نُشر في “أخبار الأدب” في ١٥ اكتوبر ٢٠١١
في خضم كل الروايات المتضاربة عن أحداث الأحد الدامي الأليمة هناك ثلاث وقائع مؤكدة يجب الوقوف عندها. الأولي هو الموقف المتخاذل والمتواطئ الذي اتخذه محافظ أسوان اللواء مصطفي السيد بعد الاعتداء علي كنيسة الشهيد مار جرجس في الماريناب يوم الجمعة ٣٠ سبتمبر، فالمحافظ أدلي بتصريحات ينفي فيها وجود كنيسة من الأصل ومؤكدا أن ما تم حرقة مضيفة حاول الأقباط إعادة بنائها بشكل غير قانوني. وحتي لو سلمنا بأن ما تم الاعتداء عليه وحرقه كان مجرد مضيفة وليس كنيسة (وهو ما تنفيه المستندات الرسمية) فإن المحافظ تغاضي عن عمليات تهديد وترويع المواطنين الأقباط في القرية التي صاحبت عملية الاعتداء علي دار العبادة. ولمدة عشرة أيام كاملة لم تحرك الحكومة ساكنا أوتفتح تحقيقا في الواقعة أوتنفذ القانون الذي يجرم الاعتداء علي دور العبادة، وهو نفس المنهج المتقاعس والمتواطئ الذي واظبت عليه السلطات منذ مقتل اثنين من المتظاهرين الأقباط علي أيدي قوات الأمن المركزي في حادثة كنيسة العمرانية في نوفمبر الماضي.
[videopress Dl4ivPdI]
الواقعة الثانية هي قيام مدرعات الجيش بدهس المتظاهرين وقتلهم معيدة علينا مشاهد يوم الجمعة ٢٨ يناير المريعة. فقد رأينا بأعيننا فيديوهات عديدة لتلك المدرعات وهي تنطلق بسرعة كبيرة نحو جموع المتظاهرين بل أن تلك المدرعات كانت تعبر الجزيرة التي تفصل الشارع مرات عديدة فيما يبدو أنها محاولات مستميتة ليس فقط لترويع المتظاهرين بل لقتلهم. وبالفعل فإن الروايات الواردة من مشرحة المستشفي القبطي أكدت وجود جثث بدون رأس وأخري بدون أطراف، والأمر هنا لا يستدعي تقرير الطب الشرعي ليوضح سبب الوفاة.
[videopress BWRbC2CK]
الواقعة الثالثة هي التغطية السافلة التي قام بها التليفزيون المصري لتلك الأحداث المريعة، فعلي مدار أربع ساعات متواصلة ظلت القناة الأولي تبث رسائل تؤكد فيها أن المتظاهرين الأقباط هم من اعتدي علي جنود الجيش وتحث المواطنين المسلمين علي النزول للشارع لحماية الجيش. وظل التليفزيون يشير إلي ضحايا الجيش بـ”الشهداء” بينما يصر علي الإشارة إلي ضحايا المتظاهرين الأقباط علي أنهم “قتلي”.تلك لم تكن تغطية إعلامية غير مهنية فحسب؛ إن أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت تغطية إجرامية متواطئة، ولم يقلل من حمقها وبشاعتها ما ادعاه وزير الإعلام أسامة هيكل في إحدي مداخلاته بأنها كانت نتيجة “نرفزة مذيعيين”.
لا أحد يشكك في وجود احتقان طائفي في مصر، وأن مشكلة الأقباط في مصر قديمة ومعقدة. كما لا يمكن التشكيك في أن هذا التوتر الطائفي زادت وتيرته في الأشهر الماضية، فكنيسة الماريناب لم تكن الأولي التي تم حرقها منذ ثورة 25 يناير بل قد سبقها هدم وحرق كنيسة صول بحلوان في مارس وهدم كنيسة إمبابة في مايو.
ولكن الأرواح التي أزهقت يوم الأحد الماضي لم تكن نتيجة اعتداء مسلمين علي مسيحيين أو العكس، بل كانت نتيجة تخاذل محافظ أسوان ومدير الأمن هناك في تقديم المتهمين بهدم كنيسة للعدالة وهو بذلك انتهج منهج الحكومة منذ سنوات طويلة، ذلك المنهج الذي أعطي الضوء الأخضر لمن يريد الاعتداء علي الكنائس. إن بعض ضحايا الأحد الماضي قتلوا ليس نتيجة اعتداء مواطنين من ديانة أخري علي مساكنهم أو علي دور عبادتهم بل قتلوا نتيجة دهس مدرعات الجيش المصري لهم. وعوضا عن نقل الحقائق بصورة أمينة قام التليفزيون المصري بإصباغ بعدا طائفيا مصطنعا علي كل تلك الأحداث المريعة.
تلك الحقائق الثلاث توضح كيف أن التوتر الطائفي له أسبابه العميقة في مصر، ولكنها توضح أيضا وبجلاء مسئولية الحكومة والجيش في إزكاء هذا التوتر الطائفي وكيف أنهما بذلك يهددا أمن واستقرار الوطن.