Press "Enter" to skip to content

عن الدستور والتفويض

نُشر في “فيسبوك” في ١٤ يناير ٢٠١٤

النهارده جمال أبو الحسن كتب مقالة في المصري اليوم عنوانها “وها قد حلت اللحظة البونابرتية” بيقارن فيها بين وضع السيسي ووضع نابليون بعد ما رجع لفرنسا من حروبه في الشرق. ده اللي كتبه: “الحكومات العاجزة تجىء وتذهب فى شهور معدودات. الجمهور فى حال من الهلع والضجر والتشوش والحنين للخلاص. لا يمكن أن تستمر الحياة هكذا إلى الأبد. لابد من «نقطة استقرار». الجنرال فهم هذا. أدرك أنها لحظته. كتب بعد تتويجه إمبراطوراً بعدها بسنوات قليلة: «لقد وجدتُ تاج فرنسا ملقىً فى المزراب، فانتشلتُه بسيفى».

أبو الحسن طبعا ما فاتوش إنه يعمل مقارنة أقوى وأقرب للواقع بتاعنا النهارده، مقارنة بين السيسي ومحمد علي سنة ١٨٠٥: “فراغ فى السلطة. السياسة لا تقبل الفراغ. يبزغ نجم عسكرى شاب يصير رمانة الميزان فى الصراع الجارى. كأنه الوحيد الذى استوعب حقيقة الصراع فى مصر. بنفس تلك الغريزة النابليونية، فهم أن الفراغ يكاد يستصرخ من يملؤه. عندما ذهب إليه الأعيان والعلماء (النخبة) يطالبونه بتولى الحكم، تمنّع وأبى. هو يعرف أيضاً كيف يناور لكى يصوغ المعادلة السياسية على الوجه المناسب: «أنتم من تحتاجوننى، ولست أنا من يطلب السلطة». فى سنوات قليلة سيصبح «محمد على» الرجل الأقوى فى مصر والشرق الأوسط.”

ومن يومين وائل شفيق كتب مقالة تانية في “الدستور الأصلي” عمل فيها نفس المقارنة بين وضع السيسي النهارده ووضع محمد علي سنة ١٨٠٥. “حمد المصريون لمحمد على صنيعه ، و طالبوه بقبول منصب الوالي على سبيل التكليف وليس التشريف ، فما كان من الرجل إلا أن تمنع كما يتمنع السيسي الآن ، يا دين أمي ، الفيلم ده أنا شفته قبل كدا !! التاريخ لا يعيد نفسه ، ولكنها سنن ثابتة في تاريخ الأمم و الشعوب .أخيرا و بعد إلحاح و إصرار المصريين نزل محمد على باشا على رغبة الشعب و شرط علماء الأزهر و نقيب الأشرفاء السيد عمر مكرم ووافق على قبول المنصب.”

وائل شفيق استغل الفرصة ولقّح كلام على حمدين صباحي: “إذا افترضنا أن مرسي هو خورشيد، و السيسي هو محمد على، و الإخوان هم المماليك، و البيت الأبيض هو الباب العالي، فأغلب الظن أن نقيب الثوار حمدين صباحي مرشح لأداء دور نقيب الأشراف عمر مكرم، فهل سيلتزم حمدين بدوره في التاريخ أم سيخرج عن النص في محاولة منه لأداء دور بطولة ليس مؤهلا له الآن؟ كتاب التاريخ المدرسي قال لنا إن محمد علي لم يكن له أن يتقلد منصب الوالي لولا تأييد ومباركة الزعيم الشعبي عمر مكرم، و لكن ما لم يقله لنا كتاب التاريخ هوأن نقيب الأشراف كان يرى نفسه الأحق بهذا المنصب لولا عجزه عن فرض نفسه على الباب العالي، وتحرجه الديني من طلب الولاية، ففكر أن يتخذ من محمد على ستارا لحكمه، فكان الخلاف الذي ترتب عليه نفي عمر مكرم إلى دمياط ثم طنطا ووفاته عام 1822 م. لو عاش عمر مكرم و رأى انجازات واصلاحات محمد علي لندم على معارضته وصراعه معه على السلطة، و لكن التاريخ ملئ بزعماء أعماهم تقديرهم الكبير لأنفسهم عن رؤية صالح اوطانهم.”

أنا الحقيقة سعيد جدا بالمقارنات دي وبإقبال الناس على قراية تاريخنا، لأنها وهي بتعمل كده بتفكر وبتأول وبتفسر. والنتيجة: قراءات مختلفة ومتعددة للتاريخ ولوقائع التاريخ. وده في حد ذاته إنجاز لإنه بيهدم التخيل السائد عن التاريخ كمجموعة من الوقائع (أحداث وشخصيات ومعارك وتواريخ) ما ينفعش غير إننا نحفظها ونصمها ونرددها زي البغبغانات.

سعيد كمان لإن الناس بتروح للتاريخ مش لبتوع العلوم السياسية ونظرياتهم الخزعبلية عن التحول الديمقراطي علشان يفهموا ويفكروا في اللحظة “التاريخية” اللي بنمر بيها. يعني هو لازم أعمل مقارنة مع تشيلي وأوكرانيا ورومانيا علشان أطلع بتحليل للي إحنا بنمر بيه؟ طب وتاريخنا نفسه؟ مش ممكن أطلع منه بنظرية أو اتنين؟

وبالمناسبة دي أنا حاسمح لنفسي إني أنضم لأبو الحسن ولوائل شفيق وأعمل أنا كمان مقارنة بين السيسي ومحمد علي. مش نظرية، بس شوية نقاط ممكن نعمل منها نظرية:

سر قوة محمد علي سنة ١٨٠٤ و ١٨٠٥ صحيح كانت نابعة من إن الناس كانت تعبانة من الحروب والمعارك اللي البلد كانت فيها من أول ما الفرنساويين احتلوا البلد قبليها بست سنين. وبعد الفرنساويين ما مشيوا، المماليك كملوا علي البقية الباقية وهاتك يا ضرب وقتل وفرض ضرايب على الناس الغلبانة علشان يموّلوا حروبهم. كل ده صحيح. لكن السر الحقيقي لقوة محمد علي كانت الحامية الألبانية اللي كان قوامها ٤٠٠٠ جندي واللي أصبحت بعد رحيل الفرنساويين والإنجليز والجيش النظامي العثماني وضعف المماليك، أصبحت القوة الوحيدة الضاربة والمتماسكة نسبيا في البلد. وطبعا زي ما إحنا عارفين محمد علي كان هو قائد الحامية دي بعد وفاة قائدها في ظروف غامضة. دي أول نقطة.

تاني نقطة إن الناس فعلا طالبت محمد علي إنه يتولى وهو قعد يتسلبط لحد ما اتمكن. إتمكن إزاي؟ ده هو السؤال. أول حاجة عملها زي وائل شفيق ما قال، أنه نفي عمر مكرم، نقيب الأشراف، من القاهرة. عمر مكرم كان له دور كبير جدا في إقناع محمد علي إنه يتولى، وهو اللي حشد العلماء عنده في بيته. وبعديها جه اعتراف محمد على بالجميل عن طريق نفيه لدمياط وبعدين لطنطا وما سمحلوش بزيارة أهله أو أقاربه أو دخول بيته لحد ما مات بعديها بـ ١٣ سنة.

بعديها إدوّر محمد علي على مشايخ الأزهر اللي كان ليهم برضه دور كبير في توليته وإجبار الباب العالي على تثبيته في ولاية مصر. عمل فيهم إيه محمد علي؟ حدد إقامة الشيخ الشرقاوي في بيته، وصادر ممتلكات بقيت المشايخ يا إما بسحب الإعفاءات الضريبية اللي كانوا بيتمتعوا بيها (وكان اسمها مسموح المشايخ) أو بسحب التزامتهم اللي كانوا بيلموا بيها ضرايب من الفلاحين أو بمصادرة أراضيهم الوقف (الرزق الأحباسية).

وبعد لما قضى على سلطة المشايخ إدوّر على أرباب الحرف والكارات وفقراء المدينة وسيب عليهم محمد لاظ أوغلي رئيس جهاز المخابرات بتاعه واللي حيكون وكيله (الكخيا بتاعه) من سنة ١٨١٢ لحد ما مات سنة ١٨٢٧. وسّيب عليهم كمان المحتسب بتاعه اللي كان بيقّعد الكنافانية على صواني الكنافة وهي لسه ع النار لما كان بيكتشف إنهم بيغشوا في الوزن، أما الجزارين اللي كانوا بيغشوا في اللحمة فكان بيخرم ليهم مناخيرهم ويعلق فيها حتت لحمة وبعدين يجرسهم في الأسواق. وأهم من ده وده تتبع الحجاج الخضري اللي كان زعيم الثوار سنة ١٨٠٥ واللي برضه كان له دور كبير في توليته واللي عمل الحواجز والمتاريس ضد رجالة خورشيد وحشد التجار والبياعين للمطالبة بتعيين محمد على واليا. وبعد تلات سنين حاول الحجاج الخضري إنه يكفي خيره شره وإنه يعترف ضمنا بتمكن محمد علي م الحكم ويلم الدور، لكن كان نتيجته إنهم لقوا جثته مرمية في السوق بتنهش فيها الكلاب.

