Press "Enter" to skip to content

عن دار مدارات للأبحاث والنشر وكتاب "استعمار مصر" لتيموثى ميتشيل

نُشر في فيسبوك في ٢٣ فبراير ٢٠١٣

في يوم الثلاثاء الماضي، 19 فبراير، عُقدت ندوة في مقر دار ميريت للنشر لمناقشة المشاكل التي يتعرض لها المترجمون في مصر، تلك المشاكل التي فجرتها واقعتان حديثتنان، الأولى هي ظهور الترجمة العربية لكتاب جوزيف مسعد، اشتهاء العرب، وبها تقديم من المؤلف يثني فيها على المترجم ولكن يصف ترجمته بـأنها “ترجمة أولية” استدعت التدخل بالتعديل والتنقيح والمراجعة على يد المؤلف نفسه ويد صديق له. المترجم الأصلي، إيهاب عبد اللطيف، اعتبر ذلك تقليلا من الجهد الجبار الذي بذله طوال عام كامل استغرقه في ترجمة الكتاب ومراجعة الترجمة مع المؤلف. والسؤال الذي كان مطروحا في الندوة هو: هل يحق للمؤلف أن يكتب مقدمة يستهين فيها بالمترجم ويقلل من قدر العمل الذي قام به، هذا بعد موافقته أن يضع اسم المترجم على صفحة العنوان؟ ألا يعتبر وضع اسم المترجم اعترافا من المؤلف ومن دار النشر أنه هو من قام بالترجمة بالفعل، وبالتالي ألا تعتبر إشارة المؤلف لهذه الترجمة على أنها ترجمة “أولية” استدعت المراجعة والتهذيب تدليسا وافتراء؟

الواقعة الثانية التي تناولتها الندوة هي واقعة إعادة نشر الترجمة العربية لكتاب تيموثي ميتشيل، “استعمار مصر”، الذي قام بها كل من بشير السباعي وأحمد حسان. ومن المعروف أن الطبعة الأولى من هذه الترجمة صدرت عام 1990 من دار العين. أما الترجمة الحديثة فهي من أوائل إصدارات دار نشر جديدة تسمى دار مدارات للأبحاث والنشر. السؤال هنا لم يتعلق بدقة الترجمة أو تصحيحها، فالدار لم تتدخل بالحذف أو الإضافة أو التعديل على الترجمة التي أتمها السباعي وحسان. كما لم يتعلق الأمر بطريقة الإشارة لهما، فكلاهما يرد اسمهما على غلاف الكتاب. ولكن الموضوع يتعلق، مرة أخرى، بالمقدمة التي أعطت الدار لنفسها الحق في نشرها في صدر الكتاب.

هذه المقدمة جاءت في 20 صفحة، وكانت تحت عنوان “كلمة المركز” (أي مركز مدارات للأبحاث والنشر)، وحملت في خاتمتها توقيع “مدارات للأبحاث والنشر”. هذه المقدمة طرحت تفسيرها للنظريات الفلسفية التي يعتمد عليها الكتاب، ثم طرحت “نموذجا معرفيا” مختلفا مبنيا على أفكار عبد الوهاب المسيري، ومستلهما مبادئ واقتباسات من علي عزت بيجوفيتش وروجيه جارودي و محمود شاكر وغيرهم، اعتبرته أكثر ثورية من منظومة التفكير التي رأت أن نص ميتشيل يعتمد عليه. ثم خلصت المقدمة لوصف ميتشيل بأنه كتب كتابا “استعماريا”، وذلك تحديدا بسبب إشاراته لكيفية قراءة نصوص الأحاديث النبوية . واختتمت المقدمة بالقول “هكذا يضع تيموثي ميتشيل القضية، وهكذا تصورها، وهذا وضع استعماري، يستعمر النص على نفس النهج الذي استعمَرت به الدول الغربية العالمَ اللإسلاميَ، بنفس النهج الذي شرحه هو في كتابه، فقد فرض نموذجًا حمل عليه التقليد الإسلامي حملاَ، كما فرضت الدول الاستعمارية نطامًا معنويًا حملت عليه الدولَ حملاً لتحقيق الانضباط وإحطام السلطة، فكلاهما استعمار.”

