نُشر في “فيسبوك” في ٢٤ سبتمبر ٢٠١٦
ردود الفعل الرسمية وتعليقات الكثير من الصحافيين والكتاب، سواء في الصحف التقليدية أو هنا على صفحات التواصل، على مأساة غرق على الأقل ١٦٢ مصري قدام شواطئ رشيد تنم عن اتجاه يميني، إن ما كانش فاشي.
قرأنا النهار دا وامبارح وأول امبارح تعليقات من نوعية : “دول مهاجرين غير شرعيين، وبالتالي مجرمين ما يستاهلوش الترحم عليهم،” و”الله يرحمهم طبعا إنما هم يستاهلوا ال حصل لهم، وأنا كدافعة ضرائب مش هاوافق لو الدولة دفعت لعائلاتهم أي تعويضات،” و” دول همج، وتصرفهم دا أكبر دليل إن معندهمش مبادئ،”و “أنا كمان اتبسط أوي. جينات معفنة. ك***م. الطبيعة بتصفي الأغبياء،” و”عايز تقنعني انك تقدر تلم 20 او 30 الف جنيه لمركب موت غير شرعي وما تقدرش تشتغل بيهم هنا؟” ومنهم ال قرر إن كل واحد من الشباب دول أكيد “بيّع أمه و للا أبوه اللي وراهم و خدله كام ألف.. و بدل ما حتي يفتح له بيهم كشك.. راح يركب مركب عشان يتسول في دولة أخرى…”. وأخيرا منهم ال قرر يكون إيجابي ويوضح للشباب دول البديل ويقترح عليهم أفكار غير الهجرة: “مشروع زراعة فراولة أورجانيك على السطوح ما بيكلفش أكتر من ٨٠٠٠ جنية وبيجب مكسب ٢٥ ألف جنيه في السيزون الواحد.”
الكتير مننا هيقرأ الكلام دا ويشمأنط منه. لكن الكتير مننا برضه يقرأ الكلام دا ويعجب بيه.
ما فيش جدوى من إنكار إننا كمجتمع منقسم، وانقسامنا أولا خطير، وثانيا ما لوش علاقة بالإسلام السياسي وسؤال الهوية.
أما خطورة الانقسام دا فهو إنه مش إنقسام على حاجات زي: نطبق الشريعة ولا منطبقهاش، أو نستثمر في الطاقة النووية ولا الطاقة المتجددة، أو نفرض ضرايب على أرباح البورصة ولا لأ، أو نتحالف مع السعودية ال عايزة تشيل الأسد ولا مع روسيا ال متمسكة بيه. لا، انقسامنا دا الوقت انقسام بين مواطنين مصريين، شوية منهم متحسرين على موت إخوانهم في الوطن وشوية منهم مش بس مش فارقة معاهم، لكن كمان شمتانين في ال ماتوا ومستمتعين بموتهم.
طبعا دي مش أول مرة يحصل فيها الانقسام دا على الدم. احنا شفنا الاستعداد دا لغض الطرف عن موت أو قتل بدم بارد في رابعة، وماسبيرو، واستاد بورسعيد، واستاد الدفاع الجوي، وعمليات التصفية الممنهجة ال الشرطة بترتكبها في حق مواطنين مصريين، وأحكام الإعدام المتتالية ال المحاكم بتصدرها بوتيرة متسارعة.
ودي برضه مش آخر مرة هيحصل فيها انقسام خطير في المجتمع.
لكن الجديد المرة دي إن اليمين مش بيبرر الموت علشان دي ناس تجرأت وحبت تعترض على الحكومة أو تعبر عن رأيها أو حتى تنفس عن روحها بأنها تتفرج على ماطش كورة. لا، المرة دي اليمين مستكتر على الغلابة محاولتهم تحسين ظروف حياتهم بالهجرة، وشمتان فيهم لما يموتوا وهم بيقوموا بالمحاولة دي.
