Press "Enter" to skip to content

أهمية حرية المعلومات في مواجهة الإرهاب

عملت السلطات المصرية على مدار الأيام القليلة الماضية على حجب مواقع إخبارية في مصر بحجة أن تلك المواقع “تحرض على الإرهاب وتنشر الأكاذيب“.

ففي يوم ٢٤ مايو نشرت صحيفة اليوم السابع خبرًا مفاده أنه قد تقرر حجب ٢١ موقعًا إلكترونيًا داخل مصر منها الجزيرة، وعربى 21، والشعب، وقناة الشرق، وكلمتى، والحرية بوست، وحسم، وحماس، وإخوان أونلاين، ونافذة مصر، و بوابة القاهرة، و رصد.

ورحب نقيب الصحفيين، عبد المحسن سلامة، بقرار الحجب معربًا عن اقتناعه بأن هذه المواقع تدعم الإرهاب. فقط اعترض على حجب أربعة مواقع هي مدى مصر، والمصريون، ومصر العربية، والبورصة، قائلا إنها مواقع مرخصة وتصدر من مصر، بل أن اثنين منها لهما نسخة ورقية.

ولم تتوقف إجراءات الحجب بل أخذت تتوالى على مدار الأيام التالية. وعلق كثيرون قائلين إن المنطق غاب عن أسباب الحجب، فبالرغم من أن قرار الحجب تزامن مع الحرب الإعلامية الدائرة بين الإمارات والسعودية من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، إلا أن بعض المواقع المصرية المحجوبة مثل مدى مصر، ليست ممولة من قطر ولا علاقة لها بالإخوان، وبالتالي فلا علاقة لها بذلك الصراع  الدائر بين أساطين الإعلام الخليجيين.

وبلغ مقدار العك أن الموقع الرسمي لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري ، www.egynews.net حُجب  نتيجة أن “الظابط اللي قعدوه على جهاز حجب المواقع الصحفية الظاهر جاب الليستة من جوجل. وهو بيدور لقى موقع اسمه ايجي نيوز متخصص في أخبار مصر فحجبه طبعا بدون تردد،” حسب ما أكده حسام بهجت.

على أن الأمر لا يبدو أنه مفتقر للمنطق كلية، بل وكما قال محمد أبو الغيط، إن قرارات الحجب تنم عن سياسة واضحة تنتهجها الدولة ضد الإعلام الحر ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالتحريض على الإرهاب أو بالعلاقة بالإخوان. فنظام السيسي يرى أن الإعلام الذي ينقل الصورة بأمانة وصدق، ويقدم الحقائق للقارئ بدقة، ويفصل بين الخبر والرأي، ولا يتردد في نشر مقالات رأي رزينة ونقدية، هذا الإعلام الذي تمثل “مدى” نموذجًا ساطعًا له، يشكل تهديدًا للنظام لأنه، تحديدًا، يشجع القارئ/المتفرج/المتصفح على التفكير والتدبر، ويحثه على طرح أسئلة صعبة، أسئلة قد تكون صادمة للنظام ومقلقة لمسؤوليه.

فمثلا، بعد أن أُعلن يوم الجمعة ٢٦ مايو أن القوات الجوية المصرية نفذت ست طلعات جوية استهدفت ستة تمركزات قرب درنة في ليبيا، وذلك في أعقاب هجوم المنيا الإرهابي الذي استهدف مرتادي دير “صموئيل المعترف” وأودى بحياة ٢٩ قبطيًا، نشرت “مدى” خبرا يفيد بأن مجلس شورى مجاهدي درنة الذي استهدفت القوات الجوية المصرية قواعده نفى صلته بهجوم المنيا. ونشرت “مدى” بيان مجلس الشورى الذى قال إنه «لا علاقة لمجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها بما حدث في مصر من اعتداءات على المدنيين العزل؛ فعمليات المجلس موجهة فقط ضد الميليشيات المُسلحة التي تستهدف المدينة، سواء كانت من تنظيم الدولة [الدولة الإسلامية] أو من قوات حفتر. وليس من سياسة المجلس استهداف المدنيين العزل في ليبيا فضلًا عن استهدافهم في مصر».

ولم يكن موقع “مدى” هو الوحيد الذي شكك في جدوى الهجمات المصرية على ليبيا، فالـ “بي بي سي” العربية نشرت أيضا فيديو يلقي ظلال شك حول الرواية الرسمية المصرية ويطرح العديد من الأسئلة حول جدوى هذه العمليات الجوية التي قد تكون تمت بإيعاز من خليفة حفتر لتصفية حساباته مع غرامئه في ليبيا أكثر من كونها تستهدف تنظيما تيقنت السلطات المصرية بالفعل من أنه وراء حادث المنيا، كما أكد السيسي في كلمته يوم ٢٦ مايو.

https://www.youtube.com/watch?v=oXPTMhU_E2M

أهمية طرح أسئلة صعبة ومحرجة:

هل التساؤل حول جدوى الهجمات الجوية المصرية على درنة يسبب إحراجًا للسلطات المصرية؟

بالطبع.

