نُشر في “أخبار الأدب” في ٢٠ نوفمبر ٢٠١١
منذ أسابيع قليلة قام وزير النقل بافتتاح محطة مصر بعد عمليات تجديد تكلفت ١٧٠ مليون جنيه. وقد حفلت وسائل الإعلام المختلفة بهذا الحدث ونقلت عن الوزير اعتزازه بالجهد الذي بذل في المحطة وافتخاره بأن القاهرة أصبح لديها الآن محطة قطار تضاهي أحسن المحطات في أوروبا. وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت بالعديد من الآراء التي عبر فيها أصحابها عن إعجابهم بالتطوير الذي أدخل على المحطة.
على أنني فجعت بما شاهدته في المحطة بعد التطوير، فما تم فيها يعتبر جريمة معمارية بحق وانتهاكا لقانون ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦ في شأن الحفاظ على التراث المعماري. أنا لست ضد تطوير المحطة أو إدخال تعديلات عليها، كما أنني لست بالطبع ضد تحسين الخدمات للمسافرين والمترددين على المحطة سواء عند شبابيك التذاكر أو أرصفة القطارات أو استحداث أماكن تجارية للتسوق أو الأكل والشرب أو ترميم المبنى نفسه وخاصة البهو الرئيسي.
ولكن ما تم في المحطة تعدى ذلك بكثير إذ قامت الشركة المنفذة بتغطية جدران المحطة من الداخل بجدار آخر زجاجي (غالبا للمساعدة على تكييف الهواء في المحطة)، كما استبدلت أرصفة رخامية ملساء بالأرضية الأصلية للمحطة. ثم قامت بإقامة أعمدة بلاستيكية خاوية ذات طراز فرعوني في كافة أنحاء المحطة.
وكان من نتيجة كل ذلك أن طمس الطراز النيو-مملوكي الذي بنيت به المحطة، وجرى استعواضه بطراز يبدو فرعونيا ولكنه أقرب بطرز صالات القمار في لاس فيجاس أو مولات مدن الخليج الزجاجية.
ومن المؤكد أن وزير النقل وأصحاب الشركة المنفذة وغيرهم ممن تباهى بعملية التجديد تلك لا يدركون أهمية وفرادة المبنى الذين قاموا بتشويهه بدعوى التطوير والتجديد. فالمبنى الأصلى الذي ضاعت معالمه وسط البلاستيك المذهب والأعمدة الخاوية مبنى فريد ذو تاريخ جليل، وقد أنشئ عام ١٨٩٣ أي قبل ما يزيد على مائة عام وقام بالإشراف على بناء واجهته المعماري الإنجليزي إدوين باتسي.
ولم يكن اختيار الطراز المملوكي اعتباطيا بل كان انعكاسا لسياسة عامة انتهجتها الدولة وأعضاء الأسرة الحاكمة آنذاك بتفضيل هذا الطراز والاستغناء عن الطراز العثماني الذي كان مفضلا من قبل. ولذلك رأينا عدة مباني تقام في القاهرة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العرشين وقد بنيت على هذا الطراز المملوكي (أو الذي نسميه مجازا “الإسلامي”)، ومن هذه المباني سبيل كتاب باب الحديد المطل على محطة مصر (١٨٧٠، وبناه المعماري الإيطالي جينو بانتانيللي)، ومبنى دار الكتب (١٩٠٤، وبناه المعماري الإيطالي ألفونصو مانيسكالو) ومبنى وزارة الأوقاف (١٨٩٨ و ١٩١١، وبناه المعماري المصري محمود فهمي)، وغيرها.
إن الطراز المعماري الأصلي لمحطة مصر، إذن، يعبر عن لحظة تاريخية هامة في تاريخ مصر ، ولم يكن يحق لمشروع تطوير المحطة أن يطمسه بدعوى مواكبة محطات أوربا، فنحن كنا سباقين للكثير من بلدان أوربا عندما بنينا هذه المحطة وعندما اخترنا لها طابعا معماريا إسلاميا.
إن ما تم في محطة مصر يذكرني بخطاب كان قد كتبه كلوت بك، الطبيب الفرنسي الذي أشرف على الخدمات الصحية في مصر في القرن التاسع عشر. فعندما أصدر أوامر بطلاء المباني في القاهرة بالجير الأبيض حفاظا على الصحة العامة وعندما وصلته أخبار بأن الأهالي، إظهارا منهم للغيرة والحماسة، قاموا بطلاء المباني من الداخل أيضا وزادوا بطلاء جدران الجوامع الأثرية من الداخل طامسين بذلك الزخارف والنقوشات، أرسل لهم خطابا موبخا ومستهزئا قال لهم فيه إنهم مثل من قام بطلاء الذهب بالفضة. هذا بالضبط ما تم في محطة مصر.
شكرا علي هذا الشرح التفصيلي للمبني من الداخل والخارج لانني لم اري اي مدونة او كتاب يشرح تصميم مبني محطة مصر وكنت اود معرفة تفاصيله المعمارية .