“استرجل وقاوم و اعرف ان ما فيش مستحيل واصنع مستقبلك اللي ما بيتعملش على دخان الشيشة.” دي لغة اليمين الفجة. ودي لغة اليمين في كل المجتمعات.
أنا أعرف اللغة دي كويس، ومجربها شخصيا. طول سنين عيشتي في الغرب، سواء في أوربا أو في أمريكا، وأنا باسمعها في الخطاب العنصري الموجه لينا كعرب أو مسلمين أو كناس لونن بشرتنا مختلف شوية عن لون بشرة أصحاب اليمين الفاشي. وفي السنتين ال فاتو، وتحديدا بعد ظهور مأساة اللاجئين في البحر المتوسط، شفنا إزاي الخطاب العنصري دا، ال كان ساعات بيتقال باستحياء وفي الغرف المغلقة، بيتقال بعلو الصوت وفي المحافل العامة، لدرجة إنه بقى الخطاب الرسمي للسياسيين ومنهم المرشح الرئيسي لأحد الحزبين الرئيسيين الأمريكيين.
ترامب ومريديه ال بيتعدوا بالملايين بقى يطلع لنا لسانه ويهددنا بخطاب عنصري ويقول لنا، زي لوبن في فرنسا، وجيرت فيلدرز في هولندا، وحزب بيجيدا في ألمانيا: “انتم إيه ال جابكم هنا؟ ما لكمش مكان هنا. أنتم بلداء طمعانين في فلوسنا على أحسن تقدير، أو إرهابيين متطرفين، على أسوأها. في كل الحالات، انتم كان لازم تقعدوا في بيوتكم وتكفوا خيركم شركم.”
كلام السفراء السابقين عندنا، والمدامات القرفانين، والصحفيين اللزقين، وفاعلي الخير المتأففين، عن غرق الشباب قدام رشيد ما يفرقش كتير عن خطاب اليمين الفاشي الأمريكي أو الأوربي. دا الوجه التاني للعملة. الاتنين بيكملوا بعض، أو على رأي بلال فضل، الله يمسيه بالخير، لما كتب يعلق على كاريكاتير أنديل من يومين :”ط**ين في لباس الدنيا.”
طيب والحل؟
الحل صعب وطويل ومش واضح، لكنه أكيد ما بيشملش التهاون مع الخطاب العنصري الفج دا. وبالتالي أول خطوة هي أننا نسمي الأسماء بسمياتها: دا خطاب عنصري، يميني، فج. له علاقة بالوطنية، صحيح، لكن الوطنية المرتبط بيها وطنية شوفينية يمينية فجة، وطنية مش مبنية على فكرة الوطن ال بيسعى لتقديم حياة كريمة للجميع، لكنه مبني على فكرة الوطن ال سلطة الدولة فيه متشظية، وال حياة الناس فيه رخيصة، وال فيه ناس مستعدة تضحي بجيرانها وأصحابها علشان يحفظوا على “هيبة الدولة”.
اليمين المصري، زي عمرو ما قال، يمين أصيل وقديم. لكنه اليومين دول مستقوي بأنصاره في أمريكا وأوربا وروسيا وآسيا، وحاسس إن لحظته التاريخية جات.
والطريقة الوحيدة للتصدي لليمين دا مش بإقناع أصحابه بقدسية الحياة الآدمية وضرورة احترامها، لأنه ببساطة الناس دي حسمت أمرها وقررت ترتب أولياتها بشكل تاني، ترتيب تيجي الحياة الآدمية بعد “هيبة الدولة” بمرحلة أو اتنين، أو عشرة. الطريقة الوحيدة للتصدي لليمين العنصري هو بتقوية اليسار الديمقراطي، والدفاع عن الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، والحق في العمل، والحق في الصحة، والحق في الهجرة، والحق في التعليم، والحق في التعبير، والحق في الإضراب، والحق في التظاهر، والحق في الاجتماع، والحق في التنظيم. وال يعترض على الحقوق دي كحقوق متكاملة مترابطة يبقى يميني معفن يروح يشرب م البحر.