Press "Enter" to skip to content

قصة "كل رجال الباشا"

علي الرجال كتب يوم ٧ ديسمبر على صفحته بوست طويل عن كتابي “كل رجال الباشا” ومدحه وبالغ في المديح حبتين 🙂 أنا قرأت البوست وقتها وقرأت تعليقات الأصدقاء عليه، وحبيت أكتب أشكر علي على كلامه الجميل وأساهم في النقاش الثري على صفحته عن ضرورة توجيه النقد لفوكو وعن ضرورة تطوير أساليب قراءتنا وكتابتنا للتاريخ، ولكني كنت مسافر وما كانش عندي وقت. امبارح بدأت أكتب تعليق قصير لكنه طال مني شويتين وبالتالي ما عرفتش أرفعه على صفحة علي، وده مكانه الصحيح، فبأرفعه هنا مع تاج لعلي.

شكرا يا علي على كلامك الجميل، وإن كنت أظن إنك بتبالغ شوية في الثناء على “كل رجال الباشا”. أنا عندي ملاحظتين (شخصيتين في الحقيقة) أود طرحم مش للرد ولكن أملا فى إثراء النقاش الثري بالفعل.

أول نقطة تتعلق بفوكو وبضرورة وأهمية نقده، وتحديدا نقد فهمه للسلطة وطبيعة مقاومتها. النقطة التانية تتعلق بأسلوب كتابة “التاريخ من أسفل” وبالأهمية السياسية للكتابة دي.

أولا، أنا اهتمامي بفوكو بدأ بعد بداية دراستي لتاريخ جيش محمد علي. وإليكم الخلفية:

أنا رحت أوكسفورد علشان أدرس تاريخ الاقتصاد المصري في القرن التاسع عشر. موضوعي، قبل الذهاب لأوكسفورد وبعد مراسلات عديد مع روجر أوين، اللي أصبح المشرف على الرسالة، كان محاولة معرفة الوكسة اللي احنا فيها عن طريق دراسة تاريخ مصر وتحديدا دراسة علاقتنا مع الغرب. أوين قال لي إن ده سؤال مهم لكنه فضفاض ومش ممكن دراسته علميا، واقترح علي أن أختار موضوع أكثر تحديدا: دراسة تاريخ مدينة بعينها، أو أسرة، أو شخصية، أو مؤسسة ممكن توضح تطور علاقة مصر بالغرب.

في أول اجتماع بيننا في مكتبه اقترحت عليه ستة موضوعات: تاريخ القصير (لتوضيح أهمية علاقة مصر بالشرق وتحديد ما إذا كانت أهم من تجارتها مع حوض البحر المتوسط وأوربا)؛ تاريخ أسيوط وقنا (كمحاولة لدراسة الصعيد من منظور جرامشي، وكنت وقتها متأثر ببيتر جران) تاريخ البكرية كعائلة مهمة تقلدت مناصب سياسية واقتصادية مهمة من القرن الـ١٨ وطالع (واللي ممكن من دراستها نفهم علاقة القرن الـ ١٩ باللي قبله) وموضوعين تانيين ناسيهم دا الوقت.

والجيش.

بعد مناقشات عديدة استقر الرأي على إني أدرس تاريخ جيش محمد على كمحاولة للإجابة على السؤال الأزلي: هل التجربة الصناعية الرائدة بتاعت محمد علي فشلت لأسباب داخلية أم لأسباب خارجية؟ طبعا ده سؤال قديم ومطروح من أوائل القرن العشرين، وطبعا ده سؤال المدرسة الوطنية في التاريخ، ولكني كنت بأحاول أجاوب عليه بطريقة جديدة عن طريق البحث في الوثائق مش الكلام المرسل بتاع مؤرخي المدرسة دي.

