Press "Enter" to skip to content

الحق فى المعلومات أم حجب المعلومات؟

نُشر في “الشروق” في ١٠ مايو ٢٠١٣

فى مؤتمر صحفى عُقد يوم الخميس من الأسبوع الماضى أعلن المستشار وائل الرفاعى، مساعد وزير العدل لشئون حقوق الإنسان، انتهاء وزارة العدل من إعداد مشروع قانون سمته «الحق فى المعلومات». وقد وصف المستشار الرفاعى القانون بأنه كان «حلما يراودنا ليحقق أهداف الثورة احتراما لحق الإنسان فى المعرفة». وكأحد أعضاء فريق المجتمع المدنى الذى ناقش مسودات مشروع القانون على مدار عامين كاملين أقول إن المشروع فى صيغته الحالية جاء مخيبا للآمال، مكرسا لقيم الرقابة والسرية، ومعرقلا لجهود الثورة فى انتزاع الحق فى المعرفة. 

المستشار الرفاعى يقول إن مشروع القانون «يهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد وتشجيع الاستثمارات والبحث العلمي». وأضاف أن مشروع القانون «وضع نصا صريحا يؤكد أن الشعب هو من يملك المعلومات، ويضمن للمواطن المعلومة بطريقة سهلة بمجرد طلبه». وبالفعل، فإن المادة 2 تقول إن «المعلومات ملك للشعب، وتكفل الدولة للجميع الحق فى الحصول عليها». كما تُخضع المادة 3 «السلطات العامة والوزارات وأجهزة الدولة الإدارية والهيئات العامة وسائر الأشخاص الاعتبارية العامة» للقانون، وتجبرها فى المادة 4 على «تدوين جميع أعمالها وتسجيلها.. والاحتفاظ بمستنداتها وصيانتها، والقيام بتصنيفها وفهرستها على النحو وبالوسيلة التى تتيح الوصول إلى المعلومات فى فترة زمنية معقولة». ويتيح القانون لأى مواطن التقدم لأى من الجهات العامة المخاطبة فى القانون لكى يطلب منها معلومات عن طبيعة عملها، سواء تلك المعلومات التى يتعين على الجهة الإعلان عنها بشكل دورى وتلقائى، أو تلك التى لم تفصح عنها بعد. وتوضح المادة 6 أنه «لا يجوز إلزام طالب الحصول على المعلومات أو الاطلاع عليها بإبداء مبررات طلبه»، كما تنص المادة 7 على أن للجهات الخاضعة للقانون أن تتقاضى مقابلا للحصول على المعلومات، ولكن فى حدود تكلفة الصورة المطلوبة.

ولتفعيل الهدف المرجو من القانون ينشئ القانون مجلسا باسم المجلس القومى للمعلومات يعمل على «وضع سياسات تحقق قيم الشفافية ونشر وإتاحة المعلومات ومتابعة تنفيذها». كما يحتم القانون على «الجهات الخاضعة لأحكامه أن تعهد إلى موظف أو أكثر بتطبيق أحكامه يسمى بمفوض المعلومات، ويخضع مفوضو المعلومات ومعاونيهم للإشراف الفنى من قبل المجلس القومى للمعلومات». ويفرد القانون فصلا كاملا للعقوبات التى ستقع على أى من مفوضى المعلومات إذا امتنع عن تقديم المعلومات المطلوبة، وكذلك العقوبات التى تقع على «كل من قام بإتلاف السجلات أو الوثائق.. أو قام بسرقتها أو بإخفائها بقصد حجب المعلومات عن صاحب الحق فيها».

•••

إلى هنا ويبدو أن هذا المشروع بقانون، إذا صدر بالفعل من مجلس الشورى، سيحقق ثورة على العقلية المهيمنة على منظومة المعلومات فى مصر، تلك العقلية التى تعتبر حجب المعلومة قاعدة عامة، وترى أن إتاحتها استثناء ومِنة تَمِنّ بها الدولة على المواطنين. فأين إذن موطن الخلل فى مشروع القانون؟ ولم الاعتراض عليه؟

هناك العديد من المواد التى تصيب هذا المشروع بقانون فى مقتل، وهناك مواد أخرى تتعارض بشكل صارخ مع الأهداف المرجوة منه. كما تجاهل مشروع القانون العديد من الاقتراحات والصياغات التى قدمتها مجموعة المجتمع المدنى التى بذلت مجهودا جبارا على مدى أربعة وعشرين شهرا كاملة والتى كانت قد أعدت بالفعل مشروعا أفضل من ذلك الذى صاغته وزارة العدل بكثير.

•••

ولشرح مكمن الخلل فى هذا المشروع بقانون ولتوضيح الصورة لمن يهمه الأمر أسرد هنا أهم مشاكل القانون فى صياغته الحالية.

