نُشر في “الشروق” في ٥ يوليو ٢٠١٣
أنا لم أعصر على نفسى ليمونة فى الانتخابات الرئاسية، ولم أنتخب محمد مرسي رئيسا للجمهورية. أنا أبطلت صوتي فى تلك الانتخابات لإدراكي أن مصر تستحق أفضل من كل من مرسي وشفيق. ولكن عندما أعلنت النتيجة فرحت بها لنجاحنا فى إجراء أول انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، واعتبرت أن محمد مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، وفى مناسبات عديدة قلت إن اختلافي معه وعدم ثقتي فيه لا يعنى عدم اعترافي بشرعيته.
ولكن فى يوم ١٨ مايو نزلت للتحرير ووقعت على استمارة «تمرد» المطالبة برحيل محمد مرسي وعدم استكماله لفترة رئاسته. وفى يوم ٣٠ يونيو نزلت مع الملايين للتأكيد على نفس الطلب.
ما الذى وقع بين يونيو ٢٠١٢ ومايو ٢٠١٣ الذى دفعني لتغيير موقفي؟
●●●
عندما فاز محمد مرسي بـ ٥١،٧% فقط من الأصوات كنت أنتظر منه أن يدرك أنه فاز بالفعل بمقعد الرئاسة، وأن شرعيته مؤكدة، صحيح، ولكنها هشة، إذ إن نصف المجتمع لم يصوت له، والكثير ممن صوتوا له فعلوا ذلك ليس اقتناعا به، بل نكاية فى غريمة. وكنت أتوقع منه أن يدرك أن بلده منقسم، وأن يتصرف كأنه رئيس لكل المصريين وليس كزعيم لفصيل واحد منهم. فإذا به ينحاز لجماعة الإخوان المسلمين التى أتى منها، ويؤكد أنهم وحدهم «أهله وعشيرته»، ويعطى الضوء الأخضر لأخونة الدولة بكافة مؤسساتها.
ومع ذلك كان محمد مرسي لا يزال، فى نظري، رئيسا شرعيا للبلاد.
وطوال السنة الأولى من حكمه مع جماعة الإخوان المسلمين كنت أدرك أن الرئيس ورث تركة ثقيلة، من اقتصاد منهار، لقوى ثورة مضادة تعمل على إجهاض الثورة، لمؤسسات عتيدة تعمل ضده. وكنت مدركا أن جماعة الإخوان المسلمين تفتقد مساندة أربع مؤسسات محورية: الإعلام والقضاء والجيش والشرطة. ولاحظت كيف ازداد تململ الإخوان من الإعلام المستقل، موجهين له التهم بأنه ليس مستقلا بل خاضعا لأهواء الفلول. ووصل الأمر لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى، ولتجاهل الرئيس لهذا الحصار. ثم رأيت كيف صممت الحكومة على صياغة قانون جديد للجمعيات الأهلية فاق بقمعه قوانين مبارك. ثم اشتركتُ أنا مع مجموعة من زملائى أعضاء منظمات المجتمع الأهلي فى صياغة قانون جديد لحرية تداول المعلومات، فإذ بنا نرى وزارة العدل وقد أصدرت مسودة سيئة لا ترقى لما كنا نتطلع إليه.
ومع ذلك كان محمد مرسي لا يزال، فى نظري، رئيسا شرعيا للبلاد.
●●●
ثم رأيت كيف تحول محمد مرسى مع جماعة الإخوان للهجوم على القضاء. وكدراس للقضاء المصرى فأنا أقدر ما لهذه المؤسسة من تراث عظيم جدير بالاحترام، ولكنى مدرك أيضا أن هذه المؤسسة، مثلها مثل الكثير من مؤسساتنا، قد أصابها الكثير من الخلل والفساد وعدم الانضباط أثناء سنوات مبارك المظلمة. وكنت أرى أن هذه المؤسسة يجب أن تصلح من حالها، ولكنى ما كنت أتوقع أن يأتى الإصلاح بالطريقة التى اتبعها الرئيس وجماعته، حينما عصفوا بهذه المؤسسة بعزلهم للنائب العام، وتعيينهم لآخر محله لا يحظى بثقة المجتمع، ولصياغتهم قانون للسلطة القضائية يعزل أكثر من ثلاثة آلاف قاض، ولحصارهم للمحكمة الدستورية. أما ثالثة الأثافى فكان الإعلان الدستورى المشئوم الذى وضع به الرئيس نفسه فوق القانون، والذى اعترف فى حديثة للجاردين الأسبوع الماضى أنه لم يكن له يد فيه وأنه لم يكن إجراء موفق.
ومع ذلك كان محمد مرسي لا يزال، فى نظري، رئيسا شرعيا للبلاد.
●●●
ما دعاني للتمرد على محمد مرسي وعدم اعتباره رئيسا شرعيا لى هو تقاعسه فى تحقيق أهداف الثورة. وتحديدا عدم التصدي للجيش وللشرطة. نحن ثرنا لكى نخضع الجيش لرقابة شعبية ممثله فى البرلمان، فإذ بدستور الإخوان يكرس الوضع المميز للجيش، ويسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، ويعفى الجيش من إخضاع ميزانيته لرقابة برلمانية، ويقفل الباب أمام إمكانية الإتيان بوزير مدنى للدفاع. أما فى موضوع إصلاح الشرطة فحدث ولا حرج، فالرئيس أعرض عن كل مبادرة جادة لإصلاح الداخلية، وغض الطرف عن الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان الذى ما زال رجال الشرطة يرتكبونها، ولم يضع حدا للبيئة التشريعية والتنظيمية التى سمحت للتعذيب أن يستشري فى أقسام الشرطة.
الدكتور محمد مرسي يتحدث عن الشرعية، وهو يقصد بذلك شرعية صندوق الاقتراع. ولكن الذهاب لصندوق الاقتراع، من باب الأصل، تحقق فقط نتيجة ثورتنا. هذه الثورة لم تقم فقط لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تأتى بوجوه ولاعبين جدد. فعندما شاركتُ أنا فى الثورة مع غيرى من المصريين كان غرضى تغيير قواعد اللعبة وليس تغيير اللاعبين. ولكن عندما أيقنت أن د. مرسى ليس فى نيته تغيير تلك القواعد بل كان يقصد اللعب بحسب نفس القواعد السابقة، وعندما أدركت أن أولوياته هى الانقضاض على القضاء والإعلام لا تطهير الداخلية وإخضاع الجيش لرقابة مجتمعية، عندها لم يعد محمد مرسي رئيسا شرعيا، بل حاكم نسى أو تناسى أن هناك ثورة أوصلته لمركزه، ولذا أصبح من الضرورى الخروج عليه حتى تستكمل الثورة أهدافها.