جريدة “الوطن” نشرت أمس خبرا جيدا عن الوثائق وعلاقتها بقانون حرية تداول المعلومات.
الخبر كتبه أحمد البهنساوي ويحفل ببعض الأخطاء، ولكني اعتبره جدير بالاهتمام نظرا لتطرقه لهذا الموضوع الهام.
البهنساوي يشرح أنه كتب مقالة بعد زيارة لمكتبة أرشيف الأمن القومي الأمريكي التابع لجامعة جورج تاون بالعاصمة الأمريكية واشنطن. ويبدأ البهنساوي مقاله بالقول: ” «مرحبا بكم فى مقر أرشيف الأمن القومى الأمريكى»، كلمة ترحيب فاجأ بها مسئولو المقر وفد الصحفيين العرب المشاركين فى برنامج الزائر الدولى، ومن بينهم «الوطن»، برعاية وزارة الخارجية الأمريكية، إذ كانت الزيارة المقررة فى جدول البرنامج لجامعة جورج واشنطن، وبمجرد صعودنا لمكتبة الجامعة «مكتبة غالمان» بالدور الثانى فى الجامعة، فوجئنا بكم هائل من المستندات والملفات المكتظة فى أدراج ودواليب بشكل منظم، معنونة بحسب القضايا التى تحوى أسرارها ومستنداتها، فهذا ملف «الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى» وآخر ملف «حرب أكتوبر والمفاوضات مع الرئيس المصرى أنور السادات» وثالث حول «غزو العراق والتحقيق مع صدام»، ورابع حول «الحرب الأمريكية فى فيتنام» وخامس يتناول وثائق «القضية النووية الإيرانية» وغيرها من الوثائق التى تعد شاهداً صامتاً على أحداث جسام مر بها العالم كله منذ منتصف القرن الماضى.”
مقدمة جيدة للمقال، على أن البهنساوي لم يكن دقيقا في توصيفه للأرشيف الذي زاره. فهو ينقل عن لورن هاربر، مسؤولة الاتصالات بالأرشيف، قولها “إن أرشيف الأمن القومى الذى تأسس عام 1985 يعمل من قبل مجموعة من الصحفيين والباحثين للتحقق من رفع منسوب السرية لدى الحكومة، على الجمع بين مهام عديدة منها أنه يعد مركز الصحافة الاستقصائية ومعهد البحوث فى الشئون الدولية ومكتبة وأرشيفاً للوثائق الأمريكية السرية، وهى أكبر مجموعة غير حكومية فى العالم، كما أن الأرشيف يعد مستخدماً رائداً غير ربحى لقانون حرية المعلومات فى الولايات المتحدة، ومكتب محاماة يعمل على توسيع نطاق والدفاع عن حرية الوصول إلى المعلومات الحكومية ومدافعاً عالمياً عن الحكومة التى لا تحجب المعلومات ومفهرساً وناشراً للأسرار السابقة.”
على أن التوصيف الصحيح للأرشيف، كما يعرف نفسه على صفحته على انترنت، هو” مؤسسة بحثية مستقلة غير حكومية مقره جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة. يقوم الأرشيف بجمع ونشر الوثائق الرسمية التي أفرج عنها بواقع قانون حرية تداول المعلومات.”
ولكن وبرغم تلك الهفوات الصغيرة ما زلت أعتقد أن هذا المقال مهم، إذ أنني أحاول منذ فترة طويلة لفت نظر الصحافيين لأهمية الوثائق التاريخية، وأنها لا يجب أن تكون حكرا على الباحثين الأكاديميين. وكان أملي دوما أن يتمكن صحفي أو كاتب مجتهد من الذين تعج بهم مصر من الولوج لدار الوثائق القومية، والاطلاع على كنوزها، واكتشاف أن الوثائق يمكن أن تكون مادة خصبة لمقال ثري وممتع ومفيد في نفس الوقت. ولكن وبما أن دار الوثائق القومية مقفولة في وجه عموم المصريين، فلا بأس أن تقوم بالمهمة مؤسسة أرشيفية أمريكية. فالشكر كل الشكر للبهنساوي على مقاله الذي يتضح منه إدراكه لأهمية الأرشيف له كصحفي.