قررت أجاوب على السؤال ده بالتركيز على الجيش كمؤسسة اقتصادية. فمن المعروف إن الجيش كان الحافز الرئيسي للكتير من الصناعات الأولى: الطرابيش، البارود، السفن، الملابس، البيادات. وبالفعل كتبت خطة للبحث تتمحور حول أسئلة من نوع: إيه الدور اللي لعبه الجيش في تطوير والنهوض بالاقتصاد المصري في أول القرن الـ١٩؟ هل ممكن تحديد المصانع والورش اللي كانت بتخدم الجيش؟ هل ممكن تحديد علاقة المصانع والورش دي بنواحي تانية في الاقتصاد؟ مثلا: هل ممكن تحديد التأثير الإيجابي للمصانع دي على الاقتصاد الريفي والمنزلي ؟ هل لعب الجيش دور مهم كسوق للمصانع دي؟ هل حصل تراكم للخبرة التكنولوجية داخل المصانع دي؟ هل حصل تطور لوعي طبقي عند عمال الورش دي؟ إيه كانت سياسات التسويق، والتسعير، والعمالة، والتدريب داخل الورش والمصانع دي؟

وكان أهم تحدي قدامي هو إني أروح دار الوثائق و”أدخل جوا” المصانع دي، إن جاز التعبير. كان هدفي إني ألاقي وثائق عن المصانع ومبانيها، والعمال وأحوال شغلهم، والمديرين ومكاتبهم، والمنتجات المصانع وطرق تسويقها.

وبالفعل رحت دار الوثائق في سنة ١٩٨٩ وبدأت البحث بالفعل حول الأسئلة دي. ولكن وبعد أكتر من سبعة أشهر لقيت إني ما عرفتش “أدخل” المصانع. لسبب بسيط وهو إني ما لقيتش وثائق بتعطي صورة عن المصانع من جوا. كل اللي لقيته كان عدد ضخم جدا من الأوامر والمكاتبات الصادرة من محمد علي عن المصانع وعن سياسة التصنيع. الأوامر دي كانت طبعا مبهرة وخلابة ومكنتني بالفعل من إني أكتب. وأتذكر إني بدأت أكتب فصل عن القماش والنار: قماش القلوع المطلوبة لسفن الأسطول، ومصانع التفنكات أي البنادق اللي كانت بتنتج ٢٠٠ بندقية في الأسبوع، على ما أتذكر.

لكن بعد فترة فجأة سألت نفسي إذا كانت الوثائق دي صادقة. طبعا مش قصدي إنها مزورة، ولكن قصدي التساؤل عن دقتها في رسم صورة حقيقية عن المصانع، مش صورة حقيقية عن تخيل محمد علي للمصانع. وفاكر أني لما ناقشت أوين في الموضوع وافقني على تخوفاتي وقال لي إن اعتمادي على أوامر محمد على لرسم صورة عن التصنيع يشبه اعتمادي على قوانين المرور المصرية لكتابة تاريخ المدن المصرية وانتظام حركة المرور فيها. فشتان الفرق بين قانون المرور وأحوال الشوارع. وشتان الفرق بين أوامر ورغبات محمد علي وحقيقة المصانع بتاعته.

ولقيت نفسي وقتها المشروع البحثي بتاعي بينهار قدامي. ولكن اللي أنقذني كان فوكو.

ففي نفس الوقت اللي كنت بأروح فيه لدار الوثائق وبأنغمس في سجلات جيش محمد علي ابتديت أقرأ فوكو لأول مرة. وكان أول كتاب أقرأه له “الانضباط والعقاب” ومش هأنسى قد إيه كنت بارتجف وبأعرق وأنا بأقرأه. فمن ناحية كانت دي أول مرة أقرأ تاريخ مكتوب بالأسلوب ده، ومن ناحية تانية حسيت إني لقيت ضالتي في الكتاب ده، وإني ممكن، اعتمادا عليه، إني أنقذ مشروعي البحثي.

