نُشر في فيسبوك في ٢٢ مارس ٢٠١٢
أسباب دعوتي لمقاطعة الجامعة الألمانية بالقاهرة وامتناعي عن حضور مؤتمر “وسط البلد” المزمع عقده يومي 24 و 25 مارس 2012، في الجامعة:
أنا أؤمن أن الجامعة، أي جامعة، يجب أن تكون مكانًا مفتوحًا يمارس فيه الجميع حقهم في التعبير عن رأيهم دون تهديد أو إرهاب، ولا يجب أن تقتصر ممارسة هذا الحق على مكان أو زمان محدد. إن توفير مناخ فكري وأكاديمي صحي في الجامعة مشترط بتمسك الجامعة بشكل واضح بمبادئ الحرية الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير.
ولكن أحداث الأسابيع الماضية التي وقعت في الجامعة الألمانية بالقاهرة والأسلوب الذي انتهجته إدارة الجامعة في التعامل مع هذه الأحداث يثبت أن إدارة الجامعة فشلت في توفير بيئة مناسبة للحرية الأكاديمية في حرم الجامعة واتخذت قرارات تنم عن عدم درايتها بقيمة الحرية الأكاديمية ومعناها.
فبعد أن قام بعض الطلاب بالهتاف ضد العسكر يوم 18 فبراير في حفل أقيم لتأبين الطالب كريم خزام الذي لقى مصرعه في استاد بور سعيد يوم 1 فبراير، وبعد أن عرضوا فيلما لـ”عسكر كاذبون” يندد بممارسات المجلس العسكري وسياساته، قررت الجامعة معاقبة بعض الطلاب المشاركين في الاحتفال.
ففي يوم 22 فبراير عقد “مجلس التأديب” جلسة قرر فيها توجيه إنذار بالفصل للطالبين عمرو محمد عبد الوهاب محمد وحسن عثمان علي عثمان زيكو “فى حالة تكرار القيام بالإخلال بالنظام داخل الجامعة أو المشاركة فى أى أعمال شغب داخلها”. كما قرر المجلس فصل الطلاب: أحمد حسن أحمد محمد ومصطفى عيسى وعبد الحميد أبو زيد عبد الحميد لمدة أسبوعين.
وفي يوم 28 فبراير عقد “مجلس الجامعة” جلسة قرر فيها فصل الطالبين عمرو عبد الوهاب وحسن زيكو فصلا نهائيا نظير “عدم التزامهما و تجاوزهما لحدود اللياقة والأدب في التعامل داخل الجامعة مما يتنافي مع الآداب العامة والسلوك القويم والقيم الجامعية”.
وبعد أن تقدم هذان الطالبان، عمرو عبد الوهاب وحسن زيكو، بالتظلم من قرار فصلهما، عقد “مجلس التأديب الأعلى” جلسة يوم 15 مارس قرر فيها الاكتفاء بفصلهما لمدة أسبوعين نتيجة “تأكيدهما على كامل تقديرهما واحترامهما للجامعة …. واعتذارهما عما بدر عنهما بما قد يفهم منه الإساءة لأي من أعضاء هيئة التدريس… وتعهدهما بالالتزام بكافة القواعد المنظمة لحرية التعبير وإبداء الرأي في الأماكن التي سبق وتم تخصيصها من قبل إدارة الجامعة لذلك”.
وفي يوم 17 مارس أرسل رئيس الجامعة، أ.د. محمود هاشم عبد القادر، خطابات للطلاب الموقع في حقهم تلك العقوبات يخطرهم فيها بقرار مجلس التأديب الأعلى الذي أقر عقوبة الفصل لمدة أسبوعين (نفذا بالفعل) في حق الطالبين: أحمد حسن أحمد محمد وعبد الحميد أبو زيد عبد الحميد، وتخفيض عقوبة الفصل النهائي لفصل لمدة أسبوعين في حق الطالبين: عمرو عبد الوهاب وحسن زيكو.
وفي خطاباته لهؤلاء الطلاب أكد رئيس الجامعة على “حرص الجامعة على مصلحة ومستقبل أبنائها الطلاب مع ضرورة تظافر كافة الأطراف للعمل على ترسيخ مبدأ الاحترام المتبادل بين هيئة التدريس والطلاب دون الإخلال بحق هيئة التدريس في الإجلال الواجب من الطلاب وحق الطلاب في تواصل عطاء هيئة التدريس الغير محدود”.
وأخيرا، عقد مجلس أمناء الجامعة اجتماعا يوم 17 مارس أصدر بعده بيانا أكد فيه أن الجامعة تشجع الطلبة على المشاركة الفعّالة في العملية التعليمية، ولهذا فهي تدعم تكوين اتحاد طلابي عن طريق الانتخاب الحر. وواجب هذا الاتحاد هو الاهتمام بالاحتياجات التعليمية والثقافية والرياضية والاجتماعية للطلبة”.
كما أكد بيان مجلس الأمناء على أن ” الجامعة محراب للعلم و البحث العلمى والتعليم والثقافة ، فهي مكان لتبادل الآراء وليس للمنازعات السياسية.”
