Press "Enter" to skip to content

الشعب الثائر

نشر فى “الشروق” في ١٢ يوليو ٢٠١٣

img-20110930-00090
التحرير، ٣٠ سبتمبر ٢٠١١ (من تصويري)

أعتقد أن من أصعب الدروس التى فرضتها علينا الأحداث الجسام التى شهدتها بلادنا فى العامين ونصف العام الماضيين هى أن ندرك أننا شعب ثائر.

فنحن تربينا على نظريات تقول إننا شعب صبور وخانع، وعلى مدى أجيال قبلنا بالمقولات الطنانة عن عبقرية المكان والمجتمعات النهرية، فإذ بنا نثبت لأنفسنا أننا نكتب تاريخنا بأنفسنا، وأنه بإمكاننا أن نخلع حكامنا إذا لم ينصاعوا لإرادتنا.

هذا الدرس، درس قوتنا الذاتية، ليس من السهل قبوله، ولكن من الممكن، بل من الواجب، استخلاص العبر منه وتحديدا بطرح سؤال أساسى وجوهرى: لماذا ثرنا؟ ومتى تنتهى ثورتنا؟ وبشكل أكثر تحديدا: لماذا ثرنا على رئيس انتخبناه فى انتخابات كانت نفسها نتيجة الجولة الأولى لثورتنا؟

•••

جماعة الإخوان سيطر عليهم الخوف من النظام السابق ولم يدركوا أن شعبا ثائرا لا يمكن أن تحركه حفنة من الفلول. أما المراقبون الغربيون فأخذوا يركزون على الاقتصاد المنهار وطوابير السولار وانقطاع الكهرباء. بالطبع كان للفلول دور فى الإطاحة بمرسى، وبالطبع كان لسوء إدارة الإخوان للاقتصاد أثر على شعور الناس بالتعب والقلق.

ولكن أكثر ما أقلق الناس هو إدراكهم أن حريتهم مهددة. فمسار التحول الديمقراطى معيب من الأساس، والدستور استأثر بكتابته فصيل واحد دون غيره، والرئيس أصدر إعلانا دستوريا حصن به قراراته من أى مساءلة قانونية، والحكومة اجتهدت فى كتابة مشاريع قوانين قلصت من المجال العام، بدءا بقانون تنظيم التظاهر ومرورا بقانون حرية تداول المعلومات، ثم قانون الجمعيات الأهلية، ثم قانون تطهير القضاء.

والرئيس غض النظر عن حصار المحكمة الدستورية، وصمم على عزل النائب العام، وعين آخر محله لم يحظ لا باحترام أعضاء النيابة ولا بثقة الشعب، والنائب العام الجديد حرك الدعاوى الجنائية ضد الثوار وزج بهم فى السجون بينما الإخوان حاولوا التصالح مع فلول النظام السابق من رجال الأعمال وأخذوا يتوددون للشرطة.

•••

إن شعور الناس فى شتى ربوع البلاد بثقتها فى نفسها وبأن وطنها يسرق منها هو ما دفعها للخروج بالملايين لكى تدافع عن حرياتها وتثور على جماعة سرية أثبتت الأيام أنها تسعى للاستئثار بالحكم لا المشاركة فيه. وكانت الرسالة التى أرسلها الشعب للإخوان يوم ٣٠ يونيو واضحة لا لبس فيها: لقد فشلتم فشلا ذريعا فى إدارة البلاد وفى تنفيذ أهم مطلب من مطالب الثورة، الدفاع عن الحرية، لذا عليكم الرحيل.

ولكن فى نفس الوقت الذى أرسل فيه الشعب هذه الرسالة الواضحة للإخوان، رسالة الفشل، أرسل رسالة أخرى للجيش بضرورة التحرك والتعجيل برحيل مرسى. فالتقارير الصحفية تقول إن أعضاء حركة تمرد هم الذين تمسكوا بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قائلين إن لديهم ٢٢ مليون استمارة تطالب بذلك. وعندما انصاع الجيش لإرادة الملايين أمسى حكم الإخوان منتهيا.

المشكلة فى تحرك الجيش لا تكمن فى كيفية توصيف هذا التحرك: هل هو انقلاب عسكرى أم انصياع للثورة، بقدر ما تكمن فى طبيعة الرسالة التى وصلت للإخوان، فعوضا عن رسالة ٣٠ يونيو الواضحة، «لقد فشلنا والشعب رفضنا»، فهمت الجماعة حركة الجيش على أنها ترسل رسالة ثانية ملتبسة، «نحن ظُلمنا وغُدر بنا». وغنى عن البيان أن الرسالتين، رسالة الفشل ورسالة الظلم، مختلفتان فى دلالاتهما وتبعاتهما النفسية والاجتماعية والسياسية.

•••

حركة الجيش كان لها أيضا وقع مهم على الجماهير الثائرة، فالناس التى خرجت بالملايين مطالبة الإخوان بالرحيل ومدركة لقدرتها على الإطاحة برئيس ثان فى عامين رأت الجيش يتصدر المشهد ويأخذ زمام الأمور بيده، فالسيسى يلقى بيانه بينما شباب تمرد فى الخلفية، وطائرات الجيش تعلو التحرير ترسم ألوان العلم وأقواس القزح وقلوبا، وصيحات «مرسى السيسى شلحه» تمتزج بصيحات «مرسى شعبه خلعه».

ومما زاد الأمور التباسا مجزرة الحرس الجمهورى يوم الاثنين. فإضافة إلى الروايات المتضاربة عما حدث، هل الجيش هو من بدأ بالهجوم على المعتصمين أم أنه كان يدافع عن نفسه من هجوم مدبر ومخطط له من قبل، غاب عن كثير من الناس التساؤل عن الأسباب الهيكلية، المؤسسية، التى سمحت لمجزرة بهذه البشاعة أن تحدث.

هذه الأسباب تبدأ من تحديد المسئول عن تسليح الجنود برصاص حى بدل المطاطى، وتمر عبر التساؤل عن طريقة تدريب الجنود على التعامل مع المتظاهرين، ولا تنتهى بمحاولة تحديد المسئول سياسيا عن مثل تلك المجزرة. كما غابت عن كثير من الناس حقيقة أن تلك لم تكن المرة الأولى التى أزهقت فيها الأرواح وسالت فيها الدماء المصرية على يد الجيش، فبدا وقد نسينا أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية.

•••

إن هذا الشعب الثائر الذى استطاع أن يخلع مبارك فى الجولة الأولى من ثورته وأن يطيح بالإخوان فى الجولة الثانية، عليه أن يخضع الجيش لإرادته فى الجولة الثالثة. على المدى القصير يجب علينا المطالبة بتحقيق مستقل فى أحداث الحرس الجمهورى (مع ما صاحبها من أحداث فى المنيل وسيدى جابر وبين السرايات).

أما على المدى الطويل فيجب التمسك بضرورة وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين وإخضاع ميزانية الجيش لرقابة برلمانية وفتح المجال أمام الإتيان بوزير مدنى للدفاع. عندها فقط، أى عندما نخضع الجيش لإرادتنا، سيخلد هذا الشعب الثائر للراحة وسيدرك أن ثورته قد حققت أهدافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.