المتحدثون في الندوة طرحوا العديد من الأسئلة على هذه الواقعة أغلبها كان يدور حول السؤال المحوري الآتي: “هل يحق لدار نشر أن تضع مقدمة لكتاب مترجم دون إخبار المترجم بمحتواها أو حتى بوجودها، ودون الرجوع للمؤلف أو أخذ موافقته؟ وهل يحق لدار النشر أن تنشر هذه المقدمة إذا كانت تتعارض مع فكرة الكاتب ورؤية المترجم، وبالتالي تؤطر الكتاب في إطار جديد يحيد به عما يقصده المؤلف ويفهمه المترجم؟ بل هل يحق لدار نشر أن تنتقد مؤلف الكتاب الذي تنشره له وتتهمه باتهامات هي في صميم موضوع الكتاب؟ فإذا كان المؤلف كتب كتابا يحلل فيه أساليب الاستعمار وخطابه هل يحق لدار النشر التي نشرت هذا الكتاب نفسه أن تنشر مقدمه تتهم فيها المؤلف بأنه هو نفسه استبطن مناهج الاستعمار واتبع خطابه؟

الدار ردت على هذه الأسئلة بالإيجاب. فعلى صفحتها هنا في فيسبوك قالت: 1. “إن كتابة مقدمة للكتاب حق أصيل للناشر، لا يمكن أن ينازعه فيه أحد”؛ 2. “إن المركز لا يرى نفسه مجرد “تاجر كتب” ينشر أي شيء يلقى إليه، بل يتحقق جيدا في اختياراته، ويسعى لتقديم الأفضل دوما لقراءه في إطار توجهاته ورؤيته الفكرية “؛ 3. “تقليد كتابة “كلمة المركز” تقليد واضح لنا اتبعناه في كتاب “استعمار مصر” و”الفكر السياسيى للإمام حسن البنا” نوضح من خلاله أسباب اهتمامنا بنشر الكتاب والفائدة المرجوة منه ، وأهم المآخذ عليه من وجهة نظرنا”. كما أضاف ممثل الدار في الندوة، أحمد عبد الفتاح، سببا رابعا، ألا وهو أن كبريات دور النشر تقوم بنشر مقدمات في صدر إصداراتها، وطرح مثال المقدمة التي أورتها دار جامعة كيمريدج للنشر عندما أصدرت ترجمة بليخانوف .

وقد رد الكثير من الحضور على هذه الحجج، ولن أنقل عنهم ما قالوه، ولكني أسرد هنا ما قلته أنا في الندوة:

1. أنا اتصلت بالمؤلف تيموثي ميتشيل، لأستفسر منه عن الموضوع، فرد قائلا إنه لا علم له بهذه المقدمة، بل لا علم له بهذه الدار من الأصل.

2. بشير السباعي كان قد قال إن تيموثي ميتشيل لا يكترث كثيرا بحقوق المؤلف ولا تهمه المواضيع المادية. وهذا ما أكده لي بالفعل ميتشيل في مكالمته التليفونية التي أجريتها معه قبل الندوة بساعة واحدة. ولكن الموضوع هنا لا يتعلق بحقوق مالية، بل بحقوق أديية، وتحديدا بإذا كان على علم بوجود هذه المقدمة. وقد أكد لي تيموثي ميتشيل إنه لا دراية له بها أو بمحتواها.

3. تقليد كتابة تقديم من قِبل دار النشر لما تكتبه ليس تقليدا شائعا. الشائع هو أن تستكتب الدار من يكتب مقدمه لكتاب تنشره الدار. ولكن، وهنا تكمن المشكلة، هذه المقدمة عادة ما تكتب لكتب مات مؤلفوها وأصبحت مؤلفاتهم في النطاق العام. أما المؤلفون الأحياء، فأنا لا أعرف تقليدا تتبعه أي دار نشر محترمة تنشر كتابا لمؤلف حي يرزق تستهله بمقدمة تكتبها هي نفسها تستنكر فيه رأيه دون أن تخبره بذلك ودون أن تأخذ رأيه.

