Press "Enter" to skip to content

تيران وصنافير مش زي زيلع والمكسيك

نُشر في “فيسبوك” في ٢٦ مارس ٢٠١٦

لسّه مخلّص فرجة على فيديو جلسة المحاضرات ال عملتها هيئة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة في يوليو ال فات علشان تلقن الضباط إن تيران وصنافير سعودية مش مصرية.

وزي ناس كتيرة تانية، أنا مش مصدق مستوى لي الحقائق وخلط الأوراق والطرمخة ال في المحاضرات، ولا مصدق البجاحة (ما أقدرش أوصفها بلفظ تاني) ال الدولة بمؤسستها بتفرط بيها في التراب الوطني وبستهون بتضحيات شهدائنا وجرحانا في الدفاع عن الجزيرتين.

أنا من أول ما الموضوع دا انفجر في وشنا في ابريل ال فات وأنا مقرر إني ما أتكلمش فيه اعتمادا على الوثائق، لسبب بسيط وهو إني ما اطلعتش على الوثائق دي. وفي نفس الوقت شايف إن الكتير من زمايلي المؤرخين، وأهمهم د. صبري العدل، ومعاهم المحامي الكبير أ. خالد علي، قاموا بالدور دا على أكمل وجه وأثبتوا بالاستعانة بعشرات الوثائق مصرية الجزيرتين.

أنا تركيزي من الأول كان على النواحي التاريخية: مصر قامت بأعمال سيادة عديدة على الجزيرتين، وأهم عمل من أعمال السيادة دي هو الدفاع عنها باستخدام السلاح، يعني الجيش. وفي حرب ١٩٦٧ تحديدا سالت دماء مصرية دفاعا عن الجزيرتين دول، وكتبت يوم ١٢ ابريل مقال عن النقطة دي تحديدا.

ولحد النهار دا مصاب بالذهول إن الجيش هو أول من فرط في الجزيرتين في حين إنه أكتر مؤسسة ضحت في الدفاع عنهم.

ال استوقفني في جلسة التلقين هي كلمة د. جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية تربية عين شمس، وتحديدا الفكرة ال ختم بيها محاضرته (من أول ٦:٤٦). فردا على الكلام ال الناس بتردده والتساؤلات ال الناس بتطرحها بخصوص الدماء ال سالت في الدفاع عن الجزيرتين د. جمال قال :”دم الجندي المصري الزكي، ودم قياداتنا، سال في أراضي كتيرة جدا دفاعا عن الأمن القومي المصري. فانت لو طالبت بمقتضى هذه المشاعر فانت ممكن تطلع تدور على المكسيك، انت دمك سال هناك، على المورة، على نوارين البحرية، مديرية خط الاستواء، بلاد الشام كلها، المملكة العربية السعودية، زيلع، وبربرة، وكسلا، وغيره. احنا لينا تاريخ، الجيش العظيم له تاريخ في الحروب ومقاومة العدوان على مصر. لكن هذا الدم لا يؤسس حقوق تاريخية.”

والحقيقة أنا محتار أبدأ منين في الرد على كم المغالطات الهائل في الكلام دا. وبالتالي هركّز على النقطة الأساسية المهمة: تيران وصنافير مش زي زيلع والمكسيك.

صحيح حكام مصر على مدار تاريخها الحديث، وتحديدا في القرن الـ١٩، بعتوا قوات للقتال في المورة (اليونان)، والشام، وكسلا وزيلع وبربرة في السودان، والحجاز (مش المملكة العربية السعودية زي ما د. جمال قال، لإن المملكة ما أتأسستش إلا سنة ١٩٣٢)، ودي كلها حروب خاضها محمد على واستعان فيها بفلاحين وصعايدة من مصر. وفي سنة ١٨٦٣ قرر الوالي سعيد باشا إنه يبعت حوالي ٤٥٠ جندي من مصر والسودان لمساعدة صديقة، نابليون التالت، في حربه ضد المكسيك.

لكن مساواة حروبنا في سينا وعلى جزيرتي تيران وصنافير في الخمسينات والستينات بالحروب ال حكام مصر خاضوها في القرن الـ١٩ فيه مغالطة كبيرة ممكن تيجي من مذيعة تليفزيون أو مدرّسة ابتدائي لكن ما تجيش من “قيمة وقامة” زي د. جمال شقرة على حسب وصف اللواء أركان حرب محمد حافظ الهواري.

