Press "Enter" to skip to content

الدولة العميقة في أمريكا

نُشر في فيسبوك” في ١١ مارس ٢٠١٤

الدولة العميقة في أمريكا. الدولة العميقة في كل مكان.

في تطور خطير أتوقع إنه هيؤدي إلي الإطاحة بشوية رؤوس معتبرين، اتهمت السناتور دايان فاينستاين، رئيسة لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي، السي آي إيه بالتجسس على أعضاء اللجنة بتاعتها. ففي مؤتمر صحفي النهارده الصبح قالت فاينستاين إن السي آي إيه اخترقت القانون الفيدرالي بالدخول دون إذن على كومبيوترات أعضاء اللجنة حصلت منها على مكاتبات اللجنة ومراسلاتها.

الخطير في الموضوع إن لجنة الاستخبارات كانت بتحقق في بعض الأعمال المريبة الّ السي آي إيه كانت بتقوم بيها، ومن أخطرها أساليب التحقيق وطرق الظبط والتحفظ على المشتبه فيهم.

ولكن لما السي آي إيه شمّت خبر عن الوضوع ده، يعني عن جهود اللجنة ومعاها الكونجرس في مراقبة أعمالها، قررت إنها تسبّق وتسرق من كومبيوترات أعضاء اللجنة معلومات بعينها ممكن تدينها.

ويظهر إن عملية السرقة دي اتفضحت بشكل ما لإن مدير السي آي أيه، جون برينان، اتصل بالسناتور فاينستاين في يناير الّ فات علشان يديها خبر بالموضوع ده. (ممكن يكون قال لها: “إزيك يا دايان، وإزي ريتشارد جوزك؟ والنبي تسلمي لي عليه. آه بالمناسبة، الوكالة بتاعتي بتتجسس على اللجنة بتاعتك.”)

قوم إيه؟ قوم السيناتور فاينستاين قررت تفجّر الفضيحة دي النهارده.

فاينستاين من الحزب الديمقراطي، وبالتالي ما طالبتش باستقالة برينان، يمكن لأنها مش عاوزة تحرج أوباما.

لكن السناتور لندسي جرام (ساوث كارولاينا) الّ من الحزب الجمهوري واضح إنه شايف رؤوس حان قطافها. لما سمع الأخبار دي قال إن لو الادعاءات دي ثبت صحتها فده يبقى “خطر على الديمقراطية”. “لازم رؤوس تطير. لو الكلام ده صحيح يبقى لازم الجهاز التنفيذي يعلن الحرب على السي آي إيه.”

البيت الأبيض، لحد ده الوقت، متمسك ببرينان، وبيعلن ثقته في السي آي إيه.

إنما هنشوف الأيام الجاية هيحصل إيه.

شوية خلفية علشان الصورة توضح أكثر:

فاينستاين شخصية قوية وذات باع طويلة في موضوع الاستخبارات. رئاستها للجنة الاستخبارات في الكونجرس معناه إنها من أقوى الشخصيات على الكابيتول.

لكن سجل فاينستاين في مراقبة أجهزة الاستخبارات، وأهمها الإن إس إيه، مش سجل مشرف. فعلى مدار خمس سنين من أول ما أصبحت رئيسة اللجنة ولسان حالها بيقول إنها بتطبطب على الأجهزة الّ المفروض إنها تراقبها، وفي أكثر من مرة عرقلت جهود زملاءها الّ كانوا شايفين إن الأجهزة دي، بداعي “الحرب على الإرهاب”، بتخترق القانون وبترتكب مخالفات خطيرة، ومن أهمها التجسس على المواطنين الأمريكان من غير حكم محكمة ولا سند قانوني.

وتحديدا لما السناتور رون وايدن (من أوريجون – برضه ديمقراطي) حب يسن قانون يحجم بيه الأجهزة دي ويُخضعها لرقابة أشد من الكونجرس، فاينستاين عارضته. وعمليا قالت له “مفيش داعي نعادي الجماعة دول. بالمهادنة ممكن نكسب ودهم.”

ولكن بالإضافة لاقتناعها بأسلوب المهادنة ده، وإن الصدام مع الأجهزة دي صعب إنها تكسبه، فاينستاين مقتنعة برضه بإن الولايات المتحدة معرضة طول الوقت لخطر الإرهاب، وطول الوقت بتفكر الناس بـ١١ سبتمبر، وبتقول إن التجسس الإلكتروني على المشتبه بيهم (الّ هم طبعا اسمهم إرهابيين، ويده برضه يشمل أصحابهم، وأقاربهم، ومعارفهم، وكل الّ بيتصل بيهم، أو الّ اتصل بيهم ولو مرة في حياته، أو هيتصل بيهم في المستقبل، أو بيفكر إنه يتصل بيهم، أو محتمل إنه يفكر إنه يتصل بيهم، إلخ إلخ.) — التجسس ده والتصنت على الناس دول سلاح مهم مش لازم نتخلص منه. وبالتالي فهي مش شايفة خطر حقيقي من الأجهزة دي.

طيب إيه الّ حصل الّ خلاها تعيد النظر في سياساتها المهادِنة؟ وليه قررت توجه الاتهامات الخطيرة دي النهارده من على أرض الكونجرس؟

التفسير السهل: اتقلب السحر على الساحر، ولما اكتشفت إن السي آي إيه مش بس بتتجسس على شوية سود، إو ناس بشرتهم بُني، أو مواطنين ما لهمش دية، بس بتتجسس عليها هي نفسها قررت إن الرقع اتسع على الراقع وقررت تضرب كرسي ف الكلوب.

التفسير الأوقع هو إن تسريبات سنودن أتت أكلها. الرأي العام الأمريكي بيكتشف كل يوم تكلفة الحرب على الإرهاب: انتهاك حقوقه وحرمة حياته الخاصة وقدسية مراسلاته ومكاتباته. الناس كأنها بتقول” “أم الإرهاب علي الحرب على الإرهاب. يعني عاوزينا إزاي نكسب الحرب على الإرهاب لو دي هتكون تكلفتها: الدستور والقانون والمبادئ وحقوقنا الّ حاربنا وكافحنا سنين وعقود علشان نحققها؟”

توقعي إن الموضوع ده مش هيخلص في يوم وليلة. برينان وظيفته على المحك. ومقعد فاينستاين في الكونجرس نفسه ممكن ميكونش مضمون بعد كده (ده لو قررت تتنافس مرة تانية بالرغم من كبر سنها– ٨٠ سنة).

لكن الأكيد إن السجال بين الحقوق والحريات من ناحية، والأمن والحرب على الإرهاب من ناحية تانية سجال طويل هيمتد لسنين وعقود. ومن الواضح برضه إن جنرالات الحرب وخبراء الأمن ومعاهم المطبلاتية بتوع “الإقصاء” و “خطر الإرهاب” و”لا للحلول الدستورية والقانونية” بيخسروا الرأي العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.