تحديدا، ابتديت أكتشف إني على مدار الأشهر السابقة يمكن أكون فشلت في “الدخول” لمصانع الجيش، ولكني لقيت نفسي بالفعل جوا معسكراته. فالوثائق اللي كنت بأقرأها، من غير قصد،كانت عن أحوال الجنود في المعسكرات وفي جبهات القتال المختلفة: مكاتبات غاية في الدقة عن التعيين (الأكل) بتاع العساكر، وملابسهم، وأسلحتهم، وخيامهم، وتدريبهم، وصحتهم، وعلاقتهم ببعض، وعلاقتهم بضباطهم، ومعنوياتهم، وخوفهم من المعارك، ومحاولاتهم الهروب، ومقاومتهم المستميتة للتجنيد، وكراهيتهم لضباطهم، وتعاستهم في المستشفيات الميدانية، وجزعهم ورهبتهم من الموت.

تيموثي ميتشل

شغل فوكو وشغل تيموثي ميتشل أعطوني مفاتيح للتعامل مع المادة الغزيرة اللي كنت بأقرأها، فالجيش هو مؤسسة السلطة بألف لام التعريف، ويمكن دراسته كحيز تتجلى فيه آليات السلطة الحديثة وتجلياتها. وأتذكر كويس لما طلعت من دار الوثائق ودخلت المبنى الملاصق، دار الكتب، واطلعت على كتيبات التدريب اللي كانت بتتطبع وتتوزع على الضباط، وشفت إزاي شغل فوكو خلاني أفهم إزاي إن الكتيبات دي (اللي بالمناسبة كانت من أوائل مطبوعات مطبعة بولاق) ممكن الواحد يقرأها على إنها أدوات للسلطة الغرض منها تفكيك جسم الجندي وإعادة تركيبة مرة تانية، إن جاز التعبير.

انغمست لشهور في قراءة الكتيبات دي ولقيت إنها، زي أوامر محمد علي، مبهرة وخلابة. خطاب السلطة دايما مبهر وخلاب. وطبعا مخيف وقاسي. وابتديت أشك مرة تانية في طبيعة مشروعي وأهميته. لأني ابتديت أوعى لأهمية خطاب المقاومة برضه: الجنود دول، مش برضه ليهم رواية، قصة، سردية؟ وابتديت أتساءل إزاي أقدر أوصل ليهم واستمع ليهم في دار الوثائق. فوسط آلاف المكاتبات الصادرة من محمد وعلي وابنه إبراهيم، قائد قواته، كنت طول الوقت بأحاول ألاقي معلومات عن الجنود. ولقيت نفسي بأحاول أبعد عن محمد على اللي كنت حاسس طول الوقت إنه كابس على أنفاسي بيحاول طول الوقت يملي علي روايته هو، وأنا طول الوقت بأهرب منه وبأحاول أطنشه علشان أسمع صوت الجندي. “لو لقيت النهار دا جندي من جنود جيش الباشا، وسألته عن تجربته، يا ترى هيقول إيه، ويا ترى قصته هتكون شكلها إيه؟” ده أصبح سؤالي البحثي اللي كتبت الرسالة حواليه.

خناقتي كانت دايما مع الباشا وضباطه وجنرالاته واستخفافهم بحياة الجنود وأجسادهم. خناقتي كانت برضه مع المؤرخين القوميين المؤسسين للمدرسة التاريخية الأكاديمية المصرية، وأتباعهم على مدى العقود، اللي مهووسين بمصر ولكنهم مش مهتمين بالمصريين. لكن كانت خناقتي الأكبر مع فوكو وولعه بتحديد خطاب السلطة وتفكيكه.

أنا كنت شايف دايما إن شغل فوكو بيمكنّي من معرفة آليات تكوين الدولة الحديثة في مصر. لكني كنت مهتم برضه بمعرفة رد فعل المصريين على تأسيس الدولة دي. فبخصوص الجيش، فوكو أعطاني مفاتيح لمعرفة الجيش الحديث بيشتغل إزاي وبيتكون إزاي وبيختلف عن الجيوش اللي قبله إزاي. لكني كنت مهتم، بنفس الدرجة، إن ما كانش أكتر، بمعرفة رد فعل المصريين على الآلة الجبارة الجديدة دي. يعني مثلا لما فجأة تجريدة التجنيد تحل على القرية وتخطف الشبان (والكهول برضه) وتربطهم بحبال حوالين رقابهم وتسوقهم للمعسكرات زي الخرفان، الناس كان رد فعلها إيه؟ ولما الشاب من دول يلاقي نفسه في المعسكر أو القشلاق ما بيتحكمش في أي حركة من حركاته (زي ما فوكو عاوزنا نفهم)، الشاب دا كان رد فعله إيه؟ استسلم؟ قاوم؟ رضخ؟ أذعن؟ هزّر؟ نكّت؟ غنّى؟ ولا هرب من الجندية وسنينها؟