أنا قضيت سنين طويلة أدرس تاريخ الجيش المصري وقت محمد علي، الجيش ال حارب في المورة والشام والسودان والحجاز. وباستخدام وثائق الجيش دا نفسه وصلت لنتيجة إن الجيش دا مش ممكن يتوصف بإنه جيش وطني بيحارب للدفاع عن أمن مصر القومي، على حسب إدعاءا د. جمال. أنا تتبعت أحوال الفلاحين ال اتجندوا في الجيش دا، وقريت تقارير المحاكمات العسكرية ال سجلت كلامهم، ومن التقارير دي ومن وثائق تانية كتير تأكدت إن الجنود دول ما كانش ليهم أي علاقة بالحروب ال لقوا نفسهم بيحاربوا فيها. دي حروب ما كانش ليهم فيها لا ناقة ولا جمل. وكانوا فاهمين كويس إن دي حروب الباشا، مش حروبهم، وإن معاناتهم ال ملهاش مثيل (دا جيل من الفلاحين دخل الجيش وما خرجش إلا بعد ١٥ أو ٢٠ سنة) ما وراهاش إلا عظمة افندينا وسعادة ولي النعم.

واذا كان دا حال جيش محمد علي فالوضع كان أسوأ بكتير في حروب سعيد باشا ال المصريين ضحوا بحياتهم فيها علشان خاطر امبراطور فرنسا، مش حتى علشان سواد عيون سعيد باشا (الحولة، بالمناسبة).

كلام د. جمال شقرة معناه إن علاقة الجنود المصريين ال دافعوا عن سينا تشبه علاقة جنود الأورطة المصرية/السودانية ال حاربت في المكسيك. ومعناه كمان إن حروب محمد على ومن بعده حفيده الخديوي اسماعيل في مديرية خط الاستواء، زيها زي حروبنا في سينا ضد إسرائيل، كان غرضها الدفاع عن الأمن القومي المصري.

دا كلام خطير جدا، وفي تقديري غلط من ساسه لراسه.

بالرغم من إن الجيش مانع عننا الوثائق وحارمنا من حقنا في دراسة تاريخنا وتاريخ أهالينا ال حاربوا ضد إسرائيل، فأنا مقتنع بعمق إن عشرات الآلاف من جنودنا ال حاربوا في ٤٨ و٥٦ و٦٧ و٧٣ كانوا مقتنعين بالفعل إنهم بيدافعوا عن أرضهم، وعن بلدهم، وعن شرفهم، وعن ولادهم ، وإن دا شيء يميزهم بشدة عن أجدادهم في القرن الـ١٩ ال لقوا نفسهم بيحاربوا في بلاد غريبة وفي حروب غريبة ولأغراض غريبة.

لو في تشابه بين الجيشين دول، جيش الباشا في القرن الـ١٩ والجيش المصري في حروبه ضد إسرائيل، فهو إن الجنود دول مغبونين ومهضوم حقهم. في القرن الـ١٩ لقوا نفسهم مجبرين على التضحية بأغلى ما عندهم، حياتهم وشبابهم، علشان يحققوا رغبات الوالي، وفي القرن العشرين لقوا نفسهم بيدافعوا بإيمان عن أرضهم وشرفهم علشان الجيش ال خدموا فيه يفرط بعد كدا في تضحياتهم وبيقول لهم: “سوري، احنا كنا غلطانين. دي مش أرضنا ولا دي حقوقنا، وانتوا الحقيقة متم فطيس.”

ولكن الموضوع ممكن يكون أبسط من كدا بكتثير، فزي ما الأستاذ مكرم محمد أحمد قال في حديثه على قناة صدى البلد الأسبوع ال فات، الموضوع برمته مالوش علاقة لا بوثائق ولا بمواثيق. الموضوع في النهاية إكرامية من الرئيس السيسي للملك سلمان . بالمعنى دا يبقى فعلا د. جمال شقرة عنده حق إنه يربط بين سعيد باشا ال كان حابب يراضي صاحبه نابليون التالت ويبعتله شوية فلاحين يحاربوا له في المكسيك وبين السيسي ال حابب يراضي صاحبه الملك سلمان ويفرط في تضحيات جنودنا ال ماتوا دفاعا عن تيران وصنافير.

Blog Stats

  • 783٬829 hits

One Comment

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.