هل نشر آراء تشكك في سياسة الدولة في مواجهة الإرهاب وتطرح تساؤلات حول سياسة الدولة الأمنية أو الإعلامية أو تلك المتعلقة بحماية المواطنين الأقباط يسبب حرجًا للحكومة وللسيسي شخصيًا؟

بالطبع.

هل الاعتراض على انتهاج الحكومة المصرية لسياسة أمنية تحتذي حذو سياسة الولايات المتحدة في قصف أهداف مشبوهة عن طريق الجو، الأمر الذي قد يودي بحياة مدنيين عُزل — هل هذا الاعتراض يقلق العسكريين ويشكك في ثقتهم أن قصفا جويا يمكن أن يقضي على الإرهاب؟

بالطبع.

ولكن هل نشر هذه الأخبار المنافية لتصريحات الحكومة والتعبير عن هذه الآراء المشككة في سياسات السيسي يعتبر دعمًا للإرهاب أو نشرًا لأكاذيب كما تزعم الحكومة؟

بالطبع كلا.

إن فتح المجال للنقاش، ونشر الآراء المعبرة عن رؤى وتوجهات مختلفة عن تلك التي تنتهجها الحكومة ليس دعما للإرهاب أو نشرا للأكاذيب، بل هو الضمانة الأساسية للنصر على الإرهاب.

السيسي وعبد الناصر والإعلام:

في ٢٠١٤ السيسي قال إن جمال عبد الناصر كان محظوظا “لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه”. وأضاف إن “الإعلام المصري عليه مسؤولية عظيمة وعليه أن يكون في صف الشعب.”

هذه نظرة خطيرة جدا للإعلام ولدوره. خطورتها لا تكمن فقط في تكميم الأفواه، أو في قطع رزق الصحفيين،  أو في الزج بهم في السجون. بل خطورتها تكمن أساسًا في مصادرة حق المواطن في المعرفة وفي الوصول للمعلومة. وبدون هذه المعرفة وتلك المعلومة لن يتسطيع المواطن أن يمارس واجبه في مساءلة حكامه عما يقومون به لحمايته.

وللتدليل على ذلك لا حاجة لنا أن نستشهد بمواد الدستور، أو بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. يكفي فقط أن نسترجع تاريخنا القريب، وليس تاريخ دول أو مجتمعات غربية.

في صباح يوم الخامس من يونيو عام ١٩٦٧ وفي الوقت الذي كان الطيران الإسرائيلي يقصف كل مطاراتنا حتى تلك التي في القاهرة، كانت الإذاعة المصرية تذيع برنامجا من برامج المرأة عن وصفة طبيخ مبتكرة. ولم تقطع الإذاعة بثها لتخبر المواطنين عن الحدث الجلل. فما كان من المصريين إلا أن تحولوا للإذاعات الأجنبية حتى يستقوا منها معلومات عما كان يحدث لجيشهم ولبلدهم.

أما في آخر نفس اليوم، وبعد أن زار جمال عبد الناصر قيادة الجيش ووقف على حجم الخسارة وأدرك أن سلاحنا الجوى قد دُمر، أمر عبد الحكيم عامر أن “يرسل شيئا للصحف عن المعركة لتعرف الناس الموقف على حد قوله.” ويصف عبد اللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادة الثورة القديم الذي كان حاضرا في القيادة وقتها، كيف اقترح عبد الناصر “أن نقول مثلاً أننا توغلنا في أرض العدو وخلافه، لأن العدو يذيع بيانات عن المعركة ونحن لا نذيع شيئا.” (مذكرات عبد اللطيف البغدادي، الجزء ٢، ص ٢٨٧)

المساء، عدد ٥ يونيو ١٩٦٧

 هذا هو إعلام عبد الناصر الذي يستلهمه السيسي ويترحم عليه. وغني عن البيان المأساة الذي أدى إليها ذلك الإعلام الذي كان “بيتكلم مع عبد الناصر.”

الإعلام ومواجهة الإرهاب:

لا شك أن تنظيم داعش تنظيم إرهابي يبغي نشر فكره ومنهجه في مصر، ولا شك كذلك في أنه يستهدفنا كمواطنين، أقباطا ومسلمين، بقدر ما يستهدف الدولة، جيشا وشرطة.

كلنا مستهدفون، حياتنا وأطفالنا وجيراننا وممتلكاتنا وكنائسنا وأديرتنا ومساجدنا — كل هذا مستهدف.

وبما أننا مستهدفون فيجب علينا أن نمعن الفكر ونجتهد لمساءلة المسؤولين عن حمايتنا.

إن طرح الأسئلة الصعبة عن العمليات الأمنية والعسكرية، سواء تلك التي تقوم بها الشرطة أو تلك التي يشنها الجيش، ليس تهديدا للدولة وقت محنتها، أو ترفا نتنعّم به بلا مسؤولية، ولا هو حتى حق نتمسك به.

إنه واجب علينا كمواطنين، وسنحاسب أنفسنا وستحكم علينا الأجيال القادمة إن تقاعسنا في ممارسة هذا الواجب المقدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.