والنتيجة، نتيجة الأسئلة دي، كانت الرسالة اللي بقت “كل رجال الباشا”: محاولة لفهم خطاب السلطة الحديثة كما تتجلى في الجيش، ولكن في نفس الوقت، محاولة لرصد السجال الدائم بين خطاب السلطة دا وحركات المقاومة الدائمة.

ثانيا، لما الموضوع اتبلور في ذهني بالشكل ده، بفضل فوكو الله يرحمه وميتشيل الله يمسيه بالخير، لقيت نفسي مهتم برضه بالسياق المصري (على عكس السياق الأكاديمي الصرف) اللي الرسالة بتدور حواليه. فاهتمامي بالجندي/الفلاح كان منبعه مش بس اهتمامي بنقد تخيل فوكو للسلطة وخطابها، ولكن برضه اقتناعي بضرورة كتابة تاريخ المصريين، مش تاريخ مصر.

اللي اتعلمناه في مدارسنا تاريخ السلطة، مش تاريخ الشعب. تاريخ مصر مش تاريخ المصريين. وبالتالي كنت مهتم أشوف إزاي أقدر أكتب تاريخ جيش محمد علي من وجهة نظر جنوده مش ضباطه. طبعا دي مشكلة عويصة لسبب رئيسي وهو إن المصادر الأولية اللي موجودة في دار الوثائق هي مصادر الضباط مش مكاتبات الجنود. فالجنود أميين، ما كتبوش جوابات ممكن أعتمد عليها زي ما مؤرخي الحرب العالمية الأولي اعتمدوا على آلاف الجوابات اللي الجنود كتبوها ووصفوا فيها أهوال المعارك وبشاعة الحرب.

لكن الموضوع ما يتعلقش بس بالمصادر. الموضوع سياسي بالدرجة الأولى. الكتب المدرسية والخطاب الرسمي بشكل عام بيقول إننا، كشعب، مش موجودين، مالناش إرادة ولا دور ولا وعي. الأصل هي الدولة، السلطة، الحاكم. الدولة هي اللي بتحمينا واحنا من غيرها معرضين للفناء والضياع. ولو كتب التاريخ بتاعت مدارسنا تخلت للحظات عن هوسها بالسلطة وسمحت لنا بالظهور الاستثنائي فظهورنا دا عادة بيكون كـ”شعب” متراص، متوحد، غالبا خلف القائد الملهم. ما عندناش تاريخ لأسر بعينها، أقاليم أو أقليات أو لهجات أو إثنيات أو إرادات أو رغبات مختلفة.

وطبعا ما عندناش تاريخ ثورات أو تمردات إلا لما تكون ضد المحتل الأجنبي: ثورة القاهرة الأولي وبعدين الثانية وقت الحملة الفرنسية، وبعدين فجأة بعد تمانين سنة، ثورة عرابي ضد الإنجليز، وبعدين ثورة ١٩ ضد الإنجليز، وبعدين ثورة يوليو برضه ضد الإنجليز. وكأننا كشعب، وكأفراد، وكجماعات، وكساكني أقاليم ومناطق ومدن وقرى مختلفة ما ثورناش ضد حكامنا من المماليك ومحمد علي وسلالته، والخديو، والباشوات والشركات الكبيرة والعمد والمشايخ الكبار، والملوك والرؤساء اللاحقين. اللي اكتشفته من خلال شغلي في دار الوثائق، حتي من غير قصد، إننا كشعب في حالة ثورة دائمة ضد السلطة، أجنبية ومحلية، من أول القرن الـ١٩ لحد ثورة يناير. ما فيش عقد عدى إلا ولقينا فيها إقليم كبير أو مدن بطولها ثارت وتمردت ضد السلطة. أجران بتتحرق. سكك حديد وخطوط تلغراف بتتقطع. عمد بيتخطفوا وساعات بيتقتلوا وبيوتهم بتتحرق.