وقد يبدو من خطاب رئيس الجامعة ومن بيان مجلس الأمناء أن الجامعة تراجعت عن موقفها وأن الطلاب المفصولين قد أعيدوا للجامعة وأن المشكلة بالتالي قد تم حلها بشكل يرضي جميع الأطراف. إلا أن القراءة المتأنية للوقائع والمستندات توضح كيف أنه في سبيل إيجاد مخرج لتلك الأزمة، قد تمت التضحية بمدأ حرية الرأي، وهو الأمر الذي يدفعني للاعتراض على قرارات إدارة الجامعة، وذك للأسباب التالية:
1. خطاب رئيس الجامعة للطلبة المفصولين لم يذكر حق الطلبة في الاعتصام والتظاهر.
2. الخطاب لم يذكر أيضا حق الطلبة في التعبير عن آرائهم بحرية دون تضييق أو تهديد.
3. الخطاب لم يذكر واجب الجامعة في توفير مناخ يسمح بتبادل الرأي داخل حرم الجامعة.
4. الخطاب لم يذكر أيضا ضرورة التمسك بمبدأ الحرية الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير.
5. أرى أن رئيس الجامعة قد جانبه الصواب عند تأكيده على “ضرورة تظافر كافة الأطراف للعمل على ترسيخ مبدأ الاحترام المتبادل بين هيئة التدريس والطلاب دون الإخلال بحق هيئة التدريس في الإجلال الواجب من الطلاب وحق الطلاب في تواصل عطاء هيئة التدريس الغير محدود”. فمن أين أتى رئيس الجامعة بمبدأ إجلال هيئة التدريس؟ ومن الذي يحدد ماهية هذا الإجلال ومحتواه؟ ولماذا لم يؤكد في خطابه على ضرورة إجلال الطلاب؟
6. أرى أيضا أن رئيس الجامعة أخطأ عندما استخدم لغة أبوية عند مخاطبة الطلاب وتحديدا عندما أشار إلى “حرص الجامعة على مستقبل أبنائها الطلاب”؟ فالجامعة ليست أبا أو أما. الجامعة مؤسسة يجب أن تلتزم بقوانين ومعايير وأحكام. الجامعة عليها التزامات تجاه الطلاب الملتحقين بها، أهمها إعلاء قيمة الحرية الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير داخل الحرم الجامعي.
7. إن خطاب رئيس الجامعة الموجه للطالب عمرو محمد عبد الوهاب محمد فيها تعد على الحقيقة. فلم يثبت أن الطالب قدم اعتذرا عما بدر منه، وبالتالي فإن ما يدعيه رئيس الجامعة هو محض افتراء يقصد به حفظ ماء الوجه.
8. إن خطابات رئيس الجامعة الموجهة للطلاب المفصولية والمؤرخة بتاريخ 17 مارس تنم عن جهل عميق بمبدأ حرية الرأي في الجامعة، فبتأكيده على “ضرورة الالتزام بكافة القواعد المنظمة لحرية التعبير وإبداء الرأي في الأماكن التي سبق وتم تخصيصها من قبل إدارة الجامعة لذلك” فهو يعترف ضمنا بأن هناك أماكن في الجامعة مسموح فيها بممارسة حرية الرأي، وأخرى غير مسموح فيها بممارسة هذا الحق. فهل يحق للطلاب مثلا أن يعبروا عن آرائهم بحرية ودون تهديد أو إرهاب داخل الفصول، أما خارجها فممنوعون من ذلك؟ وماذا عن المكتبة؟ أو الحدائق؟ أو المعامل؟ أو مكاتب الإدارة؟ أو دورات المياة؟
9. أما بخصوص قرار مجلس التأديب الأعلى فمن المهم التأكيد على أن قرارات الفصل الممتظلم منها لم تلغ، بل جري تخفيفها من الفصل النهائي إلى الفصل لمدة أسبوعين. أما قرارات الفصل الصادرة أصلا لمدة أسبوعين فقد نفذت بالفعل. وبالتالي فإن هذه العقوبة، أي عقوبة الفصل، سوف تظل مثبتة في سجل كل طالب من هؤلاء الطلبة الأربعة.
10. إن بيان مجلس الأمناء الصادر يوم 17 مارس أغفل حقا أساسيا لاتحاد الطلبة، وهذا الحق المسكوت عنه، في رأيي، هو مربط الفرس. فالبيان يؤكد على أن الجامعة ” تدعم تكوين اتحاد طلابي عن طريق الانتخاب الحر. وواجب هذا الاتحاد هو الاهتمام بالاحتياجات التعليمية والثقافية والرياضية والاجتماعية للطلبة وكذلك تمثيل مطالبهم فيما يخص سياسات الجامعة.” وتعمد البيان عدم النص على أن من ضمن اهتمامات الاتحاد الاحتياجات السياسية للطلبة، وهو مطلب أساسي من مطالب الطلاب، فهم يصرون على أن من حقهم أن يكون لديهم اتحاد طلبة يعنى بالتثقيف السياسي داخل حرم الجامعة. وأنا أوافق الطلاب بشدة في مطلبهم هذا وأرى أن عدم السماح لاتحاد الطلبة أن يرعى الأنشطة السياسية للطلاب فيه تعسف كبير وإنكار لحق الطلاب الأصيل في ممارسة العمل السياسي داخل الجامعة.
لهذه الأسباب كلها قررت التمسك بموقفي في عدم حضور المؤتمر وفي مقاطعة كافة أنشطة الجامعة الألمانية حتى يتأكد لدي بشكل واضح احترامها لطلابها ولمبدأ حرية الرأي والتعبير.