4. عند عودتي للبيت قمت بالبحث في موقع دار جامعة كيمبريدج للنشر التي نشرت كتابي عن جيش محمد علي، فلم أجد لهذه الترجمة وجودا. وعبثا بحثت في فهارس مكتبات جامعات برنستون ونيويورك والجامعة الأمريكية بالقاهرة (وهي الفهارس التي أشترك فيها) ولكني مرة أخرى لم أجد لهذه الترجمة المزعومة أي أثر.

إن قيام دار مدارات للأبحاث والنشر بكتابة مقدمة لكتاب “استعمار مصر” لتيموثي ميتشيل ترى أنها ضرورية لتنبيه القارئ بما تعتقد أنها مغالطات المؤلف وهفواته، وأن تفعل ذلك دون إخطاره ودون أخذ رأيه مثله مثل صاحب العمارة الذي يؤجر شقة لشخص ما. ويوافق صاحب العمارة على ذلك، ويكتب عقدا بذلك محددا فيه كل التفاصيل. ويقوم المالك بالوفاء بكل التزاماته تجاه الساكن الجديد دون انتقاص. على أنه، لسبب ما، رأى أن الساكن الجديد ذو أخلاق غير حميدة وسلوكه غير شريف، الأمر الذي قد يعرض زائريه للخطر ويجرح سمعتهم، فقرر أن يضع يافطة في مدخل العمارة، وهو صاحبها ومالكها، تقول “إن ساكن الشقة الفلانية، فلان الفلاني، أخلاقه غير حميدة، وسيرته بطاله، وبتاع نسوان”. وعندما يستنكر عليه الجيران ذلك، إذ أنهم لم يروا في سيرة جارهم ما يشير إلى ما يدعيه المالك من قريب أو بعيد، يرد المالك قائلا “إنني أملك هذه العمارة. وأنا لم أحجر عليه أيا من حقوقه، بل أجرت له الشقة، ولا منعت أحدا من زيارته. ولكني رجل فاضل، أخلاقي لا تسمح لي أن أسكت عما يحدث في هذه الشقة. ولذا فإن الواجب يحتم علي تحذير الناس من هذا الساكن الجديد.”

إن ما قامت به دار مدارات للأبحاث والنشر بالإضافة إلى انتهاكه لحقوق المؤلف الأدبية يعد أيضا عمل وصاية تنصب به الدار نفسها وصي على القارئ، توضح له ما قد يلتبس عليه وتنبهه للأخطار الكامنة في النص الذي بادرت هي بنشره، وهو ما أكده مندوب الدار في الندوة، أحمد عبد الفتاح، عندما قال إنه يؤمن بأن هناك علم مفيد وعلم ضار، ومن واجبه تنبيه القارئ للعلم الضار.

أنا لا أحجر على حق دار مدارات للأبحاث والنشر في أن تنشر ما ترى أنه مفيد أو أن تعترض على نشر ما ترى أنه علم ضار. ولا أحجر على رأيها في مؤلف الكتاب، فمن حقها أن تقول إن تيموثي ميتشيل عميل للاستعمار أو أنه، دون قصد منه، اتبع منطقا استعماريا، أو أي رأي آخر تراه. أما أن تنشر كتابا له هو نفسها، تستهله بمقدمة تستهجن فيها أفكاره، وأن تفعل ذلك دون إخطاره أو أخذ موافقته، فهذا تدليس وغش وخداع.

إن هذا الاستعلاء الأخلاقي الذي تمارسه هذه الدار الجديدة مرفوض جملة وتفصيلا. وقد رفضه بالفعل أغلب الحاضرين في الندوة، وكان من أبلغ ما قيل شهادات ناشرين آخرين حضروا الندوة، أذكر منهم دار العربي ودار كتب خان، الذين قدما رؤية مهنية وجادة لكيفية تعاملهما مع المؤلفين والمترجمين، دون ادعاء أو تسلط، ودون إنكار أنهما “تجار كتب”، فهذه ليست سُبة أو تهمة، بل شرف بدى أن هاتين الدارين تفتخران به دون غش أو تدليس أو تعالي على القارئ أو استهزاء بقيمة مؤلفيهم، ودون استخدام الدين كمطية يركبون بها على خلق الله ويدلدلوا رجليهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.