وطول الوقت بتساءل إزاي بعد كل ده نصدق الكلام الشايع بتاع “المصريين شعب خنوع يحب السلطة ويخاف منها”. ده خطاب سلطة، أما التاريخ فبيقول غير كده. وبالمناسبة، دا من الأسباب اللي مخلياني لسه عندي أمل في ثورة يناير: إنها مش استثناء، بل امتداد لتاريخ طويل من المقاومة تحاول السلطة دايما إنها تخرصه. العادلي في دفاعه عن نفسه في محاكمته الأخيرة خير دليل على رغبة السلطة إنها تنفي طبيعتنا الثورية. العادلي في مرافعته اللي استمرت يومين قال “إحنا عارفين شوية العيال بتوع التحرير دول مين. أنا حافظهم بالعيل والواد والبت.” مرافعة العادلي مثال صارخ لغياب الشعب كفاعل من مخيلة السلطة. الشعب موجود، لكنه إما مغدور به، أو مضحوك عليه، أو “إزاي لازم أثقفه وأوعيه” (هو قال كده). الشعب دا، على حسب خطاب السلطة، عمره ما كان صاحب وعي ولا إرادة ولا فعل.

وبالتالي كانت مهمتي إني أحاول أنفي الكلام دا وأؤكد إن الجيش دا وإن كان جيش الباشا إلا إن الجنود هم أصحاب الفضل فيه: هم اللي حاربوا، وهم اللي ضحوا، وهم اللي اتجرحوا، وهما اللي ماتوا. ولكنهم برضه هم اللي قاوموا: هم اللي قطعوا صوابعهم وحطوا سم فيران في عينيهم علشان يخرجوا من الجهادية، وهم اللي قاوموا تجريدات التجنيد، وهم اللي “تسحبوا”، يعني هربوا، بعشرات الآلاف من الجيش.

أما إزاي قدرت أوازن بين أفعال البطولة وأفعال التمرد، وهل فعلا عرفت أوازن بين خطاب السلطة وخطاب المقاومة، فدا بقى تلاقوه في “كل رجال الباشا”.

بوست علي الرجال على فيسبوك يوم ٧ ديسمبر ٢٠١٤:

