصورات لما يمكن أن يكون عليه الوضع في المستقبل والحلول ولكن لا أعلم لماذا يجب علينا دائما إعادة إختراع العجلة, علي الرغم من أنه يمكن دائما استلهام الماضي, فنحن بلد له تاريخ يمكنه أن يري نفسه فيه.