نُشر في فيسبوك في ٢٠ أغسطس ٢٠١٢
سؤال من ياسر عبد اللطيف: سؤال محيرني يا دكتور: أين كان يتعلم المصريون الطب قبل انشاء قصر العيني؟ والهندسة، خاصة المعمارية قبل انشاء المهندسخانة؟ وهل صحيح، كما أتخيل أن المهنيين في هذين الفرعين كان معظمهم من الأقباط؟
أستاذ ياسر: أنا لست متأكدا من موضوع المهندسين، ولكن ضرورة حصول ممارس أي مهنة، في مصر وغيرها من البلاد، على شهادة تؤهله لممارسة هذه المهنة موضوع حديث جدا، لا يعود لأبعد من أواخر القرن الـ١٨ أو أوائل القرن الـ١٩. أما بخصوص ممارسة الطب قبل إنشاء القصر العيني، فخد عندك كلام كلوت بيك في كتاب “كنوز الصحة ويواقيت المنحة” الذي كتبه للجمهور المصري خاصة و المطبوع عام ١٨٤٤ في بولاق: يجب على من يمارس الطب “أن يكون عارفا بالتشريح … وبفن منافع الأعضاء فيعرف منفعة كل عضو لآن الخالق جل وعلا ما خلق العضو المذكور عبثا بل لمنفعة في الجسم وارتباط له به. وإن لم يكن عارفا بالفنين المذكورين لا يمكنه أن يعرف مجلس المرض ولا معرفة الجزء المصاب من العضو، ومتى كان غير عارف بذلك لا يعرف كيفية فعل الحياة في حال الصحة، وحينئذ لا يمكنه الحكم عليه في حال المرض، وإن ادعى ذلك وأدخل نفسه فيه كان خابطا خبط عشوا. ومن المعلوم أنه منذ فُقد علم التشريح ومنافع الأعضاء في البلاد الشرقية كالديار المصرية وما ماثلها فٌقد الأطباء المهرة، ولا يوجد فيها إلا الدجالون الذين يدعون ما لا يعلمون وما مثلهم في ذلك إلا كمن يفتي في مسئلة في الدين بغير معرفة بين قوم جاهلين يظنون أنه الحق وهو للحق جاهل وعن الصواب بمراحل بل هم مضرون للعالم وكأنهم أعداء لبني آدم فما مثل أحدهم إلا كأعمى بيده سلاح قاطع يهزه بين جملة أشخاص ففي هزته يجرح به جملة من الناس، فقَل من يسلم من ضرره.” هناك الكثير المبهر في هذا الكلام الآتي من الطبيب الفرنسي كلوت بيك، ولكن أكثر ما يبهرني شخصيا (وأود أن أعرف رأيك) هو تلك الأريحية التي ينتقل بها المؤلف ومعه المترجم والمصحح بين الكلام الطبي وبين الاستشهاد بالشعر الجاهلي، فـ”خبط عشوا” مأخوذة من معلقة زهير الشهيرة التي يقول فيها: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب / تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم. والعشواء، كما اكتشفت بالأمس، هي الناقة التي لا تري ليلا، ومنها جاءت كلمة عشوائي. هل لدينا طبيب الآن يمكنه التعبير عن نفسه بلغة بلده بهذه الفصاحة؟