عمل خالد فهمي في كل رجال الباشا بمثابة خدمة جليلة لينا وفي رأي لم يأخذ حظه من التبجيل والاهمية…العمل عظمته مش في انه بس بيتحدى الاكاديمة المصرية في اسسها البالية في تناول الاشياء التارخية والقرآة الساجذة للتاريخ من خلال الاشخاص المتحكمين فيه عن طريق الستنهم هم عن تاريخهم…وهى قرآة دائما ما تكون موهمة ومهوسة بالشخص التاريخي محل الدراسة…انما الاهم في تبجيل هذا العمل هو انه ادانا ادوات حقيقة يمكن مكنتش موجودة قبله بهذا الشكل لفهم واقع ذواتنا وتشكلها…وده بياخدنا لمساحة اقوى واعمق في معركتنا مع السلطة وهو تفكيك صلبها من الداخل..قبل خالد فهمي كل القرآءات كانت بتاخدنا لفهم المعركة وحركة التاريخ بشكل فواعله الكبار في المستويات العليا من الصراع ويمكن كنا بنفهم ازاي الحكام اتشاليت وليه وتحليل لصراع القوى الموجودة في قمة الصراع السياسي…طول الوقت كنا بنعرف هما عالموا ايه في بعض…انما عمرنا ما كنا بنعرف ايه الي حصل فينا احنا..احنا مش هم…وبالتالي عمرنا ما كان عندنا فهم لتشكل ميكنزمات السلطة -لانها بتمارس علينا- فهى بتفهم من خلال فهمنا لتشكل ذواتنا..لاننا كذوات المناط والمساحة المنوطة بها السلطة..وكنا كمان بنهتم بدراسة تاريخ مؤسساتهم هما كانه كان تاريخ وصيرورة تخص من كانوا في السلطة وكنا نحن جميعا خارج اطار التاريخ…الحقيقة ان ده مؤشر خطير لعنصر عبودية كبير عند مؤسسة الاكاديما مصر..بمعنى ان الذوات مش مناط اهتمام بيهم لانهم غير مؤمنين بحريتها وقدرتها على التغير وإعادة تشكيل الواقع وحركة التاريخ…وبالتالي التاريخ لدى اغلب مؤرخنا هو صيرورة ولا وجود للانقطاع فيه…لان احدا غير قادر على احداث قطيعة مع التاريخ في وجهة نظرهم…وعلى النقيض الاخر ايضاً قبل خالد فهمي في مجال الداراسات الانثربولوجية والتي شهدت تطور ملحوظ وكبير في السنوات الاخيرة كانت اغلبها بكاء توصيفي لحال الغلب في العشوائيات وهوس بنقل صوت الناس بشكل مباشر وعلو اي حديث اثنوجرافي يحمل فيه صوتاً للناس على حساب اي تحليل او تفكيك لكيفية التشكل والتمفصل مع المجتمع والسلطة…وبالتالي اغلبها اقترب للوصف وليس للفهم….بل كانت اغلب الاسهمات الحقيقة في فهم واقعنا نحن من الخارج!!! آي ان الاكاديما الغربية اكثر دراية بالداخل وتشكله من نظيرتها المصرية المهتمة بصراع الافيال فوق..ولاننا لسنا عندنا تقدير حقيقي لذواتنا كانت دوماً الذات الوحيدة الحاضرة في تحليلاتنا هى ذات الملك…الملك فاروق الملك نجيب الملك عبد الناصر الملك السادات ومبارك ومرسي والسيسي من الان…هكذا تهيمين الذات التاريخية الكبرى على اي ذات اخرى…حيث لا احد اخر حر غير الملك ومن ثم فلا سيد اخر غيره…واذا كان هو الوحيد السيد فهو وحده القادر على المفارقة اما بقية العبيد فلا…وبالتالي تمحورت الاكاديما حول انين الصارخين وسوط الجلاد….ولهذا لا يوجد ايجابة عندها حول ما العمل؟..لانه لا عمل بدون ذات..وبالتالي هى لا تستطيع تفكيك خيالها العلمي ذاته في الوصف والفهم فمبالك بالطرح وامكانية التغير الحقيقي…والحقيقة ده ياخدني لنقطة شخصية: الاخوة اليسارين الي مبيحبوش فوكو وشيافين راجل اهبل بيجري ورا دماغه،،، ازاي حضرتك عايز ترمي فوكو في الزبالة وانت في اشد واقصى الاحيتاج ليه اذا اردت ان تطرح بديل لانه اكثر واحد عنده ادوات لفهم الذات وتشكلها…الي هى مشكلتك انت الرئسية في مرحلتك ده من الصراع مع السلطة ومواجهتها…ده لو انت كنت حقيقي كمان جاد وحازم في مواجهتها..وده مع افتراض ان اليسار هذا يريد حقاً مقارعة السلطة وليس فقط زغزغتها من على هامشها..وبالتالي الهروب الي رطانة دائمة من الهوس بالتحليل الطبقي للتاريخ والاصرار الماركسي الابله والمصر على اسقاطنا في فخ الصيرورة الرأسمالية التي من المفترض اننا نواجها كيسار!!!!!! ولان التحليل الطبقي هو طبقي في ذاته ولذاته فنحن لا نظهر مرة اخرى كذوات لاننا نذوب في الطبقة…وبالتالي نفشل عن فهم تشكل واقعنا الطبقي ومستوياته ،دلالاته وخطابه وتصوره عن الذات والاخر في المجتمع….. ولذلك الحقيقة عمل خالد ثورييييي لاقصى درجة ممكنة ..ويكاد يكون اخطر كتاب على السلطة في مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.