وطبعا كانت مذبحة المماليك هي ضربة المعلم اللي قضى فيها محمد علي على آخر مركز قوة كان يمكن يناوءه. آند ذا ريست إز هيستوري، زي ما بيقولوا.

آه، نسيت أقول اللي حصل لبقية المصريين. مصر طبعا بقت قوية ومحمد علي بقى أقوى رجل في العالم. صحيح. لكن المصريين اتذلوا واتهانوا واتمسحت بكرامتهم الأرض. يكفي إني أقول إن ثورات الفلاحين ما انتقطعتش طول الثلاثة وأربعين سنة اللي حكم فيها أفندينا. التكلفة كان باهظة: ثورة الصعيد اللي قامت سنة ١٨٢٤ واللي استمرت أربع أشهر اتقتل فيها ٣٠٠٠ فلاح وفلاحة. وكذلك الحال في ثورة المنوفية سنة ١٨٤٤. ولما فاض بالفلاحين الكيل وما عرفوش يروحوا فين من بطش الباشا ورجالة الباشا، هربوا ع الشام: في صيف ١٨٣١ هرب ٤٠٠٠ فلاح م الشرقية ع الشام. قام إيه؟ قام محمد على جرّد عليهم جيش يرجعهم تاني. دي بالمناسبة الحجة القانونية اللي محمد علي استخدمها لتبرير حملة الشام (١٨٣١-١٨٤٠)؛ كتب للسلطان محمود يقول له الفلاحين بتوعي هربوا وأنا باعت ابني يرجعهم (السلطان، بالمناسبة، رد وقال إن الفلاحين المصريين كلهم رعاياه وما تفرقش معاه يعيشوا فين، لو عاوزين يروحوا الشام فده حقهم).

وأخيرا أسيبكم مع عمنا الجبرتي اللي بيوصف تصرفات أمير الصعيد ابن محمد علي، المحروس عين أمه، إبراهيم باشا، بعد ما أبوه اتمكن م البلد: “ثم سافر راجعا إلى الصعيد يتمم ما بقي عليه لأهله من العذاب الشديد؛ فإنه فعل بهم فعل التتار عندما جالوا بالأقطار، واذل أعزة أهله وأساء لسوء معهم في فعله، فيسلب نعمهم وأموالهم ويأخذ أبقارهم وأغنامهم ويحاسبهم على ما كان في تصرفهم واستهلكوه، أو يحتج عليهم بذنب لم يقترفوه، ثم يفرض عليهم المغارم الهائلة، والمقادير من الأموال التي ليست أيديهم إليها طائلة، ويلزمهم بتحصيلها وغلاقها وتعجيلها، فتعجز أيديهم عن الإتمام، فعند ذلك يجري عليهم أنواع الآلام من الضرب والتعليق والكي بالنار والتحريق، فإنه بلغني، والعهدة على الناقل، أنه ربط الرجل ممدودا على خشبة طويله وأمسك بطرفيها الرجال وجعلوا يقلبونه على النار المضرمة مثل الكباب. وليس ذلك ببعيد على شاب جاهل سنه دون العشرين عاما، وحضر من بلده ولم ير غير ما هو فيه. لم يؤدبه مؤدب، ولايعرف شريعة ولا مأمورات ولا منهيات. وسمعت أن قائلا قال له: “وحق من اعطاك.” قال: “ومن هو الذي أعطاني؟” قال له: “ربك.” قال له: “إنه لم يعطني شيئا. والذي أعطاني أبي. فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وانا ببلدي، وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة.” فلهذا لم تبلغه دعوى، ولم يتخلق الا بأخلاف الي دار به عليها والده، وهي تحصيل المال بأي وجه كان. فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.