Press "Enter" to skip to content

محمد الشاهد وعالمه الجميل

نُشر في فيسبوك في ٨ مارس ٢٠١٣

لقد تساءلت كثيرا ما الذي يبهرني في صور محمد الشاهد؟ أهي موضوعاتها، أم تكوينها، أم ألوانها، أم شخوصها؟ أتذكر جيدا المرة الأولى التي اطلعت فيها على ألبوماته على فيسبوك، وأخذت أتصفح مئات الصور من الهند سلردينيا لمدن أوربية ومصرية عديدة. كنت وقتها أعرف محمد لمدة تزيد عن أربع سنوات، ولكن فجأة تبين لي وأنا أتصفح هذه الصور أنني اكتشفه من جديد، إذ بدت لي أبعاد متعددة من شخصيته
لم أكن قد لمستها فيه بهذا الوضوح، وأخذت أراجع نفسي، كيف لم أنتبه من قبل لهذا الجمال وهذا الإحساس المرهف وتلك الإنسانية المتدفقة ؟
وأخذت أعاتب نفسي أنني كأستاذ له في الجامعة لم أعطه الفرصة لكي يعلمني، أو ربما أنني لم أعط نفسي الفرصة لأنصت له. محمد متحدث لبق، ولديه القدرة على أن ينقل لك في محاضراته الأكاديمية شغفه بموضوعات تخصصه وحبه لعمله، ولكني أرى أن قدرته على التعبير بالصور فريدة بحق، وتستدعي التأمل والدراسة. ذهبت مرة مع محمد في جولة من جولاته القاهرية، تلك الجولات التي يكتشف فيها المدينة (فهو اسكندراني الأصل، شب وترعرع في الخليج ثم ذهب لنيوجيرسي حيث درس في الجامعة)، وأظن أنه وجد ضالته في القاهرة.
كنا نمشي في شارع حسن الأكبر بعابدين وفجأة استوقفه شارع جانبي يبدو للسائر شارعا عاديا ولكن محمد رأى يافطة قديمة معلقة على أحد الجدران ، وفجأة أخرج كاميرته، وهي كاميرا صغيرة مثل التليفون المحمول لا يمكن أن تعد كونها كاميرا محترف، وأخذ يلتقط صورا. في نهاية اليوم، وبعد عودتني للبيت وعند تصفحي لصفحته على الفيسبوك، رأيت الصور. الصور غير ممنتجة، هي كما ألتقطها، لا تعديل من cropping أو editing. وأخذت أتعجب: كيف رأى هذا الجمال؟ وكيف ترجمه في صوره بهذه السلاسة؟ فهو لم يتوقف حتى عن الحديث عندما ألتقط هذه الصور، وكأن هذا الجمال واضح وباين.
صور محمد الشاهد عن القاهرة تقدم لك مدينة غير تلك الموجودة في جوجل، وبالطبع غير تلك الصور الرثة المطبوعة على الملصقات السياحية وعلى البوستكارت. القاهرة تبدو جميلة ليس فقط بمبانيها المتسخة وأشجارها المحلوقة وإعلاناتها الباهتة وكراكيب عفش قهواتها وشبابيك محلاتها الخالية. إنها مدينة جميلة بسكانها دون الانزلاق لرؤية رومانسية عن هؤلاء السكان. البيوت دافئة، مسكونة، حية. والناس تعبانة صحيح، ولكنهم يحيون بلطف ومودة واعتزاز. المشاهد فيها قدر من السخرية، ولكن دون استهزاء. سخرية من الحياة ولكن احتضان لها في نفس الوقت.
تشعر أن المصور مقبل على هذه الحياة، بتوجس، طبعا، ولكن بتودد أيضا. تحركه بعض مشاعر القلق على المدينة والغضب من القائمين عليها والامتعاض من بعض سكانها لما يحدثوه فيها من تشوهات وجروح، ولكنه متفائل بقدر ما، لديه الثقة في قدرة هذه المدينة على الصمود والحياة. صور محمد الشاهد دافئة، فيها من الحميمية والتلقائية ما يجعلك تحب الحياة وتطمئن إليها.

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.