أولا، تعمد مشروع القانون عدم تعريف مصطلح الأمن القومى وهو المصطلح المطاط الذى طالما وقف عقبة أمام الإفصاح عن المعلومات والذى أشارت إليه المادة 33 عندما أجازت رفض طلب الإفصاح عن المعلومة إذا كان هذا الإفصاح سيعرض «الأمن القومي» للخطر. وكنت قد كتبت هنا من قبل عن كيف وصل التوسع فى تعريف الأمن القومى قدرا أتاح للسلطات الأمنية أن تعتبر الإفصاح عن عدد علب السردين المعروضة فى السوق خطرا يهدد الأمن القومي! وكانت مجموعة المجتمع المدنى قد قدمت اقتراحا آخر يقصر مصطلح الأمن القومى على الشئون العسكرية، منها وعلى سبيل المثال لا الحصر «الخطط الحربية، والعمليات الحربية، وحالة الاستعداد والقدرة العملياتية للوحدات العسكرية»، على أن وزارة العدل لم تأخذ بهذا الاقتراح.

ثانيا، استثنى مشروع القانون كلا من جهاز المخابرات العامة والمخابرات العسكرية من الخضوع للقانون. وكان موقف مجموعة المجتمع المدنى المبدئى هو ألا تُستثنى جهات برمتها بل يجوز أن تُستثنى بعض وثائق ومكاتبات ومعلومات تتعلق بهذه الجهات. فجهازا المخابرات، العامة والعسكرية، يضطلعان بأعمال كثيرة لا تتعلق بالأمن القومى (أيا كان تعريفنا لهذا المصطلح)، ولهما أنشطة اقتصادية مثل إدارة فنادق ومطاعم ومستشفيات ونواد وشركات لا يجب أن تتمتع بالسرية، وهو ما أكد عليه المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المكزى للمحاسبات، فى تصريح له مؤخرا عندما استنكر محاولات إضفاء الحماية والسرية والضبابية على عمل هذين الجهازين بدعوى أن عملهما سرى.

ثالثا، انتقص مشروع القانون من الاستقلالية التى يجب أن يتمتع بها المجلس القومى للمعلومات، وحوله، عمليا، إلى جهاز تابع للسلطة التنفيذية وهى السلطة التى يفترض أن يكون المجلس رقيبا عليها. فرئيس مجلس إدارة المجلس القومى للمعلومات يعينه رئيس الجمهورية، وهو يقدم تقريره السنوى لرئيس الجمهورية، وأغلب أعضاء المجلس أعضاء فى السلطة التنفيذية أو خاضعين لها.

رابعا، الطريقة التى ابتدعها مشروع القانون لكيفية تلقى طلبات الحصول على المعلومات وإتاحتها طريقة غير فعالة عمليا. فمشروع القانون ينص على أن الإدارات الحكومية ستعين مفوضى معلومات وتعهد لهم بمهمة تلقى الطلبات والرد عليها، على أن يكونوا خاضعين للإشراف الفنى للمجلس. وبما أن المجلس فاقد لاستقلاليته عن الجهاز الإدارى للدولة فلنا أن نتخيل الوضع الحرج الذى سيجد فيه مفوض المعلومات نفسه عندما تُطلب منه معلومة قد تحرج مديره. فمثلا كيف سيتصرف مفوض معلومات وزارة الداخلية إذا استلم استفسارا عن عدد المعتقلين فى مصر؟ وكان المشروع الذى تقدمت به مجموعة المجتمع المدنى قد اقترحت إنشاء جهاز آخر بالإضافة إلى المجلس القومى للمعلومات، سميناه مفوضية المعلومات، واقترحنا أن تكون المفوضية مستقلة استقلالا كاملا، يقترح مجلس النواب رئيسها، ويقدم رئيسها تقريره لمجلس النواب، ويخضع لها مفوضو المعلومات. وكان الغرض من هذه الصياغة تعزيز موقف مفوض المعلومات إذ أنه وقتها سيكون مسئولا، وإن بشكل غير مباشر، أمام البرلمان وليس أمام السلطة التنفيذية التى يُفترض أنه يراقبها. ولكن هذا الاقتراح، على أهميته ووجهاته، لم يؤخذ به.

خامسا، سمح مشروع القانون لجهازى المخابرات، العامة والعسكرية، لمضاعفة فترة حجب المعلومات الحساسة من خمسة وعشرين لخمسين سنة، وهو ما يعتبر تهديدا خطيرا للحق فى معرفة تاريخنا الحديث.

هذه هى أهم الأسباب، وليس كلها، التى حدت بى وبزملائى أعضاء مجموعة المجتمع المدنى لرفض مشروع قانون الحق فى المعلومات الذى تقدمت به وزارة العدل، إذ أننا نعتبره، وعلى عكس ما يوحى به عنوانه، حجر عثرة فى وجه المطالب المشروعة للحق فى المعلومات وتكريسا لثقافة الحجب والمنع المهيمنة على منظومة المعلومات فى مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.