على أن المهم في الموضوع هو التأكيد على أهمية قانون حرية تداول المعلومات، Freedom of Information Act، والمعروف اختصارا بـ FOIA. هذا القانون، وحسب موقعه الرسمي على انترنت هو” القانون الذي يعطيك معلومات عن الحكومة الفيدرالية. ويعرّف عادة بأنه القانون الذي يُطلع المواطنين عما تقوم به حكومتهم.”
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وبما أن البهنساوي أشار إلى أمثلة عديدة من الوثائق التاريخية التي تتعلق بمنطقتنا، منها مباحثات كيسنجر مع السادات أثناء حرب أكتوبر، والبرنامج النووي الإيراني، والقبض على صدام حسين واستجوابه، إلخ، أحب أن أنوه إلى أنه بالإضافة إلى قانون حرية تداول المعلومات الذي يمكّن المواطنين من إجبار الحكومة على الإفصاح عما بحوزتها من مراسلات ومكاتبات، مع استثناءات محدودة، فإن القوانين الأمريكية الأخرى تلزم الحكومة بالإفصاح بشكل دوري وتلقائي عن الوثائق التي مر عليه أكثر من ثلاثين سنة. هذه الوثائق التاريخية تودع بشكل منتظم ودوري في الأرشيف الوطني الأمريكي
وغني عن البيان أن هذا الأرشيف مفتوح للمواطنين وللأجانب على حد سواء ولا يستدعي أية تصريحات أمنية.
وأضافة إلى كل ما سبق، تقوم بعض الوزارات، وأهمها وزارة الخارجية، بطبع ونشر مختارات من وثائقها (التي أفرج عنها والتي أودعت بالفعل في الأرشيف الوطني) حتى يطلع عليها العدد الأكبر من الجمهور.
ومن أمثلة هذه المطبوعات، سلسلة “السياسة الخارجية للولايات المتحدة” التي يبلغ عدد أجزائها رقما مهولا، والتي تحوي على درر لا تقدر بثمن.
ولا تكتفي وزارة الخارجية بطبع هذه الكتب في مجلدات فخمة، بل تتيحها أيضا على انترنت.
وكنموذج من هذه المطبوعات، أنشر هنا ترجمة لوثيقة تعود لسنة ١٩٦٨ منشورة في سلسلة “السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ١٩٦٤-١٩٦٨” الجزء الحادي والعشرين، المتعلق بالشرق الأدني. الوثيقة تاريخها ١٣ سبتمبر ١٩٦٨، وتتعلق باجتماع دار بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم البريطانيين حول الشرق الأوسط. من ضمن المواضيع التي أثيرت في هذا الاجتماع موضوع صحة الرئيس جمال عبد الناصر المتدهورة.
وإليكم نص الحديث:
“السيد باتل [مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى] تساءل عما إذا كان لدى بريطانيا تقدير عن صحة عبد الناصر. السير دينيس [من الخارجية البريطانية] قال أن المملكة المتحدة تدرس بدقة تقارير طبية مختلفة. والغالب أن عبد الناصر يعاني من السكري الذي وصل لدرجة لا تؤثر فيه الأنسولين. في هذه المرحلة مريض السكري يشعر بإرهاق بسهولة ولا يحتمل مجهودا متواصلا. وإذا صحت هذه التقديرات فإن عبد الناصر لا يمكن علاجه بشكل يوقف التدهور. هذا التدهور بطيء ولا يمكن أن يستمر طويلا، ولكن عبد الناصر في الغالب سيصل لمرحلة لا يمكنه بعدها الاستمرار وسيعتزل الحكم.
رد السيد باتل بالقول إن هذا هو ما نعتقده أيضا. وأضاف إن حالة عبد الناصر تدهورت نتيجة الضغوط العصيبة التي لازمته طوال العام ونصف الماضيين. ونعتقد أن عبد الناصر قد يمكنه العمل لمدة عام أو اثنين، أو حتى لمدة أطول، ولكن الحالة العامة في تدهور. “
ويمكنكم الاطلاع على صورة لمحضر الاجتماع في موقع الوثائق التاريخية للخارجية الأمريكية هنا: